الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التلاعب السياسي عبر الأدلجة التضليلية للأزمة 1-2

حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)

2022 / 10 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


تمهيد
تُسلط هذه الدراسة الضوء على دور الأدلجة التضليلية (ideologization) في ممارسة التلاعب السياسي داخل الدول و خارجها ، خصوصاً خلال الأزمات . و المقصود بالأدلجة التضليلية هي كل محاولة لإضفاء الشرعية على فعل أو وضع سياسي سلبي عبر فبركة الأكاذيب بصدده للتأثير على الوعي الجماهيري و التلاعب به باصطناع "الوعي المزيف" حسب ماركس (مثل تصوير الكيان الارهابي الصهيوني المقاومة الفلسطينية المشروعة بموجب القانون الدولي ضد المحتل الصهيوني الارهابي بـ "الارهابيين" ؛ أو تصوير ماكنة الاعلام الامبريالية احتلال العراق وتدمير بناه التحتية وقتل وتشريد 15 مليوناً من مواطنيه بـ "عملية تحرير العراق"). أما أساليب التلاعب السياسي فتشتمل على استخدام تكتيكات توجيه اللوم والإدانة للآخر ، وفرض الإكراه والعقاب ، وفبركة الاتهامات ، والتهديد بالحرب ، وبث المعلومات الخاطئة ، والإغواء ، وتوجيه الإهانات ، و تشتيت الانتباه . ويعتمد التحليل في هذه الدراسة على تطبيقات النظرية النقدية للخطاب (Critical Discourse Analysis) التي تركز على التحقق من كيفية إنشاء علاقات القوة المجتمعية وتعزيزها من خلال استخدام وسائل الاعلام الجماهيري للغة . و تجمع هذه النظرية بين نقد الخطاب وشرح كيفية تمظهره داخل الواقع الاجتماعي الامبريالي القائم ومساهمته في صنعه وادامته كأساس للعمل لتغيير هذا الواقع الموجود . وتستخدم الدراسة عينة بحثية واسعة تشتمل على كافة الازمات التي حصلت في العالم خلال عام 2020 .
ولابد من الاشارة هنا الى دلالات مصطلحات "الأيديولوجيا" و "الأدلجة" و "الأدلجة التضليلية" التي يمكن أن تستخدم على نحو ملبس أو تضليلي لإقصاء الآخر .
استناداً الى دائرة المعارف البريطانية ، فإن الأيديولوجيا (ideology) هي أي "شكل من أشكال الفلسفة الاجتماعية أو السياسية الذي تكون فيه عناصره العملية بارزة مثل عناصره النظرية ؛ أي إنه نظام الأفكار الذي يطمح إلى شرح العالم وتغييره" .
ومن الواضح من هذا التعريف الدقيق ، أن مصطلح الأيديولوجيا بحد ذاته هو حيادي المعنى ، أي أنه خال من التلاوين الايجابية أو السلبية . طيب ، كيف إذن يمكن أن يكتسب هذا المصطلح المحايد تلاوينه السلبية أو الايجابية ؟ إجرائياً ، لما كانت الأيديولوجيا هي ذلك النظام الذي يشتمل على عناصر نظرية و تطبيقية في آن واحد ، لذا فإن الايجابيات و/أو السلبيات التي يفرزها التطبيق العملي للنظرية المعينة هي المعيار الأوحد للحكم على تلك الأيديولوجيا سلباً أو ايجاباً عبر اضافة الصفة التعريفية المميزة لها ، مثل الأيديولوجيا الفاشية-اللبرالية ، نظراً لأن التطبيقات المشهودة خلال القرن الواحد و العشرين قد أثبتت على نحو قاطع و غير قابل للإنكار البتة بكون الفاشية انما هي الوجه الآخر للأيديولوجيا اللبرالية لتميّز كليهما بنفس المميزات : التعنصر والوحدة بين المؤسسات الفكرية ومعها وسائل الاعلام الضخمة و المؤثرة من جهة و الاحزاب السياسية المهيمنة على السلطة من جهة اخرى ، والهوس بالسلطة مع التصدي للممانعين ضدها ، و كذلك الشمولية الفكرية التي تحكم بالإعدام على كل فكر مضاد . و يتمثل التعنصر اللبرالي-الفاشي حالياً بموقف الغرب عموما من المهاجرين الى دوله من بلدان أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية ؛ فيما يتمثل اتحاد المؤسسات الفكرية و وسائل الاعلام الكبرى مع الاحزاب السياسية الكبرى بمؤازرة "شبكة الديمقراطي الجديد" و "سي أن أن" للحزب الديمقراطي الامريكي ، مثلاً . كما يتمثل الهوس بالسلطة والتصدي للممانعين ضدها بمحاولة ترامب الخاسر في الانتخابات الرئاسية التشبث بمنصب الرئاسة و قمع مناصريه ممن احتلوا بناية الكابيتول . أما الشمولية الفكرية فتتمثل – على سبيل المثال لا الحصر - بالتحويل الأيديولوجي المضلل لمفردة "الشيوعية" الى تهمة دامغة تكفي للإعدام السياسي لمستقبل معتنقيها في الواقع السياسي القائم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية القرن العشرين و إلى اليوم و حتى المستقبل .
ومنذ صياغته عام 1797 من طرف الفرنسي "دي تراسي" للتعبير عن "علم الأفكار" ، فقد عانى مصطلح الأيديولوجيا من التحولات الدلالية العديدة و الحادة أحياناً سلباً وايجاباً ، يذكر منها الناقد الأدبي الماركسي الفذ: "تيري ايغلتن" (1991) ما يلي :
1. عملية إنتاج المعاني والعلامات والقيم في الحياة الاجتماعية ؛
2. مجموعة من الأفكار المميزة لمجموعة أو فئة اجتماعية معينة ؛
3. الأفكار الساندة لشرعية القوة السياسية المهيمنة ؛
4. الأفكار الكاذبة التي تساعد على شرعية قوة سياسية مهيمنة ؛
5. الاتصالات المشوهة بشكل منهجي ؛
6. الأفكار التي تقدم موقعًا لشخص ما ؛
7. أشكال التفكير التي تحركها الاهتمامات الاجتماعية ؛
8. التفكير بالهوية ؛
9. الوهم الضروري اجتماعياً ؛
10. ظروف الخطاب والسلطة ؛
11. الوسط الذي يفهم فيه الفاعلون الاجتماعيون الواعون عالمهم ؛
12. مجموعات المعتقدات العملية المنحى ؛
13. الخلط بين الواقع اللغوي والظاهري ؛
14. الانغلاق السيميائي ؛
15. الوسيلة التي لا غنى عنها والتي يعيش فيها الأفراد علاقاتهم مع البنية الاجتماعية ؛
16. العملية التي تحول الحياة الاجتماعية إلى واقع طبيعي .

مع ذلك ، يبقى استخدام هذا المصطلح بمعناه الحيادي الذي اقتبسناه سابقاً من دائرة المعارف البريطانية هو الأعلى تردداً في الأدبيات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .
و هناك استخدام مغرض يتردد عند بعض كتاب و معلقي "الحوار المتمدن" الأغر لمفردتي "الأدلجة" و "المؤَدْلَج" من طرف مَن يؤمن بالأيديولوجيا سين ، ضد من يؤمن بالأيديولوجيا صاد ، دون الانتباه الى حقيقة كون سين هو مؤدلج أصلاً ، و إن تعييره لغيره بما فيه هو الاثبات النصي القاطع على تأدلج سين نفسه . مثل هذا الاستخدام يقع ضمن إطار الأيديولوجيا المضللة ، و هو ينفي نفسه بنفسه .
أما الأدلجة التضليلية فأساسها تلفيق الوقائع و الحقائق و اخفاؤها أو لويها لتحقيق أهداف سياسية مغرضة .
و الآن الى نص الدراسة
"إيلينا ف. بيلجون (2022)
المجلة الدورية "الحوكمة و السياسة" ، السنة 2020 ، المجلد 1 ، العدد 2 ، ص 30-43
الملخص
إن إلأدلجة التضليلية للأزمات - باعتبارها إحدى أدوات التلاعب السياسي - تلعب دورًا رائدًا في إعادة بناء الواقع ، ولها الإمكانات القوية للتأثير على الوعي الجماهيري . هذه الأدلجة التضليلية تجعل التلاعب بالرأي العام واقعاً متاحاً ، لتؤثر على السلوك والقرارات السياسية للمتلقي بغية جني المكاسب السياسية لصالح الفاعل . ويمارس الفاعلون السيطرة على توازن القيم في المجتمع سواء داخل بلدهم أو في الخارج باستخدام مجموعة من التكتيكات – تلك الأدوات الخاصة التي تسمح بالتأثير في صنع القرار السياسي والرأي العام لتضليل الوعي الجماهيري. إن آلية إلأدلجة التضليلية للأزمات ظاهرة منتشرة على نطاق واسع في العلاقات الدولية الحديثة.
في هذا البحث ، يقدم المؤلف تصنيفًا لأدوات التلاعب بالاعتماد على دراسة حالات الأزمات الفعلية باعتماد أسلوب التحليل النقدي للخطاب ، ويشخص تكتيكات إضفاء الشرعية على أفعال الفاعلين السياسيين ، وممارسة توجيه اللوم والإدانة للآخر ، وفرض الإكراه والعقاب ، وفبركة الاتهامات ، والتهديد بالحرب ، وبث المعلومات الخاطئة ، والإغواء ، وتوجيه الإهانات ، و تشتيت الانتباه . الهدف من هذا المقال هو وصف آليات التلاعب السياسي من خلال ممارسة الأدلجة التضليلية للأزمة. وتستند الدراسة إلى منشورات وسائل الإعلام المعبرة عن أزمات مختلفة ظهرت في العالم في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي خلال عام 2020 وما يليه .
من شأن العلاقات بين البلدان ، والأزمات الناشئة ، والتغييرات الدراماتيكية في السياسات الخارجية للدول ، وأحيانًا عدم اليقين الكامل في المجال الدولي أن تجذب دائمًا الانتباه ليس فقط بين أوساط الخبراء الدوليين ، ولكن أيضًا بين الناس العاديين من جميع أنحاء العالم . و يتولى فريق الخبراء الأول محاولة دراسة أزمات التجارب التاريخية القائمة والتنبؤ بسيناريوهاتها المحتملة ، بينما يقوم الناس العاديون بتقييم الأحداث ضمن اختصاصاتهم . مع ذلك ، فأن كلا هذين الطرفين وغيرهما يصبحان أهدافًا للتلاعب السياسي. و المقصود بالتلاعب السياسي – حسب ف. ج. دورمانوف - هو ذلك النظام من أساليب التأثير النفسي على الجماهير الذي يستخدمه الفاعلون السياسيون بغية الخداع السياسي ، و زق الأفكار الوهمية حول الحياة السياسية في أذهان البشر .
ويرتبط التلاعب السياسي دائمًا بالتأثير الذي يخلقه بث المعلومات ، وهذا أمر ممكن لأن المعلومات السياسية الفعلية تبقى صندوقا أسود مغلقاً عمومًا بوجه الوصول المباشر للخبراء وللجمهور. و الغرض من هذا النوع من التلاعب هو الحصول على القوة والاحتفاظ بها وممارستها. فمن ناحية ، يمكن لآليات التلاعب السياسي أن تحث الهدف على اتخاذ إجراءات معينة تصب في صالح موضوع التلاعب السياسي ، أو تصحيح المواقف الأيديولوجية للمتلقين أو تغييرها جذريًاً (بما في ذلك التحييد الكامل). و من ناحية أخرى ، يمكن استخدام التلاعب السياسي لضمان الاستقرار السياسي في الدول واتحادات التكامل الاقتصادي . ويمكن تنفيذ التلاعب مباشرة من قبل الفاعلين السياسيين من خلال تلاعبهم بالبيانات والخطب ، وكذلك عبر أقنية وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.
يتجلى التلاعب السياسي بشكل فعّال في حالات الأزمات لأن حل قضايا الأزمات الحادة يؤثر على رفاهية وتطور جميع مجالات الحياة في بلد معين ، وهذا الحل يتطلب الاستجابة الفورية من طرف السلطات. و تنجم الأزمات عن أسباب اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو بيئية أو تكون من صنع الإنسان . وهي يمكن أن تنشأ داخل البلد الواحد ، أو بين البلدان التي تغذيها قوى خارجية. وتؤدي الأزمات إلى ظهور التحولات الجيوسياسية ، وإعادة التوزيع للموارد والأقاليم ، والتغيير في الأساليب والنُهُج وطرق التفاعل بين الدول والمنظمات الدولية ، وما إلى ذلك. وفي خضم معالجة الأزمات ، يواجه السياسيون والأحزاب الارتفاعات والانخفاضات في تصنيفاتهم الاجتماعية-السياسية . ولا يمكن تجاوز الأزمات إلا بجهود السلطات الرسمية. وفي الوقت نفسه ، فإن تصرفات الدولة تتم في ظل ظروف المنافسة الدولية الشديدة ، وبالتالي تصبح الأزمات ذريعة للتلاعب لتحقيق المصالح الوطنية. وتجدر الإشارة إلى أن التلاعب في العلاقات الدولية يتم من خلال آليات الضغط على صانع القرار والتأثير على الرأي العام . هذه الآليات تعمل في وقت واحد وتستخدم للتأثير على المتلقين داخل بلدانهم وخارجها. و للقيام بذلك ، يتم إضفاء طابع التضليل الأيديولوجي على الأزمة بمساعدة التكتيكات المتلاعبة التي تسمح بتنفيذ الأهداف وممارسة السيطرة على توازن القيم المجتمعية المستهدفة .
ويتم التعبير عبر نشاط الطرف الفاعل عبر مجموعة من التكتيكات للضغط مباشرة على السلطات أو أولئك الذين يتخذون القرارات السياسية في المجتمع. أساس هذا التأثير هو أزمات التضخم والبطالة والضرائب وغيرها من مشاكل الاقتصاد والأمن العام والسياسة الخارجية والمحلية والعلاقات الدولية والرعاية الصحية والبيئة والتطور العلمي والتكنولوجي وما إلى ذلك. و ترتبط تكتيكات التزييف الايديولوجي حيال هذه الأزمات ارتباطًا وثيقًا بالتواصل الاجتماعي الذي يسمح للرأي العام بتوليد تصور للأزمة في ضوء تلك التكتيكات لصالح الطرف الفاعل . وبالتالي ، تصبح ممارسة الأدلجة التضليلية للأزمة لتنفيذ التلاعب السياسي هي الستراتيجية الملائمة للتفاعل الدولي. وهذه الأدلجة التضليلية للأزمة تجعل من الممكن حصر المتلقي في وضع التبعية لهذا التضليل وللتلاعب بالسلوك والقرارات السياسية والرأي العام في المجتمع ، إلخ.
أن الغرض من هذا المقال هو تحليل آليات التأثير التي يستخدمها الفاعلون خدمة لمصالحهم الخاصة في التفاعل الدولي. و تعتمد الدراسة على الأساليب العلمية العامة والخاصة بما في ذلك التحليل النقدي للخطاب . وهي تستخدم كعينة في البحث حالات الأزمات التي نشبت خلال حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي للفترة من 2020 إلى الوقت الحاضر كمواد توضيحية . وقد تم اختيار الحالات بأسلوب أخذ العينات المستمر في التقارير الإخبارية. فخلال عام 2020 ، تم تحديد حصول 95 أزمة اجتماعية وسياسية (نزاعات مسلحة) في العالم ، تركز معظمها في إفريقيا - 38 حالة ، تليها آسيا - 25 حالة ، والشرق الأوسط - 12 حالة ، وأوروبا وأمريكا اللاتينية - 10 حالات لكل منها. "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل