الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا-الجزء الثامن

بسام العيسمي

2006 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


معوقاتها.. وشروط الانتقال إليها
( الديمقراطية والحقوق المدنية والسياسية )

أشرنا فيما سبق إن الديمقراطية هي الأسلوب الراقي والمتمدن والإنساني لتقرير سياسة وأهداف المجتمع عبر مساهمة ومشاركة الجميع أفراداً وجماعات في التعبير عن آرائهم وتصوراتهم ومصالحهم وميولهم عبر المؤسسات المختلفة وهيئات المجتمع المدني، بتكويناته المتنوعة والمتعددة التي ينشطون فيها .
حيث يعيش الفرد عضواً في جماعة أو تجمعات مختلفة تعكس اهتمامات وأهداف القائمين عليها والمنتسبين إليها حيث تُتخذ القرارات فيها لمصلحة التجمع ككل بما يخدم الغاية التي وجد من أجلها هذا التجمع أو ذاك وهذا ما يسمى بالقرار الجماعي الذي يتكون بالتوافق النسبي بين جميع الأعضاء في أن يكون لكل عضو حقوقاً متساوية مع الآخرين في المشاركة وإبداء الرأي الصريح والتعبير عن القناعات والدفاع عنها.
ومن هنا تأتي أهمية ضمان الحقوق المدنية والسياسية للمواطن إذ لا يمكن له المشاركة في نقاش أو عمل سياسي أو فكري أو الاجهار والإفصاح عن قناعاته دون أن يكون متمتعاً بالحماية من عسف الاعتقال أو الإبعاد أو النفي والتشريد حيث ورد في المادة الأولى للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام1966.
( ... تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه. وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها دون تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً كان أو غير سياسي، أو الأصل القومي، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب ).
وتشمل الحقوق المدنية والسياسية حق الحياة والأمان الشخصي، ومنع التعذيب أو الاعتقال الكيفي وحرية الفكر والدين والعقيدة والضمير، وحرية الكلام والاجتماع، وحق المشاركة في الشؤون العامة، والحق في محاكمة عادلة والتحرر من العمل الإلزامي.... إلخ وهناك كثيراً من المعاهدات والاتفاقيات الإقليمية التي تكفل هذه الحقوق مثل الاتفاقية الأمريكية والاتفاقية الأوربية حول حقوق الإنسان والشرعة الإفريقية والميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي ورد في المادة / الرابعة والعشرون منه .
لكل مواطن الحق في :
1- حرية الممارسة السياسية .
2- المشاركة في إدارة الشؤون العامة إمّا مباشرة أو بواسطة ممثلين يُختارون بحرية .
3- ترشيح نفسه أو اختيار من يمثله بطريقة حره ونزيهة وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين بحيث تضمن التعبير الحر عن إرادة المواطن.
4- أن تتاح له على قدم المساواة مع الجميع فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده على أساس تكافؤ الفرص.
5- حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين والانضمام إليها .
6- حرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية .
7- ....................
وكون الدولة هي التجمع الأكبر والأكثر شمولية بما تملكه من صلاحيات واختصاصات في تنظيم شؤون المجتمع. وتلبية حاجات الناس وسن القوانين والتشريعات المختلفة وتقرير السياسات المالية والضريبية والتنموية والاقتصادية مما تكتسب الديمقراطية على مستوى نظام الحكم في الدولة أهمية استثنائية في إدارة وتنظيم الإرادات والخيارات المجتمعية اختلافاً وائتلافاً وتوفير مناخ التفاعل السلمي والثري بينها للوصول إلى التوافقات النسبية .
التي تحقق الحد الأدنى من المصالح المشتركة لجميع أبناء الوطن .
فالديمقراطية على مستوى الدولة تضيق وتتسع حسب الآلية الناظمة لعلاقة السلطة بشرائح المجتمع المختلفة وتكويناته المتعددة وفعالياته المتنوعة هل هي آليات تعليبية تجبر الإفراد على إتباع رأي واحد وعقيدة واحدة عبر تحكّمها القسري بمجمل النشاطات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وفرض وصايتها على المجتمع لجعله بلون واحد وبعد واحد ؟؟
دون اعتبار لرأي الأفراد ورؤاهم وميولهم ومصالحهم من خلال تغييب حقوقهم المدنية والسياسية؟ ومنعهم والتضييق عليهم في أن يحملوا الأفكار والقناعات التي يؤمنون بها؟ وتغييب حقهم في نقد ومراقبة ممارسات الحكومة كون الديمقراطية تسمح للشعب مراقبة حكومته وانتقادها وتصويب سياساتها والإشارة إلى مواطن الخطأ والفساد فيها أي ما يسمى (مبدأ الرقابة الشعبية) دون خوف من ملاحقة أو تضيق أو اعتقال.
وفي ظل غياب الديمقراطية في الأنظمة الشمولية يتم استبدال مبدأ الرقابة الشعبية الذي يعمل من الأدنى إلى الأعلى ويحل محله ( مبدأ الرقابة السلطوية) والذي يعمل من الأعلى إلى الأدنى ليوفر للسلطة أو للنظام مراقبة الأفراد من خلال عيون العسس وبعض المنتفعين والمتنفّعين ولمن يجرؤ على المجاهرة برأيه وقناعاته. أو من يجازف ويشير إلى مواطن الخلل والضعف. وبذلك تنقلب المعادلة فبدل من أن تكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب. فيصبح الشعب مسؤولاً أمام الحكومة لا مهمة له إلا تقديم فروض الطاعة العمياء، والولاء غير المشروط والمديح والتسبيح باسمها، والتحدث بنعمتها، وتقديس شعاراتها، والتغني بمآثرها، والتحدث بعطاءاتها وحكمتها وصوابية مواقفها.
وبالتالي يتم إبعاد الأشخاص عن مسؤولياتهم المفترضة وتغريب وعيهم ونشاطاتهم عن معايشة واقع المجتمع وشروط تقدمه ونهضته. واستبداله بوعي هلامي أبطاله نخبة تتقن الانتهاز وثقافة التبرير وتستطيع أن تلعب على كل الحبال لتحقيق مصالحها ومكاسبها الرخيصة من خلال قبولها للتدجين والارتزاق والتعيش فهي دائماً مستعدة للهتاف والتصفيق على الطالع والنازل وابتداع كلمات الإطناب والإعجاب والإطراء لمدح تلك الأنظمة وإعطائها الدور الملهم والإست ثنائي الذي لا يأتيه الباطل أبداً .
فهؤلاء ليسوا إلا نتاج لأنظمة غير ديمقراطية تكّم الأفواه وتقيّد الحريات وتُقصي المجتمع عن دائرة المشاركة السياسية في صنع القرارات العامة وتنظر إلى أفراده كأشخاص تابعين غير راشدين أو قادرين على النهوض بمسؤولياتهم في توجيه حياتهم الخاصة وبالتالي غير مؤهلين للمشاركة في رسم السياسة العامة للبلد.
فبمقدار ما تُتاح للناس فرصة التعبير عن آرائهم وميولهم ومصالحهم ومعتقداتهم ومن المشاركة السياسية في توجيه السياسات العامة للبلد.
بمقدار ما تكون السلطة السياسية تنتج سياسات تعبّر عن مصالح الناس وطموحاتهم.
فالديمقراطية لا تُعني أن تنظر الحكومة لمصالح الناس بالتساوي فقط بل أن تنظر بالتساوي أيضاً لآرائهم ومعتقداتهم وتوجّهاتهم وتصوّراتهم ومقترحاتهم من خلال النقاش المكشوف والإقرار بالاختلاف في الرأي والمصالح والتعبير عنها والإصغاء إليها وتأمين المناخات الصحية لتفاعلها وتصارعها السلمي الذي يُتيح أفضل الحلول والقرارات التي تحقق مصلحة الجميع .
فالتعبير عن الرأي والاختلاف لا يمكن أن يتم بدون تمكين الناس من الحريات المدنية والسياسية وضمان حرية التعبير والاجتماع على أرضية الاختلاف والائتلاف في الحجة والدليل والبرهان .
بهذه الآليات يمكن تقييد سلطة الدولة ويبدأ الرأي العام بالتّكون من القاعدة متلمساً وعاكساً لمصالح الناس وميولهم وطموحاتهم ولا يولد من الأعلى أو يُفرض عبر آليات قهرية وتلقينية تجبر أفراد المجتمع تبني قناعات بعينها وقبولهم الأعمى بها كما هي بآلية استبدادية لا تقبل المناقشة أو المراجعة أو التصويب فلا يمكن للفرد أن يكون قادراً على إبداء رأيه وإظهار معتقداته دون أن يتمتع بالحماية القانونية والفعلية من الاعتقال والاحتجاز والسجن والطرد من الوظيفة وغيرها من إجراءات التضييق وكيل الاتهامات الظالمة جزافاً وسوء المعاملة.
فالسلطة وظيفة وممارسة هي في الحقل السياسي الذي هو حق الاختلاف وتنوع وجهات النظر واختلاف البرامج بين القوى السياسية المتعددة التي تتسابق فيما بينها للدعوة إلى برامجها وإثبات صوابية رؤاها وانتهاج السياسات التي تُعبر عن مصالح وأمال وطموحات الناس كمدخلاً لكسب التأييد الشعبي لها والفوز بالصوت الانتخابي الذي يوصلها إلى سدة الحكم من خلال صندوق الاقتراع .
ومن يصل إلى السلطة لا يمتلك الحق بملاحقة خصومه السياسيين أو الأقلية السياسية التي لم يحالفها الحظ للفوز في الانتخابات.
والشرط الأهم في الديمقراطية هو الحفاظ على مصالح وميول الأقلية وتمكينها من النشاط والعمل لخدمة برامجها وأهدافها وطروحاتها وتحالفاتها والمنافسة الفكرية النزيهة والسلمية مع القوى الأخرى في نطاق الحوار الحر الذي تؤمنه وترعاه وتحرص عليه مؤسسات دستورية تصون الحقوق والحريات والمعتقدات.
والديمقراطية تعني استيعاب الآخر والاستماع إليه وكل من يدعي صوابية الرأي دون الآخرين فانه سيصل إلى محاربة الرأي الآخر ومصادرته بالوسائل التي يتمكن منها لإجبار الناس على ما يعتقده صواباً دون الآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس