الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظل آخر للمدينة60

محمود شقير

2022 / 10 / 25
الادب والفن


لم يعد التنقل بين القدس ورام الله مأموناً.
أدركت ذلك، ذات ليلة من ليالي الخريف، بعد العودة إلى الوطن. كنت عائداً بسيارتي من مدينة رام الله ومعي اثنان من المبعدين العائدين هما نعيم الأشهب ووليد مصطفى، وكان الوقت منتصف الليل تقريباً. أوصلت "وليد" إلى بيت أهله في قرية قلندية الواقعة قرب المطار، غير بعيد عن شارع القدس - رام الله، وأوصلت "نعيم" إلى منزله في حي شعفاط، ثم أكملت رحلتي إلى جبل المكبر. حينما اقتربت من التلة الفرنسية، جابهني حشد يزيد عن خمسة عشر فتى وفتاة من أبناء وبنات الحي الاستيطاني المجاور، وراحوا يقذفونني بالحجارة، فاضطررت تحت وقع المفاجأة، وتوقياً من الحجارة المتطايرة من حولي، إلى الانعطاف يميناً، واعتقدت أنني أستطيع الذهاب من هناك إلى القدس الغربية، ثم أعود عبر طريق تل بيوت الشرقية إلى بيتي.
حينما دخلت الشارع المؤدي إلى القدس الغربية، وجدتني أجتاز بحراً من الشابات الإسرائيليات والشباب الذين جاءوا يحتفلون بعيد يوم الغفران، وكنت العربي الوحيد الذي يدخل بينهم في تلك الساعة المتأخرة من الليل (لم أكن منتبهاً إلى التقليد الديني الذي يمنع قيادة السيارات في ذلك العيد). كانت الدهشة تبدو على ملامحهم فوراً وهم يرون سيارة تتحرك في المكان (ازدادت مخاوفي حينما تذكرت ما كانت تردده الإذاعة الإسرائيلية من نصائح إلى الجمهور الإسرائيلي في الساعات التي سبقت حلول يوم العيد، بضرورة الحذر من عمليات تفجير قد يقوم بها بعض الفلسطينيين). كنت مضطراً إلى قيادة سيارتي بأقصى سرعة ممكنة للخروج من هذا المأزق الذي وجدتني فيه. تعرضت لزخات أخرى من الحجارة، اصطدمت بجسم السيارة.
دخلت حي المتدينين اليهود في طرف القدس الغربية، وكان من حسن طالعي أن أحداً منهم لم يكن خارج بيته آنذاك، وإلا لنالني منهم أذى شديد، لكن المشكلة التي واجهتني هي وجود حواجز حديدية تسد الشوارع لضمان عدم تحرك السيارات، ما اضطرني إلى البحث عن شوارع أخرى سالكة. وراح قلقي يتزايد، وأنا ألاحظ كمية البنزين القليلة في سيارتي، وهي تتناقص على نحو مريع، فإذا تعطلت السيارة عن السير في هذا الحي، فكيف سيكون موقفي؟ لن يكون بمقدوري ترك السيارة هناك والابتعاد عنها مشياً على الأقدام، فإذا اشتبه بها أحد، فسوف تثير شكوكاً مؤكدة لن تجعلني بمنجاة من الذهاب إلى أقرب مخفر للشرطة، للتحقيق معي في الأسباب التي قادتني في مثل هذا الظرف، وفي مثل هذه الساعة، إلى هذا المكان! ولن يصدقوا إلا بعد لأي - إذا كانوا سيصدقون فعلاً- أنني اضطررت إلى الانعطاف يميناً بسبب الحجارة التي يقذفها فتية إسرائيليون وفتيات على السيارات في الشارع العام قريباً من التلة الفرنسية.
كنت غارقاً في هواجسي ومخاوفي وأنا أقود السيارة في شوارع فرعية لا أعرفها، ثم انتبهت فجأة، فإذا بي في الشارع الموصل إلى حي الشيخ جراح، قريباً من فندق جبل سكوبس، غير بعيد من مبنى صحيفة الطليعة، فتنفست الصعداء، ثم عدت إلى البيت. حاولت النوم، فلم أستطع، لفداحة ما ألم بي من ضغط نفسي وانفعال. بقيت طوال الليل أفكر في أوضاعنا المهينة في ظل الاحتلال.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر