الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الثانية عشر ليلا-..قصة قصيرة

ريتا عودة

2022 / 10 / 26
الادب والفن


لم یمتلك قلبی إلاّ مَن أَتانی منَ البحر. مِن بین جمیع البنات اصطفانی. أومأَ للموبایل فرأیته یُومِضُ معلنا عن وصول رسالة.
زقزق قلبی وأنا أقرأ:
- بتجننی

أتى والشوق يسبقه. دعاني للرقص.
فجأة، صرنا غیمتین التقتا فی سماء العشق بعیدًا عن العیون المُتربصّه بقلبینا.
کما بجعتین فی نهر الولهِ رقصنا معا.
أرجحنا الحنینُ ونحن ننصتُ للأنغام والمفردات المتدفقه من حولنا:
"یُسمعنی حین یراقصنی کلماتٍ لیست کالکلمات"
تمایلَ قلبی ثملاً:
بتجننی............
بتجننی........
.... بتجننی
تذكّرتُ أول لقاء لنا وأنا أصعد درجات الحافلة وهو يهبط حين التقتِ النظراتُ فتعانقتْ ثمّ أكملَ كلٌّ منّا طريقه. وغابَ كما غيمة تمطر وتتلاشى إلى أن التقينا صدفة في حفل زفاف صديقتي في القرية المجاورة فلبّيتُ الدعوة وكلّي أمل بلقائه.
یداه التفتا حول خصری.
أحسستُ کأنّ تیارًا کهربائیاٍّ صعقنی.
أُصبتُ بدوار.
أخذ بیدی الی مقعدی .
لهفته علیّ أسرتنی.
بالدفءِ غمرنی.
آهٍ لو یدری أنّه لیُ رجلُ الحلم!
فارسٌ هو من عصر النبلاء.
متفردٌّ برومانسیته وذکائِهِ الخارق وحضوره الطاغی وطلّته الأنیقة.
نبیُّ القلب ..هو.
حبیبــــــــی...
فی غمرهِ انبهاری بهِ بدأتْ ساعهُ الحائط تقرع:
تک..
تک..
تک
وقلبی یئن ن ن ن ن...
تذکرتُ وعدی لوالدتی أن أعودَ قبلَ الثانیة عشرة لیلا؛ موعدُ عودةِ والدی من مناوبته اللیلیّه كحارس.
استأذنتُه.
أخبرته أنِّی سأمسح العرق عن وجهی وأعود.
علی درج قاعةِ الأفراح القريبة من بيتي... دارتْ بیَ الدنیا:
"کیفَ أغادرُ رجلاً یفهمنی أکثر من ذاتی؛ یفهمُ جمیعَ لغاتی وکأنَّهُ مِرآتِی! کیف أغیبُ عن رجلٍ أخبرنی وهو يراقصني أنِّی أنثی لا أُشبِهُ إلاّ نَفسی وأنّه یرانی متواضعة، بریئة، صادقة، حنونة، مثقفة، ذکیّة، أتمتع بثقة عالیة بذاتی وقدراتی وأمتلک زمام قراراتی!"
لمَ لا أترکُ أثرًا یدُلُّهُ علیَّ!
لو کنتُ سندریلا وهو الأمیر لکنتُ ترکتُ له حذائی.
بحثتُ فی حقیبتی عن شئ ما فعثرتُ علی دفتر مُذکراتی.
ابتسمتُ بدهاءٍ أُنثویّ وأنا ألقی بهِ فوقَ العتبة وأهرعُ إلی سیارتی فی طریق العودة الی المنزل.
*
مرّت الأیام وأنا متسمرّة خلف النافذة أراقبُ الیمامة تبنی عشًّا علی فرع الشجرة المجاورة لغرفتی...تضع بیضتین فی العش...تتبادل کل صباح هی ورفیقها حضانتهما...تنوح بصوت صاخب حین یتأخر في عودته إليها.
بصمتٍ ... کنتُ أُراقبُ کلّ حرکه یأتیانِ بها وأحدّق فی الأفقِ البعیدِ لعلّ حصانًا أبیضَ یُطِلُّ فیعزفَ قلبی سمفونیه الحلم.
*
وقعت إحدی البیضتینِ من العشِّ والیمامة تتبادل المناوبة الصباحیّة مع شريكِ حياتها. تضاءلَ الحلم.
مرّأسبوع.. أسبوعان...
لم یأتِ منَ الأُفقِ فارسی المنتظر!
نقرَ فرخُ الیمامِ البیضة.
ظلّ مستکینا الی أن نما جناحاه فبدأ یرفرف فوق العشّ دون أن یجرؤ علی مغادرته.
وظللتُ أراقبه وأراقب الأفقِ وأنتظرُ...
أکانَ الحُبُّ وهمًا حاصرنی فی لحظه ضعفٍ أنثویّ؟
أشعلتُ مدفأهَ الذکریاتِ..
....وانتظرتُ
إرتدیتُ معطفَ الصَّبرِ
....وانتظرتُ
لم یأتِ..!
عبثًا انتظرتُ! عبثًا نمَا حلمي واشتدّ جناحاهُ !
*
في صباحٍ خريفيّ...
نظرتُ فی العُشِّ. لم أعثر علی طائری.
تملکتنی رغبه فی البکاء.
روحی تَلِفَت.
أیامی انطفأت.
إنّمَا القبورُ کانت لی!

*
مرّت أعوامٌ قبلَ أن نلتقی فی الحدیقة العامة لبلدة ما کنّا فی زیارتها.
کخطیّنِ متوازیین وقفنا.
تعانقت النظرات.
فجأة، صرنا غیمتینِ التقتا فی سماءِ العشق بعیدا عن العیون المُتربصّة بقلبینا.
نهضَ صوته من أعماقِ الذاکرة:
بتجننی............
بتجننی ........
.... بتجننی
أرجحنی الحنینُ إلیهِ.
استفقتُ من نوبة ذهولی علی صوتٍ ناداه بحُرقة:
- بابا...بابا
رددّ هو بصوتهِ الحنون الذی أربکنی ذات حُبٍّ:
- حنان...احذری بابا..!
تمزّق قلبه بین نداء الطفلة وبین لقائهِ بالذاکرة.
منَ الحافلة نادانی صوتٌ:
- ماما... حنان... یلا بدنا نمشی...
سِرْتُ بخطواتٍ متثاقلة نحوَ ابنی وقلبی یرنّم مفرداتِ أغنیةٍ تعالت من الحافلة:

" كيفك انت..
ملاَّ انت..
شو بدي بالأولاد
الله يخلي الأولاد
کیفک أنتَ!
!"...کیفک انتَ

---------------
08.04.15








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل