الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عطر الخيانة .. ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2022 / 10 / 26
الادب والفن


— آلو .. آسف عزيزتي .. اجتماع اللجنة سيستمر لوقت متأخر .. مضطر للمبيت في المكتب .. لا تنتظريني .. أجل .. أنا فعلاً مرهق .. أنه العمل ماذا أفعل .. لا تقلقي حبيبتي .. سأراكِ غداً .. وداعاً ..
يغلق التلفون ثم يرفع يده الى سائقه ويعطيه أمره بالتوجه الى بيته الآخر .. !
تستقبله هناك زوجته الجديدة بالعناق وتحمل عنه حقيبته الدبلوماسية وتضعها على الطاولة وتتلمس ظهره بحنية .. سيدة حلوة الملامح .. جسدها ممشوق دون زوائد .. يعاجلها :
— متعب ..
— لا تقلق حبيبي .. لا مكان للتعب في بيت حبيبتك عايدة .. لقد أعددت كل شئ .. تفضل غيّر ثيابك ودعنا نبدأ الحياة فهي قصيرة ..
— صدقتِ ..
يسحب النائب قدميه كأنه يزحف بهما الى غرفة النوم .. يستبدل ثيابه ويلبس البجامة .. يلقي بالروب على جثته الممتلئة ويعود الى الصالة .. يجد زوجته تتحرك كنحلة بين المطبخ والصالة .. تضع لمساتها الاخيرة على المائدة العامرة بكل ما تشتيه الأنفس .. تستقبله بابتسامة مشرقة .. تصب له الشراب في كأسه .. يشير لها ويقول :
— يكفي .. أنا اليوم فعلاً تعبان ..
— الله يكون في العون .. لا تتكاسل حبيبي وراءك شغل إضافي كثير ..
يرد باستسلام :
— الله المعين ..
وقبل أن يخلدا الى النوم يؤكد عليها :
— دعينا نستمتع بالحياة بدون دوشة .. لا أطفال .. فعندي منهم ما يكفي ويزيد ..
— أطمئن حبيبي .. الحبوب تحت المخدة .. وهذه واحدة ..
تضعها في فمها وتشرب رشفة ماء وراءها ..
— هل اتصلتْ بكِ .. ؟
— تقصد وفاء ..
يغمغم بشئ كأنه نعم .. ربما يخاف أن ينطق الاسم على لسانه أو ربما لا يريد .. أو ربما أو ربما .. !
— أجل .. إتصلت وتواعدنا على الغد .. تقول بأنها تريد شراء هدايا عيد رأس السنة .. وقلت في نفسي انها فرصة لأفعل الشيء ذاته .. بالمناسبة .. قبل أن تذهب غدا الى المكتب أترك لي مبلغا من المال ..
— تمام .. لكن احذري حبيبتي لا يزل لسانك .. ( ثم .. ) أرجوكِ لا تتصلين بي في المكتب .. انا سأتصل بكِ .. الحذر واجب ..
— لا توصي حريص رغم إني سئمت هذا الحذر .. !
وفي صباح اليوم التالي تلتقي الصديقتان وتتبادلان طرقعات القبل .. وتذهبان للتسوق يداً بيد والسعادة تفيض من جنباتهما .. وفاء سيدة ممتلئة تنضح الطيبة من وجهها الجميل .. تلتصق على شفتيها إبتسامة خفيفة كأنها ولدت بها .. تشتري كل منهما ما ترغب من هدايا .. وتختتمان الجولة بمحل عطور مشهور .. تختار كل واحدة العطر الذي يعجبها .. تصر عايدة على شراء عطر يقول صاحب المحل بأنه واحد لا يوجد له ثاني في البلد .. تسأل عايدة .. أليس جميلاً ؟ ترد وفاء .. جداً .. وكان سعره خيالي .. تعلق عليه وفاء قائلةً إنه راتب موظف لعام كامل ..
وأثناء التسوق تتلقى عايدة ( مسج ) من زوجها يقول فيها بأنه سيكون عندها على الغداء .. ولا تجهد نفسها في اعداده لانه سيطلبه ( دلڤري ) .. والليلة سيقضيها في البيت الكبير .. هكذا قسم النائب وقته بين حريمه في ذلك اليوم .. !
وبعد الظهر يدخل على زوجته عايدة فيجدها منهمكة في تغليف الهدايا .. تقفز من مكانها عندما تراه وتستقبله بقبلة امتنان على شفتيه وتقول والفرحة تزغرد على وجهها :
— أشتريت عطر مدهش .. سيعجبك ..
تخرجه من حقيبتها وتبخ بخة خفيفة خلف أذنها وأخرى على صدرها .. يعم المكان عطر منعش كأنه قادم من الجنة .. تقول وهي تغمز بأن العطر لا يخمد حتى بعد مرور شهر .. ويثير الرغبة حتى لو كانت في سابع نومة .. يقابل حماسها بضحكة خافتة ..
يجتمعان على الغداء .. يتبادلان الاحاديث والدعابات .. تذهب لتجهز نفسها لما بعد الغداء .. وبعد أن ينتهيا .. ينظر الى ساعته ويقول بأنه تأخر .. لأن وفاء أرسلت له خمس رسائل تستعجله المجئ ..
يرتدي ملابسه على عجل .. يقبلها ويخرج .. يرسل رسالة الى وفاء وهو في السيارة يقول فيها بأنه في طريقه اليها .. ويسألها إن كانت بحاجة الى شئ يجلبه معه .. تقول بأن كل شئ جاهز ..
تستقبله وفاء بالعناق فهي لم تراه منذ الأمس .. تتملكها الدهشة .. عندما تملأ أنفها رائحة العطر الذي اشترته صديقتها عايدة هذا الصباح .. تتغلب طيبتها وثقتها بزوجها على هواجسها .. تهز رأسها كأنها تطرد هذه الظنون .. وتعود لها ابتسامتها :
— أين تغديت .. حبيبي .. ؟
تعوّد النائب على الكذب حتى أصبح ماهراً فيه ..
— في كافتريا المجلس .. طعام بارد ..
تقاطعه بطيبة :
— تستحق .. لأنك لم تعد كما كنت تحرص على حضور الغداء معنا أنا والأولاد .. أتدري البارحة منير بكى بكى يقول أريد بابا حتى داخ ونام ..
يغير ثيابه ويتوجه الى الحمام .. يأخذ دش .. يتناولون العشاء وسط ضجيج الأولاد وفرحهم بأبيهم كأنه غاب عنهم عام وليس يوم .. ثم يذهب الى الفراش مدعياً التعب والصداع .
تكرر مشهد العطر والتصاقه بملابس زوجها وحتى جسده .. أخذت تربط أحداثاً غابت عنها مع بعضها .. وتقارن بين حالة زوجها في هذه الفترة وبين حالته قبل أشهر فتجد أن اللهفة لم تعد كما كانت ولا الاهتمام ولا حتى العلاقة الحميمة التي بات يتهرب منها وإن فعلها فكأنه يؤدي واجباً عسكرياً ثقيلاً ..
بدأت ظنونها تتحول الى شكوك حقيقية .. باتت تؤرقها .. وما أكد هذه الشكوك أنها كلما كانت تتصل بعايدة في الأوقات التي يدعي فيها بأنه سيبيت في المكتب أو يتغدى في المجلس تجد تلفونها مغلقاً .. حتى باتت تخرج من ظلمة ذاكرتها صوراً لعايدة وكيف كانت تنظر لزوجها كأنها تأكله بعينيها .. والحاحها في أن تعرف عنه كل شيء .. ماذا يحب وماذا يكره .. اهتماماته وهواياته .. كأنها كانت تدفعها لأن تتحدث عنه .. حتى تستطيع الوصول الى مرادها .. !
أخذت تقضي الساعات ممددة على الفراش وهي تفكر في حل لهذه المصيبة التي حلت ببيتها وهي غافلة .. يغلبها النوم .. تغفو .. فتوقظها الكوابيس المزعجة .. تأكل في شرود .. ولا تحس بما تأكل !
كانت متأكدة حتى فترة قريبة أنه لم تكن في حياته أمرأة غيرها .. معقول أن تكون صديقتها قد سرقته منها دون أن تدري .. تستحق .. فهي من قربت النار لثوبها .. عليها أن تتأكد أولاً .. لكن كيف ..؟ لم يتوقف عقلها عن التفكير لحظة حتى بآن التغيير واضحاً على ملامحها .. سألها يوماً فيما اذا كانت مريضة .. فأجابته ومراجل الغضب تغلي في صدرها بأنها متعبة ليس أكثر .. !
تركت زوجها يوماً في قيلولته وخرجت الى سائقه الذي ينتظره في الخارج .. وجدته ينظف السيارة فأشارت له .. جاء مهرولاً فقالت له :
— عمي محمد .. عندي سؤال أريدك أن تجاوبني عليه بدون أعذار ولا لف ولا دوران ..
طأطأ الرجل رأسه كأنه أحس بأن موعد هذا السؤال المؤجل قد حان وقال مستسلماً بهدوء :
— تفضلي ست ..
— أين يذهب الأستاذ بعد أن ينتهي من عمله في المجلس ؟
— أرجوكِ ست .. اعفيني من الإجابة على هذا النوع من الأسئلة .. أنا رجل يخاف على رزقه .. أذهب بالأمر وآتي بالأمر .. أؤدي واجبي والسلام .. !
— عمي محمد أنت تعرف معزتك عندي .. نحن عشرة عمر .. أنا لا أهددك ولكني مضطرة لأن أقول لك بأني أيضاً أملك سلطة فصلك من عملك وقطع رزقك .. !
ولما لم تجد منه غير الصمت قالت :
سأتركك يومين تفكر …
وبعد يومين جاء السائق وقال :
— سأكون صريحاً معك ست .. وأرجو أن لا يكون كلامي خيانة للامانة .. أوصل الاستاذ الى أماكن كثيرة .. مكاتب دلالية .. مكاتب صيرفة .. دوائر حكومية .. وهكذا .. لكن أحياناً كان يأخذ مني السيارة ويصرفني ولا أدري أين يذهب وفي مرتين أو ثلاثة يبدو أنه كان مضطرا ولا أعرف الاسباب طلب مني أن أوصله الى العنوان الذي سأمليه عليك .. هذا كل ما عندي والرزق على الله !
وفي ليلة رأس السنة كانت تعرف بأنه سيخلق ألف عذر ليقضي الليلة مع عايدة .. فاستعدت لكل شيء .. ذهبت على العنوان وطرقت الباب بالحاح .. لم يُفتح الباب ربما شاهدوها بالكاميرا .. استمرت تطرق وتتحدث بالحاكي .. هددته إن لم يفتح ستعمل له فضيحة … أطلت عايدة من الباب وصرخت في وجهها :
— ماذا تريدين .. ؟
— ليس لي كلام معك يا عاهرة .. كلامي مع هذا العار الذي لم يحفظ الامانة في بيته فكيف سيحفظها للناس الذين انتخبوه ..
دخلت عليه فوجدته .. يجلس ساكناً .. واضعا رأسه بين يديه .. يخيم عليه ذهول صامت .. وضعت كل آلامها وجروحها في صوتها وقالت :
هذا جزائي .. تخونني مع هذه السافلة التي لم تبقى في نفس أحد .. نسيت أيامنا يا جاحد .. نسيت ليلة زفافنا وكيف نمنا على سرير يئن من تحتنا لفرط قدمه .. ومع ذلك كنت أشعر أني أسعد زوجة في الوجود .. جعت ونمت ليالي بدون عشاء .. انحرمت من أشياء كثيرة لكني بقيت صامدة متفانية أقف الى جانبك في كل الاوقات .. لم أطلب منك شيئاً يكون فوق طاقتك .. ربيت أولادك أحسن تربية .. صنت شرفك وحفظت اسمك ولم أكن أرى في هذا العالم رجلاً غيرك .. وعندما كنت تقدم لي هدية لا تساوي شيء كنت أفرح كأنك قدمت لي نجمة من السماء .. وأقول يكفيني أننا معا .. شركاء في كل شيء .. في الامل وفي اليأس .. في الرخاء وفي العسر .. كنت أتصور بأننا سنسير جنبا الى جنب حتى آخر العمر .. واذا بك تظهر لي أخيراً على حقيقتك .. مزيفاً ضعيفاً .. لا قرار لك .. تتلاعب بك الأهواء والأيدي كأي دمية رخيصة ..
صبرت .. وتعذبت .. وعندما استدار الزمن وجاء الخير تتخلى عني وترميني كما ترمي فأراً ميتاً .. ومن أجل من ؟ من أجل خطافة الرجال هذه .. التي لغبائي كنت أعتبرها أعز وأقرب صديقة .. ( تسترد شيئاً من أنفاسها .. )
آسفة .. أيها الوغدين القذرين .. يبدو أني جئت متأخرة لأحدثكم عن شرف سقط تماماً من ذاكرتكم وضمائركم .. ربما كنتم تتندرون على غبائي وسذاجتي لأني وثقت بكم .. يبدو أني فعلاً مخطئة .. فلا أمان لأفعى سامة .. كما لا أمان لنصف رجل لا يحفظ العهد .. عندما تعود لن تراني ولن ترى الاولاد .. لقائنا في المحاكم وتمتع بهذه الساقطة فهي كلها لك .. !
لم تستطع أن تحبس دموعها .. فنزلت .. تصفق الباب خلفها .. وتغادر .. !!

( تمت )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس