الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفة الفكر الأحادى فى النقد الأدبى

شريف حتاتة

2022 / 10 / 26
الادب والفن


آفة الفكر الاحادي في النقد الأدبي
------------------------------------------------

يحتل الجدل حول تأثير فكر ما بعد الحداثة ، فـي الإنتاج الأدبي للروائيين والقصاصـين مـن الشـباب والشابات مكانة متزايدة في تحليلات ودراسات عدد من النقاد. ولا شك أن هذا الجدل طبيعي في مجتمع تأثرت فيه الفنون والآداب إلى درجات متفاوتة بفلسفة "ما بعد الحداثة"، ونظرتها إلى المجتمع، وإلى حياة الناس. مع ذلك أشعر أن هذا الجدل، أو الحوار كثيرا مـا يفقد معناه ، لأن المشاركين فيه يصرون علـى إقامـة الجدران بين مدارسهم المختلفة وعلى اتباع نظـرة أحادية، جامدة إلى الانتاج الأدبـي.
هم يتجـاهلون حقيقة هامة، وبديهية تتعلق بتكوين المعرفة، وبدورها في تطور الفكـر وهـي أن الفكـر حصيلة للتطـور الإنساني، وإن كان في الوقت نفسه عنصر فعال يـؤثر في اتجاه هذا التطور، يدفعه إلى الأمام، أو يجره إلـى الخلف. لذلك دائما ما نجد فيه ما هو مفيـد لحيـاة الإنسان يساعد على تقدمها، ويوسع آفاقهـا ويجعلـه أكثر قدرة على حل مشاكلها . كما نجد فيه في الوقـت نفسه ثغرات، وعيوب تؤدى إلى طمس الحقيقة، إلـى تأخير مسيرة البشر، أو الانحراف بهـا فـي مـسـالك جانبية تفقدها اتجاهها.
وفي رأيي أن الحوار الدائر حول الفكر والنقد الأدبى في بلادنا ، كثيرا ما يتجاهل أن الفكر الإنساني تراکم طويل ممتد للمعرفة، نتاج عملية تاريخية تنطق بالزمان والمكـان والحركة (السرعة) ، أي بالأبعاد الثلاثة التي صاغ منها العالم اینشتین نظريته عن النسبية .
في الانتاج الفكري يبدو لي أنه من المهم أن نضيف بعدا رابعا ، له أهمية خاصة، وهو بعد الخيال . فالخيال يقفز فوق هذه الأبعاد الثلاثة ، أو يكسر الحواجز التي تقيمها حتى وان كانت هي جزء حميم من نقطة البداية التي انطلق منها. فكل خيال لابد له من نقطة واقعية ، ترسم طبيعته وآفاقه .
الخيال يكسر، أو يخترق الأسوار التي يبنيها ويفرضها الواقع ، ليصل الإنسان إلى ما هو أبعد منه . بذلك يصبح قادرا على رؤية المستقبل، على التنبؤ بما لم يره سواه. وربما تكون هذه هي الميزة الكبرى للإبداع الأدبي والفني الأصيل.
المعرفة والفكر ظاهرتان مرتبطان بالتاريخ، أو بسريان الزمن والانتقال من مكان إلى مكان عن طريق الحركة (السرعة). كل معرفة أو فكر جديد إذن من شانه ، أن يضيف ما هو مفيد للإنسان . كما أن من شأنه أيضا أن يضيف ما هو مضر، أي أن يحيط عقله بالغيوم، ويجعله أقل قدرة على إدراك ما يدور، وعلى التقدم فوق الطريق. وهذه هي أهمية التقافة والتعليم والإعلام، وخطورتها. فهي قد تكون منابع للوعي والإدراك، وقد تكون وسائل لتشويه عقل الإنسان وتضليله.
تخطر لي هذه الأفكار البديهية كلما تابعت الحـوار الذي يدور بين النقاد المنتمين إلى المدارس المختلفة للنقد الأدب. فالنقاد من ذوي الميول الماركسية مثلا يصرون على أن مدرسة "التفكيكية" في النقد الأدبي شر مطلق يجب رفضه، ولا يمكن أن يفيد في تحليل النصوص الأدبية، ودراستها. ذلك رغـم أن مارکس نفسه لجأ إلى قدر ليس ضئيلا من أساليب المـنـهج التفكيكي، قبل أن يتطور ، ويصبح بمرور الزمن مدرسة فكريـة متكاملة هامة يمكـن اسـتخدامها فـي تحليل، ونقد النصوص الأدبية.
وإذا تطرقنا إلى الحديث عن فلسفة "ما بعد الحداثة" التـي تشكل "التفكيكية" إحدى أركانها ، فإنه مـن الغريـب أن نشـاهد الجدار الصيني الذي يقيمـه النقـاد بينهـا وبـين الفلسفة "الماركسية" رغم كل التضاد القائم بينهما. فهـؤلاء النقـاد لا يرون أن الفكر "الماركسي" يستطيع أن يساهم في النقد الأدبي بما هو مفيد. فالماركسية" أتت برؤية، وطريقة في التفكيـر كانتا، ومازالتا تلعبـان دورا فـي تـطـور مختلـف المظـاهر الاجتماعية والثقافية المتعلقة بحياة الإنسان، ومنهـا الإنتـاج الأدبي. وهذا رغم نواحي القصورالتي عانت منهـا النظريـة "الماركسية" مثل وضع المرأة وقضاياها، أو مشكلة البيئـة، أو نظرتها للتاريخ التي بُنيت على نوع مـن الحتميـة، وعلـى قوانين علمية اعتبرت صارمة تكاد لا تخطئ ، أو المكانة الثانوية التي أعطتها للفكر ، مقارنة بالوضـع الاقتصـادى "التحتـى" للمجتمع.
من الناحية الأخرى تتسم مواقف أنصار الفكر "الماركسي" من بين النقاد إزاء فلسفة "ما بعد الحداثة" بقدر كبيـر مـن الجمود. فهم يرون فيها فقط دعوة الى التشرذم، والعجز عن الفعل، أو النضال، في سبيل قضايا التحرر الكبرى، دعـوة إلى الاستسلام وإلى تحويل كل شيء إلى مجرد خطاب تستوى فيه الأمور فلا مجال للحكم، أو التقويم، أو الاختيار ، إلا بـين الصيغ الكلامية المختلفة مما يفقد الاختيار معناه. قد اتفـق معهم إلى حد كبير في هذا ، رغم أن بعضا من تيارات ما بعد الحداثـة نفسها ، قد حذرت من هذا التوجه . لكن إلى جانب هذا ، فإن فكر "ما بعد الحداثة" قد لعب دورا في التنبيه إلى مخاطر الفكر "الشمولي" الذي لا يرى التفاصيل المتعلقة بحياتنا اليومية ، والتي كثيرا ما تكـون لها دلالة هامة (فسيفساء الحياة) أو الجماعـات، والقوميـات وفصائل البشر المهمشة، والمـهـددة بالانقراض، أو أهميـة التعامل مع الفوضى، والتشكك في صرامة القـوانين والقـدرة على تكذيبها، أو العلاقات بين الجنسين، أو أهميـة اللغـة وتأثيرها. لقد أعلت من شأن الفكـر كـرد فعـل للاتجاهـات "الاقتصادية" ، وسعت إلى جعل الفكر والفن أقرب إلى اليـومي، والملموس، وأضفت عليها مرونة وتنوعا.
إن التفكير الأحادي المنتشر بين مدارس النقد في بلادنـا ، يحول دون استيعابنا لما هو جديد، وفي الوقت نفسـه يمنع دون تكوين تيار نقدی قادر على استنباط نظرية أو نظريات نقديـة ، تستفيد من مختلف المدارس الفكرية، وإن كان إلـى درجـات متفاوتة، تيار قادر على تطوير أدوات النقد عن طريق النسـج فيما بينها ب " نول " مفروش في الواقع، بخيوط أو مواد من نتاج الحياة اليومية ، قادر على تكوين مدارس مصرية تطل على العالم ، لكنها ذات جذور في تراثنا الثقافي الأصيل.
ففي مجال الفكر، والنقد الأدبي يمكننا أن نشـاهد اليـوم، وعلى سبيل المثال محاولات للتزاوج بين "الماركسية" و "فلسفة الحداثة". ". وبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنـا مـع هاتين المدرستين ، فإن الاتجاه نحو بناء نقد جديد مـن منـابع مختلفة،
يمكنه اثراء الابداع النقدى فى بلادنا ، والتخلص من الجمود الذى أصابه .
من كتاب " يوميات روائى رحَال " 2008
----------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن