الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن عم والدي ...فصاحة اللسان ومرمدة الدخان

علي أحماد

2022 / 10 / 27
الادب والفن


أفقت باكرا هذا الصباح مضطرا / مكرها. أخذت فطور الصباح كاس شاي بالنعناع والأفسنت (مخلوط عشبتين) وقرص مسمن مدور من دقيق القمح وزيت زيتون ومثلث جبنة. الضباب يكتنف المدينة ويغطي سحاب رمادي يميل الى السواد جبل العياشي فأل الخير. تدنت درجة الحرارة وأكرهت الناس / الأهالي على فتح الصوان لإخراج ملابس الشتاء اتقاء للسع القر. عرفت البلدة تساقطات مطرية هامة وفاضت الأودية والشعاب مع زخات رعدية بعد يأس وقنط من جفاف أتى على الزرع والضرع وجدته الحكومة وسيلة وحجة لتبرير الغلاء وحث المواطن عبر قنواتها الرسمية وفقهاء منابرها على الصبر على البلاء لأنه ابتلاء. يتذكر جيلنا رجلا من هامش المدينة * مدمن خمرة قوله بالأمازيغية ما معناه (غدا قولوا قطرات) وقد سقط في بركة ماء من أمطار سابقة وهو يقصد النشرة الجوية. لابد من مغادرة الدار والهروب الى مقهى بالجوار كلما همت سيدة البيت بدعوة شغالة لنظافة المحل التي باعها مالكها لسوء في التسيير والتدبير وعدم تقدير للزبون /الملك الذي عاب عليه طول مكوثه أمام قدح قهوة أو براد شاي عبر تدوينة على حائطه بالفايس بوك. أتذكر أحد أبناء عم والدي (رحمهم الله) قوله ( من ضعف المروءة أن يمكث الرجل في المنزل وبين الفينة والأخرى تصيح به المرأة / الزوجة ارفع رجليك لأكنس المكان ...غير مجلسك لأمرر الكراطة / الشيفون) زبناء قليلون بالمقهى منع البرد بعضهم من الحضور وبعضهم لهم أعمالهم التي تنتظرهم ووظائفهم التي تجبرهم على الغياب. قهوة سوداء بدون سكر لمزيد من مرارة الطعم. كان ابن عمي حكيما، فصيحا وبليغا رغم أنه لم يتعلم أبجديات القراءة والكتابة ولو في المسيد / الكتاب. يدخن بشراهة سجائر من التبغ الأسود الرخيصة. صلة الأرحام عفوية بين الآباء والأجداد لا تتسبب في قطعها مشاكل أو خصومات جانبية لبساطة الحياة وعدم التكلف وصفاء القلوب. غالبا ما يرتدي الجلباب ويعتمر طاقية وهذا لا يمنع من القول أنه يلبس بذلة وحذاء لامعا في مناسبات عدة . قمحي اللون ، غليظ الشفاه وواسع العينين. محدث بارع يشد الإنتباه . يحب دائما أن يتكأ على جنب واحد وتحت إبطه الوسادة وأمامه مرمدة ( طفاية ) مع غياب الأرائك . لا تخلو أغلب البيوت في ذلك الزمان منها بشتى الأحجام والأشكال فهي من حديد ، خزف أو زجاج ، ولا عيب في أن يلوث جو المنزل بالدخان ، وهذا هو الإسم المتداول عند العامة ترادفه ( تباغا ) عند الأمازيغ منهم ، وهي الى العربية أقرب ( التبغ ). يروق لي قول أحد الفكهين العقلاء* من أيت بن إيشو :( الذي ببيته مدخن كمن بسقف بيته قطرة من أمطار عليه أن يتلقاهما بمرمدة وآنية ) . يتقبل الناس الضيف المدخن وإن كان أهل الدار من غير المدخنين ...سيجارة تعقبها أخرى وحديث غير متقطع فيه حكم، عبر وفرفشة. يطول حديثه وقد عرج به الى شتى مجالات الحياة. يعتقد جازما أن أن نهرا من المال / الثروة يمر من المغرب، ولكن الفرق بين الناس / المواطنين / الرعية أن البعض / القلة / النخبة تملك ما تغترف به منه والبقية يعدمون الوسيلة فيكتفون بالنظر الى المستفيدين ويعانون من ضنك العيش ...حدثني أبي أن الرجل في شبابه عزم أن يغادر القرية بحثا عن مورد رزق في بلاد الله الواسعة، فقال لأبيه:
( قررت أن أغادر القرية يا أبي ، فهل أنت مرافقي )
سأله الأب في دهشة : ( ولماذا نفعل يا بني ولسنا مضطرين لنترك أرضا نعيش بها ومنها ولدينا منزل وبقرة وبغل ؟ )
يجيبه في حزم وثقة في النفس : ( ما نفع أرض تطعم بالكاد بقرة وبغلا ) .
اقتنع الأب بكلام ابنه فغادرت الأسرة القرية في الصباح الباكر يعبرون الجبال الى أن انتهى بهم المقام بأرض أوضاض / ميدلت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*لا أذكر بعض الأسماء وإن كنت أتذكرها لأن بعض قرائي من الأهل يعيبون علي ذكرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح