الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رعايا في مملكة الملك

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الرعية لا هو رجل حر، ولا هو عبد. يعرف أفلاطون الرجل الحر بمن يملك إرادته، بينما إرادة العبد ملك لسيده الذي اشتراه بماله الخاص بموجب صك ملكية رسمي كان يجيزه العرف الاجتماعي والنظام السياسي السائدان آنذاك. وليس ثمة أحد يدعي أن الرعية يباع أو يشترى كما العبيد في أسواق النخاسة، أو أن ثمة سيد قائم عليه ويتولى أمره بموجب صك رسمي. بل هو حر، ليس لأحد سند ملكية على جسده، لكن إرادته مسلوبة. أو أن الرعية، في قول آخر، هو رجل حر لكن من دون إرادة حرة؛ فلا هو حر كامل الحرية ولا عبد كامل العبودية. لكنه في منزلة بين هذا وذاك، أو ما يمكن تسميته بالحر المستعبد. ومن ذا الذي قد سلبه حريته واستعبده؟

يتأسس النظام الملكي حول رجل حر متنفذ يجمع من وسائل القوة والنفوذ ما يمكنه من أن يفرض بحد السيف إرادته الفردية فوق مساحة محددة من الأرض بما فيها ومن عليها. حين ينتصر جيش هذا الرجل القوي ويقضي على من كان قبله وعلى أي مزاحم أو خصم آخر لحكمه، يسود وتصبح الأرض كلها بعدما اكتسحها جيشه، والناس جميعهم بعدما استسلموا لقوته، ملكاً خاصاً يحق له التصرف فيه كيفما شاء وأن يورثه لأبنائه من بعده. مملكة الملك هي ملك خالص دون منازع للملك المؤسس أو الفاتح. وعلى كل من تسول له نفسه لأن ينازع الملك القائم في ملكه أن يلاقيه قوة ضد قوة، قتال ضد قتال، أو جيش ضد جيش؛ فإما هازم أو مهزوم. شرعية الملك تتأسس على القوة، ولا تنتزع بغيرها.

ربما كان الناس الذين يعيشون على هذه الأرض أحراراً قبل أن يأتيهم هذا الرجل القوي بجيشه. لكنهم بعد هزيمتهم في المعركة أصبحوا رهناً لأمره: إما أن يقتلهم أو يبقي على حياتهم. فمن اختار منهم الاستسلام والإذعان لإرادته وحكمه، ورأي هو فيهم منفعة لملكه، منحهم الأمان ليعيشوا في سلام داخل مملكته؛ ومن اختار غير ذلك، أو رأى هو فيهم تهديداً لملكه، أمر بقتلهم أو التخلص منهم بطريقة ما. هكذا لا يبقى في مملكة الملك سوى الملك من جهة، والناس المهزومين المستسلمين والمذعنين لإرادته من الجهة الأخرى. هؤلاء المهزومون المستسلمون والمذعنون لإرادة الملك هم الرعايا- الذين ربما كانوا أحراراً من قبل لكنهم بهزيمتهم واستسلامهم وإذعانهم فقدوا حريتهم الفطرية من أجل علاقة جديدة مع ملكهم الجديد.

هذه العلاقة الجديدة الناشئة بحد السيف يربطها ميثاق غليظ بين الملك المنتصر وهؤلاء المهزومين: الأمان مقابل الطاعة، أو أبقي على حياتكم في مقابل الإذعان الكامل لأوامري. بموجب هذا الميثاق يسلم هؤلاء الناس الأحرار قبل هزيمتهم إراداتهم لملكهم الجديد، ليتحولوا إلى مسلوبين الإرادة أو متنازلين عنها كرهاً تحت حد السيف، ولا يتبقى في المملكة كلها سوى إرادة واحدة مطلقة - إرادة الملك- وكل ما عداها رعية، أو شخص مسلوب الإرادة ملتزم بميثاق الطاعة للملك. فإذا ما نقض أحد الرعية وعد الطاعة للملك، أصبح من حق الملك أن يحل دمه؛ وفي المقابل إذا ما نقض الملك وعد الأمان، استرد الرعية حريته التي سلبها منه الملك بحد السيف إما ليذود عن نفسه بنفسه أو ليودعها رجل حر قوي آخر قادر على أن يضمن له الأمان، ومن ثم يصبح ملكه الجديد. لا يوجد في مملكة الملك سوى رجل حر واحد فقط هو الملك، وإرادة حرة واحدة فقط- إرادة الملك. كما لا وجود لإرادة عامة من أي نوع، وكلمة الملك هي والقانون سواء.

كان هذا النظام الملكي سائداً منذ القدم ومعاصراً لأفلاطون في بلاد فارس (إيران). وعلى الرغم من كراهية أفلاطون الشديدة لمثل هذا النوع من الحكم الاستبدادي المطلق، غير أنه كان يجد فيه منفعة كبرى لضمان بقاء الجماعة البشرية حتى لو كان الثمن سلبها حريتها بحد السيف. فحتى لو كان مثل هذا الحكم يسلب الجماعة البشرية حريتها لكنه، من وجهة نظر أفلاطون، كان لا يزال قادر على أن يحفظ لها وجودها وكيانها، مقارنة بحالة اللاحكم أو الفوضى التي تفقد فيها الجماعة البشرية كل شيء، حتى وجودها ذاته. فلا عدو للجماعة وحياتها أبشع من الفوضى.

الناس في مملكة الملك لا هم رجال أحرار يملكون إرادتهم، ولا هم عبيد مملوكين عرفاً أو قانوناً لآخرين، ولا هم مواطنون شركاء في الوطن، بل هم رعايا في مملكته وحده لهم عليه حق الأمن والرعاية - طالما بقيوا له خاضعين ومطيعين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالتك استاذ صح وخطاء-التوثيق الزمني ضروري فبريطان
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 10 / 27 - 18:46 )
فبريطانيا العظمى-المملكة المتحده-البلد الاول في العالم في الحرية والدمقراطية وكل مواطن فيها انسان كامل الكرامه كما لايمكن قول ذالك في جمهوريات الموز والعسكر في بلداننا العربية وايران بالاخص وفي جمهوريات بالاسم في عشرات بلدان-العالم الثالث الباشسه المستعبده من انضمتها الدكتاتورية الدموية كروسيا وبيلوروسيا وامثالهما-فالقضية يجب ان تحدد فالكاتب يتكلم بالاخص عن الازمنه القديمه ولا اعرف في ايامنا-في ال100سنة الاخيره بمواصفات الملكية المذكورة في المقالة -مع احترامي


2 - ملك بريطانيا أثر بعد عين
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي ( 2022 / 10 / 27 - 19:00 )
عزيزي الدكتور الكحلاوي،
شكراً لمرورك والتعقيب الكريم. بالنسبة لملكية بريطانا، فهي قد نشأت بنفس الشكل المذكور في المقال، لكنها تحولت بمرور الزمن، وفي استجابة للضغوط والتطلعات الشعبية، لتصبح كما هو حالها اليوم، أثر عزيز على نفوس أصحابه بعدما كان عيناً في الماضي. فالملك في بريطانيا اليوم لا يملك ولا يحكم، مجرد منصب شرفي اختار الشعب البريطاني الإبقاء عليه كذكرى عزيزة على نفوسهم من ماضيهم المجيد، ولو اختاروا في أي وقت إنهاء الملكية وجعل بريطانيا جمهورية، لن يمنعهم أي شيء. الأسماء أحيانا ما تحمل مضامين متناقضة.
خالص الشكر والتحية،
عبد المجيد

اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا