الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهرج العجوز

محمد الإحسايني

2006 / 10 / 3
الادب والفن


من قصائد نثرقصيرة" سأم باريس"
لشارل بودلير
ترجمة: محمد الإحسايني

ما زال الناس ينتشرون في كل مكان، يظهرون ويبتهجون أيام العـــــطل، وكان ذلك عيداً من تلك الأعـــياد الاحتفالــية التي يعول عليها المهرجون،
صانعو المخارط ، وعارضو الحيوانات،وأصحاب الدكـاكـين المتجولون،
زمنا طويلاً ،تعويضاً عن سوء الأحوال الجوية للسنة .
يبدو لي أن العامة هذه الأيام تنسى كل شيء، تنسى الألم والشغل، ويصبح
الأمر كذلك بالنســبة إلي الأطفال، وبالنســبة إلى الصغار،فهو يوم إجازة، وهوا لرعب اليومـي من المدرسـة الذي مرده إلى أربع وعشرين ساعة .
وبالنسبة إلى الكبار، فهو هدنة أبرمت مع قوى الشر في الحياة،وتوَقـّــُف ٌ
عن العناد والصراع الشاملين .
ينجو رجل المجتمع ذاته، والرجل المشغول بالأعمال الروحية بصعــــوبة من تأثـير ذلك اليوبـيل الشعــبي؛ فهــما يمتصـان دون أن يرغـبا في ذلك، نصيبهــما من هذا الجـو الاستهـتاري، وبالنسـبة إليّ كباريسي حقيقي؛ فلا ينـقص أن أفحـص كل البـيوت الحقـيرة التي تمشـي اختـيالاً في هذه الأيام الاحتفالية،فظلت تتنافس حقاً فيما بيــنها منافسة عجيبة: تتصايح، وتزعق،
وتعوي بدون انقطاع .
كان ذلك مزيجـاً من الصرخـات، ومن الآلات النحاسية النافخة، وفرقعات
السـياط، وما انــفك أصحـاب الذيـول مـن الشـعر المـعقود بعــقدة حمراء، والمهرجون المغفلون يشنجون قسمات وجوههم السمراء، البردُ قسا عليهم
، والمطر والشمس،وكاـنوا يلقـون نكثـاً وطـرائف من أفانين القول هزلية، متـينة وثــقيلة، تشـبه هزليـات موليير يلقــونها بثيمات الممــثلين الواثقــين بتأثـيرهم على الجـمهور...والأبـطال الهــرا قل مزهوون بـتزايد أعدادهم، وهم بلا جباه ولا جماجم، كأنهم وحوش الغابة من القردة، ظلوا يتبخترون
في أبهة تحت القماطات المغسولة عشية َ تدعو الحاجة ُ إلى ذلك. ومازالت الراقصات الجميلات، كالغيد الفواتن، يثبن ويتشقلبن تحت ضوء الفوانيس
التي كانت تملأ تنوراتهن ألقاً .
لم يكن كل شيء إلا ضوءً وغباراً،وصرخات ٍ،وفرحاً وصخباً. وما فتـــئ بعض الـناس ينفــقون وآخرون يكــسبون، كذلك؛ فإن الأوليــن والآخـرين مرحون، وظل الأطفال يتعلقون بتنورات أمهاتهم ليشاهدوا أفضل مشاهدة
، مشعبذاً متألقاً زاهياً مثل إله، وكانت تطغى على جميع العطـــور، رائحة طعام مقلي، كأنه بخور هذا العيد .
عن كثب، وفي الطرف الأقصى من صف الأكواخ، رأيت مهرجــــاً فقير الحال، مقوس الظهر،متساقط الشعر،متداعي الجسم،خائر القوى، عجوزاً
عفا عليه الزمن،رأيتُ تهدمـاً إنسانــياً، كأنـما أزيلت عـنه هو نفسُه؛ وذلك عار،جميع تلك المهابات، رأيته يسـتند إلى أعمـدة مخبئه، مخبإ ٍ أشد بؤساً
من مخبإ المتوحـش الأبله بلاهة أشـد،الذي كانت ثروته الزهيدة تتبد د ولا
تزال تنير أيام شدته الكالحة .
الفرح في كل مكان، والكسب والفجورفي كل مكـان،لقد تحقق الخبز للأيام
التالية، والانفجار الحيوي المسـعور في كل مكا، هنا الفقر المدقع،والبؤس
المتزيي بزي غريب، زيادة ً في الرعب، وهـنا الأسمـال المضـــحكة أوما يُلبس للضـرورة مع أن الفن كان قد مهد للتناقض، ياله من بئيس! من كان يضـحك ولا يبكي، ولا كـان يرقص أ ويومئ بحركات أ ويصرخ أ ويغني
أي أغنية، ولا هو فرح أوداع أمرُه للرثـاء، كان أخرس، وغـير متـــحرك من مكانه، وكان قد زهد واعتزل؛ فمصيرُه قد حُسِـمَ فيه.
لكنْ، أي نـظرة عمـيقة، غـير قا بلة للنــسيان، كانت تتــــسكع حول الحشد والأنوار التي كان امتدادها المتحرك يتوقف على بضع خطوات من بؤسه
المشمئز!
إني أحس حـلقي مخـنوقاً باليـد المرعبـة للهستيريا، وبـدا لـي أن نظراتي كانت مصدومة من خلال تلك الدموع المتمردة، العصية عن السقوط.
ما العمل؟ ماجدوى ســؤال ذلك البئــيس، وأي فضـول، وأي لعبـة عجيبة كانت عنده ليُـريها آية للنـاظرين، وفي ذلك الظـلام المقـيت، وراء سـتاره الممزق؟
حقاً، لاأتجرأ ُ، وربما كان من شأن سبب خجلي أن يضحككم، وسأعترف أنني كنـت أخاف إذلاله،، وأخـيراً صمـمت بعد قليل أ ن أ ضع وأنا ما ر، شيئاً من النقود على لوحـاته الخـشبية، عله يحدس مقصـــدي من ذلك، لما جرني اندفاع حشد كبير من الناس، بعيداً عنه إلى الوراء،قدسببته أي بلبلة غير محدودة .
وعند التفاتي إليه،حاصرتني تلك الرؤية، فبحثت في تحليل ألمي المباغت
، وقلـت في نفسـي: لقد رأيت بـعد قلـيل، صـورة الأديب المسـلي اللامــع، ورأيت صورة الــــــــشاعر العـــــجوز بلا أصـــدقاء، وبلا أ ســرة، ولا أولاد، المتدهور بسبب بؤســه، وبسبب التنكر العلني له، وفي الكوخ الذي لا يرغب الناس النسيون في الولوج إليه قط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين المسرح والسياسة: المخرج وجدي معوض في عشرين 30 ??بعد اتها


.. بعد جولة عروض عربية وعالمية، مسرحية أي ميديا في باريس




.. صباح العربية | الفنانة السعودية سارة صالح تبدع في غناء أغنية


.. المخرج الإيراني محمد رسولوف يفر من بلاده -سرا- بعد الحكم علي




.. مهرجان كان السينمائي: تنافس 22 فيلما على السعفة الذهبية في ا