الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلفادور دالي ولوحته -إصرار الذاكرة-

رابعة خضر الخطيب

2022 / 10 / 28
الادب والفن


" سلفادور دالي" رسام اسباني مجنون وفوضوي هدام لكل ما هو منطقي وواقعي ومألوف تتصف أعماله بأنها تصدم المشاهد وتثير دهشته وتساؤلاته وذلك لغرابتها ولا منطقيتها إذ أن أعماله جميعها تصور اللامعقولية والاضطراب النفسي وبالرغم من أن اسم "دالي" أصبح الأشهر أو بالأحرى هو المرادف للسريالية إلا أن الصدمة في كون مؤسس السريالية "أندريه بريتون" قد طرده من الحركة متهمًا أياه بالإساءة إليها وبمعنى أدق اعتبره {معادٍ للسّريالية} وذلك فقط من أجل خلافات سياسية حيث بريتون المنغمس بالحياة السياسية ودالي الذي يهرب منها ويعدها مضرة بالفنانين بالرغم من حبّه للشيوعية والماركسية، وقد وصف دالي فعلة بريتون على أنه طرده فقط لانه لم يجاهر له بالولاء.

"ومن أشهر أعماله لوحة "إصرار الذاكرة:
في هذه اللوحة تحتشد الرموز حيث نرى الساعات الذائبة التي ضاقت ذرعًا بالوقت العادي المقاس متفرقة في معظم أنحاء اللوحة، إضافة إلى ساعة يد صغيرة صدئة تشير إلى الإنحلال والكون والفساد، ويعتلي هذه الساعة جيش من النمل ويشير إلى التفسخ والتحلل والتفكك، وهنالك شيء أشبه بوجه نائم ولعله وجه الرسام نائمًا في حالة من الحلم وعيناه مغمضة ومنعكسة على عالم داخلي باطني وهذه إشارة إلى السريالية عمومًا، إضافة إلى غصن الزيتون والأفق في أعلى اللوحة الذي قد يشير إلى نوع من اللامحدودية واللاتناهي والانفتاح على عالم أكثر شساعة ووساعة.

إن دالي في لوحته يظهر لنا مجموعة من الثنائيات إذ يتداخل الواقع بالحلم، والموت بالحياة، والفناء بالخلود ولعل هدفه هو تكسير وتخريب كل ما هو منطقي وواقعي وعقلاني ليظهر لنا اعتباطية الوقت والساعات عندما نكون في حالة الحلم، وهكذا فإنه سيّل الزمن وأفقدَه صلابته عبر ذاكرة مائعة رافضة للزمن الصلب الممل والمحدود ورافضة للصيرورة وهذا دفعه لخلق زمن معاكس ومغاير وموازٍ للزمن الفاني ثائر على الصيرورة والكون والفساد والموت والفناء منتقلاً إلى عالم من خلقه هو عالم الخلود والأبدية.

قد نجد هنا زمنين ضد الزمن الفيزيائي العادي: الزمن النفسي الذي يتجسّد بمشاعرنا وانفعالاتِنا كما تفسّره ديمومة "بيرغسون" أو ذاك الزمن الخيالي الذي يحقق حلم البشرية بالسَّفر عبر الزمن إذ يجلب الماضي بتذكره ويستحضر المستقبل بتخيّله.

كان دالي في لوحته ساخرًا متهكّمًا وفوضوي جدًّا لقد سخر من أكثر الأمور إرهاقًا واخضاعًا للناس وسيطرةً عليهم ألا وهو الزمن فجعله لعبة بين يديه يذيبه ويسيله كما يشاء وفي ذلك إشارة إلى قدرة الفن الإبداعية في التحطيم والهدم واللامحدودية فقد سالت الساعات كما تسيل ألوان الفنان تحت الريشة وهنا تظهر عبقريته(( تحوله إلى الإله الخالق )) حيث يستطيع التحكّم واللعب بما لا يستطيع بقية الناس اللعب والتحكم فيه، ومن هنا يستطيع تخريب العالم الواقعي بخلق عالم آخر مغاير يتناسب مع روح الفنان اللامتناهية.
ولعل دالي تأثّر بنسبيّة "آينشتاين" ليظهر لنا نسبيّة كل شيء ساخرًا من الدوغماىية_الوثوقية_ والإطلاقية التي تسيطر على معظم العقول.
لقد مزج دالي ببن الفيزياء وعلم النفس والحلم والجنون خالقًا لنا لوحته ورائعتَه هذه إذ لا يمكن النظر إلى أعماله دون الشعور بالدّهشة والتّساؤل وحتى النّفور أحيانًا نظرًا لغرابتها وجنونها، ولا ننسى الغموض والإبهام الذي نجح سلفادور دالي في إعطائه لهذه اللوحة ما جعلها قابلة للكثير من التفسيرات والتأويلات وهذا ما أعطاها الخلود بعد موت رسامها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي