الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا ينتقدون مسلسل الضاحك الباكي؟

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2022 / 10 / 29
الادب والفن


مسلسل الضاحك الباكي الذي يعرض في مصر ويحكي سيرة عملاق الكوميديا "نجيب الريحاني" وبطولة "عمرو عبدالجليل وفرودس عبدالحميد وغيرهم" قد تعرض لسلسلة نقد عنيفة في الفترة الأخيرة وبعد ظهوره مباشرة، ولأن النقد من وجهة نظري شابه بعض القصور علاوة على بعض الأمور الإدارية في العمل وجدت أنه من الضروري مناقشة ما حدث..

فأنا أتفهم دخول بعض النقاد والأدباء المتخصصين لنقد العمل، كالأستاذ خالد عاشور والدكتور خالد منتصر، لكن لا أفهم دخول عبير الشرقاوي للنقد..فالأخت عبير ترى أن التمثيل والفن كفر والعياذ بالله، وأن المسلسلات رجس من عمل الشيطان، واعتزالها الفن كان لأسباب دينية..وسبق عرضت بوستاتها المؤيدة للإخوان والشريعة والخلافة..وكانت مع اعتصام رابعة الإرهابي، يعني تصورها للفن قاصر جدا وتعبيرها عن رأيها في الفن مجرد (انطباع شخصي) ليس له أي حُجّية..

مسلسل الضاحك الباكي لن أدلي برأيي فيه لأني لم أراه، ولكن سأتحدث في بعض الأمور الهامة التي تحكم نظرتنا للأعمال الفنية، وتوجه لحد كبير تصورنا وانتقاداتنا

أولا: تمثيل الشخصيات السياسية والدينية مختلف عن الشخصيات الفنية، لأن المقارنة هنا ظالمة جدا لصالح الدين والسياسة..

يعني إيه؟

أي مسلسل يعرض سيرة شخصية دينية وسياسية هو يناقش (رمز) له حضور أيدلوجي واجتماعي وسياسي وعقائدي كبير، يعني عبدالناصر مش مجرد عبدالناصر، هذا ممثل لأيدلوجيا كبيرة اسمها (القومية العربية) والتي خلقت لاحقا تيار قومي خارج حدود مصر اسمه (الناصرية) وبالتالي عرض أي عمل فني خاص بهذا الرمز القومي..لن يصنع مقارنات جذرية كالفارق بين الأصل والشبه، بل يهتم بحضور الشبيه اللي بيرضيه (قوميا وسياسيا فقط) يعني لو جابوا ممثل (نص كم) يقوم بدور عبدالناصر ، فمجرد مكياج يرسم عبدالناصر مع بعض حركاته المشهورة يبقى خلاص هذا عبدالناصر..وشوفنا كتير مثلوا هذه الشخصية دون انتقادات جارحة، نعم يوجد نقد واجه ممثلي هذه الشخصية السياسية الكبيرة لكنه لم يكن قاسيا لأن حضور الشبيه القومي والسياسي (غطى) على الفارق بينه وبين الأصل..

وهنا يحضرني مبدأ فلسفي اسمه (علوّ الأيدلوجيا) حتى أنها تعلو فوق المادة والمحسوس، وهذا الذي يخلق الجماعات ويصنع بذرة الأحزاب..

نفس الشئ على تمثيل أي شخصية دينية، مجرد رسم صورتها بالمكياج مع استدعاء بعض حركاتها كافي جدا للتمثيل ، وحضور هذه الشخصية (الديني والمذهبي والعقائدي والفقهي والأيدلوجي) كافي جدا للتغطية على الفارق بين الأصل والشبه..ومسلسل الشعراوي خير نموذج، حيث توجد فروق شاسعة جدا بين كاريزما وحضور الشعراوي وبين كاريزما وحضور حسن يوسف من حيث الشكل وحركات الجسد ونطق اللغة الصحيح والبلاغة ونبرة الصوت وتعابير الوجه..إلخ، لكن حضور شبيه الشعراوي (دينيا ومذهبيا وعقائديا وفقهيا وأيدلوجيا) غطي على هذا الفارق الرهيب، وحصل المسلسل على شعبية كانت جاهزة لاستقباله مسبقا بحكم حضور شخصية الأصل من هذه الجوانب..

أما تمثيل (الشخصية الفنية) مختلف وغالبا يواجه الممثلين نقد قاسي جدا لأن (الفارق بين الأصل والشبه بيكون واضح للغاية) وهذا لاعتبارات لا علاقة للممثلين وصناع العمل به، فنجيب الريحاني مفيش منه غير واحد، لا يوجد ريحاني آخر في ذهن الجمهور..ونجيب لا يمثل أي مدرسة لها بعد شعبي (قومي – سياسي – ديني – مذهبي – عقائدي – أيدلوجي) لكي يكون له أنصار يقبلون حضور الشبيه بمجرد تحقيق هذه الأبعاد، وبالتالي الممثل الذي سيقوم بدور الريحاني يقوم بمهمة انتحارية وصعبة جدا لإقناع المشاهد، ومطلوب منه تقليد الريحاني (حرفيا) وهذا مستحيل..لأن مفيش غير ريحاني واحد توفى الله يرحمه سنة 1949 بمرض التيفود..

ثانيا: نقطة ضعف المسلسل برأيي هي علاقة المخرج محمد فاضل بزوجته فردوس عبدالحميد وحشرها في أي عمل فني كبير ومهم، وسبق عملّها قبل كدا في شخصية أم كلثوم سنة 1999..لكن الفيلم فشل لاعتبارات ليست فنية أكثر منها إدارية اجتماعية..زي توقيت عرض الفيلم الخاطئ في موسم الصيف الذي يميل فيه الجمهور لمشاهدة الأفلام الكوميدية والخفيفة، بينما فيلم أم كلثوم جاد ..ومشكلة تزامن الفيلم مع مسلسل أم كلثوم اللي عملته صابرين، فالجمهور حصلت له حالة تشبع نفسي من تمثيل الشخصية ولم يذهب للسينما واكتفى بمتابعة هذا العمل في التلفزيون بشكل مجاني، خصوصا إن المسلسل هيحكي تفاصيل كتير مش هيحكيها الفيلم..علاوة على مسألة قبول فردوس عبدالحميد كبطلة رومانسية فنية وملامحها الجادة والخشنة بعكس ملامح أم كلثوم الطفولية والمبهجة..

ثالثا: المؤلف والسيناريست الأستاذ محمد الغيطي هو مؤلف قدير، ولا يستحق هذا الهجوم القاسي، فهو وإن شاب العمل بعض الأخطاء لكن حضوره الفني بأعماله السابقة تشهد على ذكاءه وسعة خياله، وتشهد له أعماله الناجحة زي (مملكة الغجر وملح الأرض..وغيرها) وبرأيي أن مشكلة الأستاذ الغيطي الحقيقية تكمن في (تسكين الأدوار) وهذه مهمة شاقة بحاجة لعقل وخيال فلسفي كبير أظنه كان غائب عن بعض أعماله زي أدهم الشرقاوي (الفنان محمد رجب) وآخرها الضاحك الباكي، ومشكلة تسكين الأدوار ممكن تسقط أي عمل فني حتى لو مكتوب حلو..

علما بأن تسكين الأدوار الآن يقوم به غالبا (المخرج والمنتج) وأحيانا بطل العمل لو كان سوبر ستار، والمؤلف قد يكون رأيه استشاري مش زي زمان، وأتذكر بعض الأعمال الفنية القديمة كان المؤلف يشارك في تسكين الأدوار كمسلسل الراية البيضا لأسامة أنور عكاشة، ويحضر جلسات التدريب اللي بيسموها (بروفة الترابيزة) ...وغيرها

رابعا وأخيرا: أحترم كل نقاد العمل فبعضهم أصدقاء أعزاء ومفكرين كبار، وأيضا كل صناع العمل فبعضهم أصدقاء ممثلين أعزاء ومفكرين كبار..ونقد العمل مشروع ليس خيانة أو إسقاط ولا يجب فهمه بهذا الشكل، وبرأيي مجرد بقاء المسلسل (تريند) لنقده من الناحية الفنية (مفيد جدا) أولا: للعمل نفسه حيث يسهم ذلك في انتشاره، وثانيا: لصناع العمل في اكتساب الخبرة وتلافي الأخطاء وتطوير أعمالهم القادمة، لكن قبل النقد يجب دراسة ما قلته حول مشكلات تمثيل الشخصيات الفنية خصوصا لو صحبها حضورا تاريخيا وقتها يجب على صناع العمل أن يكونوا (مثقفين) ومُلمين بشكل كبير بالحدث التاريخي وجوانب أخرى من الدين والاعتقاد..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با