الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حُروبُ العِنَب

علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)

2022 / 10 / 29
كتابات ساخرة


(للبسماتِ نصيبٌ في نبراتِنا وبتهذيبٍ وشَذَب، لكيلا تنفرَ عبراتُ النفسِ من ثقيلِ قيلٍ متتابعٍ في مقالاتي مُنسَكب.
فالنفسُ لنبراتِ البسماتِ الرهيفةِ توّاقةً بطلَب، وأحلى البسماتِ هي تلكَ الوقائعُ المُنفَلِقةُ من تربةِ واقعٍ أسَرِيٍّ بصَخب، فيَرعاها قلمي عن كَثَب، ويُسقيها بمدادٍ صبب).

فقد وَلَجَت صَغيرتي الدّارَ عَصراً بتَذَمّرٍ وبجَلَب،
وتنوءُ بحَملٍ ثقيلٍ لحقيبةٍ مِن قراطيسَ ومن كُتُب،
فأبلَجَت على إمِّها بصَريخِ مُخَرَّمٍ لفؤادٍ فارغٍ من صَبرٍ ومِن عَتَب،
وبصِريحٍ مُتَبَرِّمٍ لعِنادٍ بالغٍ منهُ السَّخط بعَجَب:
"واهٍ أمَّاهُ، أينَ نصيبي مِنَ الرّمانِ والخوخِ والعِنَب! وقد خلتِ الثّلاجةُ إلّا من خُبزٍ في أرغفةٍ، ومن لُغزٍ في أغلفةٍ، ومن لبنٍ وزيتونٍ وحفنةِ حَباتٍ من رطب؟!".
ردَّت عليها أمُّها برَدٍّ جَعَلَ فؤادَ الصغيرةِ مُتَوَرّماً بطوائفَ من عَطَب:
"تَفَكَّهي أميمَتي بتلكَ الحَفنةِ لحباتِ الرّطب، حتّى يَسخنُ غَداؤكِ على سعرِ نارٍ ذاتِ لَهب".
فإِسْتَأْنَفَت الصغيرةُ بصريخٍ مُفتَعَلٍ مُنتَخَبُ، وبصريحٍ مُكتَمِلٍ مُقتَضَبُ، وصدَعَت بقريحٍ مُشتَمِلٍ لغَضَب:
" أينَ حظّي يا أبنةَ (فُضِّي) مِنَ خُمّانِ ورَوخِ وعَنب؟".
فإِسْتَنكَفَت أمُّها من لفظِ (فُضِّي) وذاك هو أسمُ أبيها بالنسب.
فإستعنفَتِ الحربُ على صغيرتِها بلا عتبٍ، وبلا تنديدٍ ولا شجب، لمّا إستنزَفَت كلَّ صبرٍ ورباطٍ للعَصَب.
أنا لم أزلْ في حُجرتي أستَرِقٌّ السَّمعَ خُفيَةً وعن جُنب، ولدَموعِ قَهقَهاتي كاتمٌ وبِنَدب. وأناجيَ النَّفسَ بحرفٍ وحاجبٍ قَطَب:
أمَا وإنَّ أباها ما كان فضّيّاً، وما هو من نحاسٍ ولا ماسٍ ولا ذهب، إن هو إلّا صنمٌ من حجارةٍ، أو من خَشَب، ذو وجهٍ لِلبياضِ خصيمٌ، وللرياضِ عديمٌ فلا حاجبَ فيه ولا حتّى هَدب.
وأمسى النّاسُ ينادونهُ ب (فُضِّيِّ) تندُّراً كأنّهُ أسمٌ ولَقَب. فلمَ حَمَى وطيسُ (أبنة فُضِّي) بصخَبٍ، ولمَ هذا الشَّغَبُ! أمَا عَلِمَت أنَّ المراءَ بشَغَبٍ يُفرِغُ الدارَ من بركاتٍ فيُحِيلُها الى صحراءٍ جدب؟
ولكن مهلاً، فلا غرابةَ في الأمرِ ولا عَجَب، فهكذا هي أسماءُ آبائنا في قريبٍ من حقب، أسماءٌ مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ لا في زُبُرٍ، ولا في عُرفٍ حكيمٍ بديعِ الذوقِ رفيعِ الحَسَب.
ويكأنَّ إنتخابَ أبائنا لأسماءٍ غريبةٍ كانَ عن شغفٍ، وكانَ عن رَغَب!
ويكأنّهم مغرمونَ ب ("فتوش" بن "نشنوش"، وب ("فدعوس" بن "فرطوس")، وبخالدِ الذّكرِ ("نعنوشَ" بن "حنتوش" المُكنّى "أبا ذَنَب").
بيدَ أنَّ صغيرتنا "عُلا بابا" ما أتَت بسَفَهٍ مشهودٍ مُرتَكب، ولا أفتَت بتَفَهٍ عن قِلَّةٍ من إدب، يُصَيِّرُهُ ميداناً لهجومِ أمِّهِ الضروس بلا سبب!
قالَت الأمُّ بجلجلةٍ ذي رُعْبٍ وبرَهَب:
" وَيْ، يا ذاتَ مَعيٍّ! ما صريخُكِ هذا إلَا عن قلّةِ تربيةٍ، ومن قلَّةِ أدب!
أمَا وإنَّ كِفلَكِ مِنَ رُمانِ ومن خوخٍ ومن عِنَب، مَخْبُوءٌ في جيوبِ ثوبِ أبيكِ، أو في جيوبِ روبِهِ المُزخرَفَ بنحلاتٍ ونملاتٍ بزَغَب،
روبُ أبيكِ -يا أبنةَ بطني- قصيرٌ مُتَمَلِّصٌ مُتَقَلِّصٌ فوقَ الرُّكب،
والثّوبُ والرّوبُ مُعَلَّقانِ خلفَ البابِ يحسَبهُما الرائي لبوسَ لذي ضنكٍ ونَصَب.
أفَنسيتِ يا أميمَةَ، أنّكِ خبّأتِ نصيبَكِ منَ الرّمانِ، ومنَ الخوخِ، ومنَ العِنَب، في الجيوبِ قبيلَ ذهابِكِ الى "مدرسةِ المجد"، أو "السَّعدِ" أو "الشّموخِ" أم "مدرسةِ الشعب"!
وَيْ يا ذاتَ معيِّ! مادامت أسماءُ مدارسِكم "مجدٌ" و"ذرىً" و"شموخٌ" و"شَعَبٌ"، فما بالُ المجدِ من الشّعبِ منذُ قرونٍ مسلوبٌ ومُغتصَب؟
بُهِتَتِ صغيرتي التي غَلَّتِ الفواكهَ بلا دَاعٍ ولا سَبب، فضَلَّت عن سواءِ السبيلِ بحالٍ مُحتَجَب،
بيدَ أنّ "علي بابا" رَدَّ على أمِّهِ بجوابٍ بحبَّاتِ خردلٍ مُحتَسَب، كخطابِ جُرذٍ ُمُتَنَطِّعٍ يُفاخِرُ بمآثرِ وبمناقبِ الجَرَب:
" حمداً للهِ يا أبنةَ (فُضِّي)، فلولا الخَبءُ لفُقِدَ حظِّي منَ العِنَب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل