الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة الشعب السوري الواحد

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2022 / 10 / 29
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


تزخر ما تعرف رسمياً باسم الجمهورية "العربية" السورية، (يرجى التركيز على صفة العربية) بعشرات الإثنيات والقوميات والأعراق والأديان والأمم والشعوب والأطياف المتنوعة غير المتجانسة لا ثقافياً، ولا فكرياً، ولا مذهبياً، ولا جينياً، لكن أعلام باب الحارة، أو إعلام البعث الطوباوي، كان مصراً على وصف هؤلاء مجتمعين، بـ"الشعب العربي السوري"، هكذا ومن دون أي "إحم" ولا دستور، ولا اعتبار، أو احترام للخصوصيات، والفروقات والتباينات الثقافية والديمغرافية واللغوية الموجودة بين كل هؤلاء الناس.
وثمة الكثير من الأساطير والخرافات والأكاذيب التي حاول نظام البعث الحاكم، لليوم، وعبر حوالي السبعين عاماً من حكمه، ويكاد يقترب فيها تماماً من عمر الاتحاد السوفييتي المقبور وحاول أن يكون دائماً نسخة، لكن رديئة و"مضروبة، منه، ترويجها وتسويقها، وزرعها في أذهان الشعوب والأمم والأجيال السورية، في واحدة من أكبر جرائم التطهير الثقافي في التاريخ المعروفة بـ"الأسلمة والتعريب"، ومن هذه الخرافات والأكاذيب خرافة العروبة، والقومية العربية، والانتماء العربي لسوريا، وعروبتها التاريخية قبل الغزو والاحتلال العربي والإسلامي. كما يزعمون، هكذا وبجرة قلم، حيث كان هناك محاولات لإلغاء وطمس هويات وثقافات ولغات وقوميات وأعراق، ومحوهم من الوجود و"دمغهم" بالخاتم العربي والإسلامي كما تتم عملية "دمغ" الذبائح "المنحورة" في المسالخ بعد ذبحها.
وعلى واقع الأرض، وصحيح أن اللغة العربية، هي اللغة الرسمية، والدارجة والمستخدمة من قبل هذه الشعوب جميعاً، بسبب اعتبارات الدين والانتماء الديني لشعوب المنطقة، التي تعرضت، كما هو معلوم، لعملية أسلمة إجبارية وللتهرب من الجزية وإقامة "الحدود" عليها، خلال الغزو الجماعي و"الفتوحات الكبرى" التي تعرضت وهذا مبحث آخر، لكن هناك عشرات اللغات واللهجات الأخرى المحكية، ومنها اللهجة "العربية" البدوية لسكان الجزيرة العربية بالسعودية والخليج، التي يتكلمها سكان مدن ومناطق كحوران والبادية ودير الزور والرقة، وهذا يدلل على أن سكان هذه المناطق هم من أصول عربية قحة، وليس كل السكان، الذين يتكلمون "لهجات" بمفردات عربية، لكنها لا تشبه بالمطلق لهجة البداوة والصحراء المعروفة باللغة العربية الأصلية، إضافة، كما أسلفنا، لعشرات اللغات واللهجات المتداولة المنتشرة في "جزر لغوية" منفصلة، وفي كل مدينة أو منطقة سكانية وديمغرافية سورية منفصلة كلياً عن المنطقة، والتي تكاد تشكل هوية خاصة ومختلفة لناطقها والمتحدث بها، فحالما ينطق "ابن السويداء" بثلاث كلمات، فستتعرف على اسم مدينته ودينه ومذهبه ومنطقته الجغرافية الكائنة في الجنوب السوري، ولسكان دمشق، أيضاً، لهجتهم الدمشقية "الناعمة" المعروفة على نطاق أوسع من كل اللهجاب، بسبب كونها العاصمة، لأن معظم رعيل الفنانين الأوائل كانوا من دمشق وكانوا يستخدمون اللهجة الدمشقية، وتسللت هذه اللهجة لكل بيت سوري، وفيما بعد، ومع انتشار الفضائيات، كانت تصل لكل بيت ناطق بالعربية في العالم، وهناك اللهجة الحمصية المحببة والمعروفة للجميع والتي لا يتقنها سوى الحمصي ومن خلالها تعرف أن المتحدث يحمل الهوية، وربما "الجنسية" الحمصية، وكذا الأمر بالنسبة لسكان منطقة الساحل السوري، حيث يبدو الأمر أكثر تعقيداً من جميع المناطق، ويتطلب الأمر دراسات عميقة وموسعة لمعرفة سبب أو أسباب هذه الظاهرة، ورغم أن قسماً كبيراً من السكان، من شمال حمص وحتى كسب، ينتمون مذهبياً للطائفة النصيرية "العلوية"، فهناك قسم لا بأس به من الطائفة السنية الكريمة (الناجية من النار)، وقسم آخر من الطائفة المسيحية، إضافة لأعراق أخرى، لكن يغلب النصيريون ها هنا، تاريخياً، وصارت أكبر تجمع بالعالم لهم، بعمق ديمغرافي حتى تركيا، وذلك منذ انهيار دولة بني حمدان العلوية 890-1003 وارتكاب المجازر الدموية بحقها من قبل الغزاة الأتراك العثمانيين "السنة"، هنا في الساحل تتنوع كثير من اللهجات وتختلف بين قرية وأخرى، ورغم وجود لهجات رئيسية غير عربية كالتركمانية، فهناك لهجة ريف اللاذقية وجبلة والقرداحة، هناك "اللهجة الطرطوسية"، المتباينة تماماً مع اللهجة العلوية في اللاذقية، وتقترب من اللهجة اللبنانية، وهناك لهجة أبناء مدينة اللاذقية (كما جسدها مسلسل ضيعة ضايعة) والمعروفة بخصوصيتها الشديدة جداً وهي مختلفة تماماً عن اللهجة النصيرية "العلوية" في طرطوس واللاذقية...
وكما يحتاج العربي أو المستعرب، في الشام، أو العراق، والجزيرة العربية، لمترجم أحياناً، كي يتفاهم مع عربي مفترض، أو مستعرب من شمال إفريقيا ومصر وتونس والجزائر والسودان (هناك شعوب عربية مفترضة لا تتكلم العربية أبداً كما الصومال وجزر القمر وجيبوتي العربية)، فقد يحتاج أبناء مناطق وقرى ومدن سورية أيضاً لمترجم كي يتفاهم السوري مع السوري نظراً لتباين اللهجات واللغات، رغم أن صقور وفلاسفة ومنظّري البعث وحيزبوناته الكبار يجترون أخدوعة كبرى بأن "اللغة العربية" تجمع ما بين السكان وهي عامل وحدة بينهم ودلالة على أنهم جميعاً عرب، ولن ندخل في متاهات استحالة إتقان هذه اللغة والتحدث بالفصحى حتى في قلب الجزيرة العربية...
وكما عرفنا واستدللنا، وبالمنطق، على وحدة الأصل والعرق والانتماء "القبلي" العربي للناطقين باللهجة البدوية العربية القحة المتطابقة مع لهجة سكان الجزيرة العربية، فإن تباين اللهجات وتنوعها واختلافها وصعوبة اتقانها بين منطقة وأخرى وتجمع سكاني وآخر يدل، بما لا يدع مجالاً للشك، على اختلاف أصول وانتماءات هذه الشعوب لعرق وأصل واحد، واستحالة أن يكونوا من سلالة "إثنية" واحدة، فاللهجة واللغة هي منتج بيئي-ديمغرافي وتشكل خصوصية جينية لمجموعة سكانية وتجمع بشري في زمان ومكان ما ما يفضي للاستنتاج باستحالة تجانس هذه الشعوب السورية "أو المتسورنة" ثقافياً، وجينياً، وعرقياً، والمستعربة، أي التي حاول نظام البعث الحاكم أن يجعلها عربية ويضعها، هكذا، قشة لفة، في سلة العروبة الواحدة والخالدة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ