الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار- العدد 69

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)

2022 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية




العدد /69/ تشرين الأولأوكتوبر2022
---------------------------------------------------------------------------------
الافتتاحية:
من أجل تحديد المرحلة السورية الراهنة
في كل مرحلة هناك تناقض رئيسي للقضايا يحدد طبيعة المرحلة التي يمر بها البلد المعني،وعلى هذا السياق اعتبر "البيان الشيوعي"أن التناقض الرئيسي في بريطانية هو التناقض بين الطبقة العاملة والبورجوازية بمجتمع من الرأسمالية المتقدمة،وبالتالي فإن المهمات ذات طابع اشتراكي،فيما في ألمانية المتأخرة فإن "البيان الشيوعي"قال بأن على الشيوعيين أن يتحالفوا مع البورجوازية من أجل انهاء الحكم المطلق والعلاقات الاقطاعية الماقبل رأسمالية ،وبالتالي فإن المهمات ذات طابع ديمقراطي.في المؤتمر السابع للأممية الشيوعية- الكومنترن بعام1935دعا المؤتمر إلى تشكيل (جبهة وطنية متحدة)تضم الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين للوقوف بوجه النازية والفاشية،فيمافي المؤتمر السادس عام1928كان الشعار هو (طبقة ضد طبقة).
في سوريا ومنذ عام2011نعيش أزمة وطنية عامة ،بعد انفجار انتفاضة اجتماعية واسعة ضد النظام السياسي القائم،وقد انقسم السوريون على إثرها بين كتل متساوية الحجم في ثالوث معارضة- موالاة- متردد. لم تستطع المعارضة الانتصار كماحصل في تونس ومصر بعام2011ولم يستطع النظام السوري تكرار انتصاره العسكري- الأمني في أحداث1979-1982،وأيضاً لم تستطع المعارضة والسلطة إيجاد تسوية تنهي المجابهة التي امتشق فيها السلاح من قبل السلطة ومن قوى معارضة عديدة بعد ستة أشهر من بداية الانتفاضة الاجتماعية التي بدأت بمدينة درعا في آذار2011ثم عمًت في أرجاء واسعة من الأرض السورية. أنتج هذا أزمة سورية داخلية نتيجة هذا الاستعصاء بين الطرفين المتجابهين ثم تحولت الأزمة السورية إلى أزمة إقليمية ودولية مع استعانة السلطة السورية بقوى إقليمية ودولية وهو ما سارت على منوالها قوى معارضة سورية ،وأيضا هذا حوًل سوريا إلى ارض للصراع الإقليمي والدولي وأيضاً كان غير محسوم بل استعصت توازناته ،ولم تجري محاولات حقيقية من الأطراف الإقليمية والدولية لحل الأزمة السورية بل اشتغل الجميع على استغلال هذه الأزمة عبر إدارتها بشكل تخدم مصالح المتدخلين والداخلين عبر جيوشهم والمليشيات التابعة لهم،ثم منذ عام2016هناك ثلاثة أقسام سورية تعيش انفصالاً جغرافياً،في غرب الفرات وفي شرق الفرات وفي المنطقة التي تخضع للنفوذ التركي الممتدة من بلدة بداما في جنوب غرب محافظة إدلب وحتى مدينة جرابلس على الفرات زائد جيب تل أبيض- رأس العين.،وهناك حالة من الاستنقاع للأزمة السورية شبيهة بماجري ويجري في قبرص بين شمال وجنوب يعيشان انفصالاً بحكم الأمر الواقع منذ عام1974.
نحن في الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)نرى أن التناقض الرئيسي في المرحلة السورية الراهنة هو تناقض وطني يتمثل في ضرورة إنهاء الحريق السوري عبر تسوية سياسية تجمع السلطة والمعارضة تحت المظلة الدولية وفق بيان جنيف1والقرار2254تنهي الانقسام الجغرافي الحاصل وتعيد الوحدة الجغرافية للبلد وعلى أن يتم هذا عبر حكومة انتقالية تقود البلد إلى وضع ديمقراطي ينهي التفرد القائم منذ 8آذار1963وخاصة بعد فترة مابعد16تشرين الثاني1970يكون فيه حرية للأحزاب والصحافة والجمعيات من أجل الوصول إلى صياغة دستور تجري على أساسه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية ،وضع انتقالي يتم فيه معالجة الجراح السورية الكثيرة من سجناء ومفقودين ولاجئين خارج البلد ونازحين داخل البلد بعودتهم لديارهم من دون مسائلة وإعادة الإعمار ورد المظالم لأهلها من سجناء سابقين وأصحاب أملاك صودرت لأسباب سياسية.
في هذا التناقض الوطني تأتي الديموقراطية قرينة للوطني بوصفها الطريق والحامل لإعادة إيقاف البلد على قدميه ونقله من نظام سياسي قائم كان سبباً للأزمة السورية العامة التي انفجرت في عام2011إلى نظام جديد تسود فيه الديموقراطية والحريات السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية. من هنا قولنا بأن التغيير يجب أن يكون تغييراً وطنياً ديمقراطياً وهو ما نشتغل عليه في حزبنا منذ المؤتمر الخامس للحزب عام1978ومن ثم عبر تحالفاتنا سواء عبر (التجمع الوطني الديمقراطي) عام1979أو (هيئة التنسيق الوطنية) منذ عام2011.
يمكن بعد مرحلتي (التغيير)و(الانتقال)أن يتغير التناقض الرئيسي لكي يصبح طبقياً،أوأن يصبح تحديثياً بالترادف مع التناقض الطبقي رغم أن الفوارق الطبقية قد أصبحت فاقعة حيث يعيش الآن تسعون بالمئة من السوريين تحت خط الفقر فيما الأغنياء الجدد قد أتوا من السلطة أوولدتهم السلطة التي استغلت الأزمة والحصار الخارجي من أجل أن تصنع السلطة الثروة أوتنزعها ،ولكن لايمكن تسبيق أوخلط (الطبقي)و(التحديثي) مع مهمات المرحلة القائمة،وخاصة في وضع مثل الذي تعيشه سوريا الآن حيث نصف السكان خارج بيوتهم التي كانوا بها في آذار2011وحيث ثلث السكان هم لاجئين خارج الحدود ،وحيث الانتظام الاجتماعي مخلخلاً نتيجة النزوح واللجوء ودمار البنية التحتية الاقتصادية.
------------------------------------------------------------------------------------------------
التغير المناخي والصراع يهلكان محصول الحبوب في سوريا
"رويترز"،20أيلول2022

صرّحت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إن تغير المناخ والاقتصاد المتعثر والقضايا الأمنية المتبقية أدت إلى تدمير محصول الحبوب في سوريا عام 2022 ، مما ترك غالبية مزارعيها في وضع غير مستقر.
وقال مايك روبسون ممثل منظمة الأغذية والزراعة في سوريا لرويترز إن محصول القمح في سوريا عام 2022 بلغ حوالي 1 مليون طن ، بانخفاض حوالي 75 ٪ عن أحجام ما قبل الأزمة ، في حين أن الشعير كان شبه معدوم.
وقد قلصت أنماطُ هطول الأمطار غير المنتظمة في الموسمين الماضيين محصولَ القمح السوري حوالي 4 ملايين طن سنويا مما كان عليه قبل الحرب ، و هي كمية تكفي لتحقيق سوريا اكتفاء ذاتياً إضافة الى التصدير إلى البلدان المجاورة في الاعوام الكريمة.
الآن بعد أكثر من عقد من الصراع ، يعاني العديد من المزارعين بسبب الظروف الاقتصادية القاسية والقضايا الأمنية في بعض المناطق، فضلاً عن الاضطرار إلى التكيف مع التغيّر المستمر للظروف الجوية.
ويضيف الحصاد الضئيل ضغطا على الحكومة السورية التي تعاني من العقوبات في الوقت الذي تكافح فيه للحصول على القمح من السوق الدولية. ولا تقيد العقوبات الغربية المواد الغذائية لكن القيود المصرفية وتجميد الأصول جعلت من الصعب على معظم الشركات التجارية التعامل مع دمشق.
وفشلت عطاءات الاستيراد الدولية التي أجراها "حبوب" ، المشتري الرئيسي للحبوب من الحكومة السورية ، مرارا وتكرارا في السنوات السابقة حيث تم الحصول على معظم القمح من روسيا الحليفة.
وارتفعت أسعار القمح العالمية أيضا منذ فبراير شباط بعد أن أوقف غزو موسكو لأوكرانيا صادرات الحبوب من البحر الأسود لعدة أشهر.
وقال روبسون: "تغير المناخ ليس سهلا على أي حال ، لكنه ليس سهلا على نحو مضاعف في مكان مثل سوريا مع تضخم مرتفع ، ولا استطاعة ، ولا مدخلات ذات نوعية جيدة وبعض القضايا الأمنية المتبقية التي لا تزال تلعب دورا في أجزاء من البلاد".
يعتمد الجزء الأكبر من محصول القمح السوري ، أو حوالي 70٪ ، على هطول الأمطارإذ ضعف نمو الري بسبب الحرب.
مقارنة بالمناطق المزروعة ، وصل الحصاد حوالي 15 ٪ مما توقعه المزارعون من مناطق القمح البعلي.
وقال روبسون:" تركز المطر في منطقة نزوله، ولم يتبع مساراته التقليدية".
وقال" تأخر بداية هطول الأمطار يعني تأخر المزارعين في الزراعة و عدم تمكنهم من إعداد أراضيهم في الوقت المناسب، المُلحَق بانتهاء الامطار في وقت مبكر بحلول مارس".
عادة ما يزرع المزارعون في سوريا محصول القمح في الفترة ما بين نوفمبر وديسمبر ويحصدون في مايو ويونيو.
كما يتعثر الاقتصاد السوري تحت وطأة الصراع المعقد والمتعدد الأطراف، الذي دخل الآن عامه الثاني عشر.
أدى انهيار الليرة السورية إلى ارتفاع أسعار الأسمدة والبذور والوقود الجيد اللازم لتشغيل مضخات المياه. وفي يوم الاثنين ، زادت سوريا من ضعف سعر الصرف الرسمي للدولار الأمريكي بنحو سبعة في المائة.
وينبغي أن تكون إنتاجية هكتار واحد من القمح المزروع في الأراضي المروية حوالي ثلاثة إلى أربعة أطنان ، ولكنها تبلغ حاليا حوالي اثنين فقط في الوقت الذي يعاني فيه المزارعون من نقص في المستلزمات الزراعية.
تواجد غير مستقر
إنّ وصول الانتاج الى مليون طن أقل بكثير من تقديرات الحكومة التي قدّرت وصوله الى 1.7 مليون طن.
لم ترد الحكومة على الفور على طلب للتعليق على الأرقام.
ويُترجم تقدير الFAO كحاجة لاستيراد حوالي 2 مليون طن من الخارج لتغذية المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

أدى انخفاض أسعار القمح العالمية في أغسطس ، العائد جزئيًا الى استئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا بموجب اتفاق يوليو بين كييف وموسكو ، إلى جعل الوضع أقل خطورة مما كان عليه قبل شهرين ، ولكن لا تزال هناك مخاوف بشأن قدرة الحكومة على توفير التمويل. للمشتريات.
وقال روبسون:" إن السوق (الدولية) تعود ببطء إلى العمل ، لكنني ما زلت قلقا لأنه من الواضح أن هناك حاجة إلى النقد الأجنبي لشراء القمح".
مع فشل محصول الشعير أيضا ، يختار بعض رعاة الأغنام التخلص من المخزون ، ويبيعون معظم حيواناتهم لأنهم غير قادرين على إطعامهم.
وكانت سوريا قادرة على إنتاج ما يتراوح بين 4 و5 ملايين طن من شعير العلف سنويا لتغذية مواشيها لكن كثيرين يكافحون هذا العام للحفاظ على معيشتهم.
وقال روبسون:" عندما احتاجوا إلى شراء العلف ، اعتاد مزارعو الأغنام بيع حيوان واحد لشراء طن من الشعير على سبيل المثال ، ويمكنهم إطعام 20 مع ذلك".
"هذا العام سيحتاجون إلى بيع 10 حيوانات."
وقد بدأت الآثار تظهر بالفعل في سوق المواد الغذائية حيث تباع لحوم الدواجن الآن بأكثر من لحم الضأن مع استمرار المزارعين الذين يعانون من صعوبات مالية في بيع أغنامهم.
وقال روبسون: "سينخفض السعر ولكن بعد ذلك سيصبح هناك نقص في الإمداد وذلك سيشكل مشكلة حقيقية".
المناطق الخصبة نسبيا في فصل الشتاء والتي يمكن استخدامها لرعي الحيوانات تعاني من مشاكل أمنية معيقة ، وبالتالي يفضل مربو الماشية عدم المغامرة هناك.
المزارعون الذين لم يتمكنوا من تحقيق ربح على مدى العامين الماضيين أصبحوا الآن منهكين ماليا وقد يفكرون في سبل عيش أخرى بدلا من تحمل المزيد من الديون لزراعة المزيد من الحبوب.
"صارت الزراعة البعلية غير مستقرة للغاية الوقت الحالي."
------------------------------------------------------------------------------------------------
الأجيال السورية الضائعة
المرصد السوري الاقتصادي
"البنك الدولي"،14حزيران2022

المرصد الاقتصادي السوري هو منشور اقتصادي جديد و نصف سنوي للبنك الدولي. ويهدف إلى تقديم معلومات مستكملة عن التطورات الاقتصادية الرئيسية والتوقعات والمخاطر والسياسات في سوريا ووضعها في سياق الصراع. كما يعرض نتائج العمل التحليلي الذي قام به البنك الدولي مؤخرا في سوريا. المرصد الاقتصادي السوري يمثل أحد آليات البنك الدولي لفهم الديناميكيات الاقتصادية والاجتماعية بشكل أفضل في البيئات الهشة والصراع والعنف.
مع الوصول إلى العام الثاني عشر ، ألحق الصراع في سوريا أثرا مدمرا على السكان والاقتصاد. أدى الصراع إلى تسريع انخفاض قيمة البنية التحتية من خلال إتلاف الأصول الاستراتيجية (قسم التدمير) وتعميق الشيخوخة الديموغرافية من خلال تشريد العديد من الأشخاص (قسم النزوح). بالإضافة إلى ذلك ، أدى الصراع إلى تآكل التماسك الاجتماعي ، وتدهور الحكم ، وأدى الى تقسيم ناطق كانت مسبقاً كتلة واحدة في سوريا (قسم الفوضى). وقد أدت هذه القنوات مجتمعة إلى خفض حجم النشاط الاقتصادي إلى النصف بين عامي 2010 و 2019.
وقد ساهم الصراع والنزوح وانهيار الأنشطة الاقتصادية في تدهور رفاهية الأسرة. كما ارتفع الفقر المدقع باستمرار منذ بداية الصراع ، مما يعكس تدهور فرص كسب الرزق والنضوب التدريجي لقدرة الأسر المعيشية على التكيف. أثّر التضخم المرتفع في سوريا على الفقراء والضعفاء بشكل غير متناسب. وبعيدا عن التأثير المباشر للصراع ، يعاني الاقتصاد من الآثار المركبة للوباء ، والظواهر الجوية السيئة ، والهشاشة الإقليمية ، وعدم استقرار الاقتصاد الكلي.
من المتوقع أن تستمر تعاسة الظروف الاقتصادية في سوريا بسبب النزاع المسلح المستمر و المطول، إضافة الى الاضطرابات في لبنان وتركيا وكوفيد -19 والحرب في أوكرانيا. ومع عدم اليقين الشديد بشكل غير عادي ، نتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا بنسبة 2.6 في المائة في عام 2022 (إلى 15.5 مليار دولار أمريكي بالأسعار الثابتة لعام 2015) بعد انخفاضه بنسبة 2.1 في المائة في عام 2021. إنّ المخاطر على توقعات النمو كبيرة وتميل إلى الجانب السلبي.
يبحث قسم التركيز الخاص في الاقتصاد السوري في العواقب الديموغرافية و و تلك المنزلة على سوق العمل نتيجة للصراع. يظهر السكان السوريون عجزا ذكوريا في عدد السكان البالغين سن الذروة وزيادة في مشاركة الإناث في القوى العاملة نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية ، على الرغم من التحديات التي لا تزال تواجهها النساء في الحصول على فرص اقتصادية متساوية.
----------------------------------------------------------------------------------------------------

الحراك الايراني:بصيص الأمل
- رامز باكير -
لم تخمد نار الاحتجاجات المناهضة للحكومة في ايران، والتي بدأت بطابع طلابي - نسوي عابر للاثنيات والطبقات، والتي كانت شرارتها مقتل الشابة «مهسة أميني» البالغة من العمر ٢٢ عاماً على أيدي من يسمون بالشرطة الأخلاقية. وتصاعدت الأحداث بشكلٍ متسارع وتتزايد المطالبة بالإلغاء الكامل لنظام الجمهورية الإسلامية و لتضم العديد من فئات المجتمع الطبقية و قطاعاته بجانب الطلبة والنساء لتشمل تجار البازارات وعمال وعاملات الشركات والنقابات، كان أهمها إضراب العمال في إحدى مصافي ترير النفط الكبرى في البلاد. مما دفع السلطات الامنية الإيرانية لشن هجوماً عنيفاً على المتظاهرين رداً على ذلك، حيث أدي الهجوم إلى اصابة الآلاف ومقتل ما لا يقل عن 144 ضحية من بينهم ٢٤ من الأطفال حتى تاريخ كتابة هذا المقال.
واجتاحت الفضاءات الاعلامية صور إضرام النار بصور المرشد و تمزيقها ورميها من أعالي الجسور، معظمها تمت على أيدي طالبات مدارس. مما انتها بالسلطات الامنية الايرانية إلى شن حملات اعتقال واسعة ضد المتظاهرات والمتظاهرين أبرزها تلك التي حصلت بالجتمعان يوم السبت ١ تشرين الأول/أكتوبر، حيث كان بتصور النظام انه سيخنق الحركة الناشئة في مهدها، لكن دون جدوى.

سياق الأحداث:

شهد العام الماضي وضع المرشد الأعلى لإيران «آية الله علي خامنئي» أسس جديدة لإطلاق موجة أخرى من
خطة «أسلمة القاعدة الشعبية» على حد تعبيره.
كان هدف خامنئي هو إنشاء "مجتمعه الإسلامي المثالي“، وهي مرحلة ممنهجة من مراحل اقامة نظام الثورة الثورة الإسلامية، كتلك التي حدثت في الصين الماوية «الثورة الثقافية»ـ والتي لايزال النظام الإيزاني هو ودائرته يعتبرونها غير مكتملة. تهدف هذه المرحلة بتصورهم إلى استئصال التأثيرات الغربية ”غير الاسلامية“ على المجتمع الإيراني عامةً، ولكن ضمنيّاً، كانت موجهة ضد النساء بشكلٍ خاص.
واتبع النظام الإيراني مؤخراً نهجاً جديداً لتسهيل صعود جماعي لمجموعة من التكنوقراط والأفراد ذوي التدين العقائدي الشديد، الذين يمكن التعويل عليهم لتنفيذ مشروع «المجتمع الإسلامي» لخامنئي.
كان من أبرز هؤلاء نائبة الرئيس لشؤون المرأة والأسرة «أنيسة الخزعلي»، والتي نقل عنها سابقاً قولها:
”عندما كان أطفالي أصغر، قرر زوجي أن لا يسمح لي بالخروج من المنزل إلّا لمدة 15 ساعة في الأسبوع.
بالطبع لقد امتثلت لأوامره!“.
تم تكليف الخزعلي وآخرين إدارة خطة سمية وقتها «خطة إعادة دور المرأة ”المناسب“ في المجتمع الاسلامي»، لدمجهنّ كمجرّد أمهات وزوجات، من بين هذه التشريعات تقييد ساعات عمل النساء، وخفض حصص الجامعات. وقال رئيسي في تصريح سابق له ”لا ينبغي التخطيط لساعات العمل بطريقة تتجاهل دور المرأة كأم وزوجة“، وأعلن في تصريح آخر ”من الضروري لجميع الشركات والإدارات وضع خطط عمل للنساد بطريقة لا تؤدي إلي تعطيل الحياة الأسرية“ في محاولة لزيادة معدل المواليد.
ويبدوا أيضاً أن خفض سن زواج الفتيات على جدول الأعمال أيضاً، نظراً لأن أكثر من ٣١ ألف فتاة تتراوح أعمارهنّ بين 10 و 14 عاماً تزوجن من رجال بالغين في ايران في عام ٢٠١٩ وحده.
لمحة عن تاريخ الحراك النسوي المعاصر في ايران:
من أهم سمات الحراك الإيراني الحاص، أن التاريخ قليلاً أو حتى نادراً ما شهد حركة بهذا الحجم، كانت شرارتها و نواتها نسوية بامتياز. ففي العودة بالزمن، و تحديداً بعد أسبوعين من الثورة الإسلامية الإيرانية، خرجت 100 ألف امرأة إيرانية إلي الشوارع للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في 8 آذار/مارس 1979، للاعتراض على هجوم النظام الاسلامي الجديد على حقوقهنّ.
واليوم و بعد 24 عاماً، و على الرغم من تدهور حقوق الانسان في المنطقة عموماً بشكلٍ كبير، لم تخمد الروح الثورية للمرأة الايراني وعاد شبحها للظهور. فقبل أربع سنوات ووسط احتجاجات ضخمة مناهضة للنظام في شارع الثورة في العاصمة طهران، أصبحن «فتيات شارع الثورة» أو بالفارسية «دختران خيابان انقلاب» رمزاً للمقاومة، حيث قامت البطلة الشابة «ويدا موحد» باعتلاء صندوق للكهرباء وخلعت حجابها ورفعته عالياً احتجاجاً على قانون الحجاب الساري منذ الثمانينات، أدي هذا العمل الجريء إلى إلهام النساء و انخراطهنّ بشكل أكبر في كل موجة احتجاجات، و أصبحن يتقدمن الخطوط الأمامية ضد النظام المتشدد في البلاد.
رغم كل ذلك، حدثت تلك المقاومة مع القليل من الاعتراف أو الدعم من الحركة النسوية و الحركات التحررية واليسار في الغرب و في عالمنا العربي، ولكن هذه المرة يبدوا الامر مختلفاً بكل تأكيد.
فالحركة هذه المرة نجحت بخلق شبكات تضامن اممي تجاوزت كل التوقعات، فهل ستجد هذه من يتلقفها سورياً و عربياً؟
إضراب القطاعات الأكثر حيوية:
شهد يوم الاثنين 10 تشرين أول/أكتوبر تحولاً كبيراً في الحراك الحاصل في ايران، حيث قام حوالي 4000 عامل من شركة «بوشهر» و «دامافاند» و «هنغام» للبتروكيماويات بالتظاهر و الإضراب إلى أجل غير مسمى لدعم الحركة. علاوة على ذلك، تم إغلاق شركة «Sadara Petrochemical Company» بشكل استباقي من قبل الرؤساء تحسباً من اضراب مماثل. تعمل هذه الشركات التي ذكرتها في مجمع «العسلية» للبتروكيماويات، والذي يعد من أكبر المجمعات الصناعية للبتروكيماويات في العالم.
وأغلق العمال المضربون طريقًا سريعًا يؤدي إلى المجمع بالحجارة والبراميل والاطارات المشتعلة، بينما رددوا هتافات مثل «الموت لخامنئي» و «لا تسميها احتجاجًا، إنها ثورة!»
بل ومن أهم ما سُمع من هتافات أحد العمال الذين يصورون الضربة "تحيا إيران! عاش اللورس والأتراك والأكراد والعرب والبختياريين! ” مما يظهر بعداً عمالياً أممياً للاحتجاجات آخذاً بالتنامي، جنباً إلى جنب مع الحراك النسوي.
الأمل الذي طال انتظاره:
مع استمرار الاحتجاجات، صعدت السلطات الأمنية الإيرانية حملتها القمعية الهائلة، وتم اعتقال المئات من المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان و صحفيين/ات و طلبة و حقوقيين/ات و من كافة الشرائح. و فرضت الحكومة الايرانية انقطاعًا آخر للإنترنت لمنع وصول الناس إلى شبكات التواصل الاجتماعية وتطبيقات المراسلة، للحد من نشر صور الاحتجاجات وصور حملات وممارسات الامن العنيفة والدموية، كتلك التي لطالما عانينا منها نحن على مدى عقود من الزمن، عدا عن القمع المزدوج للنساء، قمع السلطة الذكورية الأبوية المنتشر في مجتمعاتنا من جهة، وقمع سلطة الامر الواقع من جهة أخرى.
فهل من شأن هذا الحراك إعادة إحياء الأمل بتحرك عربي، ولكن هذه المرة بنسخة أكثر تقدمية و بصيغة جامعة وعابرة للطوائف والقوميات بل وعابر للأمم؟
---------------------------------------------------------------------------------------------------

محاولة منع امتداد الصراع بين إيران وإسرائيل في سوريا
جيل مورسيانو
"المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"- 2772018
دخلت سياسة الاحتواء الإسرائيلية تجاه إيران في سوريا مرحلة جديدة من المواجهة المباشرة بهدف تحقيق نتيجة حاسمة على الأرض. يرى صانعو القرار الإسرائيليون الآن فرصة سانحة لإزالة الوجود العسكري الإيراني طويل الأمد في سوريا من خلال مجموعة من الوسائل العسكرية والدبلوماسية. يرتكّز نهج اسرائيل على تقدير انّ هذا الهدف يمكن تحقيقه مع احتواء القتال على الساحة السورية. ومع ذلك، فإن هذا الموقف الاستراتيجي الجديد يزيد من احتمالية امتداده إلى ما وراء الساحة السورية إلى صراع إقليمي. أظهرت الأعمال العسكرية الإيرانية في سوريا، أنّ أهدافها تتجاوز منطق الردع الدفاعي وهي مدفوعة بطموح لزيادة إمكاناتها الهجومية تجاه إسرائيل. يجب أن تلعب ألمانيا دوراً نشطاً في جهد منسق من قبل دول E3 (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) وروسيا للضغط على إيران لتقليص وجودها العسكري مع تزويدها بإطار عمل لحفظ ماء الوجه لحماية مصالحها السياسية الأساسية.
بذلت إيران منذ صيف 2017، جهوداً لتحويل سوريا إلى منصّة للنشاط العسكري ضد إسرائيل، الأمر الذي أدّى إلى سياسة إسرائيلية جديدة تتمثل في "الاحتواء النشط" عبر جهود عسكرية ودبلوماسية مركّزة لتحديد الخطوط الحمراء للتعزيز العسكري الإيراني. في هذه العملية، زادت إسرائيل من مستوى المخاطرة التي ترغب في خوضها من أجل وقف المساعي الإيرانية. لم تكن حملة الاحتواء الإسرائيلية النشطة تهدف فقط إلى ردع إيران، ولكن أيضاً لإقناع روسيا -الحكَم الرئيسي في سوريا - بإدراج المخاوف الأمنية الإسرائيلية في النظام الجديد الذي كانت تحاول إنشائه في سوريا.
منذ شباط/فبراير 2018، ومع تحوُّل سيناريو المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران إلى حقيقة واقعة، أصبحت سياسة إسرائيل مدفوعة بمفهوم استراتيجي جديد. ترى القيادة الإسرائيلية الآن إزالة الوجود العسكري الإيراني في سوريا هدفاً ممكناً. كان مطلب إسرائيل الرسمي منذ بدء التدخُّل الإيراني هو إزالة إيران ووكلائها من سوريا. ومع ذلك، فقد حدّد صُنّاع القرار الإسرائيليون الآن مساحة للعمل الحاسم - فرصة سانحة - للدخول في حملة مستمرّة للقضاء على القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا. يتم توجيه هذا النهج الجديد وأهدافه الاستراتيجية من قِبل المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، وهي مدعومة بقوّة من القيادة السياسية، كما أوضح في 10 أيار/مايو وزير المخابرات الإسرائيلي يسرائيل كاتس: "إسرائيل حاسمة ... نحن نواجه إيران بمعضلة - ترْك سوريا أو نتأذى وندخُل في صراع ... في النهاية يتعلّق الأمر بتحطيم الإرادة الإيرانية للتواجد في سوريا."
يتشكّل التغيير الإسرائيلي في الموقف من خلال عاملين رئيسيين: الأول، تطوّرات دولية محدّدة تَعتبرها إسرائيل على أنها تضع إيران في حالة ضعف استراتيجي. وثانياً، رداً على المحاولات الإيرانية الأخيرة (10 شباط/فبراير، 10 أيّار/مايو) لمهاجمة إسرائيل مباشرة، فضلاً عن فشل سياسة "الاحتواء النشط" السابقة في ردع إيران عن بناء قوّاتها في سوريا.
كانت نقطة التحوّل في النهج الاستراتيجي لإسرائيل هي محاولة إيران الهجوم /التسلّل بطائرات بدون طيار إلى المجال الجوي الإسرائيلي في شباط/فبراير. بالنسبة لإسرائيل، كان هذا الإجراء بمثابة دليل لإعادة التقييم التشغيلي لسببين. أولاً، أظهر من الناحية العملية استعداد إيران لاستخدام سوريا كقاعدة لعمليات هجومية ضد إسرائيل. في هذا السياق، فإن قرار إيران باستخدام منصّة تحمل "توقيعًا" إيرانيًا مميزاً - أي طائرة بدون طيار إيرانية الصنع، بدلاً من استخدام وكلاء للعمل مباشرة ضد إسرائيل - دعم اعتقاد إسرائيل بأن إيران تهدف إلى التأكيد على مشاركتها. وكما قال ضابط إسرائيلي كبير: "هذه هي المرّة الأولى التي نرى فيها إيران تفعل شيئاً ما ضد إسرائيل - وليس بالوكالة ... وهذا فتح فترة جديدة." ثانياً، عرضت عدم قدرة روسيا - أو ربما عدم رغبتها - في منع حليفها العسكري من تنفيذ محاولات تسلل مباشرة إلى المجال الجوي الإسرائيلي، وتحدّى التصوّر الإسرائيلي، بأن روسيا تعمل كعامل احتدام لأعمال إيران ضد إسرائيل. كان من المرجح أن تعزز حقيقة أن المهمة انطلقت من قاعدة T4 الجوية ، حيث يوجد مستشارون روس بانتظام ، هذه الشكوك.
طريقة جديدة للعمليات
تسترشد المقاربة الإسرائيلية الجديدة حالياً بثلاثة مبادئ عملياتية.
1. أخذ المبادرة لضرب الإيرانيين مباشرة - تتجلى العقلية الإسرائيلية الجديدة من خلال تغيير أسلوب العمليات العسكرية. تستهدف الجهود العسكرية الحالية بشكل شبه حصري البنية التحتية والأفراد التابعين لإيران وحزب الله في سوريا. وكما قال ضابط إسرائيلي كبير سابقاً في 24 أيّار/مايو: "عندما نحدّد توطيداً (للقوات الإيرانية) أو إدخال أسلحة، فإننا نتحرّك". قبل حادثة الطائرة بدون طيار في شباط/فبراير، كانت الإجراءات العسكرية الإسرائيلية ضد أهداف تابعة لإيران تهدف إلى ردع إيران، بدلاً من إلحاق الضرر بقوّاتها. يمكن اعتبار الضربات الجوية مثل تلك التي أُطلِقت على قاعدة فارغة كان من المقرّر أن تسكنها الميليشيات الموالية لإيران في كانون الأول/ديسمبر 2017 بمثابة طلقة تحذير عبر القوس (مصطلح بحري يعني ضرب مقدّمة السفينة كنوع من التحذير- المترجم). كانت السياسة الإسرائيلية هي تقليل الخسائر الإيرانية من أجل تجنُّب المزيد من التصعيد. في أعقاب حادثة الطائرة بدون طيار، يبدو أنّ احتمال وقوع إصابات بين الأفراد الإيرانيين قد تحوّل من سيناريو يجب تجنّبه إلى هدف معلَن للعمليات الإسرائيلية. ونتيجة لذلك، تكبّد فيلق القدس الإيراني في سوريا عشرات الضحايا منذ شباط/فبراير بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية. إذا أُلغي التوقيع على سياسة الاحتواء النشط، للإشارة إلى التصميم الإسرائيلي ووضع خطوط حمراء في مواجهة إيران، فإن النهج الإسرائيلي الجديد يركّز على فرض هذه الخطوط من خلال الوسائل العسكرية. يَظهر نهج إسرائيل الجديد أيضاً في استعدادها الآن لإعلان مسؤوليتها عن بعض الضربات الجوية. إن المنطق الجديد للمناورة الحاسمة يقلّل من قيمة الحفاظ على الغموض التشغيلي والسياسي. بدلاً من ذلك، فهي تدعم الخطاب العام الذي يهدف إلى إعلان عزم إسرائيل على كل من الجماهير المحلية والدولية. في هذا السياق، فإن الدعم الواسع نسبياً الذي يتلقاه هذا النمط الجديد من العمليات في سوريا من الجمهور الإسرائيلي وعبر الخريطة السياسية المحلية، يوفر مزيداً من الدعم لسياسة المواجهة المفتوحة مع إيران.
2. التمييز بين إيران ونظام بشار الأسد - تركّز الضربات الجوية الإسرائيلية فقط على أهداف تابعة للحرس الثوري الإيراني وتجنُّب ، في هذه المرحلة، ضرب أو تهديد أهداف مرتبطة بنظام الأسد. وهذا يختلف عن استراتيجية إسرائيل قبل الحرب الأهلية، المتمثلة في تحليق طلعات جوية فوق القصر الرئاسي كوسيلة للضغط على الأسد لاحتواء حزب الله. يتم استهداف وحدات الجيش السوري فقط عندما تتورّط بشكلٍ مباشر في الاشتباك الإسرائيلي الإيراني - كما في حالة وحدات الدفاع الجوي السورية، التي تكبّدت خسائر فادحة في محاولاتها لمقاومة العمليات الإسرائيلية - أو عندما تستضيف قواعد الجيش السوري القوّات الإيرانية.
هناك ثلاثة تفسيرات محتملة لهذه السياسة التشغيلية. أولاً، التغيير الجذري في ميزان القوى بين إيران ونظام الأسد يقلّل بشكلٍ كبير من قدرة الأخير على التأثير على نشاط إيران في سوريا. ثانياً، من المرجّح أن يؤدّي هجوم إسرائيلي على القيادة السياسية السورية ورموز سيادتها إلى زيادة الاحتكاك مع راعيها الرئيسي - روسيا، التي يتمثل هدفها الأساسي في تعزيز قدرة النظام على الحكم. ثالثاً، قد يكون هذا التمييز مصمَّماً لدق إسفين بين الهدف المباشر، إيران، والطرف المصاب مباشرة، سوريا.
3. تضافر الجهود العسكرية والدبلوماسية - بالتنسيق مع الجهود العسكرية، تجري مناورة إسرائيل الحاسمة ضد الوجود الإيراني على المستوى الدبلوماسي. الهدف الرئيسي من هذه الجهود هو دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية من خلال الخطوات الدبلوماسية (والعكس صحيح). يتّضح هذا في الجهود الدبلوماسية المستمرّة التي يتم توجيهها إلى الجهات الفاعلة ذات الصلة من خارج المنطقة - روسيا والولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأوروبية الرئيسية - لإقناعهم باتخاذ مواقف ملموسة ضد جهود إيران المستمرّة في سوريا. كانت الجهود المبذولة لحشد الدعم الدولي ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا دافعاً رئيسياً وراء زيارة بنيامين نتنياهو إلى أوروبا في أوائل حزيران/يونيو وموضوعاً رئيسياً في اجتماعاته مع قادة ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. تتمثل سياسة إسرائيل في عرض الوجود الإيراني في سوريا ومحاولاتها لتحقيق قدرة نووية عسكرية، على أنهما مسألتان مترابطتان تؤثّران على تأثير إيران المزعزِع للاستقرار في المنطقة - التركيز على "إيران وإيران"، كما وصفها نتنياهو. ومع ذلك، يبدو من بين هذين الأمرين، أنّ القضية السورية قد حظيت بالأولوية، وهو ما يستلزم استجابة دولية فورية. تتوافق الجهود الدبلوماسية الإسرائيلية تجاه روسيا بشكلٍ مباشر مع النشاط العسكري الإسرائيلي.
يبدو أن العوامل العالمية التي تساهم في المواجهة المباشرة لإسرائيل, تعتمد على تصوّر إسرائيل عن نافذة الفرصة للعمل بشكلٍ حاسم ضد إيران، وهي تستند إلى تطورين رئيسيين في السياسات السورية للولايات المتحدة وروسيا. من وجهة نظر القيادة الإسرائيلية، تتحدّى هذه التطوّرات قدرة إيران على الحفاظ على وجودها العسكري طويل الأمد في سوريا، فضلاً عن تعزيز حرّية إسرائيل في المناورة العسكرية في سوريا. التطوّر الأول هو إعادة تعديل نهج روسيا تجاه دور كل من إيران وإسرائيل في سوريا. منذ أيّار/مايو 2018، كان هناك تغيير ملموس في موقف روسيا تجاه الوجود العسكري الإيراني طويل الأمد في سوريا، وتسامح أكبر مع سياسة الاحتواء الإسرائيلية. يفضح التصعيد المتطوِّر بين إسرائيل وإيران في سوريا، الفجوة بين مصلحة إيران الإستراتيجية في الحفاظ على سوريا كعنصر في استراتيجية الردع الخاصة بها تجاه إسرائيل، ومصالح روسيا الأساسية المتمثلة في تعزيز السيادة الفعّالة لنظام الأسد. حتى لو لم تكن أفعال إسرائيل ضد إيران موجّهة حالياً ضد نظام الأسد، فإنها لا تزال تلحِق الضرر بقدراته العسكرية، وتحمل خطراً محتمَلاً على مرونته السياسية. حتى الآن، كلفت هذه الإجراءات النظام جزءاً كبيراً من قدراته الدفاعية الجوية. من منظور أوسع، مع توقف القتال واستعادة نظام الأسد قدرته المستقلة على السيطرة على معظم الأراضي السورية، من المتوقع أن ينخفض اعتماد روسيا على الدعم العسكري من إيران. بالإضافة إلى ذلك، مع تحوُّل سوريا ببطء من الفوضى إلى النظام الجزئي، تتحوّل العلاقات الروسية الإيرانية تدريجياً من التحالف إلى المنافسة. تجد روسيا نفسها تتنافس مع إيران حول النظام السياسي المستقبلي في سوريا، فضلاً عن الفوائد الاقتصادية لإعادة البناء الشامل للبلاد. على الرغم من أنّ إيران لا تزال حليفاً عسكرياً رئيسياً في سوريا، إلا أنّ الواقع المتطوِّر يحوّلها تدريجياً إلى عبء على روسيا.
إنّ التغيير في التوازن بين روسيا وإيران محسوس بشكلٍ أساسي على مستوى الخطاب السياسي.
منذ أيّار/مايو 2018، يمكن ملاحظة تغيير واضح في خطاب القيادة الروسية فيما يتعلّق بشرعية الوجود العسكري طويل الأمد لإيران وحزب الله في سوريا، الأمر الذي أثار استياء إيران كثيراً. القادة الروس، الذين وصفوا ذات مرّة الوجود الإيراني المستقبلي بأنه شريك شرعي، يؤكّدون الآن على الحاجة لمغادرة القوّات الإيرانية وحزب الله سوريا بعد انتهاء الحرب الأهلية. بالنسبة لإسرائيل، فإن هذا التغيير في استعداد روسيا لمناقشة، ليس فقط وجود القوّات الإيرانية بالقرب من خط الهدنة الإسرائيلي-السوري لعام 1974، ولكن أيضاً الوجود العسكري الإيراني على المدى الطويل في سوريا، أمر مهم. وفقاً لذلك، أعاد القادة الإسرائيليون في اجتماعاتهم الأخيرة مع الزعيم الروسي في أيّار/مايو، تقديم مطلبهم بضرورة إخراج إيران لقوّاتها من سوريا.
على الرغم من التصريحات السياسية العامة، لا يزال هناك اختلاف أساسي في الآراء بين إسرائيل وروسيا فيما يتعلّق بنطاق الخطوات الروسية الحالية للحَدّ من الوجود العسكري الإيراني. بينما تركّز روسيا على التوصُّل إلى تفاهم من شأنه أن يبعد القوات الإيرانية عن خط الهدنة بين إسرائيل وسوريا، تؤكّد المطالب الإسرائيلية بوضوح أنّ "إيران يجب أن تغادر سوريا. كل سوريا". بالإضافة إلى ذلك، وبغضّ النظر عن النوايا، فإن القدرة العملية لروسيا على الحَد من انتشار القوّات الإيرانية لا تزال موضع شَك. لم تُظهر روسيا بَعد التزاماً بمنع الميليشيات الموالية لإيران من المشاركة في هجوم نظام الأسد الأخير في تمّوز/يوليو في جنوب غرب سوريا. على أي حال، فإن منع إيران من الانخراط في أنشطة في أجزاء أخرى من سوريا، ليس على أجندة روسيا حالاً. على الصعيد العملي، لا تزال روسيا تحاول الحفاظ على دورها المتوازن بين إسرائيل وإيران، مع الحفاظ على علاقات عمل فعّالة مع حليفها العسكري الإيراني على الأرض.
ومع ذلك، يبدو أنّ إعادة التعديل الحالية لروسيا تؤثر على موقفها العملياتي تجاه مطالب إسرائيل - والنشاط العسكري ضد - إيران في سوريا. منذ شهر أيّار/مايو الماضي، بذلت روسيا جهوداً دبلوماسية كبيرة لإعادة الانخراط في المناقشات بشأن مطلب إسرائيل بإبقاء القوات الإيرانية وحزب الله بعيداً عن خط الهدنة بين إسرائيل وسوريا. أشارت بعض التقارير إلى رغبة روسيا في الالتزام بمنطقة عازلة تمتد من 60 إلى 70 كم من خط الهدنة. تمّ تصميم الجهود الروسية لدعم هجوم النظام الناجح في جنوب غرب سوريا من خلال منع إسرائيل من العمل ضد القوّات المناورة. إنّ الدعم الروسي لمطلب المنطقة العازلة هذا ليس جديداً - فقد كان بمثابة الأساس لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي توسّطت فيه روسيا والولايات المتحدة في تمّوز/يوليو 2017. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة ذات مغزى بالنسبة لإسرائيل لسببين.
أولاً، يشير إلى رغبة روسية متجدّدة في اتخاذ خطوات نشِطة لفرض منطقة عازلة في المستقبل في منطقة الجولان. ثانياً، إذا تمّ قبوله، فسوف يوسع الإطار الجديد بشكلٍ كبير المنطقة العازلة التي حددتها اتفاقية تمّوز/يوليو ويقيد قدرة إيران على استخدام منطقة الجولان كمنصّة انطلاق لمهاجمة إسرائيل. في سياق الحملة العسكرية الإسرائيلية، أثار رد روسيا النقدي على الضربات الجوية الإسرائيلية في شباط/فبراير ونيسان/أبريل على قاعدة T4 الجوية، مخاوف أوّلية في إسرائيل من أنّ روسيا قد تفكّر في تعليق آلية التنسيق مع إسرائيل، أو حتى اتخاذ خطوات للحَد من حرّية إسرائيل في إطلاق عمليات في الأجواء السورية. في هذا السياق، يمكن اعتبار الصمت النسبي الذي ردّت به روسيا على العملية الإسرائيلية واسعة النطاق ضد البنية التحتية الإيرانية في سوريا في 10 أيّار/مايو ("عملية بيت الورق") دليلاً على تسامح روسيا المتزايد مع تصرّفات إسرائيل. حتى أنّ بعض التقارير زعمت أنّ روسيا أعطت إسرائيل الضوء الأخضر، للعمل ضد أهداف إيرانية في سوريا، طالما أنّ النظام غير مستهدَف. في بعض وجهات النظر، يمكن حتى أن يُنظر إلى روسيا على أنها المستفيد من تصرّفات إسرائيل، لأنها تشارك إسرائيل طموحها في كبح نفوذ إيران ولكنها تفتقر إلى القدرة على القيام بذلك. إنّ قرار روسيا الأخير في أيّار/مايو بالامتناع عن دعم سوريا بأنظمة دفاع جوي محدثة من طراز S-300 بمثابة إشارة إضافية إلى أنّ روسيا، لا تنوي تقييد حرّية إسرائيل في العمل في سوريا. لذلك يبدو أنّ إسرائيل تحقق على الأقل هدفها الأساسي في مواجهة روسيا - ضمان بقاء روسيا بعيدة عن طريق إسرائيل.
التطوّر الثاني هو إدراك إسرائيل لضعف إيران الاستراتيجي، في أعقاب قرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات ثانوية على إيران - يرتبط نهج إسرائيل المباشر في مواجهة إيران في سوريا باستراتيجية المواجهة الإيرانية التي تبنّتها مؤخّراً الإدارة الأمريكية. يتعلّق هذا بقرار الإدارة بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران (خطّة العمل الشاملة المشتركة - JCPOA)، وحتى أكثر من ذلك بقرارها بفرض مجموعة جديدة من العقوبات الشاملة على إيران. تقييم إسرائيل هو أنّ هذه العقوبات سيكون لها تأثير مباشر على موقف إيران الاستراتيجي، وكذلك على مرونتها الداخلية. يبدو أنّ القادة الإسرائيليين في السياق السوري، يعتقدون أنّ الآثار السلبية للعقوبات على الاقتصاد الإيراني، ستزيد الانتقادات الداخلية بشأن التدخُّل المكلِف في سوريا، وبالتالي، تعيق قدرة إيران على الحفاظ على وجودها العسكري. بالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز الجديد من قبل إدارة ترامب على تصرّفات إيران خارج حدودها، يثير الآمال الإسرائيلية في زيادة الدعم السياسي والاستخباراتي الأمريكي لحملة الاحتواء الإسرائيلية. تشير التقارير الأخيرة إلى أنّ الإدارة الأمريكية ستعبّر عن دعمها لمطالبة إسرائيل بإزالة الوجود العسكري الإيراني من سوريا خلال اجتماعه في 16 تمّوز/يوليو مع بوتين.
مخاطر التداعيات الإقليمية
لقد أظهرت إسرائيل في تصرّفاتها ضد الأفراد والمنشآت الإيرانية، استعدادها لقبول خطر المزيد من التصعيد، من أجل دحر الوجود الإيراني. ومع ذلك، فإن أحداث الشهرين الماضيين عزّزت التصوّر الإسرائيلي، بأنّ القدرات العملياتية لإيران يمكن تحييدها، دون أن يتدهور الوضع إلى حرب إقليمية. لذلك تهدف إسرائيل إلى شنّ "حرب فاخرة" ضد إيران في سوريا - مستخدِمة تفوّقها في القوّة النارية لتفكيك معقل إيران قطعة قطعة، دون دفع الثمن البشري والسياسي والاقتصادي لصراع كامل. على وجه التحديد، يُنظر إلى عدم وجود رد فعل إيراني على عملية "بيت الورق" في إسرائيل، على أنه تأكيد لمنطق "عزل الحلبة" - مفهوم العملية أنّ إسرائيل يمكن أن تدخُل في صراع عسكري مباشر مع إيران في سوريا، مع منع انتشارها في ساحات أخرى. ترتبط العقلية الإسرائيلية الحالية بالنجاح الملحوظ لردع إسرائيل تجاه حزب الله في لبنان. يُعتبر الحفاظ على حزب الله - ومخزوناته الهائلة من أكثر من 100000 صاروخ موجّه للجبهة الداخلية الإسرائيلية - بعيداً عن القتال، هدفاً رئيسياً من قِبل صُنّاع القرار الإسرائيليين.
ومع ذلك، فإن استمرار الصراع المباشر بين إيران وإسرائيل في سوريا، يزيد من فرص التصعيد، داخل الساحة السورية وخارجها. من المرجّح، على أمل استخدام نافذة الفرص المتصوَّرة لديها، أن تواصِل إسرائيل - بل وتزيد - معدّل وحجم هجماتها ضد أهداف إيرانية وأهداف حزب الله في سوريا، على سبيل المثال من خلال استهداف ضباط إيرانيين رفيعي المستوى. من المستبعَد جداً أن تستسلم إيران، من حيث المبدأ وبشكلٍ خاص في موقعها الدولي الحالي، لتحطيم إسرائيل وتقليص نشاطها العسكري تحت الضغط العسكري الإسرائيلي. مع تعرُّض خطّة العمل الشاملة المشتركة لخطر جسيم، والهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، أصبح احتمالاً صحيحاً مرّة أخرى، فإن قيمة البؤرة الاستيطانية السورية لسياسة ردع إيران تجاه إسرائيل أكبر من أيّ وقت مضى. بالإضافة إلى ذلك، مع تحدّي موقف إيران الدولي من قِبل الولايات المتحدة، فإن الانسحاب من سوريا تحت النار ليس خسارة يمكن لإيران أن تتحملها. وبالتالي، فإن استمرار وجودها في سوريا هو مصلحة استراتيجية رئيسية ومسألة هيبة وطنية. في المرحلة الحالية، تتجاهل كل من إسرائيل وإيران، الافتقار إلى الحافز لتوسيع نطاق الحرب خارج السياق السوري. ومع ذلك، فإن تصرّفات كلا الطرفين، تُظهر استعدادهما للمخاطرة بمزيد من تفاقم الصراع لحماية مصالحهما الأساسية في سوريا.
الحافز الرئيسي الذي يمكن أن يحوِّل الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا إلى صراع إقليمي هو خطر امتداده إلى لبنان. إذا قرّرت إيران إشراك حزب الله ومخزوناتها الهائلة من الصواريخ ضد الجبهة الداخلية لإسرائيل، فمن المرجّح أن تستخدم إسرائيل مستويات غير مسبوقة من القوة العسكرية، الأمر الذي يؤدّي إلى نتائج مدمِّرة للبنان. مع النظر في قدرات حزب الله الحالية على ضرب أهداف استراتيجية في إسرائيل، والاتجاه الإسرائيلي المتزايد لتصنيف حزب الله والجيش اللبناني والنظام السياسي اللبناني ككيان واحد، وتهديدات القادة الإسرائيليين بتحويل لبنان إلى "أرض قاحلة" في حرب مستقبلية، من المتوقع أن يكون مثل هذا الصراع أكبر حجماً من أيّ من جولات القتال السابقة بين الطرفين. يمكن أن يعجّل بسهولة توسُّعاً إضافياً للحرب إلى صراع إقليمي. مردّداً صدى الدفاع الإسرائيلي، تحذير الوزير أفيغدور ليبرمان من أنه "إذا هاجمت إيران تل أبيب - إسرائيل ستهاجم طهران"، فإن هجوماً على الجبهة الداخلية لإسرائيل من قبل إيران أو حزب الله، يمكن أن يحرِّض على رد إسرائيلي لن يكون محسوساً في لبنان وسوريا فحسب، بل أيضاً في إيران.
على المستوى الفوري، يمكن أن تؤدّي أربعة تطوّرات محتمَلة إلى مزيد من التصعيد وامتداد الصراع الإسرائيلي الإيراني إلى ما هو أبعد من النطاق السوري:
1. استمرار جهود إيران الحالية لبناء قدراتها العملياتية المستقلة في سوريا - على سبيل المثال من خلال وضع أنظمة أسلحة جديدة، واستيعاب قوّاتها في الجيش السوري كوحدات مستقلة، وتعزيز قدرة حزب الله الإستراتيجية على إلحاق أضرار بإسرائيل، وبناء قواعد جوّية وبحرية جديدة في سوريا، وانتشار حزب الله والميليشيات الموالية لإيران بالقرب من خط الهدنة لعام 1974. من المرجَّح أن يؤدّي التعزيز التدريجي للقوات الإيرانية في سوريا، إلى رد إسرائيلي قوي وديناميكية التصعيد المتبَادَل.
2. انتقام إيراني متأخر على "عملية بيت الورق" - بهدف السعي للانتقام من الخسائر الإيرانية وردع الهجمات الإسرائيلية الإضافية. يمكن أن يتم شن مثل هذا الانتقام من الأراضي السورية في شكل وابل صاروخي آخر ضد المنشآت العسكرية الإسرائيلية في الجولان، أو هجوم عالي المسار ضد أهداف استراتيجية في إسرائيل، أو هجوم تكتيكي من قِبل الميليشيات الموالية لإيران على القوّات الإسرائيلية في خط المناوشات في الجولان. ويمكن أيضاً تكرار التكتيكات السابقة للحرس الثوري الإيراني وإطلاقه ضد أهداف إسرائيلية في الخارج. من المرجَّح أن يثير الانتقام الإيراني - وخاصّةً الذي يحاول توسيع القتال ليشمل ساحات أخرى، أو الإضرار بالجبهة الداخلية الإسرائيلية - رداً إسرائيلياً قوياً، والذي من غير المرجّح أن يظل مقصوراً على سوريا وحدها.
3 - اشتباك إسرائيلي برّي مع فيلق القدس/الميليشيات الموالية لإيران، في أعقاب حملة الأسد لاستعادة السيطرة على منطقة خط الهدنة - يتحدّى إدراج حزب الله والميليشيات الموالية لإيران في الحملة الحالية لسياسة إسرائيل الأساسية، المتمثلة في معارضة وجود القوّات الموالية لإيران بالقرب من خط الهدنة. قد يؤدّي الفشل الروسي في منع الانتشار المستقبلي للقوّات الموالية لإيران في المنطقة، إلى قيام إسرائيل بمهاجمة هذه القوات. تكتسب هذه المخاوف صلة برفض إيران العلني لأيّ قيود على نشاطها الحالي في جنوب سوريا.
4. بصرف النظر عن سيناريوهات التصعيد غير المقصود، يمكن أن ينجم امتداد الصراع أيضاً، عن قرار مع سبق الإصرار من قبل القيادة الإيرانية. مثل هذا القرار بالتصعيد يمكن اتخاذه إذا أعادت الجهود العسكرية الإسرائيلية إيران إلى الجدار في سوريا. بينما تهدف سياسة إسرائيل إلى دفع إيران إلى منعطف اتخاذ القرار، حيث يتعيّن عليها الاختيار بين مغادرة سوريا وتصعيد القتال، فقد تجد إسرائيل أنّ إيران تختار الخيار الثاني وتوسيع نطاق الصراع. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يَحدث تصعيد من جانب إيران أيضاً، كنتيجة للتطوّرات الدولية الأوسع، والتي قد يفسّرها النظام في إيران، على أنها تهديد لاستقراره: على سبيل المثال، انهيار خطّة العمل الشاملة المشتركة، وهو تقدير بأن هجوماً إسرائيلياً وشيكاً على وشك أن ينطلق ضد منشآت إيران النووية، أو صراع إقليمي مباشر مع السعودية ودول الخليج. أيّ تطوّر من هذا القبيل يمكن أن يخلق حوافز جديدة لصُنّاع القرار الإيرانيين، لتحدّي الوضع الراهن من خلال استخدام الورقة الرابحة السورية، لما تستحق.
مقاربة أوروبية روسية للتهدئة
أظهرت إيران منذ أوائل عام 2018، طموحاً لاستخدام تدخّلها المباشر في سوريا، كفرصة لتحويل البلاد إلى منصّة استراتيجية لعمل هجومي ضد إسرائيل. تبنّت إسرائيل ردّاً على ذلك، مقاربة "الكل أو لا شيء" تجاه الوجود الإيراني في سوريا، وبلغت ذروتها في جهد عسكري لصد إيران. يضع هذا النهج هدفاً سياسياً يصعب تحقيقه دون إشعال فتيل حرب إقليمية. يجب أن يكون الهدف الرئيسي للمجتمع الدولي هو وقف التصعيد بالضغط على إيران لتقليص وجودها العسكري في سوريا، مع إقناع إسرائيل بالامتناع عن استخدام القوّة العسكرية في سوريا. يتطلّب هذا الهدف نوعين من الجهد. أولاً، يستلزم تسوية دولية صارمة ضد جهود إيران المستمرّة لتعزيز قدراتها العملياتية في سوريا. ثانياً، يستلزم أن يقدّم المجتمع الدولي تفاهماً بين إسرائيل وإيران، حول قيود الوجود العسكري الإيراني المستقبلي في سوريا. في هذا الصدد، يجب أن تتبع نهج "المسار المزدوج" الذي يجمع بين الحوار الدبلوماسي مع الإجراءات الملموسة للضغط على إيران، كما فعلت دول مجموعة E3 (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) في المراحل الأولى من المفاوضات النووية مع إيران. بالنظر إلى مصالح وقدرات الجهات الفاعلة الدولية، فإن الإطار الأكثر فعّالية لتحقيق التقليص هو الجهد المشترك الذي تقوده دول E3 بالتنسيق مع روسيا.
إن امتداد الصراع إلى لبنان وخارجه سيكون له تأثير مزعزِع للاستقرار في أوروبا. مع وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان وحده، من المرجّح أن يؤدي مثل هذا الصراع إلى نزوح جماعي جديد للاجئين نحو أوروبا. كما أنّ الصراع من شأنه أن يخلق سياقاً مثيراً جديداً، الأمر الذي يؤدّي إلى تكثيف الأنشطة الإرهابية والتطرّف في جميع أنحاء القارة. بالإضافة إلى ذلك، من المرجّح أن يؤدّي ذلك إلى انهيار خطّة العمل الشاملة المشتركة.
يعتمد أحد الجوانب الحاسمة في تحقيق التقليص، على تزويد إيران بنهج يحفظ ماء الوجه، لتقديم مثل هذه التسوية الإستراتيجية، ولتأمين التزام إسرائيل بالحل الوسط في نفس الوقت. يمكن تحقيق ذلك من خلال إشراك إيران في عملية تحديد القيود المقبولة على وجودها في سوريا، وتنفيذ التقليص التدريجي بطريقة تدريجية لتجنُّب ظهور الهزيمة. يجب تصميم هذا الجهد للتعامل أولاً مع الأمور الملحّة لتقليل القدرات الهجومية لإيران، والتنفيس المسبَق عن وجود القوّات الموالية لإيران في محيط خط الهدنة. في وقتٍ لاحق، يمكن توسيعها للتعامل مع القضايا الإستراتيجية المتمثلة في الوجود الإيراني طويل الأمد في سوريا، وإمداد إيران بالأسلحة المتطوّرة لحزب الله. التحدّي هو إيجاد صيغة تلبّي احتياجات إسرائيل الأمنية، مع السماح لإيران بالحفاظ على مستوى معيّن من النفوذ السياسي والاقتصادي في سوريا، وكذلك السماح لقادتها بحفظ ماء الوجه.
إلى جانب الهدف الفوري المتمثل في منع التصعيد الإقليمي، يمكن أن يؤدّي التقليص التدريجي للقوّات الإيرانية في سوريا، إلى خلق ديناميكية إيجابية في دعم الجهود المبذولة، للحفاظ على خطّة العمل الشاملة المشتركة. تخدُم الأنشطة العسكرية الإيرانية خارج حدودها، كمبرِر واضح لكل من الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، لمعارضة خطّة العمل الشاملة المشتركة. وبالتالي، يمكن أن تكون معالجة الموضوع بمثابة نقطة انطلاق، لإعادة الانخراط الدبلوماسي من قِبل جميع الأطراف المشارِكة في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة.
تشارك دول E3 بالفعل في حوار استراتيجي مع إيران حول سياستها الإقليمية من خلال إطار "الحوار الهيكلي"، الذي أطلقته ألمانيا خلال مؤتمر ميونيخ للأمن 2018. في هذا السياق، يجب أن يصبح النشاط العسكري الإيراني في سوريا، قضية أساسية إلى جانب الجهود الرئيسية لمجموعة E3 للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة.
لدى ألمانيا القدرة على أداء دور مهم في هذه الجهود. يمكن لألمانيا من موقعها الخاص كشريك استراتيجي لإسرائيل، وكطرف في حوار مستمر مع إيران - والتي تتمتع معها بمصداقية نسبية وإمكانية الوصول السياسي - أن تقود الحوار الاستراتيجي مع الطرفين، حول صيغة محتمَلة لوقف التصعيد. إنّ إدراج روسيا في مثل هذا الإطار هو أمر حيوي، ليس فقط من حيث النفوذ، ولكن أيضاً لتوفير وسيلة فعّالة لدعم قواعد الاشتباك المتفق عليها. نظراً لوجود جنودها على الأرض وهيمنة في المجال الجوي السوري، فإنّ روسيا هي الفاعل الدولي الوحيد القادر على مراقبة - وربما حتى فرض - شروط مثل هذا التفاهم. أدّى التغيير التدريجي في موقف روسيا تجاه الوجود الإيراني طويل الأمد في سوريا، إلى تقارب التصوّرات بين روسيا ومجموعة E3 فيما يتعلق بالقدرة القابلة للاشتعال لأنشطة إيران الحالية في سوريا. ويخلق هذا أرضية مشتركة لجهود دبلوماسية مشتركة خلف الكواليس (E3 + روسيا) للضغط على إيران لقبول القيود المفروضة على نشاطها العسكري في سوريا.
صعود اليمين في أوروبا: ثقافة أم مخاوف حقيقية؟
نادر عازر
شهدت أحزاب اليمين القومي والمتطرف، في العديد من الدول الأوروبية، صعوداً كبيراً في شعبيتها كالسويد وإيطاليا وهنغاريا (المجر) وفرنسا، متزامناً مع تراجع واضح للأحزاب التقليدية المتمثلة بثنائية الحزبين المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين، وسط صدمة في أوساط اليسار وازدياد تساؤلاتهم وحيرتهم، وخاصة بعد أن سبقت بريطانيا هذه الدول في ميلها للخروج من الاتحاد الأوروبي وتسببها في هزيمة ساحقة لحزب العمال مقابل المحافظين عام ٢٠١٩.
في المملكة الاسكندنافية، حقق حزب ديمقراطيو السويد(وهو حزب اليمين المتطرف) صعوداً كبيراً، حاصلاً على نتيجة ٢٠,٥٪ من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ١١ أيلول/سبتمبر عام ٢٠٢٢، ليصبح ثاني أكبر حزب في البلاد، بعد أن كان ثالثاً في الانتخابات الماضية، وسادساً عام ٢٠١٠.
وتعود جذور حزب ديمقراطيو السويد لحركات يمينية متطرفة ونازية، وكشفت الصحافة عن سلسلة فضائح عنصرية كثيرة على مر السنين وحتى الانتخابات الحالية، مما أحرج الحزب واضطره لإقصاء الكثير من أعضائه وسياسييه جراء ذلك، وعمل على تنقيح سياسته لجعلها أقل تطرفاً، وأكثر تناسباً مع المجتمع، محاولاً إبعاد تهم العنصرية عنه وتثبيت أيديولوجيا القومية المحافظة عليه.
وأعطت صعوبات اندماج العديد من القادمين الجدد في المجتمع، وارتفاع معدلات الجريمة في السويد دفعاً كبيراً لليمين القومي، وخاصة مع تزايد عمليات إطلاق النار والانتقام والاغتيالات المتبادلة بين أفراد العصابات وقادتها وتصفيتها لبعضها البعض، رغم أن معظم حالات الجريمة المنظمة تعود لعصابات كبيرة ومتعددة الجنسيات ومتواجدة منذ زمن طويل في أوروبا، ولا رابط مباشر بينها وبين اللاجئين الجدد.
ومن جهته، يعمل حزب المحافظين السويدي، الذي حلّ في المرتبة الثالثة بنسبة ١٩٪، على تشكيل الحكومة إلى جانب الحزب المسيحي الديمقراطي، على أن يتلقى الدعم من ديمقراطيي السويد والحزب الليبرالي، لتتشكل كتلة يمينية محافظة مع دعم ليبرالي. وذلك مقابل أن يحصل حزب ديمقراطيو السويد على مناصب عديدة في اللجان البرلمانية وتنفيذ العديد من سياساتهم كوقف تام لاستقبال اللاجئين والمهاجرين وتشديد العقوبات على المجرمين وترحيلهم.
وفي الضفة المقابلة، تلقى تحالف تحالف يسار الوسط السويدي هزيمة موجعة، وذلك بعد أن حكم المملكة لولايتين متتاليتين، بقيادة حزبي الاشتراكي الديمقراطي والبيئة بدعم من حزبي الوسط واليسار. وجاءت الهزيمة رغم تزايد أصوات الحزب الاشتراكي الديمقراطي والذي يعد الأكثر حكماً للسويد، بحصوله على أكثر من ٣٠٪، لكن تراجع حلفائه في أحزاب البيئة واليسار والوسط التي حصلت مجتمعة على ١٨,٥٪ فقط، جعل من المستحيل على هذا التحالف الحصول على الأكثرية وتشكيل الحكومة.
وفي إيطاليا، برز حزب إخوة إيطاليا ذو الجذور الفاشية، بقيادة جورجيا ميلوني، وهي المرأة الأولى التي سترأس وزراء إيطاليا، لكن في حكومة هي الأكثر يمينية منذ الحرب العالمية الثانية.
وحصل حزبها على أكثر من ٢٦٪ من الأصوات، في انتخابات أيلول ٢٠٢٢، كما حصل ائتلافها على ما يقارب ٤٤٪، ويتكون من حزب فورزا إيطاليا بقيادة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني، وحزب الرابطة بقيادة ماتيو سالفيني.
ورفعت جورجيا ميلوني الشعار القديم "الرب، الوطن، العائلة"، وهي منتقدة شديدة لما تسميه لوبيات مجتمع الميم وتزايد نفوذ المثليين وتأثيرهم على قيم العائلة والإنجاب. كما دعت إلى فرض حصار بحري على سواحل ليبيا لوقف قوارب المهاجرين، وقالت إنها ستعمل على محاربة "أسلمة" أوروبا.
لكن ميلوني أكدت أنها مؤيدة لحلف شمال الأطلسي وليس لبوتين، على عكس ما هو سائد بين الكثير من اليمينيين والقوميين في أوروبا وأمريكا.
كما أمام ميلوني تحديات كبيرة منها الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة نتيجة الحرب الأوكرانية، وأزمة الديون التي تصل إلى ١٥٠٪ من إجمالي ناتج إيطاليا المحلي، لتكون الأعلى في منطقة اليورو بعد اليونان، إضافة إلى مشكلة التضخم، وموجة جديدة متوقعة لكورونا في الشتاء.
وفي هنغاريا، حصد حزب فيكتور أورلان القومي الشعبوي فيدس (الاتحاد المدني المجري) أكثر من نصف الأصوات في انتخابات نيسان ٢٠٢٢ البرلمانية.
إن بدايات موجة صعود الأحزاب اليمينية والقومية المتطرفة تعود إلى موجة الهجرة الكبيرة إلى أوروبا بعد عام ٢٠١٤ التي تسببت بأزمة لاجئين، وخلقت انقساماً بين مؤيد ومعارض، ومرحّب ورافض، حيث واجه عديدون مشاكل في الاندماج بالمجتمع الجديد، رغم أن كثيرون حققوا نجاحات كبيرة على أصعد مختلفة وقدموا الكثير للمجتمع.
واستغلت الأحزاب اليمينية الأوروبية الصعوبات التي تعرّض لها المهاجرون وعملوا على لصق كل مشاكل المجتمع بهم، محاولين تضخيم معدلات البطالة لدى المهاجرين واعتمادهم الكبير على المعونات الاجتماعية وكثرة الإنجاب مقارنة بغيرهم، وما يرونه من عمليات "أسلمة" لبلدانهم، حتى بات كثيرون من سكان القارة العجوز يرون على أن ما يحصل تهديد وجودي ويستهدف إلى تدمير مجتمعاتهم وقيمهم وعاداتهم.
وما سهّل من تغلغل أفكار الأحزاب اليمينية الأوروبية ومكّنها من تأجيج مشاعر الخوف لدى المواطنين، كان تراجع مستوى المعيشة بشكل عام خلال العقود الأخيرة، وتداعي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وخاصة أثناء جائحة كورونا وما رافقها من ركود اقتصادي، وثم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي ولّدت أزمة طاقة حادة في أوروبا وأنذرت بأزمة غذاء في العالم وزادت معدلات التضخم.
أدى تجمع كل تلك العوامل بكثير من الأوروبيين إلى تعليقهم آمالاً على الأحزاب اليمينية، بحلتها الجديدة، ورغبتهم بتجربتها بالحكم لربما تجعل بلدانهم "عظيمة مجدداً" وفق المبدأ الذي رفعه الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب.
وعند النظر إلى التغيرات الأيديولوجية، يلاحظ حالة تراجع في شعبية الليبرالية كنموذج اقتصادي واجتماعي مفتوح، وكأيديولوجيا ومجموعة قيم وما يرافقها من أفكار سادت لفترة طويلة في القارة الأوروبية، وخاصة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، حيث ازدادت قوة مفاهيم الانفتاح الاجتماعي وتعدد الثقافات في القارة.
أما العديد من اليساريين والاشتراكيين في أوروبا فهم ما يزالون يتخبطون منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وكأنهم يعيشون في عالم آخر، ويقرأون السياسة وفق رغباتهم وليس وفق الواقع الذي يعيشه المواطن، أو المخاوف التي يراها أمامه والهموم الحقيقية والآنية، كما يرون جميع أنواع الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبدون استثناء على أنها طبقية دائماً وأبداً. مثل الخطأ الكبير الذي ارتكبه جيريمي كوربين في بريطانيا عندما ركز على السياسات الطبقية، وتجاهل كل استطلاعات الرأي، فيما معظم البريطانيين كان همهم الأساسي ومطلبهم الأول هو الخروج من الاتحاد الأوروبي.
واستند العديد من اليساريين في تحليلاتهم إلى التفسيرات الثقافية والإعلامية، وكأن وعي الإنسان لم يعد يتحدد وفق وجوده الاجتماعي.
ومن جانب آخر، بما أن دونالد ترامب حكم لولاية واحدة فقط قبل أن يغير أغلبية الأمريكيين رأيهم. وبما أن حزب الرابطة الإيطالي الذي حكم في فترة قريبة سابقة، تراجعت شعبيته مع سوء إدارته للبلاد وعدم تمكنه من التعامل بنجاح أزمة كورونا التي أوجعت البلاد، فإنه تبقى أسئلة مهمة حول النتائج السياسية والاقتصادية التي ستترتب عليها فترة حكم هذه الأحزاب اليمينية القومية. والفترة التي ستستطيع التواجد فيها بمراكز القرار في الدول الأوروبية.


من زوايا الذاكرة:
عود على بدء
(متابعة سلسلة من زوايا الذاكرة)
- الدكتور جون نسطة -
بعد انقطاع عن الكتابة، دام أشهراً عديدة بسبب مرض شديد أقعدني في مشافي برلين لفترات طويلة، أعود اليوم إلى الكتابة، بعد مناشدة الكثير من القراء لمتابعة زوايا من الذاكرة.
كنا توقفنا سابقاً عند تكليفي بالإشراف على دورة تدريب أطباء الأسنان علمياً وإدارياً على الإسعافات الاولية، حيث لم تكن المهمة التي كلفني بها الدكتور مصطفى سلّاخو سهلة وهينة، فتعليم أطباء أسنان مباديء الإنعاش الطبي واسعاف المرضى وتحرير طرق التنفس وإجراء التنفس بواسطة الكمامة إلى التنبيب الرغاميّ، من الأمور المعقدة والصعبة طبياً.
ولأن المعرفة المهنية بكل فروعها تعتمد على أمرين، القاعدة النظرية، والتدريب العملي.
لذلك عكفت مدة أسبوعين على كتابة كرّاس مختصر أشرح وأوضح فيه المعارف النظرية مع بعض رسوماتها لهذا العلم الواسع.
كنت كل يوم أقوم بتدريس المواد النظرية لمدة ساعتين، ثم أرافق الأطباء المتدربين إلى غرف العمليات للتدريب العملي، وأريهم أحياناً مراحل تخدير المرضى المعقدة والصعبة.
برز من بينهم في سرعة اندماجهم ورغبتهم الواضحة في التعلم، بعض الأسماء، منهم الدكتور مازن علوش المتميز بذكائه وبقدرته على التقاط أدق اللحظات.
وبالتالي زاد اهتمامي به مقدماً الكثير من المعلومات خارج ساعات الدوام، وأصبحت أكلفه ببعض المهمات كزيارة المرضى قبل يوم من إجراء العمليات الجراحية، وفحصهم وتحضيرهم نفسياً لما ينتظرهم مع شرح الأخطار الممكنة.
ومع نهاية الدورة أصبح الدكتور مازن شبه طبيب تخدير من حيث المعارف والمهارات.
كانت عيادتي وعيادة زوجتي المجانية لكل المرضى فقيرهم وغنيهم ملحقة ببيتي الذي يقع في حي القصاع امتداد شارع بغداد القريب من المستشفى الفرنسي، مقابل كنيسة الصليب. كان البيت ذي الفرش المتواضع جداً، يضج بالزوار والضيوف من الرفاق والأصدقاء. وكان الرفاق رياض الترك وفايز الفواز ويوسف نمر ومحمد ديب الكردي وأبو فهد الحريري وغيرهم يترددون دوماً على البيت.
بعد فترة قصيرة من وجودي في دمشق، كلفت من قيادة الحزب بتشكيل مكتب يهتم بالعمل بين المثقفين ورعايتهم سياسياً. وكان من بين أعضاء هذا المكتب رفاق لهم علاقة بالعلم والثقافة منهم على ما أذكر الصيدلاني نقولا الزهر والمهندس بسام عبيسي، والاقتصادي فؤاد اللحام، والمعلوماتي مصطفى شاكر، وجورج نمر وغيرهم من الذين نسيت أسماءهم.



كنا نجتمع في بيتي أسبوعياً ونقوم بالتواصل مع المثقفين والشعراء أمثال ممدوح عدوان، علي كنعان، نزيه أبو عفش وعلي الجندي. وننظم بين الحين والآخر ندوات يتكلم فيها الرفيق رياض الترك، ويجيب على أسئلة الحضور. وكان حزبنا الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) يتمتع بشعبية كبيرة.
وكنا ننظم رحلات إلى غوطة دمشق ندعو إليها مثقفي دمشق، تتخللها نقاشات سياسية معمقة وأغان وطنية وطعام وشراب.
وفي احدى المرات نظمنا لقاءً ضم عدداً كبيراً من المثقفين والأساتذة الجامعيين في بيت زهير بغدادي، شقيق الشاعر شوقي بغدادي-كانت تلك الفترة بداية التواصل سرياً بين الحزب وبين الدكتور جمال الأتاسي، وحزب العمال الثوري-تكلم فيه الرفيق رياض الترك مطولاً شارحاً سياسة الحزب واعتراضاته على سياسة النظام الحاكم.
بعدها بدأ الحضور بطرح أسئلتهم، ومنهم صديقي العزيز الدكتور محمد سعيد النابلسي الأستاذ في كلية التجارة بجامعة دمشق رحمه الله. الذي سأله عن موقف الحزب اتجاه التحالفات مع الأحزاب الوطنية الديمقراطية المعارضة، فما كان من الرفيق رياض إلا أن التفّ حول السؤال وتكلم بموضوع آخر.
قبل أن ينفك اللقاء في الختام، أخذني الرفيق رياض على حدة، وسألني فيم إذا كان "عقلات صديقي الدكتور سعيد النابلسي بيخضوا" أي غير متوازن باللهجة الحمصية، مضيفاً أنه في هذه الحالة – أي موضوع التحالفات -لا يخبر أعضاء المكتب السياسي للحزب بذلك، فقلت: لماذا هذا الكلام؟ قال: كيف يسألني عن التحالفات؟
توقفتُ عند الجملة الأخيرة طويلاً مكتشفاً ميلهُ للتفرد بالقرار واستخفافه بالقيادة الجماعية.
طبعا أخبرت عدداً من أعضاء المكتب السياسي للحزب بما جرى، ومنهم يوسف نمر ونبيه جلاحج، لكنني اعتقد أن أحداً منهم لم يتجرأ على طرح الموضوع في اجتماعات المكتب السياسي. وبمناسبة ذكر اسم الرفيق نبيه جلاحج أبو نوار فإني أرغب بالتوقف عنده، وهو رفيق يتمتع بالذكاء والنباهة إضافة إلى تمتعه بأخلاق عالية وسلوك مستقيم يندر مثيله. ولم أتعرف بحياتي الحزبية الطولية على رفيق شيوعي يضاهيه ولا أزال أحتفظ له باحترام ومحبة خاصة.
كنت أخوض نقاشاٍ معمقاً مع الرفاق رياض وفايز الفواز. حول ضرورة التأني والحذر عند كتابة افتتاحيات جريدة "نضال الشعب" في مهاجمة النظام المستمرة، وبأن حزبنا غير مؤهل لخوض معركة مع النظام الاستبدادي، وبان آرائنا لم تصل إلى الجماهير، فكل ما نطبعه من الجريدة خمسة آلاف عدد فقط، فكان جوابهم بان الخط السياسي الصحيح هو الأساس، وكنت أقول لهم أن الأهم هو إيصال الخط السياسي إلى الناس، والتفاف الجماهير حوله، فانا أعمل بالقطاع الصحي ولست قادراً على تنظيم اعتصام أو إضراب في أي من المشافي التي أعمل بها.
كان الأستاذ ميشيل كيلو من الناس المقربين من قيادة الحزب وينشط أيضا بين المثقفين. وكثيراً ما كان يتضارب عمله مع عمل مكتبنا من حيث المواعيد والمناسبات. فدعوته لأن يدخل الحزب وينضم لعضوية المكتب المهتم بشؤون المثقفين. فأجابني أنه لا يرغب بذلك ويفضل البقاء خارج التنظيم حالياً، وبأن تروتسكي بقي خارج الحزب البلشفي حتى اندلاع ثورة أكتوبر العظمى، وبعدها أصبح وزيراً للخارجية ومن ثم قائداً الجيش الأحمر.


كان رياض الترك يكلفه أحيانا بكتابة افتتاحية الجريدة. وكان أحيانا يقربه منه كثيرا. وأحيانا يتقرب من أستاذ الفلسفة بجامعة دمشق نايف بلوز.فيثير حسده وحنقه.كان ميشيل يرى بنايف منافسه وغريمه.
في هذه الفترة كنت على علاقة طيبة مع الرفيقين إبراهيم بكري ودانيال نعمة، وأيضا مع الرفيق ظهير عبد الصمد، الثلاثي أعضاء المكتب السياسي، وكانوا يحدثوني عن إهمالهم من قبل رياض الترك وفايز الفواز عند اتخاذ القرارات، حتى وصل الأمر حسب قولهم، إلى ارتفاع صوت الرفيقين بوجوههم دلالة على قلة احترام واضحة. ما جعل هذا الثلاثي يغادر الحزب وينضم إلى حزب خالد بكداش. ومن الأسباب الهامة التي دعتهم إلى هذا التصرف أيضاً أنهم فكروا بكبر السن ومن الذي سوف يؤمن لهم معاشاً تقاعدياً للعيش بكرامة. ومن الذي سيرعي شيخوختهم ويعالج أمراضهم. فلم يروا إلا الاتحاد السوفياتي مؤهلاً لذلك.
كانت عملية مغادرتهم خسارة كبرى للحزب الشيوعي (المكتب السياسي) والقيادة الجماعية فيه.
في هذه الفترة بدأتُ بتشجيع زوجتي على السفر لألمانيا الديمقراطية لإكمال دراسة الاختصاص والحصول على الشهادة، وقد امتثلت لذلك وسافرت مع ولدينا الصغيرين منى وفايز، وبدأتْ بالعمل رغم الصعوبات الجمة، وكانت زوجتي صاحبة إرادة حديدية متسلحة بعقل منظم.
كان يعمل معي في المستشفى العسكري بالمزة طبيب متدين متزمت من آل قويدر، وعندما سمع بسفر زوجتي لامني بل أنبني على فعلتي هذه، لأنه لا يجوز للمؤمن أن يبتعد عن زوجته لمدة طويلة.
فأجبته بأنني مدرك لهذا الموضوع، ورويت له قصة الخليفة عمر بن الخطاب أثناء الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام والعراق، عندما بدأ المقاتلون يطالبون بالحصول على الإجازات بشكل متواتر. لزيارة زوجاتهم في الحجاز والجزيرة العربية، فسأل ابنته حفصة (وهي احدى زوجات النبي محمد): كم تطيق الزوجة فراق زوجها؟ فقالت: ثلاثة أشهر. فأصبح يسمح للمقاتلين بالإجازة كل ثلاثة أشهر.
وقلت له أنا أيضا سوف أزور زوجتي وعائلتي في ألمانيا كل ثلاثة أشهر. وفعلا كنت أسافر كلّ ثلاثة أشهر إلى هناك رغم أنني كنت مجنداً إجبارياً، وأحتاج إلى موافقة القيادة العسكرية، لذلك حصلت على جواز سفر مدني بمساعدة أحد أصدقائي، وفي كل مرة كنت أحصل على تأشيرة سفر من السفارة الألمانية الشرقية وأسافر.
كانت السفارة الألمانية الشرقية على علم بنشاطي المكثف في الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) المتهم بمعاداة السوفييت ودول المعسكر الاشتراكي.
ذهبت في آخر المرات إلى السفارة للحصول على تأشيرة فامتنعوا عن ذلك، وقالوا نعطيك تأشيرة للذهاب إلى برلين الغربية مباشرة مروراً ببرلين الشرقية ترانزيت فقط. وافقت مجبراً وركبت الطائرة إلى هناك، ومن حسن حظي التقيت بنفس الطائرة بالسيدة زوجة محمد علي فرحة أمها للسيدة وصال فرحة زوجة خالد بكداش.

كنت قد تعرفت عليها أثناء عملي بمستشفى المواساة. حيث كنت أعالج ابنها لمدة شهر كامل، وكانت هي تزوره يومياً، وعند شفائه قالت لي أنا أملك طنجرة تتسع لخروف، وسوف أذبح خروفاً وأستضيفك في بيتي تعبيراً عن امتنانها لجهودي الطبية ولكني لم ألبِّ الدعوة.
وصلنا إلى مطار برلين الشرقية، وكان عليّ أن أغادر فوراً إلى برلين الغربية عن طريق مخرج خاص.
شاهدت أم عوض الفرحة ما حصل وكيف تم منعي من الدخول إلى برلين الشرقية، فجلست على أرض المطار، وأعلنت أنها سوف لن تغادر. إلا إذا سمحوا لي بالدخول أيضاً، كان ابنها عوض وابنته ريم وزوجها ينتظرونها بالخارج، وهي مصرة على عدم الخروج إلّا برفقتي. وبدأت الاتصالات بأعلى المسؤولين الألمان وإعلامهم بالموضوع الشائك هذا، ثم جاء الأمر بالسماح لي بدخول أراضي ألمانيا الشرقية وبرفقة أم عوض الوفية.
سافرت لبلدة زوجتي وبقيت هناك لمدة ثلاثة أسابيع، عدت إلى الوطن ووجدت الوضع أكثر توتراً بين الحزب والسلطة بعد موقفه الرافض عبر بيان علني لدخول الجيش السوري إلى لبنان في حزيران1976، وضرب القوى التقدمية اللبنانية والفلسطينية في جبال عاليه وصوفر.

- سوريا مركب بلا وقود -
- مصطفى سعد –
موقع "ليفانت نيوز"- 5 تشرين الأول2022
https://thelevantnews.com/article/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%A8-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D9%88%D9%82%D9%88%D8%AFoctober-5,-2022,-2:51-pm
إذا أردنا أن نصوغ من مأساتنا الأحدث لقطة درامية، وبعيداً عن أي حديث سياسي، يفترض الخط المنطقي للأحداث أنّ قارباً بلا وقود يتجه حكماً نحو كارثة، أنّ قارباً كل من اعتلاه راهن بآخر ما يملك على أمل أن تُكتب له النجاة -على يد لصوص- هو لا محالة يتجه بهم نحو حتفهم.
ويبدو أنّ هذه الحقيقة أدركها -ولو متأخرين- أولئك الذين راهنوا على النجاة بالبلاد وعلى أرض البلاد، فحُرموا من وقود العيش، ليغرق الجميع عند عتبات منازلهم، لأن اللصوص المسؤولين عن رحلتهم ابتلعوا ثمن الوقود وأرسلوهم في قارب بلا كهرباء ولا مازوت ولا غاز.!
الحديث اليوم عن سوريا "متجانسة" بكل أقطابها، أو يصح أن نقول سوريا "المفيدة" متجانسة وسوريا الشمال متجانسة، وسوريا الشمال الشرقي متجانسة، وكذلك سوريا الجنوب متجانسة بشكل ما، ليشكل مجموع "السوريات" لوحة فسيفسائية قلّ نظيرها تتفرد في قبحها وقسوتها ودمويتها.
الغريب في الأمر أن سلطات الأمر الواقع في كل السوريات السابقة ترفع رايات النصر، في "سوريا المفيدة" مثلاً: انهزمت المؤامرة الكونية على أعتاب بلد الصمود والتصدي قلب العروبة النابض، وتم دحر الإرهاب وخرج المندسون والعملاء ووسائل الإعلام أعلنت النصر الكبير، بعد أن تلاشت رائحة البارود من الهواء وحلّ مكانه عبق الياسمين. حتى إن أحد الفنانين المتحمسين الذين أثاروا سخرية واشمئزاز عشرات آلاف السوريين على امتداد المعمورة، وبمختلف هوياتهم الفرعية، بنشره لمقاطع الفيديو التي يبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي رافعاً شعار "لا للتطبيع" ويردفه بـ"نعم للتحرير، وكأنما تم تحضير الاتهام لكل من يرفض التحرير على طريقته بأنه حتماً من أنصار التطبيع.
عزيزي الفنان المتحمس: من الذي يصنع التحرير؟ إن كنت لا تعلم سأخبرك.
الشعوب هي من تقوم بفعل التحرير، الشعوب الحرة القوية، وشعبنا لن يقوم بالتحرير "حالياً" لأنه ليس من أولوياته.
الشعب الذي ما زال يبحث عن العشرات من أبنائه وأطفاله الذين غرقوا في يوم واحد دون ذكر خبر واحد في إعلام السلطة الرسمي عن موت أي سوري في القارب، وبقرار من الأوقاف تم منع إقامة صلاة الغائب على من فُقدوا. لكنّ تشييع جثامين الغرقى في محافظة اللاذقية التي استمرت لأيام بمنظر مهيب لن يتكرر كان مشاركة في رثاء أنفسنا لا الموتى، كان صراخاً على حالنا اليوم، كان تحية للذين اختاروا أن يستقبلوا ملك الموت ليأخذهم بعد معركة في البحر، ولم يقتنعوا أن يموتوا ذلاً وقهراً.
عزيزي الفنان المتحمس هل تعلم ثمن تكلفة الصعود لقارب الخلاص وماذا يعني ذلك؟ إن كنت لا تعلم سأخبرك.
ثمن الصعود آلاف الدولارات وهذا يعني أن كل الذين اختاروا هذا الحل ليسوا من الفقراء الذين لا يملكون سوى حلم السفر، كما أنهم ليسوا من منطقة أو طائفة واحدة. وهذا يعني أن الفقر والحاجة والمرض وفقدان الأدوية وانقطاع الغاز والكهرباء والبنزين والمازوت واستحالة وجود مقعد في وسيلة نقل عامة، كما يطيب للآخرين الحديث، ويعملون بجد ومواظبة لتغطية الشمس بالغربال، ليشتموا الولايات المتحدة وقانون قيصر والغرب الاستعماري رغم "انتصارنا" عليهم، وبالتالي إظهار براءة السلطة من كل إخفاقاتها التي أدّت إلى كل ما سبق.
عزيزي الفنان المتحمس لماذا أحلام اليقظة عند السوريين -كل السوريين- تتمثل في الهجرة والرحيل؟ إن كنت لا تعلم سأخبرك.
فشل الحل السياسي والقضاء على أي صوت قد يعكر "التجانس" وإن كان سلمياً ويطرح التسوية السياسية وتنفيذ القرار 2254، جعل الخلاص الفردي هو الحل الوحيد، والخلاص هنا قد يكون الموت وجميع الموتى يدركون ذلك.
عزيزي الفنان المتحمس أعرف أنك لا تريد أن تعرف لكن سأخبرك أنّ أقوياء السلطة القوية حجزوا كل المنتجعات السياحية (5 نجوم) ولا يوجد غرفة شاغرة وكلفتها في الليلة الواحدة تعادل راتب 5 أشهر لعامل في هذه المنتجعات، بينما ضعفاء الدولة الضعيفة ليس لديهم جهاز تصوير رنين مغناطيسي في كل مشافي اللاذقية، وللأمانة ما من مستشفى إلا ويوجد فيه جهاز "بس معطل"، وهذا يعني أن ينتقل المريض إلى مدينة جبلة أو يدفع قرابة مليون ليرة ثمن للصورة.
عزيزي الفنان المتحمس، ابتعاد الناس عن نشرات الأخبار، عدم اهتماماتهم بانتخابات الإدارة المحلية ومجلسي المحافظة والمدينة، رغبتهم بالرحيل، انتشار أكبر لريم السواس بعد موقف رئيس نقابة الفنانين منها (لما يمثله من سلطة)، زيادة الهجرة غير الشرعية، الصمت عن الظروف المعيشية غير الإنسانية والتفاوت الطبقي، وغياب أي شكل من أشكال العدالة الاجتماعية، زيادة معدلات الانتحار والإدمان، كل هذا ألا يدلك على فشل الدولة باستيعاب مواطنيها، وعلى أن تخليهم عنها ما هو إلا رد فعل متأخر على تخليها عنهم؟
عزيزي الفنان المتحمس أنا أشكرك كثيراً، ومدين لك بدين ثقيل وكبير، لأنك أضحكت عشرات الآلاف من شعبنا الحزين، أكثر من ظهورك وإطلالاتك نحن بحاجة لأمثالك بين فترة وأخرى، وأنا سأقول لك: واحد اثنين ثلاثة اتكل على الله، في الوقت نفسه سيتكل السوريون على الله ليس للتحرير الذي تطالب به، بل لارتداء المايوه وعدة الغطس كلباس سوري رسمي وموحد.
ليفانت - مصطفى سعد
-------------------------------------------------------------------------------------------------





زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق شبكتنا في


.. رغم تصنيفه إرهابيا.. أعلام -حزب الله - في مظاهرات أميركا.. ف




.. مراسل الجزيرة ينقل المشهد من محطة الشيخ رضوان لتحلية مياه ال


.. هل يكتب حراك طلاب الجامعات دعما لغزة فصلا جديدا في التاريخ ا




.. أهالي مدينة دير البلح يشيعون جثامين 9 شهداء من مستشفى شهداء