الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي- لمؤلفه هشام شرابي

صلاح الدين ياسين
باحث

(Salaheddine Yassine)

2022 / 10 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يُعتبر هذا المؤلف الذي بين أيدينا من أبرز أعمال المؤرخ والمفكر الفلسطيني الراحل هشام شرابي (1927-2005)، فهو بمثابة دراسة سوسيولوجية يسعى من خلالها الكاتب إلى الكشف عن أسباب تخلف المجتمعات العربية والتفكير في سبل تجاوزها، والتي تتمثل، بحسب شرابي، في النظام الأبوي المحدث بما هو عقبة كأداء تعرقل تقدم مجتمعاتنا. فماذا نعني بالأبوية المستحدثة؟ وأين تتجسد تعبيراتها في البنيات والذهنية المجتمعية السائدة؟ وكيف السبيل إلى تفكيك الأبوية المستحدثة؟

المقصود بالأبوية المستحدثة
في البدء، يشدد الكاتب على أن النظام الأبوي الذي يتناوله بالنقد والتحليل ليس تقليديًا صرفًا على النحو الذي كان عليه في مجتمعات ما قبل الحداثة، بل هو مزيج من القديم والحديث كنتيجة لوقوع معظم الأقطار العربية تحت الحكم الاستعماري، مما أفضى إلى الاحتكاك بالحضارة الغربية، ومن ثم استيراد بعض أشكال التحديث المادي. على أن شرابي يعزو ذلك التحول، أيضًا، إلى فترة الحكم العثماني ولا سيما إبان القرن التاسع عشر، حين جرى الشروع في إصلاحات همت تحديث الهياكل العسكرية والبيروقراطية للدولة، فضلا عن مجالات التعليم والاقتصاد وأنماط العيش، من جراء استشعار خطر التهديد الإمبريالي، وبخاصة بعد غزو جيوش نابليون لمصر.
إن الطابع الهجين الذي يتصف به النظام الأبوي المستحدث، حيث يتمازج القديم مع الحديث، لا يعدو كونه معطى شكليا وصوريا، ذلك أن التحديث اقتصر فقط على البنيات المادية والسطحية للأبوية العربية، دون أن يطال الذهنية الأبوية وجوهر العلاقات السائدة في ذلك النظام. فإذا كانت الحداثة عبارة عن عملية تطور أصيلة تحدث تغييرا جذريا وعميقا في البنيات الاجتماعية وأنماط الوعي والتفكير، فإن التحديث يحيل إلى عملية مستورَدة تنحصر في ما هو مادي وتقني وآلي، دون أن تمس جوهر الأشياء.

بنيات الأبوية المستحدثة
يميز المؤلف بين البنى الكبرى للأبوية المستحدثة (الدولة والاقتصاد...) وبنياتها الصغرى (العائلة، الطائفة، العشيرة... إلخ). وسواء تعلق الأمر بالعلاقات بين الحاكم والمحكوم، الأب وسائر أفراد الأسرة، شيخ القبيلة وأفراد القبيلة، فإن الثابت هو الطابع العمودي والرأسي لتلك العلاقات، والذي يخترق جميع هياكل النظام الأبوي المستحدث، حيث تسود لغة الخضوع والتبعية عوضا عن قيم المساواة والمشاركة والحوار المتبادل.
والحال أن ولاء الفرد الرئيسي في ظل هذا النظام يتجه إلى جماعات الانتماء الأولية (العائلة، القبيلة، العشيرة...) بدلا من أفكار ومُثل مجردة كالوطن والأمة، الأمر الذي يفسر، إلى حد بعيد، فشل إيديولوجيا القومية العربية التي كانت تتوق نظريا إلى إرساء دولة عربية موحدة تتجاوز الانتماءات الفئوية الضيقة. وإلى جانب العصبية القبلية والتي تلخصها مقولة "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، يشير الكاتب إلى أن الأبوية المستحدثة تجد تعبيرا لها في الأسرة الممتدة (العائلة كبيرة الحجم)، حيث يسود منطق التراتبية والخضوع وهيمنة شخصية الأب، خلافًا للأسرة النووية (صغيرة الحجم)، التي تظل أكثر عرضة لتقبل المساواة بفعل استقلاليتها الاقتصادية، وانفتاح المرأة على التعليم وسوق الشغل.

عن ذهنية النظام الأبوي المستحدث
إن النظام الأبوي في صيغته الهجينة أو المستحدثة لا ينحصر في جملة من البنى والهياكل المادية، بقدر ما يشير إلى ذهنية وعقلية سلطوية منغلقة، لا تفسح مجالًا للنقد والمساءلة والحوار المنتج، بحيث تزعم احتكارها للحقيقة المطلقة والنزعة الوثوقية الدوغماتية. إن الذهنية الأبوية التي تغذي قيم الخضوع والتبعية العمياء والاتكالية، عوضا عن إشاعة التفكير النقدي والعقلاني، يتم توارثها من جيل إلى آخر عن طريق وسائل التنشئة التقليدية، بدءا من المنزل (إن الأمية بنظر المفكر المغربي عبد الله العروي لا تعدو كونها تربية الأم) مرورا بالمدرسة، وصولا إلى القنوات الفضائية... إلخ. وهنا وجب التنبيه إلى أن الذهنية الأبوية لا تعد حكرا على الأصوليين والمحافظين، بل تشمل أيضا بعض دعاة الحداثة والتنوير.
إن الركيزة الأساسية للذهنية الأبوية السلطوية، بنظر هشام شرابي، هي استتباع المرأة وإلغاء وجودها ككائن يتمتع بإرادة حرة ومتميزة، له الحق في تقرير مصيره الذاتي. ومن ثم فإن الوظيفة المسندة إلى المرأة في كنف النظام الأبوي تنصرف إلى تثبيت وإدامة هيمنة شخصية الأب. وعطفا على ذلك، تعد الثقافة الشفوية السائدة عاملا أساسيا في استمرار العقلية الأبوية، فإذا كانت القراءة هي الشرط الأساسي لتوسيع مداخل النقد والمساءلة، فإن الكلام هو السبيل إلى إرساء منطق الحوار الأحادي وادعاء ملكية الحقيقة المطلقة غير القابلة للتنسيب. وهنا يُذكر المؤلف بالكيفية التي ساهم بها اختراع المطبعة بأوروبا في الثورة البروتستانتية وانبثاق حركة الإصلاح الديني، إذ أتاح تعميم قراءة الإنجيل على نطاق واسع، بحيث لم يعد تفسيره حكرا على رجال الدين من الكنيسة الكاثوليكية، مما يُبرز بالتالي الوظيفة الثورية للقراءة كعامل للتغيير.

ما العمل للتخلص من تخلف المجتمعات العربية؟
يشدد الكاتب على أن السبيل إلى الخلاص من وطأة الأبوية العربية المستحدثة وإبدالها بمجتمع حديث، يمر عبر عملية تطور ذاتي نابعة من الداخل، على شاكلة ما حدث في ثورة الميجي باليابان، إبان النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وليس من خلال التهافت على عقائد أو أفكار مستورَدة من بيئات أخرى، يُسبغ عليها طابع القداسة والإطلاقية. كما يضيء شرابي على حركة النقد الجديد للأبوية العربية التي نشأت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ومن أبرز رموزها محمد عابد الجابري وعبد الله العروي ومحمد أركون. وبالرغم من طروحاتها الجريئة، فإنها لم تسلم، بحسب المؤلف، من الوقوع في فخ الاغتراب، بفعل تبني معظم منتسبيها للثقافة واللغة الأجنبية، مما يفسر التأثير المحدود لكتاباتهم في أوساط الجماهير العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن ينهي زيارته إلى الصين، هل من صفقة صينية أمريكية حول ا


.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا




.. انقلاب سيارة وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ونقله إلى المستشف


.. موسكو تؤكد استعدادها لتوسيع تعاونها العسكري مع إيران




.. عملية معقدة داخل المستشفى الميداني الإماراتي في رفح وثقها مو