الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكتب لكم من الجنوب ( 3 )

علي فضيل العربي

2022 / 10 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


متى تضع الحرب الروسية الأوكرانيّة أوزارها ، يا سادتي في الشمال ؟ ألم يحن ، بعد ، مرعد عودة الحكمة و الرشد إلى العقول ؟ ألم توقظ آلام الأبرياء و أنين الأطفال و عويل الضعفاء و عويل الأيامى ضمائركم ، أم ماتت ضمائركم ، و أسقطت أيدي الخريف أوراقها ؟ ها نحن على أبواب الشهر الثامن ، يا سادتي ، و الدماء تُسفك ليلا ونهارا دون هوادة . لقد جفّت عيون المقهورين من الدموع السوداء ، و بلغت قلوبهم الحناجر ، و بحّت أصواتهم من هول العويل .
أنا على يقين ، بأنّ الحرب ستنتهي - لا شك ، في ذلك، يا سادتي - آجلا أم عاجلا . كما انتهت الحروب السابقة و الغابرة . لا شيء يستمرّ و يدوم إلا الخالق تعالى . فالحرب ، مهما طالت ، لا بد أن تتوقّف ، و يجنح المتحاربون إلى أيكة السلام ، و ستعاد الأسلحة الخفيفة و الثقيلة إلى صناديقها و مخازنها في انتظار حرب جديدة .
سيضع المتقاتلون الأحياء ، السالمين و المعطوبين ، أسلحتهم جانبا ، و يستريحون من ضوضاء المعارك و أزيز الرصاص و دوي المدافع و الصواريخ و هدير الطائرات المغيرة بعد منتصف الليل ، و سيستحمّون ، و سيغيّرون ملابسهم القديمة ، و يلبسون ملابس جديدة ، و سيستمتعون بتدخين سجائرهم و غلايينهم ، و سيحكون لأبنائهم و أحفادهم بطولاتهم في المعارك ، و ستُخرج الأمهات أطفالهنّ إلى حدائق الألعاب و الساحات . و سيكشف كل طرف حجم خسائره الماديّة و البشريّة ؛ عن عدد قتلاه و جرحاه ، عن اليتامى و الأيامى ، و المشردين . عن الدمار و الخراب الذي لحق البيوت و المصانع و المزارع ، و المنشآت الأخرى . لكن ما الفائدة ، من كل ذلك ؟ هل ستشفي نهاية الحرب النفوس و القلوب من أدواء مآسيها ؟
عندما تنهي ، يا سادتي العقلاء ، ستشتعل العيون انتظارا ؛ ستقف الأمهات و الجدّات و الأخوات و العمّات و الخالات و الجارات عند عتبات البيوت ، مترقبات ، عودة أبنائهنّ و أحفادهنّ و إخوانهنّ و أبناء أخواتهنّ و أبناء إخوانهنّ و أبناء جيرانهنّ ، من جبهات القتال . و ستتلظّى الزوجات على جمار الشوق و الانتظار لحين رجوع أزواجهنّ أحياء ، سالمين من هول الحرب . سيسأل الأطفال عن آبائهم ، لماذا لم يعودوا من غيبتهم و سفرهم كما قيل لهم ؟
لكن ، آلام الحرب و عواقبها النفسيّة ، لن تنتهي سريعا . ستبقى عالقة في سقف الذاكرة ، ستظل وخزاتها الداميّة منغرزة في القلوب المكلومة .
ستبقى الآلام شاهدة ، على رعونة الإنسان المعاصر و إصراره على قتل أخيه الإنسان . و كأنّه هو الذي وهبه الحياة . و هو الذي يملك قرار إنهاء حياته . ألا ، ما أشدّ رعونة هذا الإنسان المعاصر و ظلمه الدامس . كيف منح لنفسه التصرّف فيما ليس يملكه ؟ كيف فوّض نفسه الاعتداء على نفس خلقها الله لتعيش و تعمّر الأرض ؟ كيف نسي ، أو تناسى ، أنّ من قتل نفسا واحدة ، فكأنّما قتل الناس جميعا ، فما باله و هو يقتل في كل يوم آلاف الأنفس ؟
مازالت البشريّة ، لم تتعاف من آلام الحربين العالميتين ، و من مخلّفات عارها . قُتِل ملايين الأبرياء دونما وزر ارتكبوه . ذنبهم الوحيد ، أنّهم كانوا في مرمى فوهات البنادق و المدافع ، و القنابل ، و في ساحة اللامبالاة و الوحشيّة و الحقد الفظيع .
يا سادة الحرب .. أناديكم من الجنوب . و ألتمس منكم ، بصريح العبارات ، و دون مجاز أو كناية أو مجاملة أو استعطاف :
رفقا بالإنسانيّة جمعاء . أنتم تهدرون المال الوفير في صنع الأسلحة الفتّاكة لقتل الإنسان ، و نحن ، هنا ، في الجنوب نتضوّر رعبا . تحالف ضدّنا الجوع و الإرهاب و المرض و الجهل ، فبأيّ حق أو قانون تمنعون عنّا الغذاء و الدواء و الكساء و السلام ؟
سيشكوكم الأطفال إلى الله ، يا سادتي ، و سيخبرونه – كما أخبره ذلك الطفل الشامي ، السوريّ ، و هو مرميّ على ركام منزله – بأنّكم أضرمتم حربا ضاريّة ، ظالمة ، و أهدرتم آلاف الملايير حطبا لها . بينا هم في معمعة الحرب الجنوب و الجوع ، يموتون ، في كل لحظة ، موتا بطيئا و سريعا .
ألا تبّا ، لكم يا من أوقدتم نيران حرب قذرة ، التهمت الأخضر و اليابس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح