الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الإيرانية-ثلاثة سيناريوهات للحسم

طلال الحريري
سياسي عراقي

(Tallal Alhariri)

2022 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


-لايوجد معيار ثابت لمقياس فاعلية الثورات المعاصرة من حيث القوة، فالقوة ليست بالاعداد المشاركة بل تمثل مجموعة عوامل سياسية وثقافية واجتماعية وتقنية تُشكل مستوى القوة الكامل للثورة.
-لاتنجح الثورات المعاصرة بكثافة المشاركة الشعبية فقط بل من خلال الإستعداد للإستمرار والقدرة على توظيف الاعلام الرقمي وتنظيم الحراك المدني.
-لا تنجح الثورات المعاصرة إذا لم تتمكن من صناعة خطاب متحضر يستطيع كسب تعاطف العالم الحر ودعمه وهذا الخطاب يجب أن يكون مناقضا للثقافة السياسية التي رسختها الانظمة الديكتاتورية التي تقوم على معاداة الغرب وكراهية الحريات.
-أخيرا وليس أخراً، قوة الأستمرار تعتمد على نجاح الثورة بكسب الطبقى الوسطى وتوظيفها في تنظيم الاضراب العام والعصيان المدني بما يضمن عزل النظام عن المجتمع وحرمانه من قاعدته الإجتماعية.
هذه المبادئ العامة هي السماة الرئيسية لثورات القرن والمقصود بها ثورات العصر الرقمي التي تمثل جيل جديد لثورات تختلف بالأساليب والادوات والفكر عن الجيل القديم للثورات التي تشكلت ملامحها منذ القرن الثامن عشر ولغاية نهاية القرن العشرين ومايهمنا الأن من هذه المقدمة الأساسية هو تحليل مخرجات الثورة الايرانية، والغاية من طرح هذه المبادئ هو المعرفة المسبقة لنتائج هذه الثورة الصاخبة بعيدا عن التحليلات السطحية التي تتناول واقعها الظاهر والخطاب الاعلامي المتغير وتفتقر في تحليلها لرؤية اكثر عمقا في تحديد نتائجها الحيوية خاصة أن الثورة في ايران مختلفة هذه المرة وتعتمد على فكر شعبي متجانس محدد بهدف واحد وهو اشبه بالحرب الصفرية في مفهوم العلاقات الدولية في حين ان هناك رأي فلسفي يؤكد بان الثورة هي احد اشكال الحرب مهما اختلفت مفاهيمها السلمية والسياسية.

الابعاد الجيوسياسية وتأثيرها على الثورة:
لقد أندلعت الثورة الإيرانية في وسط جيوسياسي أكثر اشتعالا وتغيراً بوجود أزمات عالمية متعددة على رأسها الحرب على اوكرانيا بالأضافة الى ازمة الطاقة وواقع عالمي جديد يتمثل بتصعيد الصراع بين واشنطن وبكين ولا تنفصل هذه المتغيرات الجيوسياسية بأزماتها المتصاعدة عن الوضع الإيراني حيث يحظى النظام الإيراني بوجود فاعل في جميع هذه التقاطعات الجيوستراتيجية فهو داعم مباشر للحرب الروسية وطرف في الحرب من خلال مسيراته الانتحارية التي تقتل الشعب الأوكراني، وهو حليف للصين ومساهم كبير في تعزيز الوجود الصيني في الشرق الأوسط من خلال وكلاءه في المنطقة، وللنظام الإيراني علاقات عسكرية خطيرة مع كوريا الشمالية كما انه النظام الأكبر في دعم الإرهاب على مستوى العالم!
هذه القاعدة المتشابكة للنظام الإيراني لا تتحدد آثارها بالمخاطر الجيوأمنية بل تتسبب بأكبر أزمة اخلاقية أحرجت القوى الغربية في حين تمثل قيم العالم الحر أولوية في السياسة الخارجية الغربية الى جانب المصالح العليا حيث أصبحت الديكتاتورية الدينية في ايران مصدر قلق كبير بسبب قمع الحريات والتعامل الوحشي مع المراة وخرق كل مبادئ حقوق الإنسان. فإلى جانب القمع الوحشي للحريات وتكميم الافواه ومصادرة الحريات وقتل النساء وتصفية من يطالب بالحرية يعزز النظام الإيراني من خطابة المعادي للعالم الحر ويربط الاحتجاجات بنظرية المؤامرة ويستخدم الإعلام الموالي له لإتهام الغرب بتحريك الاوضاع لصنع مساحة اكبر للقمع وسحق الاحتجاجات بماكنة الموت(الحرس الثوري) التي كانت ومازالت العصا الغليظة لنظام آيات الله المُستبد والتي لم تتأثر بالعقوبات ومازالت ماكنة فاعلة لحصد الأرواح الأمر الذي الذي يتطلب في هذه المرحلة تحديدا اتخاذ اجراءات اكثر فاعلية من العقوبات لإضعاف هذه الماكنة القاتلة المشبعة بالعنف والكراهية ولايمكن المراهنة على اي وسيلة لإسقاط النظام ومؤسساته من الداخل الا برفع مستوى الدعم التقني والاعلامي للمظاهرات الايرانية وعزل النظام عن الشرعية الدولية اذا اخذنا الابعاد الجيوسياسية بنظر الاعتبار في حين تمثل هذه الاجراءات المشار إليها اهم مطالب الايرانيين المشروعة، مطالب تصدح بها اصوات الناشطين والمعارضين للنظام لأهميتها القصوى فهي تمثل الحاجز الذي يفصل بين قوة النظام وضعفه على المستويين الداخلي والخارجي!

هل وصلت الثورة الإيرانية الى مفهوم ثورة العصر؟
تُعرف الثورة المعاصرة على أنها هدم سياسي وبناء ثقافي أي أنها جهد شعبي منظم هدفه هدم النظام السياسي القائم وبناء نظام ثقافي جديد ينتج عنه رؤى متعددة تشكل الديمقراطية والهوية الوطنية والإطار العام للحريات والنظام الاجتماعي والسياسي.
هذا التعريف كأساس نظري لا ينفصل عن المبادئ الرئيسية المشار اليها أعلاه وعلى وجه الخصوص الخطاب المتحضر الذي يمثل روح الثورة السلمية المعاصرة فلا مجال للعودة الى عصر الديكتاتورية والكراهية والإستبداد وبالنظر بعمق الى الخطاب العام للمظاهرات الايرانية نرى بوضوح القيم المتحضرة وقوة استعداد الايرانيين للتغيير والديمقراطية واحتضان المبادئ العلمانية كرؤية بديلة للنظام الديني الديكتاتوري بالاضافة الى وحدة صف المعارضة في خطاب سياسي ينظر للغرب حليفا استراتيجيا وينظر لواشنطن على وجه الخصوص باعتبارها القوة الوحيدة التي ستغير المعادلة على الارض وتأسيس ايران الجديدة في حال قدمت دعما مباشرا للثورة.
لقد عبر الإيرانيون المنتفضون بكل وضوح عن استعدادهم للإستمرار ووضعوا للثورة هدف واحد وهو اسقاط نظام آيات الله وهكذا تخلص الإيرانيين لأول مرة منذ اربعين عام من التجارب السابقة التي كانت تعتمد على المطالبة باصلاحات داخلية حيث تحولت هذه الاحتجاجات الى ثورة شبه شاملة اندلعت في عموم المدن والضواحي ورغم القمع الوحشي يستمر الايرانيين بشكل موازي في تعزيز استمرارية الثورة وطرح ثقافة جديدة مناهضة لثقافة النظام جعلت من الحرية، المرأة، الديمقراطية أساسا لها وتحولت الى شعارات عالمية تعبر عن دعم العالم الحر لمطالب الايرانيين نحو الحرية والتحرر من النظام الإسلامي الدموي لكن ورغم النجاح الكبير في تنظيم الاحتجاجات وتوحيد الخطاب وتقديم خطاب وطني جامع مازالت الثورة الايرانية بحاجة الى تعزيز استقطاب الطبقة الوسطى فهي المسمار الأخير في نعش النظام ويتجلى ذلك في نفوذها المؤسساتي المسيطر وفي حال التحقت هذه الطبقة بالثورة ودعمت مطلب اسقاط النظام ستجعل مسألة تحقيق وسيلة الأضراب العام والعصيان المدني أمرا ممكنا وقابلا للتنفيذ وبالتالي سيؤدي ذلك الى عزل النظام عن المجتمع بالكامل وتوجه ضربة قاضية له دون الحاجة الى استخدام وسائل عنيفة.

ثلاثة سيناريوهات ستحدد مصير الثورة الإيرانية:
يعتمد هذا التحليل على المخرجات الحالية للمظاهرات الإيرانية بصفتها فاعل جديد استطاع ان يثبت موقعه في الساحة الدولية وسط أزمات عالمية وتحولات جيوسياسية متسارعة على المستويين الإقليمي والدولي ولا حاجة للسرد أكثر فخلاصة هذه السيناريوهات تقوم على ثلاثة رؤى وفقا لمدى استعداد الإيرانيين في الاستمرار ومدى التفاعل الغربي مع الثورة بالإضافة الى محتواها الثقافي والسياسي وبناءً على عقلية النظام وتجاربه السابقة في التعامل مع المظاهرات والمعارضة الشعبية.

السيناريو الأول: الحسم السلمي
يقوم هذا السيناريو على أساس نجاح التظاهرات المستمرة في الاطاحة بالنظام بوسائل سلمية وعلى الرغم من أن هذا السيناريو هو الأكثر تداولا في التحليلات ووسائل الاعلام التي تهتم بهذا الحدث الإستثنائي غير أن هناك عوامل متعددة يعتمد عليها هذا الحسم فلا بد من توفير التقنية للإيرانيين فهناك حاجة وجودية للأنترنت فهو مازال يمثل ابرز المشكلات الداخلية التي تمثل عقبة كبيرة لايمكن اهمالها فهي السلاح الأقوى بالنسبة للنظام والمتظاهرين على حد سواء وتتجلى أهمية الأنترنت في مطالب الإيرانيين فهم يؤمنون بأن توفيره سيجعل من سقوط النظام مسألة وقت لا أكثر ولهذا السبب يطالب الايرانيين الغرب بمد يد المساعدة وتوفير الانترنت كمسألة حيوية حاسمة فهو لايضمن المشاركة الواسعة للإيرانيين فقط وإنما سيكون أداة فاعلة لتعرية النظام وكشف فضائحه وجرائمه للرأي العام ويساهم في تفعيل الحرب المدنية على مؤسسات النظام ويقدم للأيرانيين فرصة عظيمة لحسم المعركة الرقمية والسيطرة على مؤسسات النظام بشكل سلمي.
قد يكون الأنترنت فاعلاً حاسماً من حيث الأدوات والزمن لكن هذا السيناريو يبدو متاحا حتى في ظل استمرار الظروف الحالية كما هي بوجود شبكات فاعلة للمعارضة في الداخل والخارج لها القدرة على تعويض هذا الفراغ بمستوى عال وعلى هذا الأساس ومن خلال الفاعلية التي أثبتت قدرة الإيرانيين على الإستمرار قد لايكون توفير الانترننت شرطا في حسم الثورة سلميا حيث يمكن تعويض هذا العامل بالإستعداد المتواصل ومضاعفة التصعيد في عموم البلاد وفي حال نجحت الثورة في الوصول الى مرحلة العصيان والتمرد العام واستطاعة عزل النظام من قاعدته الاجتماعية فان مسألة اسقاط النظام سستكون في متناول يد المتظاهرين.

السيناريو الثاني: العنف والفوضى والدويلات!
أن الثورة الإيرانية في حال استمرت ووصلت الى ذروة قوتها ربما تصيب النظام بمتلازمة السقووط والهوس بفقدان السيطرة بما يجعله أكثر تخببطا وميلا الى اللاعقلانية المفرطة والإتجاه نحو مواجهتها بالأساليب ذاتها التي مارسها النظام في سوريا ومعنى ذلك أن يقوم النظام بسلسلة عمليات ارهابية، وتوظيف الإرهاب ليكون جزءً من قوى الثورة ضد النظام لتدمير سلميتها وتحويلها الى ثورة عنيفة لنشرالفوضى في عموم المدن ومن ثم تهيئة بيئة داخلية وخارجية تمنح النظام شرعية اسستخدام القوة المفرطة تحت ذريعة السيطرة على أعمال العنف وتصدير القمع على انه عمليات وطنية لمحاربة الإرهاب!
هذه السياسة الخبيثة ليست مستبعدة وربما تكون السيناريو القادم في حال اقتربت الثورة من الحسم وفقد النظام السيطرة الكاملة على الاوضاع خاصة ان هذه السياسة تمثل رؤية ناجحة تم تطبيقها بنجاح خارج الحدود الايرانية ومع ذلك ورغم كل المعطيات والإستنتاجات وفي حال ذهب النظام بهذا الإتجاه واتبع هذه السياسة فلن يكون النجاح حليفه ولن يكون لهذه السياسة اي نتائج تصب في مصلحة النظام سوى اطالة عمر النظام لوقت محدود مقابل تدمير ايران بالكامل في حالة تتشابه موضوعيا مع الحالة السورية لكنها مختلفة تماما من حيث النتائج وستكون العواقب وخيمة فلو أن الثورة انتصرت بشكل سلمي سنرى ايران جديدة تقوم على الديمقراطية والفيدرالية الوطنية لكن استخدام هذه السياسة الخبيثة لتدمير سلمية الثورة ستأخذ النظام الى النهاية المحتومة وتأخذ ايران نحو التقسيم والتشظي على حدٍ سواء حيث لاينتج عن توظيف الإرهاب وتخريب سلمية الثورة الا الحركات الانفصالية التي ستقسم ايران الى سبعة دويلات لن يوحدها سقوط النظام الاسلامي بقدر مما ترسخ هذه الاوضاع حالة الانقسام والحروب الداخلية على المدى القريب والمتوسط وستنتقل اثارها الى الدول الاقليمة إلا اذا كان هناك تدخل امريكي مباشر للسيطرة على الاوضاع وتوحيد القوى المتصارعة في نظام سياسي فيدرالي. وبكل الاحوال لا يجب ان تترك واشنطن فراغاً في ايران مع تصاعد طموحات الصين وروسيا التي تحاول التمركز في جنوب قزوين والسيطرة على مصادر الطاقة في ايران.

السيناريو الثالث: الكابوس الأسود!
بناءً على البعد الزمني، ماذا لو وصلت الثورة الايرانية الى مرحلة الاعتيادية وتحولت الى ظاهرة يعتاد عليها العالم كما حصل في اوكرانيا وبالتالي يتقهقر الدعم الاعلامي والسياسيي ويصل الىى نقطة باردة ينتظرها النظام بفارغ الصبر؟ قد ينجح النظام في عزل الاحتجاجات عن الأننترنت بالكامل ويتوصل الى سد الثغرات التي تستخدمها قوى المعارضة ثم يقوم بعزل المظاهرات عن تنظيمات المعارضة وقطع الاتصالات وتقطيع المدن بعوازل بشرية مسلحة ثم يشن حملة واسعة لتطهير المدن النشطة وتصفية الناشطين والقوى التنظيمية من خلال ارتكاب جرائم منظمة واستخدام قوة عسكرية مفرطة للسيطرة على الاوضاع!
هذه الرؤية كسيناريو مظلم وكابوس لا يرغب الإيرانيين برؤيته قد لا يكون واضحا وربما غير ممكنا قياسا بقوة الثورة واختلاف طبيعتها ووسائلها عن جميع التظاهرات السابقة لكن من المكن ان يكون هذا هو السيناريو القادم في حال استخدم النظام سياسة براغماتية لكسب حياد الطبقة الوسطى من خلال اصلاحات شكلية سريعة وتبني موقف جريء لتخفيف غضب الشارع وكسب المؤيدين من جديد وفي حال نجح النظام بتطبيق هذه السياسة فسيكون طريقه سالكا لعزل النخبة المحتجة عن عامة الشعب والقضاء عليها بالقوة!
هذا السيناريو خطير للغاية بمجرد التفكير به وشروط نجاحه مرهونة بالسيطرة على الاتصالات وقطع الانترنت وتراجع الدعم الغربي للمظاهرات لكن ماذا لو استخدم النظام الايراني اسلحة كيماوية لقمع الأقليات خاصة الأكراد بصفتهم فاعل كبير في تحريك الثورة والمشاركة بها فهل سيبقى الغرب متفرجا ام سيتعامل مع الموقف بمستوى التعامل مع نظام صدام؟ ولماذا ينتظر االعالم الحر في حين ان هذا السيناريو محتمل الحدوث وخطير الى مرحلة قد تقدم للنظام فرصة لمواصلة خططه النووية وحيازة الأسلحة النووية؟
الخلاصة: لم يعد للنظام الإيراني وجود في تطلعات الإيرانيين المستقبلية ومهما حاول الإستمرار لايمكنه اخفاء ملامح الانهيار والتصدع التي تخبرنا بقصة جديدة سيكتبها الإيرانيين لكن لايجب مطلقا أن يهمل الغرب أهمية الوجود العسكري في إيران لأن أي تهاون يرافق إنهيار النظام الإيراني سيعطي الضوء الأخضر لروسيا بالسيطرة الكاملة على بحر قزوين وشمال إيران وبالتالي سيعود الغرب الى نقطة البداية التي انطلقت في اربعينيات القرن الماضي!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف