الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديوان الرقابة المالية ...والامانات الضريبة

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2022 / 10 / 31
دراسات وابحاث قانونية


في ضوء السرقة التي طالت المال العام وتحديداً الامانات الضريبة من الهيئة العامة للضرائب ، فأن ان هذا الحادث يؤشر غياب الرقابة المالية السابقة والمعاصرة للصرف من قبل ديوان الرقابة المالية الاتحادي ، ذلك إن اختصاص الديوان في الرقابة يتحرك عند حصول الانفاق، وهو بذلك يفتقر الى الرقابة السابقة الوقائية التي تقوم على أساس فحص التصرف المالي قبل صدوره لتجنب الوقوع في الخطأ وهذا النوع من الرقابة يساعد على تجنب الوقوع بالأخطاء وحصول الإضرار بالأموال العامة ، وهذا يدعونا الى اعادة النظر في مدى فاعلية وكفائة ادوات الديوان المذكور في حماية المال العام في تحقيق اهداف الديوان المذكور في الحفاظ على المال العام من الهدر والتبذير اوسوء التصرف ، وقد اشرنا على قانون ديوان الرقابة المالية رقم (31) لسنة 2011 المعدل نقاط ضعف من شأنها الحد من فاعلية الدور الرقابي للديوان المذكور، فمن استقراء نصوص قانون ديوان الرقابة المالية نجد أن أدواته الرقابية تؤدي وظيفة كاشفة للمخالفة المالية لأن المشرع لم يمنح الديوان سلطة إرغام الجهات الخاضعة لرقابتها على معالجة المخالفات المالية ويمكن أن نحدد مظاهر الضعف في صلاحيات ديوان الرقابة المالية على النحو الآتي :
1- لا يملك الديوان صلاحية التحقيق الإداري وإنما يجب عليه في حال اكتشاف مخالفة ان يطلب من المفتش العام أو هيئة النزاهة إجراء التحقيق واتخاذ الاجراءات اللازمة وإزالة آثارها ، وبالرغم من أن المشرع لم يحدد نوع التحقيق المطلوب هل هو ذو طبيعة إدارية أم جنائية، إلاّ أن التحقيق المقصود من وجهة نظرنا هو التحقيق الإداري لأن مكاتب المفتش العام (الملغاة حالياً) لا يمكنها إجراء سوى التحقيق الإداري بموافقة الوزير المختص، وأن هيئة النزاهة تجري تحقيقاً جنائياً تحت إشراف القضاء وأن المخالفات المحالة لها يتم إحالتها الى مكاتب المفتشين العموميين لاجراء التحقيق الإداري، ونرى ان الزام الديوان بإحالة المخالفات الى هاتين الجهتين وهي جهات حديثة النشأة ولا يقارن تأريخها وخبرة أعضاءها بتأريخ وخبرة الديوان وأعضاءه الذي يرجع إنشاءه لعام 1927 من شأنه أن يحط من مكانة الديوان باعتباره الهيئة الرقابية الوطنية العليا، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان صلاحية طلب التحقيق عطلت بعد الغاء مكاتب المفتشين العموميين .
2- يملك الديوان صلاحيات محدودة لاجراء التحقيق الإداري في المخالفة المالية المكتشفة منه بشكل مباشر كأستثناء في حالتين الاولى في الجهات التي لا يوجد فيها مكتب للمفتش العام أو إذا تخلف مكتب المفتش العام في الجهة المعنية عن إكمال التحقيق فيها خلال (90) يوماً من تأريخ اشعاره من الديوان، ويودع المفتش العام في هذه الحالة جميع المستندات والاوليات الخاصة بالتحقيق الذي أجراه بناءاً على طلبه ، وبخلاف هذا الاستثناء لا يملك الديوان متابعة التحقيقيات بالجهات المحالة إليها المخالفات أو الجرائم ولا الاعتراض أو الطعن في قرارات التصرف بها ، كما يلاحظ أن المشرع لم يبين بدقة ماهية التحقيق الإداري الذي يجريه الديوان هل هو وفق المادة (10) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع رقم (14) لسنة 1991 المعدل؟ واذا كان الجواب بالايجاب فهذا من شأنه أن يعرض اجراءات التحقيق الإداري وفرض العقوبات الانضباطية من جانب الديوان على موظفي دائرة أخرى الى الطعن بعدم مشروعيتها لعدم الاختصاص، ولذا فإنّ هذا يقتضي وجود تنظيم قانوني خاص بالتحقيقات الإدارية والمالية وأساليب التحري والتفتيش الذي يجريه الديوان لتتبع المخالفات المالية وكشفها واتخاذ الاجراءات القانونية مباشرة من جانبها دون الحاجة الى اللجوء لصلاحيات الجهات الخاضعة لرقابتها، بخلاف صلاحيات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر الذي يملك متابعة الاجراءات الخاصة بمحاسبة المسؤولين عن ارتكابها كما له طلب تقديم العامل الى المحاكمة التأديبية وتكون الجهات المختصة بالاحالة ملزمة بمباشرة اجراءات الدعوى التأديبية خلال (30) يوم التالية من طلب الاحالة، كما له طلب إعادة النظر في قرار الجهة الإدارية بشأن المخالفة المالية، كما له أن يطعن في القرارات والاحكام الصادرة من جهات التأديب في شأن المخالفات المالية ، وكذلك نجد أن القانون الاماراتي مَنَحَ ديوان المحاسبة سلطة التحقيق في المخالفات المالية، فإذا أسفر التحقيق عن وجود جريمة جزائية يتم إحالة الموضوع الى النيابة العامة الإتحادية على أن تختص المحاكم الجزائية الإتحادية في العاصمة بالفصل فيها دون الاخلال بالمسؤولية التأديبية.
3- لم يمنح قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي صلاحية مأموري الضبط القضائي لاعضاء الديوان، في حين نجد بعض الأجهزة الرقابية حديثة النشأة نسبياً قد منحت اعضاءها مثل هذه الصلاحية ومنها القانون العماني الذي منح أعضاء جهاز الرقابة المالية والإدارية في عُمان صفة مأموري الضبط القضائي ، إضافة لصلاحية تخص التكليف بالحضور لمن يرى سماع أقوالهم في الزمان والمكان المحددين بأمر التكليف، وإصدار أمر ضبطه واحضاره في حال تخلفه عن الحضور عن طريق الادعاء العام كما له تحرير محضر بأقوال المكلف بالحضور وجمع الاستدلالات وضبط المتهمين وإحالتهم للإدعاء العام وغيرها من الاجراءات التحفظية والتفتيش حتى لأماكن سكن الخاضعين للتحري إذا وجدت ضرورة لذلك .
4- لا يملك موظفي الديوان وهيئات الرقابة المالية العاملة في الوزارات أو حتى رئيس ديوان الرقابة المالية صلاحية إحالة الموظف المسؤول عن المخالفة الى التحقيق أو سحب يده فالديوان لا يملك التحقيق ولا يملك الاحالة الى التحقيق، كما لا يملك إقامة دعوى مدنية فيما ينشأ للدولة من حقوق على المخالفات المالية، ولا يملك تضمين الموظف الاضرار التي تكبدتها خزينة الدولة، وكل ما يملكه رئيس الديوان الطلب من الوزير أو رئيس الجهة الخاضعة لرقابته ذلك ، ولم يتضمن القانون ما يلزم الوزير أو رئيس الجهة الخاضعة لرقابة الديوان بتلبية طلب رئيس الديوان، كما لم يتضمن سقف زمني لتلبية هذا الطلب أو عقوبة بحق الجهة الممتنعة عن تنفيذ الطلب، كما لم يعتبر القانون امتناع الوزير أو الجهة الخاضعة للرقابة من تلبية طلبات رئيس الديوان مخالفة مالية منصوص عليها في المادة (2) من قانون الديوان .
5- بسبب عدم امتلاك الديوان صلاحية إرغام الجهات الخاضعة لرقابته بالاستجابة لمهام عملهِ فهو ملزم بإشعار مجلس الوزراء بأي خلاف ينشأ مع هذه الجهات لاتخاذ قرار بشأنه وفي حال عجزه فعليه اشعار مجلس النواب، وهنا يثور التساؤل فيما إذا كان الخلاف قد نشأ مع مجلس الوزراء أو أحد دوائره كيف ستكون استجابة المجلس لحل مثل هذا الإشكال، وفي حال عدم استجابة المجلس – أي مجلس الوزراء – لحل الإشكال أو الخلاف هي يملك مجلس النواب صلاحية التدخل في عمل السلطة التنفيذية لحل هذا الخلاف!،
أن قانون ديوان الرقابة يفتقر الى آليات تنظيم العلاقة مع جهة ارتباطه-ومع الجهات الخاضعة لرقابته وان عدم وضوح آليات التعاون من شأنها إثارة اشكالات في التطبيق وتقلل من فاعلية عمل الديوان لانها تعد عامل تبعية وليسَ عامل استقلال.
6- إن المشرع قيد نشر التقارير الرقابية المقدمة الى مجلس النواب في مجال الرقابة على تقويم الاداء المالي والإداري والاقتصادي أو توفيرها لوسائل الاعلام أو لأية جهة مختصة بموافقة مجلس النواب، ومثل هذا القيد يمثل مساس بمبدأ الشفافية والمساءلة.
7- إن قانون الديوان سابق الذكر قصر حق طلب الاطلاع وتوفير المعلومات والتقارير الرقابية على وسائل الاعلام والجهات المختصة في حال طلبها، ولم يبين القانون ما هي هذه الجهات المختصة هل حكومية أم غير حكومية رقابية أم غير رقابية، كما لم يتضمن القانون ما يشير الى إمكانية قيام المواطنين والباحثين ومنظمات المجتمع المدني بطلب توفير هذه البيانات والمعلومات والافصاح عنها من قبل الديوان.
8- تقتضي الشفافية إن يحدد القانون الجهات الخاضعة لرقابته، لا أن يترك تقدير الخضوع لرقابة ديوان الرقابة المالية الى تشريعات أو قوانين أخرى، بالمقابل نجد أن المشرع المصري قد حدد الجهات الخاضعة لرقابته بما في ذلك النقابات والاتحادات المهنية والعمالية والاحزاب السياسية والمؤسسات الصحفية القومية والصحف الحزبية ، وكذلك الحال بالنسبة للقانون الامارتي والعماني.
9- يمارس الديوان ثلاث أنواع من الرقابات هي (الرقابة المالية، ورقابة الالتزام، ورقابة تقويم الاداء) ، الا أنَّ المشرع قد أغفل النص على الرقابة الأليكترونية للتحقق من مستوى الامن المعلوماتي للبيئة الأليكترونية ومدى الكفاءة التشغيلية للأنظمة لتحقيق الاهداف المعدة من أجلها كفحص الأنظمة والبرامج والتطبيقات وقواعد البيانات والوسائط والملفات الأليكترونية وتقويم درجة الحماية والسرية وهذا النوع من الرقابة يعد استكمالاً لمتطلبات الحكومة الأليكترونية واتمتة أدوات الرقابة المالية....والله الموفق.
د.احمد طلال عبد الحميد البدري
بغداد 20/10/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان.. مدينة الفاشر بين فكي الصراع والمجاعة


.. إعلام إسرائيلى: إسرائيل أعطت الوسطاء المصريين الضوء الأخضر ل




.. كل يوم - خالد أبو بكر ينتقد تصريحات متحدثة البيت الأبيض عن د


.. خالد أبو بكر يعلق على اعتقال السلطات الأمريكية لـ 500 طالب ج




.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان تنديدا بالحرب الإسرائيلية