الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مواقف من الذاكرة الشخصية

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2022 / 10 / 31
الادارة و الاقتصاد


كان الأستاذ القدير المرحوم منذر عمر، مدير الهيئة الهندسية في شركة نفط الشمال ثم مدير في الدائرة الاقتصادية في وزارة النفط، يحدثني عن فترة بقاءه مساعدا فنيا لدى السيد "كلن" رئيس شركة نفط العراق المحدودة في حوالي منتصف الستينات من القرن المنصرم، حين كان حق استثمار النفط منوطا بالشركات الاحتكارية كمغانم الت للجبهة المنتصرة في الحرب بعد ان وضعت الحرب العالمية الاولى اوزارها عام 1916.. كانت هذه الشركة تمارس سلطات واسعة في مجالات السيادة والاحتكار، واحتفظت لنفسها بحق المتاجرة بصورة حصرية في "تسويق النفط" مع البلاد التابعة لها. وروى لي حادثتين، أولاها إعادة الشيوعيين المفصولين من الخدمة في الشركة الى العمل لوضع حد للإضرابات العمالية المتكررة، قال المرحوم بان السيد كلن دخل مكتبي وسألني عن سبب هذا التجمع العمالي امام رئاسة الشركة، وكعادة كبار الإداريين، كان يستطلع اراء معيته ولا يأخذ بها بالضرورة، فبسطت له أسباب التجمع وبينت له بان شؤون الموظفين والقوى العاملة لا تجد مبررا يُمَكِنها من اتخاذ القرار بسبب ثبوت الكلف التشغيلية في الموازنة المقررة لتلك السنة، ولا يمكن تجاوزها.. يقول بان السيد كلن وافق على الفور إعادتهم للعمل في وظائفهم السابقة، معلقا على ذلك بقوله" ان اعادتهم للعمل فلس في برميل نفط!". والحادثة الثانية هي في زيادة رواتب كافة العاملين في الشركة، بسبب تغير الأحوال المعيشية، بنسب يجعل العامل في الدرجة الوظيفية الدنيا يتمكن من مجابهة الظرف المعيشي ويؤمن استقراره العائلي، ثم بنسبة اقل للدرجات الوظيفية العليا، وكانت الإدارة شديدة الاهتمام بذلك، وتشكل لجنة خاصة كل خمسة سنوات لدراسة السوق بدقة والوصول الى متوسط الدخل (بين الحد الأدنى والحد الأعلى) الذي يمكن العامل للإيفاء بتوفير العيش الكريم له. وهنا اود ان ابسط وجهة نظري في هذا الموضوع المهم (ونرى ذلك يتكرر حاليا أيضا)، وكما يأتي:
ظهرت لدى الحكومة العراقية قضايا الانماء، تتقاطع مع استراتيجية هذه المؤسسة الاحتكارية في نظرتها للإنماء، في بلاد ازدواجي التوجه! تتلخص في المقولة المشهورة لرئيس الوزراء الأسبق المرحوم عبد المحسن السعدون حين قال" الشعب يريد والانكليز لا يوافقون!"، لم يكن بوسع المؤسسة الاحتكارية (نفط العراق) ان تكتفي بتشغيل اليد العاملة واستثمار مردودها خلال فترة قصيرة، لظهور قضايا اجتماعية مثل السهر على صحة العمال (بعد ان زاد نسبة المصابين بالسل الرئوي في الشركة) وسكنهم وتعليمهم، ولذلك نمت الخدمات الاجتماعية التابعة للشركة والسلطة "الاستعمارية" المهيمنة على مراكز القرار في الحكومة العراقية. وتوسعت هذه الخدمات لتشمل قطاعين حيويين من قطاعات الاقتصاد، قطاع زراعي صرف يسعى لإرضاء الحاجات الحيوية للشعب بوسائل إنتاجية قديمة ذات مفعول ضئيل ولكنها أتت بإنتاج وفير. اما القطاع الاخر فكانت تستخدم وسائل تكنولوجية حديثة برؤوس أموال مختلطة. كما ربطت هذه القطاعات بالتجارة الدولية تحت الغطاء الإسترليني. لنترك اثار التجارة الدولية والتوجه للتخصص في الإنتاج وسياسة تقلب الأسعار على تلك الأنشطة جانباً، ونعود الى عناصر واستراتيجية الانماء. ان البلاد المتخلفة بحاجة الى رأسمال، والرأسمال لا يصبح خصبا الا إذا استعملته ايد ماهرة نزيهة. من المعروف ان راس المال والمعرفة التكنولوجية هي أعمدة التنمية، وكانت التنمية تتم وفق العنصر الأجنبي بسبب عدم توفر المعرفة التكنولوجية. وكان تمويل راس المال تتم خلال الموارد الطبيعية للبلاد، فتحصل في النهاية على التنمية الاقتصادية دون اندماج داخلي، ومحاذير هكذا تنمية تتجلى في اثراء الأجنبي ولا يؤثر على السكان المحليين الا بنسبة ضئيلة. ان انشاء وسائل تبادل داخلي تنظم الاستثمارات وينشر التقدم في البلاد. لم يكن هناك ثمة اجراء مشترك لتنشيط النمو المتوازن للاستثمارات، لان مردود الاستثمار في أي بلد يتوقف على طبيعة واحجام الاستثمارات الأخرى. ويفترض ان لا يتم هذا الاجراء بشكل فردي. كما ان مصادر توريد المنشاة الرأسمالية تتم بكلف محتكرة من بريطانيا، وزيادة الاستثمارات تصب في تنشيط الاقتصاد البريطاني كما تنعش الاقتصاد في دول الكومنولث، وتقوي الباون الإسترليني، فالاقتصاد العراقي لم يبقى مرتبطا بالأسواق العالمية، ومهما كانت فائدة الاندماج الداخلي، فلابد من مراعاة معطيات التجارة الدولية. وهنا اود الإشارة بان الاندماج الداخلي ليس مرادفا للاكتفاء الذاتي. ان موضوع الاقتصاد في نظر الجماهير الفقيرة، هو إعادة توزيع الأموال قبل كل شيء، ولا يتمكن من تفهم مقتضيات الانماء لأجل طويل الا القلة القليلة منهم. وحكام البلاد لا يفضلون السياسات الاقتصادية طويلة الأمد، لان هدفهم هو البقاء في الحكم، وقد يقدمون على اتخاذ قرارات ثورية كتأميم المؤسسات الأجنبية، لإرضاء رغبات الشعب.. اتسمت تصرفات الحكومات العراقية المتعاقبة اللذين استولوا على السلطة بعد الحكم الملكي، بعدم الشفافية في تخصيص وإدارة الموارد المالية، ولوحظ زيادة مضطردة في جانب تخصيصات الموازنة العسكرية.. وتعاقبت الحكومات المستولية على السلطة للأطماع والمصالح الفئوية والإقليمية ورعاة مصالح الاجانب، لتخلق في النهاية بيئة متوترة تؤثر الاضطراب والتفرقة، ثم يقيموا بصرح استبدادهم على أنقاض العراق.
رحم الله الأستاذ القدير أبا عمر برحمته الواسعة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا سرعت كوريا الشمالية في إنتاج السلاح النووي؟


.. عمال المحارة الترند عملوا فيديو جديد .. المنافسة اشتدت فى تل




.. أسعار الذهب اليوم الأحد 19 مايو 2024


.. الأسبوع وما بعد | قرار لبوتين يشير إلى تحول حرب أوكرانيا لصر




.. بنحو 50%.. تراجع حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل