الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكتب لكم من الجنوب ( 4 )

علي فضيل العربي

2022 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


اليوم ، انكشفت مأساة أخرى ، و ما أكثر مآسينا ، لقد تناقلت وكالات الأنباء العالميّة ، خبر غرق زورق ( حرّاقة ) ، آخر . شباب و أطفال و أمهات و كهول ، هاربين ، تحت سدف الظلام ، إليكم . واختلفت تلك الوكالات حول عددهم ، و تضاربت الاحتمالات حول مكان انطلاقهم و وجهتهم . لكنّ الأمر المؤكّد ، أنّهم غرقوا و هلكوا في عرض البحر الأبيض المتوسط . و لم ينج منهم أحد ، و طفت جثث أغلبهم على ماء البحر الأجاج ..
فرّوا - مكرهين - من خميس الجوع و المرض و الإرهاب . لجأوا – يا أهل الشمال – إليكم . بينا أنتم غارقون في حربكم على أنفسكم . و لولاكم ما ركبوا عباب البحر في زمن الخريف . آه ، من خريف هذا العام . عجبا له . حرب قذرة في الشمال ، تلتهم كل يوم النفوس البريئة ، و تًسرَف فيه أموال طائلة . خريف جرّد ، و سيجرّد ، أشجارا من أوراقها ، و سيجعلها عاريّة ، مقطوعة الظلّ و اللون .
أوقفوا الحرب ، يا سادتي في الشمال ، و افسحوا الفضاء الأزرق لأسراب الحمام . أوقفوا سفك الدماء . لقد حلّ فصل البذر . و تلك الحدائق تنتظر – بشغف – فسائل الزهور الفوّاحة و الورود العطرة .
و كان ممّن غرقوا ، طفل في سنّ السادسة من عمره . هكذا صرّح رجال االإنقاذ المدني . و ظهرت صورته ، و هو مرميّ على أحد الشواطيء الشماليّة ، بعدما لفظته أمواج البحر . نعم ، يا سادتي في الشمال ، طفل بريء لم يمرّ على فطامه وقت طويل . طفل لم يرتو من ثدي أمّه ، و لم يفتح عينيه على الحياة ، و لم يدرك للموت معنى .
كان من حقّه الإنساني و الفطريّ ، أن يكون في المدرسة ، مثل أطفالكم . له محفظة جميلة ، و كراريس مغلّفة و أقلام و حذاء و لباس جديد و مئزر بلون السماء و البحر و لمجة من خبز طريّ و جبن لذيذ من أجبان البقرة الضاحكة . تودّعه أمّه صباحا بقبلة على خدّه قبل امتطاء حافلة المدرسة ، و تقبّله ثانيّة عند عودته في المساء . لكن ، و آه من لكن في الزمن الرديء . مات الطفل غريقا ، بعيدا عن أمّه و مدرسته .
نحن في الجنوب ، يا سادتي ، ضحاياكم اليوم ، مثلما كنّا ضحاياكم بالأمس . بالأمس القريب ، قُتلنا بأسلحتكم و طائراتكم . نزلتم على شواطئنا و وطأتم أرضنا غزاة . سمعناكم تقولون : جئناكم فاتحين ، لتخليصكم من البربريّة و الوحشيّة و الأميّة ، و الفقر و الأمراض . جئناكم بالحضارة و التنوير .
لكنّ عيون الدهر كشفت زيف ادّعائكم ، فضحت أقوالَكم أفعالُكم . أخذتم منّا كل شيء جميل . سلبتم منّا الحياة ، و فرشتم لنا الدروب قتلا و سجنا و تعذيبا و نفيا .
أما اليوم ، فإنّنا لم نتحرّر من تبعات أمسكم الأسود . اندحرتم ، و تركتمونا جوعى ، مرضى ، حفاة ، عراة ، تائهين في غياهب الجهل و التخلّف .
يا سادتي في الشمال ، كونوا على يقين ، بأنّه لن يكون آخر الزوارق ، ستتلوه زوارق أخرى ؛ خشبيّة و مطاطيّة ، سريعة و بطيئة ، مادام البحر على قيد الحياة ، و أمواجه تدفعها رياح الشرق و الغرب . لن يكون الزورق الأخير ، و لن يكونوا آخر( الحرّاقين ) ، و لا خاتمة الغارقين ، الهالكين ، و لو بنيتم بيننا و بينكم - فوق البحر - سورا عظيما كسور الصين ، أو سدّا كسدّ يأجوج و مأجوج ، أو نصبتم بيننا و بينكم خطوطا من الأسلاك الشائكة ، المكهربة ، كخطيّ شال و موريس * و حرّاسا شدادا ، غلاظا ، منزوعي القلوب الرحيمة .
إذن ، غرق الزورق ، و هلك ركابه المساكين ، و مات الطفل ، و العاقبة لزورق آخر ، و ضحايا آخرين . أبشروا ، يا سادتي في الشمال ، و يا أباطرة الأسلحة الفتّاكة ، و فراعنة الحرب المجنونة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:

* هما خطّان دفاعيان من الأسلاك الشائكة ، المكهربة . أنشأتهما فرنسا على حدود الجزائر مع تونس و المغرب ، لمنع جيش التحرير من دخول الجزائر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة