الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خديعة المسرح ...أبراج الزفير

موفق مسعود

2006 / 10 / 5
الادب والفن


تتكئ الخشبة على إفريز الوهم العالي , ذلك الشغف المتبخر من غوايات النسيان , فراشات الكلام الناعم والخشن , حيث ..في تلك المساحة بين الخشبة والصالة , تتشكل الخديعة الفاتنة لأطيافٍ مسفوحةٍ في ضجيج الحياة وانكماش معالم الحلم ..حتى لكأننا قبل دخولنا إلى المسرح , نشبه كل شئٍ إلا أنفسنا .., مسفوحين بقسوة التشابه وحنكة البقاء .
على الخشبة ..أو أمامها ..أو خلفها , يطهّرنا من فضائلنا وحقائقنا , ذلك العرق البارد وذلك الزفير العالي للوهم .
في عتمة ذلك المكان المسمى " مسرح القباني " , ذلك القبو المؤلم والنائم تحت وطأة أحقادنا وطموحاتنا الخجولة والشرسة ..في سردابه الطويل وصالته الضيقة وكواليسه المشبعة بالأحلام الهاربة , تتفجر البراري بأزهارها وأشواكها , وتنطق خيولنا صهيلها وعدوها النهم لاقتناص الأفق الذي يولد رويداً رويداً في الجهات الضائعة , وتغزل وعورنا أسفارها ..عويل رياحها ..واستنفار ضباعها لاقتناص خديعة الظلام ....
على الدرج النازل نحو الصالة , نترجل عن أجسادنا بوقار الفرسان .., تحملنا سحب الخطر
إلى مقاعدنا , من حولنا يحضر مرتادون غرباء , سلاجقة وعرب ومماليك وبرابرة ومغول وأفارقة وإغريق ورتل طويل من الأجداد , يندسون في تفاصيل حضورنا , وفي مسام الخشب , وبين ثلوم الجدران ومنابع الإضاءة وأقمشة الكواليس , يحرسون ندمهم الأزرق الكالح , في المكان الوحيد الذي يجعل أرواحهم تطفو في رذاذ الألق.
في أول السرداب الذي يبدو كممرٍ نحو هاوية محققة , وعلى يسار الهبوط , ثمة باب صغير يومئ بإختلاس نظرة حائرة , حيث يؤدي إلى كواليس الخشبة , ومساحةٍ مربعة , يحطُّ فيها الممثلون أحمالهم وأحقادهم وأنبيائهم وساستهم وشياطينهم وأيامهم الماضية والقادمة , تأهباً للدخول إلى الخشبة كقطيع من الوعول , أو كأشواك دحرجتها الرياح أو كتفاحات سقطن من شجرة الرغبة اثر لهوٍ بهيّ ..
تنفرج أعين الممثلين ..وكأن ذلك الباب الصغير , نافذة يطلون منها على كارثة أو مرافئ غريبة , وكأننا في عبورنا نقدم لهم طقسنا المسرحي , حيث نقرأ في وجوههم ذلك الفرح الذي تسمّرت حوله طفولتنا منذ زمن بعيد , ونهجس في سرنا أننا نبدو كما ليس نحن ...
نجلس في مقاعدنا وننتظر الظلام , كي نخرج قلوبنا .
وحين ينطق الممثلون , نستطيع أن نرى ذلك الأثر الخشن لمقص الرقيب في أصواتهم وحركة أجسادهم وتنهداتهم المغلقة , ونرى فرقة راجلة من الدرك المجنحين اللذين يحرسون كلامهم ...نرى ذلك ولا نكترث, لأن النص المسرحي يهرب طازجاً من زفير خلاياهم, ويحيطُ أجسادنا بدبقٍ مشعٍ خطر حينها نرتجل هواجسنا ,ونخلع أيامنا الآتية من رقادها لنغرسها في أعالي الزفير .
حين نخرج من خديعة المسرح ..نبدو كأشباح مارقة في زحام الشوارع , ويتعين علينا أن نصطدم بشجرة على الرصيف أو إشارة مرور أو صوت مذياع ..كي نعيد قلوبنا إلى جيوبنا ونمضي في ضجيج المدينة إلى عزلة بيضاء ...بيضاء ..ككفن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-