الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور العزلة في التشدّد الإيرانيّ

نصير عواد

2022 / 11 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


من زمن طويل وصلت الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة إلى نقطة اللاعوْدة في بناء سياساتها الداخليّة والخارجيّة، بعد ان أُنشأت على العناد والمواجهة. سبب ذلك ليس قوة النظام أو صحة مشروعه السياسيّ، ولا حتى دعم الشعب الإيرانيّ له، ولكن الحصار الذي دام طويلا هو الذي أربك التجربة الإيرانيّة، وأيقظ عند المسؤولين السياسيّين غرائز الشك والخوف والعداء، ودفعهم لمواجهة أي تحرك داخلي أو خارجي بقوة السلاح والتصريحات النارية. إضافة إلى الطبيعة المعقدة للنظام السياسيّ الثيوقراطيّ-الديموقراطيّ، الذي يعتمد فكرة الولي الفقيه، ويعطيه الكلمة العليا في الملفات الاستراتيجيّة، فإن الضغوط والعقوبات الدوليّة المستمرة ساهمت كذلك في فرملت سياسة امتصاص الصدمات الداخليّة التي عُرفت بها إيران. صار فيها المتشددون يرون أي انفراج في السياسة الداخليّة قد يؤدي إلى ارتخاء قبضة النظام، وتهديد المشروع الإيراني برمته، وغالبا ما يتذكّر صقورهم إصلاحات غورباتشوف "بيرسترويكا" التي مهدت لتفكيك الاتحاد السوفيتي. ولذلك كلما انكشفت نقاط ضعف في بنية النظام الثيوقراطيّ بإيران، وخرج الناس للمطالبة بحقوقهم، اشتدت قبضة المؤسسات الأمنية وصارت أكثر شراسة، خوفا من الانهيار الكلي. مع انهم يعرفون جيدا حقيقة أن الاستقرار الداخليّ عامل مهم في مواجهة العقوبات والضغوط الدوليّة التي شلت اقتصاد البلد وأضعفت خبراته الإدارية. فهذه العقوبات حتى لو باءت بالفشل، ولم تعطل كليّا تصدير النفط وتصنيع السلاح، كما يصرح عادة المسؤولون الإيرانيون، فهي تركت أثارها على اقتصاد البلد، وشوهت سمعته وزادت من عزلته، ناهيك عن المشاكل النفسيّة والثقافيّة التي صنعتها في الشارع. ففي إيران توجد صراعات سياسيّة وقوميّة ودينيّة مغطى عليها، فيها شرائح متضررة من جلوسها طويلا بين سندان العقوبات الدوليّة، وبين مطرقة القبضة الحديدية لنظام الولي الفقيه.
الشائع عن الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة انها صمدت أمام العقوبات الدوليّة، ونجحت باللعب في المساحات الفارغة التي يتركها التدافع بين الدول الكبرى، امريكا وروسيا والصين، ولكن استمرار الضغوط كل هذه الأعوام جعل الساسة الإيرانيون يرون في أية تنازلات نوعا من الاستسلام، وهو ما لا ينسجم مع طبيعة التشدّد التي تنتهجه الجمهورية الإسلاميّة. فالمتشددون في إيران على قناعة تامة بأن الغرب سيواصل سعيه لإسقاط التجربة الإيرانيّة، على الرغم من العلاقات والاتفاقيات المبرمة، متكئين إلى حقيقة إن العداء الغربي رافق التجربة الإيرانيّة منذ بدايتها، حتى قبل ظهور مشكلة البرنامج النووي، متهمين كلّ الغرب بممارسات الألاعيب والضغوط. الإيرانيون يرون ان العقوبات الاقتصاديّة أمريكيّة الصنع، ولكنها في الأعوام الأخيرة توسعت عبر عقوبات فرضها الاتحاد الأوربي، مجاراة للسياسة الامريكيّة، وهناك عقوبات أخرى اعتمدتها الأمم المتحدة. ساهمت مجتمعة في شيطنة النظام الإيراني، وبررت دعم المعارضة الإيرانيّة بالمنفى، والوقوف علنا مع المتظاهرين بالداخل، إضافة إلى الضخ الإعلامي الغربي المكثف الذي يسير باتجاهين؛ فصل النظام الإيراني عن الشعب، والتأكيد على انتهاء مدة صلاحية المتشدّدين المتمسكين بكرسيّ السلطة.
التاريخ القريب يقول ان رؤساء أمريكا في نصف قرن وضعوا إيران في خانة العداء، بنسب متفاوتة. بل حتى صفحة الاتفاق النووي (2015) لم تؤسس لعلاقة طيبة، بدت وكأنها لحظة استراحة استعدادا لجولة جديدة من الخلافات. لم يفِدْ أيا من رؤساء أمريكا الثمانية بشكل معلن نيته اسقاط النظام الإيراني، وكانت أغلب تصريحاتهم تومئ إلى تعديل سلوك النظام!!! ولكن السياسات المتبعة على الأرض تشير إلى وجود سياسة محمومة تهدف إلى اضعاف إيران وإنهاء نظامها السياسيّ، وعدم الاكتفاء بوضعه في خانة الدول المارقة. وفي نظرة عامة على كل الأزمات والتظاهرات والاضرابات التي حدثت بإيران سنجد ان الولايات المتحدة قد دعمتها، وصبت فيها الزيت على النار، إعلاميّا واقتصاديّا وسياسيّا. بل حتى الخلافات الإقليمية بين إيران والدول المجاورة كانت الولايات المتحدة قد وقفت على الدوام بالضد من إيران.
منذ ان حوصرت السفارة الأمريكيّة بطهران عام (1979) لم يشهد البلدان تحسنا في علاقتهما. أمريكا لا تتغير سياساتها الاستراتيجيّة بتناوب إدارات البيت الأبيض، وإيران لا تتغير سياستها بوجود الولي الفقيه على هرم السلطة. وبالتالي فإن لعبة عض الأصابع بين الفيل والفأر معروفة النتائج، حتى لو طال الزمن وتغيرت شروط اللعبة. فإيران التي تشتم أمريكا ليل نهار، لا تستطيع قتالها وجها لوجه، ولا تريد قتالها على الأراضي الإيرانية، وتلجأ بدلا عن ذلك إلى وخزها واشغالها في المناطق المضطربة، سوريا والعراق ولبنان واليمن، وإلى تهديد منابع النفط وخطوط سير الناقلات، من دون ان يصل التوتر إلى مستويات خطيرة تهدد أصول اللعبة. والغرب بدوره لا يريد اشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط، المشتعلة هي أصلا في أكثر من مكان، وبالتالي فإن حزمة العقوبات الدوليّة على إيران ستستمر وتتوسع، في لعبةٍ مفتوحة النهايات، يدفع كلفتها الشعب الإيراني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل | المبعوث الأممي إلى سوريا: ليس لدي أي معلومات عن بشار


.. سقوط نظام الأسد.. ما الضمانات التي قدمتها تركيا لروسيا وإيرا




.. ساحة الأمويين تحتضن الاحتفالات في وسط العاصمة دمشق


.. هل ستكون فترة بقاء رئيس الوزراء مكلفا بإدارة المؤسسات العامة




.. كاميرا الجزيرة تدخل منزل بشار الأسد في دمشق