الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آيات تشرينيه؟/2

عبدالامير الركابي

2022 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


ب ـ تبدأ المجتمعات البشرية حين تتبلورابتداء، لاارضوية، قبل ان تتحول الى "الازدواج" الارضوي اللاارضوي، وهذا الراي يخالف قطعا كل الشائع الارضوي والمعروف السائر بهذا الخصوص، عن احادية التشكل والنوع المجتمعي، فالصيغة او النوع المجتمعي الاكمل الابتداء براينا( راي الازدواج اللاارضوي)، يتشكل تحت طائلة الاصطراع ضمن اشتراطات "العيش على حافة الفناء"، محصورا في ارض سومر، الى ان تكتمل بنيته وصيغته النوعيه وخاصياته، قبل ان تهبط اليه المجتمعية الاحادية التي تكون قد تبلورت في الجزء الاعلى، عند "عراق الجزيرة"، حيث الاشتراطات المباينه الارضوية في الجزء الديمي الاعلى من ارض الرافدين، بكيونته ومواصفاته التغلبية السلطوية، املا بالسيطرة واخضاع المجال الجنوبي، ماتتولد عنه بالاحرى ومن يومها حالة اجتماع موحد، ليس واحدا، من مجتمعيتين لا واحدة منهما قادرة على نفي الثانيه، او اخضاعها، فكل منهما كينونه مكتملة، تبدا مع الاصطراعية الازدواجية باكتساب خواص اصطراعية ثنائية، ماتلبث ان تتجلى امبراطوريا وتعبيرا سماويا، اذن العراق من حيث الكيانيه، كيان ازدواج لاوحدة مجتمعية وهو كذلك من دون بقية الكيانات الاخرى.
كل هذا، والطرف الامبراطوري الاحادي الارضوي الاعلى، يرفض ان يدرك حقيقة كون ماهو بصدد مجابهته، او السعي لاخضاعه، انما هو" اخر"مكتمل المقومات، ونوع ذاتيه من غير الوارد اخراجها من ذاتيتها، الابفنائها، فاللاارضوية، اما ان تكون ماهي، او تختفي من الوجود، مايجعل من السيف والرمح، وصولا الى البندقية هنا، بمثابة وسائل انتاج، لا انتاج ومن ثم لاحياة من دونها، مدعمين بكل مقومات واليات حياة وتنظيم نموذج المساواتية العليا، ونفي التمايزية، بجانب التطلع والسمو مافوق الارضي، الذاهب الى الاكوان العليا.
هذا ولا وجود اصلا لمجتمعية احادية ارضوية بحته، فالمجتمعية ككل، من اخص مواصفاتها الازدواج، الازدواجي المجتمعي، أوالاحادي، البيئي منه، او نتاج ازدواج الكينونه الاول، مفرد خاص بارض الرافدين، هو حصيلة حالة بيئية ابكر تشكلا، لاشبيه لها، تصنع المجتمعية الاولى داخل اشتراطات "العيش على حافة الفناء"، بينما تقوم المجتمعية الارضوية لاحقا ضمن اشتراطات الملائمه البيئية، وشروط الانتاج الموافقه لرغبة المنتجين وحاجاتهم، ابرزها ونموذجها الاكمل، مايعرفه وادي النيل، عدا عن بقية المجتمعات التي تظل احادية مع تعدد انماطها، بين احادية دولة، واحادية لادولة، او كيانات مادون تجسد وطني، وصولا الى اعلاها ديناميه، مجتمعات الاحادية الانشطارية الطبقية كما حال اوربا.
والكائن البشري غير قادر ابتداء، على الاحاطة بالازدواج وموقعه ومفعوله، فتبقى الاحادية بناء عليه غالبة وسائده، دلاله على استمرار تدني الطاقة الادراكية، واستمرار عملية تصّير العقل الذي هو مادة متشكله مترقية، ضمن التفاعليه المجتمعية( هنا نختلف مع دارون الذي يعتبر النشوء الارتقائي جسدي، بصفته الاحادية الاحادية الارضوية الغالبة بما في ذلك عند اعلى عبقرياتها )، بعكس ماتعتقد الاحادية بخصوص كمال العقل، ووجوده من بداية المجتمعية كاملا نضجا، الامر الذي يلغي اهم خاصيات المجتمعية ومايتصل بها، من دور وفعالية نشوئية عقلية، هي موجودة لكي تؤديها، وليست غلبة وسيادة الاحادية مسالة عارضة، فهي مرحله بمواصفات ناتجه عن مامتوفر ابانها من عناصر ومكونات، باعتبارها طور استمرار الغلبة الحيوانيه في التكوين البشري، وقد صار اليوم من قبيل الغلبة الجسدية على العقل، في ظل وزمن الازدواج العقل/ جسدي، بعنى بقاء العقل خاضعا ابتداء، والى اليوم، لحكم واشتراطات الماضي الحيواني، يسعى للخروج منه، والاستقلال عنه اي عن الجسدوية.
ويبدا الازدواج حاكما للوجود الحي، ابتداء من تحول الحيوان الى الانتصاب على قائمتين، واستعماله اليدين، وانتقال العقل من حالة الكمون بظل الغلبة شبه الكلية للجسدية، ابان الطور الحيواني، الى الحضور المتقابل الجسدي/، العقلي، وهو ماتذهب الاحادية الى اعتباره بمثابة عملية "انبثاق للعقل" من عدم، وخارج عملية الارتقاء التي هو محورها، كي تحيل الانقلاب الحاسم الحاصل الى الجسدية، ناسبة العقل اليها، فالعقل برايها ينبثق في الجسد ليكمله، معتبرة ماهو حاصل حينها بمثابة تطور في احدى مكونات الكائن البشري واعضائه، فلا احد الى اليوم خطر له التفكير في احتمالية ان يكون ماهو حاصل على مستوى نوعه الانقلابي، يمكن ان يكون محطة ضمن سياق من التحولية السارية، بين قبل وبعد،على الكائن الحي، وصولا في وقت لاحق، الى الظاهرة المجتمعية، فاذا هي الاخرى "مزدوجة"، لايرى منها الجسدويون الا ماكانوا ومازالوا يرونه من الجسدية الاولى، الغالبة والاحادية.
شيء اخر اهم بكثير، لابل بما لايقاس، يعجز الاحادي عن رؤيته، فيصر على طرده من موضعه المجتمعي، نحو عوالم مختلقة، بحكم المحدودية والقصورالبديهي، هو الازدواج الاحادي فالمجتمعات الاحادية مثل الفرعوني الاهرامي، عدا عن كافة المجتمعات الارضوية، لن تستمر كما هي عليه كينونة، وهي كلها اجبارا، لابد ان تنشطراو تتفتت وتنهارمتمزقة، فيحل بداخلها تعبير، هو مايمكن للاارضوية ان تبلوره، تعبيرا عن ذاتها ضمن اشتراطات الغلبة الارضوية المقاربه للافنائية، وهنا بالطبع يكثر الاحاديون من الحديث عن الامبراطوريات، وعن عظمة منجزات الفتوح والسيطرة، انما لااحد يركز البحث على الظاهرة الكونيه الانتهائية الكبرى الابراهيمه العزلاء، ولاعلى مصدرها ونوعه، وماقد جعلها تكون ماهي عليه، ملازمه للكينونه المجتمعية على مدى التاريخ، باعتبارها صفة ازدواج لافكاك منها، هذا مع العلم ان الاسباب اللاارضوية، لاتوجد ابتداء ولاتنبثق في اوربا المسيحية، او الشرق الاسلامي الواصل الى الصين، او في امريكا الحديثة التي وضع البيوريتانيون لها الشعار التوراتي العراقي الاصل وهم على سواحلها، "سنبني مدينة على جبل"، ومن هنا نصير على قرب من تلاقي الازدواجيتان الحتمي، البيئية المجتمعية البؤرة مابين النهرينيه، والتكوينيه البشرية "الانسايوانيه".
فالمجتمعات خليتها الكائن البشري، وهذا كائن مزدوج جسدو / عقلي، لايمكن ان يعيش بالارضوية المفردة الجسدية حصرا، لهذا اوجدت الطبيعة، والغائية الكونية العليا، شروط وظاهرة الازدواج المجتمعي البؤرة، وجعلت هذه مصدرا بالاصطراع الازدواجي، لانتاج مايحقق الازدواج داخل الاحادية على مستوى الكوكب، وهو مايحدث بالتفاعليه التي تتاتى من خارطة التفاعلية المجتمعية، وتوزعات الانماط على الكرة الارضية، وماتنتجه من ظاهرة الانصباب الاحادي الاوربي الروماني الغربي، والشرقي الفارسي، في المنطقة الشرق متوسطية البؤرة، التي تعيد من جديد سيناريو اللاارضوية اولا، والارضوية لاحقا، الابتدائية، وكما تنصب الاحادية منحدرة من الشمال الى ارض المنشا في ارض الرافدين، نحو ارض السواد جنوبا، لينشا حال من الاصطراع الازدواجي، تنصب الامبراطوريات الاحادية، لتنشا حالة من الاصطراعية الافنائية، تنتهي بردة فعل اختراقية تنتج ازدواجية اولى بالمسيحية شمالا، واخرى اسلاميا شرقا، مع مايلازم ذلك من اشتراطات التشكل الاولى التاسيسية التوراتية، ابتداء من مابين النهرين و"الوعد خارج ارضه" الابراهيمي، نتاج ذروة وقمة الاصطراعية الازدواجية الذاتية في ارضها.
هكذا تتجلى العلاقة العضوية بين الازدواج البيئي، والازدواج التكويني البشري، فالاصطراعية الازدواجية الرافدينيه، تذهب الى غاية وخلاصه تعبيرية لاارضوية، هي قمة التحقق الممكن في حينه، بظل التهديد الاحادي المتحول، من مبدا التصادمية ومحاولة الاخضاع بالقوة والقهر، الى محاولة الاحتواء عن طريق التشبه والسعي الى سرقة محددات النوع الاخر، تعبيرا وسلوكا، الامر الذي يستغرق الاف السنين، من سرجون الاكدي واضع اول اصلاح زراعي، والموصي بابعاد رجال الدين عن شؤون الدولة، الى بابل القمة بعد سلسله الامبراطوريات، حيث سرقة الشرائع والالهة، ومحاولة التماثل بالالهه "مردوخ"،محل ايل وانليل، و" شريعة حامورابي"، الشريعة الاخيرة بعد ثلاث شرائع لاارضوية، اولها شريعة كوراجينا، حيث عرفت لاول مرة في التاريخ البشري، كلمة (حرية / امارجي)، وحقوق المستضعفين، وكل "حقوق الانسان" المعروفة اليوم، هذا ولا ننسى من اين يستمد اسم "بابل" او "باب ايل" باب الله.
وقتها تصير القفزة النبوية الكبرى هي الرد المناسب الذروة، ضد اعلى صيغ الافنائية الاحتوائية، لتتكرر الاستحالة مرة اخرى، وتعود الاحادية الارضوية باعلى ممكناتها، فتفشل في سعيها الذي لايكل لافناء مضادها اللارضوي، الذي قرر من وقتها الخروج من المكان، نحو الكونية، بجعل الوعد خارج الارض. ولايجوز ان نهمل هنا نوع الكينونه الامبراطورية الرافدينيه "المدينو/ امبراطورية"، واعلى اشكالها بابل، وبغداد، حيث تضطر الامبراطورية لان تتوضع داخل مدينه محصنه اعلى تحصين، عند الحواف العليا للاارضوية، باعتبارها كيانيه منفصلة عما تحتها عاجزة عن اختراقه، بعد ان تتيقن من عجزها عن اخضاعه، فتتركه لذاته يمارس حياته وفق كينونته، لتمارس هي حلب الريع ان امكنها، بالغزو الداخلي المكلف، مع محاولتها تعويض عجزها على هذا الصعيد، بالانتشار غربا او شرقا، وهو ماتكرر مع بغداد يوم اضطر العباسيون للهرب من الكوفة، تحت طائلة الانتفاضات، ليتركوا ارض السواد للتشيع والاسماعيلية، واخوان الصفا، والحلاجية، والزنج والقرمطية ...
لايوجد الكائن المجتمعي البشري لكي يبني الحضارة كهدف وغاية، وان هو اضطر لذلك مؤقتا، فلغرضية وهدف كامن مختلف، بل يوجد مهيئا لتركها ومغادرة الجسدية، الاان طموحه وماتدفعه اليه بيئته الاولى الطاردة، يتعذر تحققه ابتداء، ولايكون متوفرا على الاسباب اللازمة، لاماديا ولا اعقاليا، فبالنسبة للنقص الثاني، يظل هو تحت طائلة الاحادية القصورية الجسدية ادراكا، قريب من متبقيات الحيوانيه، وفي المجال المادي، تكون الوسائل ماتزال بعيدة النواال، الى ان تنبثق الاله، ويبدا عصر وسيلة الانتاج "العقلية"، بينما تظل الاحادية وكما العادة قصوريا تعتبرها مجرد بديل لليدوية، ومرحلة انتاجية ارضوية ثانية.
فرق انقلابي هائل، ذلك الذي يفصل بين الاعقالية الارضوية الاحادية، والادراكية اللاارضوية، هو فرق الانتقال من الجسدية الحيوانيه، الى العقلية، اللتين تشكلان كينونه "الانسايوان"، وهما مرحلتان لازمتان، تعاقبا ضرورة، قبل ان يبدا الزمن العقلي التحولي الانتقالي، زمن الذهاب الى الاكوان الاخرى.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ