الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعد و الخراب : فهم الأزمات الإقتصادية (مقال مترجم)

سفيان نور الإسلام

2022 / 11 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


الوعد و الخراب : فهم الأزمات الإقتصادية
بواسطة : ريك كون.
تعريب : سفيان نور الإسلام.

في قلب ديناميكية الرأسمالية الإقتصادية المثيرة للإعجاب، يوجد سر قذر، و هو سر كبير.
تثير الرأسمالية الأزمات بطرق عديدة لأنها تقدم الربح على تلبية احتياجات الإنسان : الفيضانات، حرائق الغابات، موجات الجفاف بسبب الإحتباس الحراري، أمراض جديدة و أوبئة و حروب. لكن المعاناة البشرية تتكرر على نطاق واسع في فترات البطالة الجماعية و مستويات المتدنية للجزء الأكبر من السكان لأسباب إقتصادية بحتة.
الأزمات الإقتصادية روث في كاسترد الرأسمالية.
إنتاجية العمالة البشرية ارتفعت بشكل هائل في ظل الرأسمالية، مدفوعة بمنطق التراكم التنافسي : الإستثمار من أجل تحقيق الأرباح للإستثمار مجددا و مواصلة تحقيق الأرباح. هذه العملية قادت إلى تطورات تكنولوجية كالإنتقال إلى جمع محاصيل القمح بواسطة الحصادات عوض المناجل، أو التواصل بواسطة مكالمات الفيديو عوض الرسائل التي تحملها الأحصنة أو القوارب.
في البيان الشيوعي، الذي أثنى فيه ماركس و إنجلز على هذه الديناميكية، إعترفا كذلك بأن الرأسمالية محكوم عليها بالأزمات الإقتصادية العميقة : « في هذه الأزمات يدمر بشكل دوري جزء كبير، ليس من المنتوجات الموجودة حاليا فقط، و لكن من قوى الإنتاج التي تم إنشاؤها مسبقا أيضا. في هذه الأزمات يظهر وباء كان سيبدو سخيفا في العصور السابقة، إنه وباء الإفراط في الإنتاج. يجد المجتمع نفسه، فجأة، في حالة من البربرية الآنية، يبدو و كأن مجاعة حرب عالمية من الدمار، قد قطعت إمدادات كل وسائل العيش ؛ تبدو الصناعة و التجارة و كأنه قد تم تدميرهما.»
لاحقا، قدم ماركس تفسيرات منهجية لسبب كون طبيعة أسس نمط الإنتاج الرأسمالي تعني أن النمو الرأسمالي غير مستقر، هش و عرضة للإنتكاسات.
معظم الأشياء التي يعتمد عليها بقاؤنا و ازدهارنا عبارة عن سلع، لها في آن واحد، قيمة استعمالية و التي نحتاجها من أجل تحقيق وظائف محددة، و قيمة تبادلية، تستند إلى كمية العمل الإنساني المتضمنة فيها. لم يكن الحال كذلك في المجتمعات ما قبل الرأسمالية التي كان الجزء الأكبر من إنتاجها موجها نحو استهلاك المنتجين عوض توجهيه نحو البيع في السوق.
لكن، و مع تقدم التكنولوجيا في ظل الرأسمالية، فإنه من قبيل الصدفة فقط أن تتطابق القيم الإستعمالية و التبادلية، لذلك من النادر أن يكون النمو سلسا. يوجد كذلك نزوع طويل الأمل لمعدلات الربح نحو الإنخفاض و للرأسمالية نحو الإنهيار. بسبب هذا، تأخذ إمكانية تعطل الإنتاج المستمرة الراجعة إلى عدم التناسب في انتشار القيم و القيم الإستعمالية شكل أزمات عميقة.
من أجل البقاء في العمل، يحتاج أرباب العمل إلى تحقيق الأرباح، و من أجل تحقيقها يجب عليهم أن يكونوا قادرين على بيع ما ينتجه العمال. للقيام بذلك، يتوجب عليهم التنافس مع أربار العمل الآخرين الذين يبيعون نفس النوع من السلع. أهم ما طريقة للمنافسة، و إن لم تكن الوحيدة، هي إبقاء سعر منتجهم منخفضا مقارنة بأسعار منتجات خصومهم. التحكم في الأجور و في تكاليف المواد الأولية جزء من هذا المجهود [ أي المجهود من أجل إبقاء السعر منخفضا] كما هو الحال مع الإستثمار في المزيد من الآليات و المعدات الجديدة و الغالية التي تنتج نفس السلع أو أفضل مع عمالة أقل.
التراكم التنافسي للموارد الإنتاجية يعني أن أرباب العمل ينفقون أكثر فأكثر على المكننة و المعدات مقارنة بإنفاقهم على العمالة. بإمكان أرباب العمل الأوائل الذين يسبقون إلى استعمال مثل هذه التكنولوجيا الجديدة تحقيق أرباح هائلة. فنفقاتهم قد انخفضت لكن بإمكانهم تحديد الأسعار التي يفرضونها بأقل بقليل فقط من أسعار منافسيهم الذين مازالو يستعملون التكنولوجيا القديمة التي تعكس متوسط تكاليف الإنتاج في الصناعة المعنية. هوامش ربحهم أصبحت أعلى و حصتهم في السوق تتوسع. مبتكرو التكنولوجيات الجديدة يحصلون على معدل ربح أعلى من المتوسط.
المشكل هو أن مزايا الأسبقية في استعمال التكنولوجيا لا تدوم إلى الأبد، ففي النهاية سيضطر أرباب العمل في تلك الصناعة إلى تبني هذه التكنولوجيا كذلك أو الخروج من العمل. بعد ذلك، ستعكس الأسعار المفروضة متوسط التكاليف الحالي الأقل، المتضمن في استخدام التكنولوجيا الجديدة. كنتيجة، معدل الربح لأرباب العمل المبتكرين سينخفض، كما هو الحال بالنسبة لمتوسط معدل الربح في الصناعة المعنية.
في سنة 2003، وضحت وول ستريت جورنال كيف يتم ذلك مع التقنية الجديدة لتصنيع شاشات LCD :« بما أن مزايا التكلفة تكون أعلى لمن يتحرك أولا، فقد كانت الشركات مندفعة بتهور لتعزيز القدرة التصنيعية»
الشركات التي استثمرت في أحدث المصانع و جعلتها تضخ الشاشات بشكل أسرع حققت أرباحا كبيرة، بما أن الأسعار لازالت تعكس حقيقة أن الشركات الأبطأ كانت تستعمل معدات قديمة الطراز. لكن جميع المنتجين أرغموا على تحميل الطاقة الإنتاجية الجديدة المتقدمة، قلقين حول تأمين حصة سوقية، أو مغادرة الصناعة. قريبا جدا، إنهارت الأرباح في الصناعة.
«بينما مثلت التخفيضات الناتجة عن الزيادة في العرض نعمة لمدمني التلفاز عبر العالم من خلال جعل سعر شاشة التلفاز المسطحة في المتناول، فإنها كانت تهدد بالحكم على الصناعة بمستقبل من المنافسة الشرسة و هوامش الربح الضئيلة.»
عندما تنخفض الأرباح، يتراجع إجمالي استثمار أرباب العمل و يتباطئ النمو، و عندما تنخفض بشكل كاف، تبدأ الأزمة : يتوقف النمو أو تنكمش الإقتصادات أكثر، و بخروج الشركات من العمل يتم تسريح العمال و يتراجع مستوى الإنتاج الإجمالي.
مستويات المعيشة المتزايدة في الإرتفاع تفسح المجال أمام البطالة و/ أو خفض الأجور الحقيقية للطبقة العاملة. إن الرأسمالية تقوض شروط صحتها، بما في ذلك إعادة إنتاج قدرة العمال على العمل، سلعتها الأثمن.
هناك ميول معاكسة للميل الأساسي لمعدل الربح نحو الإنخفاض، بعضها آلي. الإنتاجية المتزايدة تخفض من قيمة الغذاء و الملبس و المأوى و سلع أخرى يستهلكها العمال. الأجور المالية أن تثبت أو تنهار بينما تنخفض تكلفة المعيشة، لذا لا يزال بإمكان العمال أن يذهبوا إلى العمل طاعمين لابسين و بصحة جيدة و متعلمين. الإنتاجية المرتفعة تخفض كذلك من قيمة الموارد الإنتاجية مبطئة بذلك الإنخفاض في معدل الربح. لكن آثار هذه الميول العكسية محدودة بالضرورة. المنافسة تدفع بأرباب العمل إلى استثمار مالهم المدخر في تكنولوجيا أغلى لكنها موفرة للعمالة.
بإمكان ميكانيزمات أخرى أن تعزز الأرباح لفترة أيضا. خلال الأزمات، يبيع الرأسماليون المفلسون مواردهم بأسعار مساومة. بتكاليف أقل يإمكان المالكين الجدد لهذه الموارد أن ينتجوا بربح. بإمكان أرباب العمل تكثيف الإستغلال من خلال تخفيض الأجور، أو تكثيف العمل من أجل رفع حصة الأرباح في الناتج الإجمالي. الهجومات على النقابات باستعمال العنصرية من طرف أرباب العمل و الحكومات من أجل تقسيم و إضعاف قدرة العمال على المقاومة تساعد على زيادة الربح على حساب الأجور.
إكتشاف مصادر جديدة لمواد خام أرخص بإمكانه تعزيز الأرباح كذلك. بالإنخراط في سياسات تجارة و استثمار إمبريالية، تستطيع الحكومات تحسين أرباح النشاطات المحلية على حساب النشاطات في بلدان أخرى.
كميات الأرباح الكبيرة المستثمرة في صناعات غير منتجة كالتسليح و التي لا تنتج سلعا تعود إلى عملية الإنتاج، تستطيع الحفاظ على استقرار معدل الربح في ظل ظروف معينة. حدث هذا خلال الحرب الباردة.
هذه الميول المعاكسة تعني أن الرأسمالية لا تنهار ببساطة لمرة واحدة و إلى الأبد بانخفاض معدل الربح شهرا بعد شهر و عاما بعد عام. بدلا من ذلك يبقى التناوب بين فترات الإزدهار و الركود أمرا مميزا لهذا النظام.
من أجل فهم حالة الإقتصاد في أي وقت، علينا أن نقيم التوازن بين ميل معدل الربح نحو الانخفاض و الميولات المضادة. لكن علينا كذلك أن نأخذ بعين الإعتبار العوامل قصيرة المدى التي تؤثر على الأرباح و تحيي دورة العمل.
في حالة ركود، أسعار السلع -بما في ذلك سعر العمالة، الأجور- تنهار إلى أقل من قيمتها. الأرباح تنهار و يتم تسريح العمال. بعد ذلك، في المرحلة الأولية للتعافي الإقتصادي، يحتاج بعض الرأسماليين إلى تجديد رأسمالهم الثابت ( بنايات، آلات أو معدات أخرى) إذا أرادوا البقاء في المنافسة. سيستفيد هؤلاء من معدلات الربح المتحسنة بسبب انخفاض التكاليف، ليوسعوا بشكل مؤقت من إنتاجهم و استثمارهم. توظيفهم للقدرة الإنتاجية الراكدة و قوة العمالة بإمكانه أن يحفز القطاعات الأخرى التي تمدهم بالمدخلات أو تنتج السلع التي يستهلكها العمال.
مع تسارع وتيرة الإقتصاد، تحتد المنافسة على العمال، المواد الأولية و القروض. هذا الطلب المتزايد يضغط بشكل تصاعدي على الأسعار التي ترتفع فوق قيمة السلع و معدلات الربح.
مدى ارتفاع الأجور أيضا يعتمد على مدى نضال العمال من أجل أجر مرتفع. لكن مع رفع الإستثمارات الجديدة للقدرة على الإنتاج، تتراجع الأسعار نحو قيم السلع الحقيقية و ينهار معدل الربح.
في النهاية، مع تآكل الأرباح، يصبح الإقتصاد أكثر هشاشة أمام الهزات التي قد تؤدي إلى الركود. هزة النفط، عندما دفعت دول الشرق الأوسط أسعار هذه المادة الإستراتجية للإرتفاع، كانت عاملا مهما في إطلاق الركود الحاد في أواسط السبعينات. إنهيار مزودي تمويل الرهن العقاري ثم بنك بير سترنس الذي ضارب في الضمانات المدعومة برهن عقاري، ثم بنك الإخوة ليمان، قاد إلى الأزمة المالية العالمية في 2007-2008.
عمق و طول مدة فترات الإنكماش مشروطةٌ بتغيرات معدل الربح على المدى الأبعد. خلال فترة ازدهار ما بعد الحرب الطويلة، منذ نهاية الأربعينات حتى بداية السبعينات، كانت فترات الركود، بشكل عام، قصيرة و سطحية. منذ ذلك الحين صار النمو أكثر تفاوتا. الأزمة العالمية كانت أشد ركود منذ الكساد الكبير في الثلاثينات. في سنة 2020 أدخل كوفيد العالم في أحد أكثر الإنكماشات الإقتصادية الدولية انحدارا على الإطلاق.
توجد تعقيدات أخرى، من غير ميل معدل الربح نحو الإنخفاض و دورة العمل، للأخذ بعين الإعتبار عند تقييم الأوضاع الإقتصادية، تتمثل في عواقب النمو الرأسمالي غير المتكافئ على الصعيد الدولي. الأزمة المالية العالمية على ،سبيل المثال، لم تكن لها نفس الحدة في كل البلدان، فقد أثرت على الصين و أحد مورديها الرئيسيين بالمواد الخام : أستراليا، بشكل أخف من بقية العالم.
في مواجهة المنافسة الدولية الحادة على انخفاض المبيعات، كان للعديد من الشركات الصينية أفضلية الإستثمار في تكنولوجيات أكثر حداثة و فعالية، إلى جانب عمال رخيصة نسبيا لكنها مؤهلة. بقيت المشتريات الصينية من خام الحديد الأسترالي، الفحم و الخدمات التعليمية ثابتة.
وضع تنبؤات اقتصادية نشاط غير يقيني حتى عند استناده على تحليل منهجي و ملموس، لكن بإمكاننا أن نكون واثقين من الخلاصة التي مفادها أن الأزمات لا مفر منها.
يقرر الرأسماليون مستويات إنتاجهم و استثمارهم بالإعتماد على تنبؤات لا يمكن الوثوق بها باستمرار، فالمنافسة بينهم تجعل من المستحيل تخطيط الإنتاج بشكل يمكن الإعتماد عليه للوصول إلى نمو متناسب في كل القطاعات و تفادي الأزمات. و ليس من مصلحتهم الكشف عن تفاصيل عملياتهم للخصوم، المراقبين الحكوميين أو المؤسسات الدولية، و لا يستطيعون الهروب من منطق نزوع معدل الربح نحو الإنخفاض.
التناقضات الإقتصادية التي لا مفر منها للنظام الرأسمالي تعني، كما وضح ماركس و إنجلز، أن الطبقة الرأسمالية « غير مناسبة للحكم لأنها لا تملك الكفاءة لتضمن وجودا لعبدها داخل عبوديته، و لأنها لا تستطيع فعل شيء حيال غرقه في وضعية مماثلة، و أنه هي الواجب عليها إطعامه عوض التغذي من طرفه».
تعريب : سفيان نور الإسلام.
رابط المقال الأصلي على موقع Red flag :

https://redflag.org.au/article/promise-and-devastation-understanding-economic-crises








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | تعطل حركة الطيران في مطار ميونخ، والسبب: محتجون في


.. إسبانيا: آلاف المتظاهرين ينزلون إلى شوارع مدريد للدفاع عن ال




.. لماذا تتبع دول قانون السير على اليمين وأخرى على اليسار؟ | عا


.. مظاهرات في القدس تطالب بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل والشرطة ا




.. Boycotting - To Your Left: Palestine | المقاطعة - على شمالَِ