الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملعب بوتين الضيق وطموحاته الواسعة

آزاد أحمد علي

2022 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


القادة الذين يتحدثون كثيراً، بشكل متكرر ومسهب، غالباً ما يعبرون عن حالة الأزمة المستفحلة التي أوقعوا أنفسهم وشعوبهم في أحابيلها. كان هذا حال بوتين ليلة الخميس 27 أكتوبر المنصرم، حيث شارك وتحدث مطولاً في منتدى فالداي (Valday Discussion Club) الروسي للحوار، وكانت جلسة هذا العام مخصصة ومركزة على علاقات روسيا مع الشرق الأوسط. وقد شارك فيها العديد من الباحثين والمهتمين بالشأن العام خاصة من له علاقة بالمؤسسات التعليمية، اذ ان هذا المنتدى في الأصل مؤسسة مرتبطة بالأكاديميات الروسية وبالقطاع التدريسي. وقد شارك البروفيسور محمد احسان من كوردستان العراق، بورقة بحثية ألقاها بحضور الرئيس بوتين وتناولت معالجة الأزمة الدولية الراهنة عبر مقارنتها مع أزمة الصواريخ الكوبية سنة 1962. وركز الباحث فيها على عملية التهديد باستخدام السلاح النووي عهدئذ ودلالاتها. كما وضع في سياق البحث مقارنة بين كل من بوتين والرئيس الروسي عهدئذ خرتشوف، وكذلك قارن سلوك الرئيس الأمريكي الحالي بايدن بموقف الرئيس الأمريكي كندي ابان الصراع بين المعسكر الاشتراكي والغرب في أحد أهم ذرواتها التاريخية. المقارنة في البحث دفع ببوتين ليؤكد على أنه لا يشبه خرشوف، جاء ذلك في سياق سؤال الدكتور محمد احسان لبوتين حول نهاية القطبية الواحدة، وصعوبة عالم بقطب واحد الذي فشل موضوعياً في تشكيل نظام عالمي جديد، وحقيقة أن روسيا تعاني من أزمة.
أما السؤال الآخر والذي تناقلته وسائل الاعلام مع ترجمات مباشرة ومتباينة نسبياً، وذلك بحسب لغة الترجمة، فقد كان حول تحقيق العدالة للشعب الكوردي ومستقبل كوردستان في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن بوتين قد تفاجأ قليلا بالسؤال اذ لم يكن متوقعا في سياق الخط العام للنشاط، لكنه أجاب بطريقة مختزلة: "اما بالنسبة للكورد، فقد سبق وقلت... ليس الكورد فقط بل بشكل عام، يجب أن نسعى الى تحقيق التوازن في المصالح، وإذا ما تحقق التوازن في المصالح حينها فقط سيكون العالم آمنا، ونفس الحالة تنطبق على الشعب الكوردي."
اجابته كانت أشبه بمن يمتنع عن الإجابة، أو يقفز الى الشخص التالي في المنتدى، لكنه بنباهة وبسرعة بديهة لم يقع في المطبين، ولا في المطب الأساسي، كأن يلمح إلى أحقية الكورد في إدارة مناطقهم، أو يتفلسف في سردية طويلة حول حق الشعوب في تقرير مصيرها... لماذا هذا الموقف وهذه الإجابة المبهمة والبديهية في الوقت نفسه.
لأن المنتدى كله قد عقد، وحضره بوتين لمدة أربع ساعات لا لكي يتحدث عن حقوق الشعوب المظلومة وانما للدفاع عن المنظومة الفكرية لصانعي القرار في روسيا وعلى رأسهم بوتين. ولإيصال رسائل محددة الى الغرب نتطرق لها لاحقاً.
وربما لم يوفق الصديق البروفيسور محمد احسان في جر بوتين الى ملعبه الكوردستاني، على الرغم من باعه الطويل أكاديمياً في تدريس العلاقات الدولية، وعملياً كان وزيراً في كل من حكومتي بغداد وأربيل على التوالي. ولم ينتبه لحالة بوتين النفسية ولا الى المعركة الكبرى الذي يديرها، وبالتالي لملامسة أولوياته السياسية والاستراتيجية.
فالمنتدى الذي كان مخصصاً كعنوان للعلاقات الروسية مع الشرق الأوسط، استخدم في الجوهر كمنصة لفكر بوتين ولطروحات حكومته ومفكريه للتعبير عن رأيهم والدفاع عن فرضيتهم التي ترجح أحقية مواجهة الغرب عبر بوابة أوكرانيا، ومحاولة الترويج لعالم متعدد الأقطاب، ليس حباً في التعددية القطبية وانما كراهية في الاحتكار الأمريكي للنفوذ الأوحد على صعيد العالم. حيث كانت هذه الرؤية من صلب حديث بوتين المسهب (الذي نقل مباشرة عبر أقنية التلفزيون الروسي مع ترجمتها الفورية لعدة لغات).
باختصار أراد بوتين من حديثه إيصال رسالة صريحة وقوية للغرب، تتمحور حول ما يلي:
نحن جادون في وضع حد لهيمنتكم، أو الحرب ستستمر ونحن مهيؤون كذلك لخوضها، حتى وضع نظام سياسي ومالي جديد للعالم. دائرة حلفاؤنا تتسع ودائرتكم تضيق، حيث تعمد في هذا السياق بتثمين دور تركيا واعتبر اردوغان حليف صادق، كما تضامن مع ايران مندداً بمقتل قاسم سليماني، فضلاً عن مدحه لشخصية الأمير الشاب محمد بن سلمان... وصولاً الى الإفصاح عن تحالفه الوثيق المتعدد الجوانب مع الصين، وصولاً الى أهمية التقارب مع الهند. لكل هذه الأولويات والأسباب، أول ما يتبادر للذهن أن من يعد تركيا حليفاً له وينتقد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني بالاسم، لا يمكن ان يتخذ موقف إيجابي من المسألة الكوردية. خاصة في نفس الجلسة وفي نفس البيئة السياسية الجديدة التي يؤسس لها بوتين. فقصة بوتين اليوم لا تتعلق بالدفاع عن مظلومية الشعوب في عالم يشكوا من هيمنة الغرب، وانما غايته تكمن في كيفية استجماع الطاقات للخروج من الأزمة مع تحقيق قدر كبير من الخلل في التوازن الدولي لتتمكن عبرها روسيا من تثبيت منجز تاريخي.
ما أود التأكيد عليه أن بوتين قد فهم الساحة الدولية تماما، لم يفهمها كفهلوي وبهلوان وصاحب حزام أسود في الجيدو فحسب، بل لأن طاقم كبير من المفكرين والقادة الحقيقيين الروس يعملون منذ أمد بعيد لصياغة رد ممكن للانتقام من الغرب وإعادة تعويم دور روسيا بأي ثمن. أما لاعب الجيدو بوتين فقد أضاف لخطط الطاقم ميزة فريدة، تتلخص في أن الملعب لا يدخله سوى اللاعبين المحترفين، واللعب بات حصرياً بين الكبار، لذلك عملية تحشيده تتركز على استقطاب القوى الكبرى، خاصة الصين والهند، ويصر على تحييد تركيا، وجر إيران الى معركته واغراء السعودية بعالم متعدد الأقطاب، فضلا عن ترك الباب الخلفي مفتوحاً لأوربا وخاصة ألمانيا وفرنسا...
اذن في هذه الحالة، ما هو موقع الشعوب الصغيرة في هذه المصارعة الكبرى؟ لن يلتفت أحد على كوردستان ولا سوريا ولا اليمن. فعلى الكبار أن يحسموا صراعهم ويحددوا الخط العام الأساسي لمسار السياسات المعاصرة. بعدها وربما في سياق مواز يمكن الحديث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي، وتحقيق العدالة والسلام للشعوب المنكوبة في الشرق الأوسط. وليس قبل أو أثناء تناطح القوى العظمى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا