الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور ووضع الجيش من دور ووضع الشعب .

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


نعم إنّ دور ووضع الجيش ، هو دور ووضع الشعب . فالجيش وأيُّ جيش ، هو مرآة عاكسة وصادقة لصورة الشعب ، إضافة الى نوع الدستور المُنزّل والمطبق . وبالرجوع الى وضع الجيش ، سنجد أنّ في جميع الدول التي تحكمها أنظمة سياسية متباينة ومختلفة ، توجد بها جيوش . لكن إنّ وضع الجيش ، ومهامه ، والادوار التي يقوم بها ، تختلف من دولة الى دولة ، ومن نظام الى نظام آخر . لكن يبقى المُميّز والفرق ، هو نوع وطبيعة الدستور الذي يحدد نوع وطبيعة الحكم ، والنظام السياسي الذي يتميز داخله الجيش بدور متميز .
هنا يجب أن نفرق بين مهام ودور الجيش في الأنظمة الديمقراطية التي تحتكم في ممارستها للشأن العام ، على دساتير الشعوب الديمقراطية ، ودور ومهام الجيش في الأنظمة الشمولية ، التي تعتمد في سيطرتها على الدولة ، على دساتير الحكام الممنوحة ، التي تختزل الحكم والدولة في شخصهم لا في غيرهم ، ولو كان الشعب المفروض أن يكون أصل ومصدر الحكم والسلطة ، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية ..
وهنا نتساءل مِنْ دون طرح السؤال ، عن دور الجيش في الأنظمة الديمقراطية ، وعن دوره في الأنظمة الاستبدادية ، الطاغية ، والدكتاتورية .
أولاً ومن دون ثانيا ، هناك شِبه قاعدة معروفة ، هي انّ الجيش لا يتدخل في السياسية ، أي لا يتدخل في الشأن العام المتروك فقط للسياسيين الذين يشتغلون بالسياسية ، او يتعيشون منها ، من احزاب ، ونقابات ، وجمعيات سياسية ، وتكنوقراط ، وهلمجرا .. فتصبح مهمة الجيش الأساسية والرئيسية ، هي الدفاع عن الشعب ، والدفاع عن الأرض . لكن هل فعلا ان الجيوش غير مسيسة ، ولا تتعاطى للشأن السياسي الداخلي ، بفرض توجه سياسي معين ، او مباركة أطروحة سياسية معينية ، او الميل الى جانب تيار سياسي على حساب اخر ..
وهنا وبالنسبة لجيوش الدول الديمقراطية . هل الجيوش محايدة وغير مسيسة ، ولا دخل لها في تسيير الشأن السياسي العام ، الذي هو من اختصاص فقط السياسيين ؟ . وهل وظيفة الجيش في الدول الشمولية ، الاستبدادية ، و الاقطاعية ، والدكتاتورية ، هي نفس وظيفه الجيوش في الدول الديمقراطية .
اذا كانت الجيوش في الدول الديمقراطية محايدة وغير مسيسة ، وتتصف بأخذ نفس المسافة من جميع الفرقاء السياسيين المتصارعين ، دون تأييد جهة ضد أخرى ، وهو ما قد يفهم منه أنّ وضع الجيش ، هوالحياد والامتناع عن التعاطي للسياسة ، فان خضوع الجيش لرئيس الجمهورية كفرنسا ، او أمريكا ، او للملك كإسبانية ، وإنجلترا ، او للوزير الأول وبالتشارك والتنسيق مع الملك في الأنظمة الاسكندنافية ، وفي هولندا وبلجيكا ، يجعل من الجيش الغير مسيس ، يصبح سياسيا يمارس السياسة عند اتخاد رئيس الجمهورية ، او رئيس الحكومة قرارا بإرسال الجيش للدفاع عن أنظمة سياسية شَبه ديمقراطية ، او شِبه ديمقراطية ، او شمولية دكتاتورية في إفريقيا ، وفي آسيا ، لمناصرة الرئيس او رئيس الحكومة ، لخط سياسي يمثله ذاك النظام الذي بعث رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء الجيش للدفاع عنه . فوجود الجيش الفرنسي بإفريقيا للدفاع عن بعض الأنظمة السياسية ، هو تدعيم ودفاع عن تلك الأنظمة ، التي تواجه معارضة سياسية او عسكرية من قبل المعارضين والمناوئين لها .. فيكون الجيش الغير مسيس عندما لا يتخل في السياسة الداخلية لبلده بحكم الدستور ، الذي يجعل الجيش تحت قيادة الرئيس ، مسيسا يدافع عن خط سياسي بأمر الرئيس ، او بأمر رئيس الحكومة الذي يمثل حزبا او مجموعة أحزاب فازت في الانتخابات الرئاسية ، وتقود دفة الحكم . فالجيش ومن حيث لا يحتسب ، يمارس السياسة بتنزيله تعليمات الرئيس ، او تعليمات رئيس الوزراء ، وبالتنسيق مع الملك ، خارج الحدود ، وليس داخلها التي يحكمها الدستور الديمقراطي . ان وجود الجيش الأمريكي الذي لا يتعاطى السياسة ، والشأن العام السياسي داخل الولايات المتحدة الامريكية بكوريا الجنوبية ، هو الدفاع عن الرأسمالية في مواجهة الشيوعية ، وهي نفس الأسباب في القضية الكوبية ، وفي قضية العراق ، وسورية ، وفي الغارات التي ينفدها الطياران الأمريكي بالصومال وبمنطقة الساحل .. ..
فجيش الدولة الديمقراطية عندما يبعثه رئيس الدولة ، او رئيس الحكومة بالتنسيق مع الملك ، يكون من اجل الدفاع عن كتلة ، او جهة سياسية ، خارج الدولة التي بعثت بالجيش خارج الحدود ، وأحيانا للدفاع عن أنظمة سياسية ، تحكمها دساتير لا علاقة لها اطلاقا بالدساتير الديمقراطية ، التي تنظم الأنظمة السياسية في الدول الديمقراطية ..
اذن . إنّ وضع الجيوش في الأنظمة الديمقراطية ، بالنسبة للشأن العام السياسي الداخلي ، يكون هو الحياد ، والاحتفاظ بنفس المسافة من جميع فرقاء السياسة المتصارعين .. وتبقى المهمة الأساسية للجيش ، هي الدفاع عن الدولة والدفاع عن الشعب ، لان ابناءه هم أبناء الشعب ، أي الدفاع عن الدستور .. وهنا نعتبر استعراض الجيش الفرنسي في 14 يوليوز ، هو تذكير بقيم الجمهورية ، وبمبادئ الثورة التي قدمت ضحايا ، ولا تعتبر المسيرة نوعا من التدخل في الشأن السياسي الفرنسي ، لان مسيرة الجيش تنظم كل سنة في 14 يوليوز Le 14 Juillet ..
لكن ماذا عن وضع الجيوش في الأنظمة التوتاليتارية ، الاستبدادية ، الطاغية ، والدكتاتورية ، وهي أنظمة قد تكون أنظمة بوليسية تحتكم الى البوليس السياسي في تسييرها للشأن العام ، وقد تحتكم للبوليس السياسي وللأجهزة الموازية ، كالأجهزة السلطوية الغارقة في الطقوسية ، ومنها من يحتكم الى العسكر في تثبيت النظام السياسي الجاثم على صدر الشعب ، بقوة الجبر ، والعنف ، واللجم ، وبقوة القوة القاهرة المسلطة عليه من فوق ..
فهل جيوش هذه الأنظمة ، تماثل الوظيفة التي تقوم بها الجيوش في الدول الديمقراطية ، سواء كانت ملكيات برلمانية كإسبانية ، وانجلترا ، او كانت كهولندا وبلجيكا ، او كانت كملكيات الدول الاسكندنافية ، او كانت جمهوريات برلمانية ، كالجمهورية الإيطالية ، والجمهورية الفرنسية .. هل وظيفة الجيوش هي الدفاع عن الوطن ، وعن الأرض ، وعن الشعب ، أم انها وبخلاف جيوش الدول الديمقراطية ، التي تنتسب الى الدستور الديمقراطي في عملها ، تنحصر وظيفتها الأساسية والرئيسية فقط ، في الدفاع عن الحاكم المغتصب للحكم ، وضد الشعب الذي من أبناءه يتكون جيش الحاكم الدكتاتوري المستبد ، والشعب الذي يجعل ابناءه عسكر عند الحاكم ، هو من يدفع اجورهم واجور الحاكم المستبد ، من خلال الضرائب التحقيرية والمهانة ، والمفروضة بقوة السيف على الشعب . وعندما يصرخ الشعب الذي زود بأبنائه جيش الحاكم المستبد ، من شدة الجوع والعطش ، وهو من يدفع لهم أجرهم بالضرائب المُذلّة ، لا يتردد الحاكم الطاغي من دفع الجيش المُكون من أبناء الشعب ، من قتل الشعب ، فيصبح الأبناء يقتلون آبائهم ، لكي ينعم الدكتاتور بالثروة والعيش الباذخ ، التي هي أموال وثروة الشعب الذي يُقتل برصاص أبناءه ، حماية للحاكم الذي يحكم الشعب بأبناء الشعب ( العسكر ) بيد من حديد ..
فهل جيوش الأنظمة الشمولية ، والطاغية ، والاستبدادية ، والدكتاتورية مثل جيوش الأنظمة الديمقراطية ، تحتفظ بنفس المسافة من الفرقاء السياسيين المتصارعين ، وتحتفظ بنفس المسافة بين الحاكم الدكتاتور ، وبين الشعب المُكْتوي بلهيب عصا الحاكم المتسلط . وهل مأمورية ووظيفة الجيوش في الأنظمة الطاغية ، هي الدفاع عن الوطن ، وعن الشعب ، أم هي الدفاع عن الحاكم ضد الشعب . وهنا لنصل الى الجواب . هل دساتير الأنظمة الدكتاتورية هي نفسها دساتير الدول الديمقراطية ، حتى نُجْري مقارنة في غير محلها ، بين جيوش تنضبط وتخضع فقط للدستور ، أم ان دساتير الأنظمة الاستبدادية ، هي دساتير الحكام الممنوحة على مقاصهم ، تجعل السلطة فقط بيدهم لا بيد غيرهم ..
فاذا خلصنا إلى أن دساتير الأنظمة الدكتاتورية ، هي دساتير الحكام الدكتاتوريين ، خلصنا إذن الى ان الجيوش في هذه الأنظمة التوتاليتارية ، رغم انها تتكون من أبناء الشعب المفقر ، والمقموع ، والمُجوّع ، ورغم انّ هذا الشعب هو من يؤدي أجور ابناءه المُعارين عند الحاكم المستبد ، فان هذه الجيوش هي جيوش الحاكم ، وليست بجيوش الشعب . ومن ثم فان هذه الجيوش ، لن تتردد ثانية في الفتك بآبائها ( الشعب ) ، عندما يصرخ من ألم الجوع ، والعطش ، والمرض ، والتفقير ، وعندما يرفع رأسه ولو لمرة ، ليطالب بأقل من أبسط الحقوق التي تتمتع بها الحيوانات في الدول الديمقراطية .
لذا فعند تخيير هذه الجيوش بين الدفاع عن الحاكم الذي يستعبدها كعبيد في قصوره وفي ضيعاته ، ويهينها في إنسانيتها عندما يركع ضباط الجيش حتى ركبتيهم ، ليقبلوا على طريقة العبيد يد الحاكم الطاغي ، وهذا التقبيل من اكبر مظاهر الطغيان عندما يتم تقبيل حذاء الطاغي من العبيد ، ، وبين الدفاع عن الشعب الذي زود الحاكم بأبنائه حتى يصبحوا عنده جنودا عبيدا ، فان جيش الحاكم لا يتردد ثناية في الفتك بالشعب ، وقتله ، وبإطلاق الرصاص عليه بدم بارد ، ومن نجا من رصاص جيش الطاغية المستبد ، تكون نهايته الرمي في سجون الحاكم المقرفة ..
ان النظر الى صورة الجيش في أي بلد ، تعطينا فكرة مسبقة عن نوع النظام السياسي الجاثم والحاكم ، كما تعطينا صورة عن نوع القوانين السائدة . هل هي قوانين ديمقراطية ، أم هي قوانين قامعة ، ولاجمة ، سُنّت لخدمة الحاكم ، وخدمة اسرته ، وعائلته ، وخدمة المقربين ، والمقربين من المقربين ، وهي قوانين تشمل جميع الميادين ، خاصة تلك التي لها علاقة بسلطة القمع البوليسية ، او البوليسية السلطوية ، او العسكرية التي تأخذ فيها الجيوش زمام المبادرة العسكرية والمدنية على حد سواء ، وخاصة قوانين الإعفاءات من الضرائب والجُمرك لشركات وممتلكات الحاكم .. لهذا بقدر ما تكون الجيوش في الأنظمة السياسية الديمقراطية غير مسيسة داخليا ، وتحتفظ بنفس المسافة من الجميع ، وتنضبط لمفاصل الدستور الديمقراطي الذي يحصر وظيفة الجيش في الحياد ، وفي الدفاع عن حوزة التراب الوطني ، وعن الشعب ، بقدر ما نجد الجيوش في الأنظمة الاستبدادية ، والطاغية ، والدكتاتورية ، تدافع عن الحاكم الطاغي ضد الشعب الأعزل الذي يطالب بأبسط الحقوق ، وبشيء من العيش الكريم ..
وبقدر ما تحترم الأنظمة السياسية الديمقراطية الشعب مصدر الحكم والسلطة ، وبقدر ما يجتهد الجيش في الدفاع عن الشعب ، بقدر ما نجد الحاكم الطاغية المستبد من خلال الجيش ، لا يتوارى في قمع الشعب ، وفي اذلاله ، واهانته باستعمال كل أساليب القمع والبطش ، التي تدينها القوانين الدولية في مادة حقوق الانسان ، كما تدينها المنظمات الدولية التي ترى في هؤلاء الحكام مجرد طغاة ، قد تكون نهايتهم على يد أبناء الشعب من الجيش المستعمل في الفتك بالشعب ، وهذا طبعا ما يبرر الانقلابات العسكرية التي كانت تعرفها دول أمريكا اللاّتينية ، وامريكا الجنوبية ، وعرفتها القارة الافريقية ، وعرفتها آسيا ..
فكلما كان الشعب مثقفا ، ومسيساً ، وواعياً ، وملحاحاً ، ولا يخاف العواقب عند الدفاع عن حقوقه ، وينعم بالنظام الديمقراطي .. ، كلما انعكست هذه الحالة على وضع الجيش داخل الدولة ، وكلما حصل الفرز بين جيش الشعب والدولة ، واتضحت وظيفته الأساسية والرئيسية التي هي الدفاع عن الشعب وعن الأرض ..
وكلما كان الشعب أمّياً ، جاهلا ، غارقاً في الكهنوت ، وفي الخرافة ، وفي الشعوذة ، وغارقا في الطقوس البالية ، وفي السحر ، وفي الاركاييكية .. ، كلما كان الجيش ، جيش الحاكم الطاغي المستبد ، والدكتاتور ، المستعد للموت من اجل الطاغية ، وليس بجيش الشعب المفروض انْ يدافع عن الشعب وعن الوطن ، ولو بشكل كاريكاتوري ..
فالجيش في الدول الدكتاتورية لا يتردد في سحق الشعب ، وفي التنكيل به اذا دعاه قائده الدكتاتور ، حتى يستمر في طغيانه ، وفي استبداده ، وفي سرقته ثروة ، وأموال ، وخيرات الشعب المفقر ، الذي يتعرض للتنكيل من قبل جيش الدكتاتور .. وهذه حالة تميز حالة ووضع الجيوش ، ووظائفها القاهرة في الأنظمة الاستبدادية ، التي تختلف عن وظيفة الجيوش في الأنظمة الديمقراطية ..
فطبيعة تحرك الجيش ، تستند الى درجة وعي وثقافة الشعب . فكلما وجد الجيش نفسه أمام شعب مثقف وواعي ، كلما استجاب الجيش لهذا التطور الرامي بترقية الممارسات السياسية والديمقراطية الى أعلا ، وكلما زادت حالة الوعي هذه ، من تشجيع الجيش على التسيس والاشتغال بالسياسية ، ولو عن بعد ، وكلما ساهم كل هذا في انخراط الجيش في الشأن العام بمفهومه الإيجابي ، فيُسرّع هذا التحول بتحرك الجيش ، ليصبح من جيش الدكتاتور ، الى جيش الشعب الذي ينظم باسمه الانقلابات العسكرية ، للدفاع عن الشعب الذي يعرف ضباط الجيش الاحرار والوطنيين ، انهم أبناء هذا الشعب الذي يناضل عن الحق ، ويحارب كل أصناف الاستئثار والانفراد بالحكم ، للحاق بركب الدول التي ترفل في الديمقراطية .. فالله خلق الناس أحرارا ، وفضلهم وميزهم ، والبشر الطاغي البسيكوباطي المريض ، هو من حولهم من احرار كما أراد الله ، الى مجرد عبيد في خدمة الحاكم الطاغي المستبد والدكتاتور ..
إذا كانت وظيفة الجيش تختلف في الأنظمة الديمقراطية ، عنها في الأنظمة الشمولية الطاغية ، والمستبدة ، والدكتاتورية ، حيث يتميز الجيش في الأولى بالحياد ، وباستقلالية الرأي ضمن دستور الشعب الديمقراطي ، وتصبح وظيفة الجيش الرئيسية هي الدفاع عن الشعب والدفاع عن التراب الوطني ، في حين يتميز دور الجيش في الأنظمة الشمولية بكونه جيش الحاكم لا جيش الشعب ، الذي لا يتردد الحاكم المتجبر من استعماله في لجم ، وقمع ، والفتك بالشعب اذا طالب بالحق في العيش الكريم ، وطالب بالعدالة التي يجب ان تطبق على الحاكم ، وأسرته ، وعائلته ، وأقربائه ، وأقرب أقربائه قبل ان تطبق على الشعب ..
والسؤال . أين يتموضع جيش الدولة السلطانية من هذين الجيشين . الجيش في الدول الديمقراطية ، والجيش في الدول الاستبدادية ؟
انّ أيّ بحث لطبيعة الجيش بالمغرب ، لن يحقق الغرض ، اذا نحن لم نطرح السؤال الذي يشرح كل مفاصل الدولة ، ومنها طبعا قطاع الجيش . ولقد سميته بالقطاع ، لأنه لا يرقى الى درجة المؤسسة ، لان المؤسسات تنبثق ، وتخضع ، وتتقيد بالدستور الديمقراطي المفروض انه دستور الشعب ، وليس بدستور حاكم اقطاعية الحق الإلهي ..
الدولة التي تحكم المغرب منذ 350 سنة ، هي دولة فريدة من نوعها ، مقارنة مع الدول كما ينظم ذلك القانون الدولي . فشكل الدولة الفريد في المغرب ، كونها دولة سلطانية مخزنية ، تمثل القبيلة العلوية ذات الطقوس الفريدة في ضبط ، وفي السيطرة على المجتمع .. فالشبيه للدولة السلطانية المخزنية العلوية ، هي الامبراطوريات المغربية التي عرفها تاريخ المغرب ، وهي نفسها الامبراطوريات التي سادت العالم كذلك ، في روما وفي بلاد فارس .. ففي هذه الدول ينتفي بالتمام والكمال مفهوم الشعب ، فتحل محله حاشية الامبراطور ، والعبيد عوض الشعب الذي يرفعون بأعلى حناجرهم شعار " عاش الامبراطور " ، خاصة عندما يكون مزهوا في بسيكوباطيته اللعينة ، وهو يتفرج في العبيد يتقاتلون في ميدان المبارزة ، أمام أعين الامبراطور ، وخليلاته ، وحاشيته ..
نفس الشيء الساري المفعول في الإمبراطورية المغربية ، التي اخذت لها اسم الدولة السلطانية ، الشبيهة بالإمبراطوريات الكونية ، حيث يوجد ( الامبراطور ) السلطان ، ومعه حاشيته ، أيّ خدامه ، والباقي مجرد رعايا عند الراعي الأول ، والامام الأول ، والأمير الأول ، مولانا السلطان المعظم الذي لا يتردد الفقيه الخطيب الذي يؤم الصلاة في الأعياد الدينية ، وبحضرة السلطان من الدعاء له بقوله " .. مولانا السلطان الله ما احفظه وبارك له .... " .. فالنظام السلطاني الذي تمثله الدولة السلطانية في شكليها التقليدي ، والتحديثي الذي يرجع الفضل في تحديثه الى السلطان الحسن الثاني ، هو نفسه نفس الدولة السلطانية القديمة ، فالاختلاف بين السلطنة القديمة والحديثة هو اختلاف شكلي ، اما من حيث الجوهر والمضمون ، فالدولة السلطانية هي نفسها التي يوجد بها فقط السلطان ، الذي يجسد الدولة في شخصه ، ويجسد شخصه في الدولة . وكما ان العبيد في روما ، وفي بزنطا ، وفي بلاد فارس يرفعون بمناسبة او بغير مناسبة شعار " عاش الامبراطور " ، فكذلك الرعايا في الدولة السلطانية يرفعون بمناسبة او بغير مناسبة ، وخاصة عندما تكون هراوة السلطان تنزل على اكتافهم الضعيفة ، والصفعات تلطم وجوههم الذابلة ، " عاش سيدنا / عاش سيدنا / عاش الملك / عاش الملك " ..
لذا فما يسمى بالمؤسسات في هكذا دولة ، هو مجرد قطاعات بيد السلطان ، يوظفها في تنزيل برنامجه ، وخططه ، وسياسته .. وهذا يحصل برضا وقبول كل الفرقاء السياسيين والاجتماعيين ، الذين يسارعون الخطوات كي يظفروا بشرف انْ يصبحوا موظفين سامين بإدارة السلطان ، صاحب الفضل العظيم في إغناء المفقر وتفقير الغني اذا رغب في ذلك . فقطاع الجيش شأنه شأن جميع القطاعات التي تعود للسلطان ، رئيسها السلطان الذي نصب رؤساء على هذه القطاعات لتنزيل سياسته .. فالأمر اليومي البرلماني يحدد خريطة طريق اشتغال البرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر عند افتتاح دورة الخريف التشريعية ، وبالأمر اليومي العسكري يحدد خارطة طريق اشتغال الجيش ، وطبعا فالسلطان هو الرئيس الفعلي لقطاع القضاء ، الذي يعتبر في الدولة السلطانية من وظائف الامامة التابعة للإمام ، وليس بهيئة قضائية ، فأحرى ان يتحول الى سلطة مستقلة الذات ..
إذن في دولة تحتضن الرعايا الذين يعيشون في السلطنة ، ولا تحتضن الشعب الغائب الذي يركز على الحقوق ، ويعيش في الدولة الديمقراطية المدنية ، وتسود ممارساتها الطقوس والتقاليد المرعية ، واستعمال الكهنوت في تغليف عقول الرعية المتناغمة منذ قرون مع هذه الأنماط ، والاشكال ، والسلوك باسم اقطاعية الحق الإلهي ، الذي سلب الجماهير حقها في القرار وفي التقرير بواسطة عقد البيعة ( دستور غير مكتوب ) ، بحيث يصبح السلطان هو وليها ، وممثلها ، والناطق باسمها ، والمخول الوحيد باتخاذ ما شاء من القرارات الخطيرة ، من دون ابلاغها ، او اخبارها ( الحكم الذاتي في ابريل 2007 ، والاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار في يناير 2017 ، ونشر هذا الاعتراف في الجريدة الرسمية للدولة العلوية عدد 6539 ) .. ، يصبح من الواضح ومن السهل ، معرفة جهة تبعية الجيش ، وتصبح واضحة وظيفة الجيش الرئيسية ، التي تتشابه مع وضعية ووظيفة الجيوش في الأنظمة الاستبدادية والطاغية ، بحيث انّ الفرق الوحيد بين هذه الجيوش ، هو أن جيوش الحاكم الطاغية بوليسي او عسكري ، ترتبط وتدافع عن نظام حاكم معرض للانقلاب عليه في كل وقت وحين ، في حين يرتبط الجيش في المغرب بالدولة كأصل عام ، وليس فقط كنظام . وحين نركز على الدولة ، فالمقصود الخصوصيات التي تجعل ارتباط الجيش بالدولة ، وبشخص السلطان ، هي الحضارة التقليدية ، والتاريخ ، والأسرة التي تتوارث الحكم ، وكاد ان يطيح بها في انقلابات قادها جيش السلطان ضد الدولة ، وليس ضد النظام في بداية سبعينات القرن الماضي .
انطلاقا من هذه الحقيقة ، نجزم وبخلاف جيوش الأنظمة الدكتاتورية التي تعيش من دون عقيدة ولا إيديولوجية ، وتوظف كجماعة مرتزقة عند الحاكم الذي تنقلب عليه عندما تسمح الظرفية السياسية بذلك ، ان الجيش في المغرب الإثني ( عروبيون وبرابرة / تشلحيت ، تمازيغت ، وتريفيت ) ، مرتبط بعقيدتين . العقيدة العلوية التي تجسدها الدولة العلوية ، اكثر من تجسيدها الحاكم العلوي في بعض المراحل من تاريخ الدولة العلوية ، وتجسدها العقيدة الغربية ، وبالأخص العقيدة الفرنسية في أبشع صورها الاستعمارية التي أساسها الفتك ، والسحق ، والقتل ، والقمع من دون رحمة كما يشهد بذلك تاريخ المواجهات بين نظام سلطان ضمن الدولة العلوية ، وبين الشعب الذي ثار عبر محطات مختلفة ..
فعندما أحرز المغرب على استقلال Aix-les Bains ، تولت فرنسا تدريب ، وتكوين ، وتأطير جيش السلطان ، كما ان مخابراتها ، وبولسيها ، وادارتها ، وعيونها ، كانت حتى السنوات الأولى ( للاستقلال ) . ففي 22 أكتوبر 1956 ، كان بوليس فرنسا ومخابراتها بالمطار ، هم من ابلغوا باريس بمغادرة قادة الثورة الجزائرية المغرب ، وليس الحسن الثاني الذي نسب اليه ذاك الفعل ظلما ، والذي وجد نفسه أمام الامر الواقع الذي فرضته فرنسا بعد عملية الاختطاف . فهل يعقل القول انّ الحسن الثاني قتل محمد الخامس ، وزوجته لطيفة هي من قتلت الحسن الثاني ، وغدا سيقولون ان الحسن الثالث هو من قتل محمد السادس .. فأيّ ( سياسيين ) هؤلاء الذين يروجون التفاهات شهادة تكوينهم الهش .. ؟
ان التحاق ضباط مغاربة كانوا يشتغلون ضمن الجيش الفرنسي بجيش السلطان بعد ( الاستقلال ) ، كالجنرال محمد أفقير ، والجنرال البشير البوهالي ، والجنرال حمو أمهروق ، والجنرال الكتاني ، والجنرال النميشي ، والجنرال الشرقاوي ... الخ ، والضباط الذين تخرجوا من مدرسة " سانسير " الفرنسية L école Saint-Cyr ، أعطى لجيش السلطان نزعة غربية فرنسية ، متجانسة مع دولة تقليدية هي الدولة السلطانية التي قام بتحديثها السلطان الحسن الثاني ، فكان الجيش الذي تأسس في سنة 1956 ، جيش السلطان " القوات المسلحة الملكية " ، وليس جيش الشعب الذي من أبناءه يتكون جيش السلطان ، ضباطا ، وضباط صف ، وجنود .. ففي مجتمع الرعايا الذين ترعاهم دولة رعوية ، يتولى هؤلاء الانجاب والتوالد للتكاثر الغير منطقي ، ويتولون وعلى نفقتهم الهزيلة تكبير النشء حتى يصل سن الرشد ، فيقومون بإهدائهم كي يصبحوا جنودا في جيش السلطان ، وطبعا الآباء الرعايا هم من يؤدي أجر ابنائهم الجنود ، وأجر ضباط الصف والضباط ، من خلال الضرائب المهينة المفروضة عليهم . كما انهم هم من يؤدي أجر السلطان من هذه الضرائب التي استعمل السلاطين العلويين حد السيف ، وبالغارات العسكرية ، لفرضها بالقوة على القبائل البربرية التي رفضت دفع الضريبة للسلطان ، ورفضت نظام وحكم السلطنة بفاس ، وكانت تنادي بالنظام الجمهوري الذي نجح لست سنوات ، عندما تأسست جمهورية الريف الانفصالية ..
وبما ان الجيش هو جيش السلطان " القوات المسلحة الملكية " ، المُكوّن من أبناء الرعايا ، فوظيفة الجيش ذا العقيدة الفرنسية والعلوية ، هي الدفاع وحماية السلطان من الرعايا ، عندما يتحولون الى شعب ، وينزل الى الشارع طالبا بالحقوق ، وبالعدل ، وبالمساواة . فجيش السلطان كما تشرح وظيفته ، لا يتردد في الفتك بالشعب حتى يرجعوا الى سابق وضعهم مجرد رعايا ، يعيشون في حضن الراعي الأول ، والإمام الأول مولانا السلطان المعظم ..
لقد ارتكب جيش السلطان العلوي أبشع الجرائم ضم الشعب الذي خرج عن نظام الرعية ، وأطلق عليهم الرصاص بدم بارد ، نزولا عند أوامر قائده رئيس أركان الحرب ، السلطان شخصيا .. ففي 23 مارس 1965 ، وفي 9 يونيو 1981 ، وفي يناير 1984 ، وفي دجنبر 1990 ، إرتكب جيش السلطان جرائم ، تضاهي الجرائم ضد الإنسانية التي إرتكبتها جيوش بأمريكا اللاتينية والجنوبية ( الشيلي والأرجنتين .. ) ، والقارة الافريقية ، وبآسيا حيث أعدم جيش " سوهارتو " Suharto بإندونيسيا L’Indonésie ، اكثر من ثلاثة مليون مناضل شيوعي ، إضافة الى جرائم جيش بولبوت Paul Pot بالكمبودج التي قتل نفس العدد ، وجيش دكتاتور الفلبين Philippine – L’ex dictateur de Manille Ferdinand Marcos ..
ان من يتمعن في الصورة التي يعطيها جيش السلطان المخزني ، سيستخلص للتو ، انّ تركيبة ، والبناء الهرمي لجيش السلطان وليس جيش الشعب ، هي صورة معكوسة وحقيقية ، للبناء الهرمي الطبقي الذي يُكوّن المجتمع المغربي . فمن جهة هناك السلطان ومن معه ، وأكثريتهم منافقين ، وهناك ما نطلق عليه وبخجل بالبرجوازية ، وهناك الطبقة الوسطى التي لم تبقى كذلك ، وانزلقت في عهد محمد السادس لتصبح جزءا من الطبقة الفقيرة ، وهناك البرجوازية الغنية بالفكر ، والفقيرة مادياً أكثر من فقر الطبقة الفقيرة .
ان هذه الصورة المعطوبة نفسها ، تعكس صورة الجيش الحقيقية . فمن جهة هناك الضباط الكبار من مستوى درجة كلونيل ماجور ، فجنرال ، فما فوق جنرال ، خاصة من يتلوى منهم المسؤولية ، ونضيف الى هؤلاء فئة الكلونيلات Les colonels الذين لهم مسؤولية ، وهناك الضباط المتوسطون ، خاصة أولئك الذين لا يتولون مسؤولية من مستوى درجة كولونيل .. وهناك ضباط تحت مستوى كلونيل Colonels ، وهم الأكثرية و القاعدة من Lieutenant colonel ، فرائد Commandants ، فنقيب Capitaines ، وملازم أول ، وملازم ثاني .. وهناك ضباط الصف والجنود الذين ينتمون الى الطبقة الفقيرة ..
واضح اذن من هذه الصورة الناطقة ، ومن دون صباغة ولا مكياج ، انّ جيشا في نظام تسكنه الرعايا ، ويسمى باسم مالكه " الجيش الملكي " ، سيكون جيش السلطان ، ووظيفته الدفاع فقط عن السلطان ، وعن الدولة السلطانية . لذا فلو خُيّر ضباط جيش السلطان ، بين الدفاع عن الشعب وحمايته اذا نزل الى الشارع يطالب بدولة العدل ، والحق ، والمساواة ، وبالعدالة في توزيع الثروة التي يستولي عليها السلطان ، وأسرته ، وعائلته ، ومحيطه ، ومن يرتبط بالمحيط ، حتى الوصول الى آخر درجة من صنف المحظوظين والمنعمين ، وبين الدفاع عن السلطان .. طبعا سيختار الدفاع عن السلطان حتى الموت ، ضد الشعب الذي منه انبثق جيش السلطان الذي يفتك الشعب ( بأبنائه / العسكر ) المنتفض .. والسلطان المخزني نجح في تلفيفه ضباط الجيش الكبار بالأجور المرتفعة ، والترقيات المسترسلة وفي وقتها ، ومنح الامتيازات المادية المختلفة ، وقد نعتبرها رشوة لشراء سكوت وحماية ضباط الجيش لعرش السلطان ، حتى يستمر في نهب ثروة الشعب المفقر ، وتهريبها الى الابناك الاوربية خارج الدولة السلطانية ..
فالجيش عندما يجد نفسه أمام مجرد رعايا متعودين على الخنوع والدروشة ، أكيد سينحاز ليصبح أحد الاعمدة الرئيسية للسلطان ، وأكيد لن يخلف الموعد للفتك بالشعب المنتفض في سبيل بقايا السلطان ورعاياه ، والدولة السلطانية .
لكن لمّا كان الجيش الذي فتك بالشعب في 23 مارس 1965 ، ينظر أمامه حقيقة الشعب ، وتيقن انّ الذي أمامه ليسوا برعايا ، فان الجيش دخل السياسة من بابها الواسع ، عندما انتفض على السلطان في محاولتين انقلابيتين في 9 يوليوز 1971 ، وفي 16 غشت 1972 . فلأول مرة يردد ضباط الجيش الذين قدّموا نفسهم كضباط وطنيين أحرار ، لفظ الشعب الذي لم يعد رعية ، ولأول مرة يردد الضباط إسم الثورة على حركتهم ، ويرددوا بنوع من النشوة سقوط النظام الملكي .. وبالرجوع الى بيان الجيش الذي أذاعته الإذاعة في ذاك اليوم التاريخي في علاقة الجيش بالدولة السلطانية ، نجد ما يلي : " أيها الشعب ، الجيش ، أقول الجيش ، لقد قام بثورة من اجل الشعب . لقد أطيح بالنظام الملكي . لقد أطيح بالنظام الملكي . " ..
ان دور ، ووضع ، وموقف الجيش ، يكون على ضوء ، ووضع ، وموقف الشعب . فكلما كان الشعب واعياً ، ومثقفاً وملحاحاً ، ولا يخشى العواقب عند الدفاع عن حقوقه ، كلما كان الجيش في صفه وفي صالحه ، وكلما ابتعد عن قائده الذي يعلم انّ لا علاقة له بالحياة العسكرية ، التي يريد ان يحشر نفسها فيها قوة ..
وكلما كان الشعب ليس بشعب ، وكان مجرد رعايا ، كلما كرهه الجيش ، وكلما انساق هذا الجيش في الدفاع عن وليِّ غناه المفرط .. لذا فقطاع الجيش كغيره من القطاعات الاستراتيجية بالدولة السلطانية ، هو في خدمة السلطان وفي خدمة دولته الرعوية ، رغم ان الرعايا هم من أنجب ، وهم من تكفّل بتكبير النشأ على نفقتهم الهزيلة ، وهم من يؤدون أجورهم ، وأجور السلطان الذي يستخدمهم في الفتك بآبائهم ( الشعب ) ، عندما يستدعي ويقتضي الامر ذلك . ..
فبعد فشل الانقلابين العسكريين ، انقلاب 9 يوليوز 1971 ، وانقلاب 16 غشت 1972 ، وبعد مدة ، اجتمع السلطان الحسن الثاني بالضباط الكبار في الجيش بالديوان الملكي ، وليس بمقر القيادة العليا للجيش ، فخاطبهم قائلا " طلّقوا السياسة ، وانكبّوا على جمع الثروة " . ومنذ ها تم إطلاق يد الضباط الكبار ، ليصبحوا مالكين لثروات لا تقدر بثمن ...
فضباط جيش بهذا الوضع الجديد الذي فتحه لهم السلطان الحسن الثاني ، وزاد مع محمد السادس ، لا يمكن ان يكونوا غير جزء أساسي من نظام الدولة السلطانية ، والعمود الرئيسي لوقوفها ...
فإذا أطلق الجيش العنان للجامه ويده ، للفتك بالرعايا ، فهو يكون بمن ينفذ تعليمات السلطان لدرء أي خطر يهدده ، ويتهدد السلطنة . ومادام ان الساحة فارغة ويمرح ويرقص فيها النظام وحده ، وما دامت الرعايا ملتصقة بالراعي الأول في الدولة الرعوية ، فالجيش من خلال الضباط الكبار ، سيزيد في تقديم فروض الطاعة والولاء للسلطان ، وسيزيد تشبتاً والتصاقاً بطقوس الدولة السلطانية ، التي برع فيها الجنرال حسني بنسليمان ، بالركوع حتى أسفل الركبتين لتقبيل يد السلطان ، وتقبيل يد الامراء والاميرات ، بشكل اكثر من مقزز ، يحيل الى عصور العبودية في القرون الوسطى ... وهي المظاهر التي تبْرع فيها جميع القطاعات العائدة للدولة السلطانية المخزنية . فضباط الجيش من خلال ممارساتهم هذه ، يسرفون في الظهور بالولاء للسلطان ، ويسرفون في الظهور بتعلقهم بالأهداب الشريفة ، وبالطقوس العلوية المولوية ، وبالتقاليد المرعية المخزنية ، وإنّ ثقافتهم رغم أنها فرنسية غربية ، ومنهم من يحمل الجنسية الفرنسية ، فلن تحول بينهم وبين الثقافة المخزنية في نفحتها العلوية .. أي الجمع بين ( الاصالة والمعاصرة ) هههه .
اذن الجيش في الدولة السلطانية المخزنية العلوية ، هو جيش السلطان ، وليس بجيش الشعب الذي أبناءه منْ يُكوّن هذا الجيش السلطاني من قاعدته الى قمته ، ووظيفة الجيش الرئيسية هي الدفاع عن السلطان وعن الدولة السلطانية ، ضد أي خطر قد يشكله الشعب عند نجاحه في نفض غبار الرعية عن اكتافه ..لذا فجيش السلطان لن يتوانى ، ولن يتردد في الفتك بالشعب اذا نزل الى الشارع يتظاهر من اجل حقوقه .. وإنّ مجازر 23 مارس 1965 ، ومجازر الدارالبيضاء في يونيو 1981 ، ومجازر يناير 1984 ، وسبتمبر 1990 ، شاهدة على الإخلاص المطلق للجيش الى السلطان عوض الشعب ..
لكن هل يستطيع الجيش في ظل التحولات الدولية ، والتغيير الذي مس العلاقات الدولية ، وفرض شروطا جديدة من قبل الكبار في مجلس الامن لقبول الانخراط في المجتمع الدولي ، قادر على تكرار المجازر السالفة أعلاه ؟
وهنا لماذا لم تطلق رصاصة واحدة من قبل الجيش في حراك الريف ، ونجح الجيش في الالتفاف على الحراك والتضييق عليه ، ومع مرور الوقت تم خنقه بالكامل ، وتحولت عداوة الريفيين مع السلطان المغربي ، الى عداوة بين الريفيين بينهم ، حيث اصبح كل واحد يخون الاخر ..
الوضع الاجتماعي في المغرب مهدد ، والتهديد وفي غياب الاطار السياسي الذي سيوجه التهديد ، يبقى مفتوحا على جميع السيناريوهات ، وتبقى جميع التوقعات مرشحة الوقوع . والسبب غياب القيادة السياسية كما كان الحال في الخمسينات ، وطيلة السبعينات ، وحتى النصف الأول من الثمانينات .
انّ هذا الوضع الغامض ، قد يخرج عن السيطرة عندما سيعجز الجيش عن التحكم في الساحة ، وعندما سيصبح دوره موزعا بين الانضمام الى الشعب الذي نزل الى الشارع ، لسد الباب على الاناركية ، والحيلولة من الفتنة التي ستكون كارثية ، وخاصة وانّ المشروع الامبريالي الصهيوني ينتظر النقطة التي ستفيض الكأس ، للشروع في زرع Le chaos لتسهيل الانهيار ، وهنا فان تحرك الجيش ، وكيفما كانت اتجاهاته ، ستكون مراقبة من قبل المجتمع الدولي برئاسة دول الفيتو بمجلس الامن ، وخاصة فرنسا ، والولايات المتحدة الامريكية ، إضافة الى اسبانية الجار التي ستتأثر سلبا او إيجابا بالتحولات التي ستطرأ في آخر لحظة ، وبعامل المفاجأة .. ، او ان الجيش اذا وجد نفسه امام ما يشبه بالثورة التي قد تتطور الى ثورة فعلية ، سيختار الحياد المصطنع ، و اخذ نفس المسافة من الجميع ، لان هناك مصالح مركبة تدخل فيها مصلحة ضباط الجيش الكبار ، المالكين للثروة وللامتيازات ، وسيكون موقف الجيش ، هونفس موقف جيش مصر وتونس اللذان ظهرا بالحياد في المرة الأولى ، ثم عندما تأكدا من عدم رجوع الشعب الاّ بعزل حسني مبارك وبن علي ، تظاهر الجيش بالاصطفاف مع التظاهرين ، وهو ما نجح فيه عندما اكتسب ثقة الشعب ، وافرغ تلك الثقة من مضمونها عندما ظلت المؤسسات القائمة ، وغاب فقط شخص الرئيس لا النظام .. ام ان الجيش هنا وعند تيقنه بعدم رجوع المتظاهرين ، قد يكرر انقلاب 1971 ، لقطع الطريق على المشارع السياسية التي ستصيب مصالح الضباط الكبار ضمن مصالح الدولة ككل . وهنا السؤال . ما هو البديل المرتقب والمنتظر ؟ هل تبديل شخص الشخص مع تغيير في الديكور والاحتفاظ بالجوهر ، ام تغيير النظام ضمن استمرار نفس الدولة ، ام ان الامر سيكون اكثر من خطير عند نزول الصحراويين في الصحراء ورفعهم لشعار الجمهورية الصحراوية ..
وفي جميع السيناريوهات فان الوضع الدولي ، والمحكمة الجنائية الدولية ، ومجلس الامن ، والأمم المتحدة ، والاتحادات القارية ، كالاتحاد الأوربي ، والاتحاد الافريقي ، سيكون مفرملاً لتكرار مجازر 23 مارس 1965 ، و مجازر 9 يونيو 1981 ، ومجازر 1984 ، و 1990 ..
لان هنا الخطأ ممنوع ، وكل خطأ دون مراعات الظرف ، والسياق المحلي ، والجغرافي ، والدولي سيكون انتحارا عن طيب خاطر ..
فرغم ان الجيش هو جيش السلطان ، والى الآن وظائفه محصورة في الدفاع عن السلطان ، وعن الدولة السلطانية العلوية كنظام وعقيدة ، فالجيش لن يستطيع اطلاق رصاصة واحدة في وضع معرض لأخطار ومخاطر ستكون في صالح الشعب .
اما بعض الأصوات التي تدعوا الى تدخل الجيش ، رغم عدم وجود ما يسمح ويدعو الى هذا التدخل ، فالانقلابات العسكرية في مجملها ، تبقى مرفوضة ، لان السياسيين الذين يمكن ان يضفوا المشروعية على انقلاب الجيش ، اختفوا من الساحة .. ولم يعد لهم اثر يذكر .. ان تحالف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في شخص الصقور بريادة الفقيه محمد البصري مع الجيش ، رغم إنتهازيته ، لانه بعد نجاح الانقلاب كان منتظرا انقلاب اخر لتصفية الحساب والسيطرة على الدولة ، لم يعد في الإمكان . وهنا نستدل بموقف الفقيه البصري عندما عرض عليه الجنرال احمد الدليمي مباركة الانقلاب الذي شرع في التحضير له ، بعد الفراغ في الساحة الذي عرفه المغرب بعد انتفاضة 9 يونيو 1981 ، فوافق لكن بسرعة انقلب واختفى ، وكأنه كان ينتظر سيناريو في باريس على يد الجنرال ، شبيه بسيناريو المهدي بن بركة عندما اختطفوه في 29 أكتوبر 1965 ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عماد الدين أديب يكشف حقيقة علاقة حسن نصر الله بالمرشد الإيرا


.. قراءة عسكرية.. كيف استطاعت المسيرة العراقية اختراق الدفاعات




.. دمار كبير ببلدة حارة الفاكهاني بالبقاع شرقي لبنان بعد الغارا


.. تشييع عدد من شهداء المجزرة الإسرائيلية في طولكرم بالضفة الغر




.. بشأن إيران والرد الإسرائيلي.. الرئيس الأميركي يقدم أول إحاطة