الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين ثورة تشرين وانتفاضة الاستقلال(1)

محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)

2022 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



تبدو الثورة كأنها خرجت من رحم الانتفاضة لما بينهما من أوجه شبه. كأن القوى ذاتها التي احتشدت في الساحات آتية من أربع أرجاء الوطن، بعد اغتيال رفيق الحريري، هي ذاتها التي جمعت أوصال الوطن الممزق في 17 تشرين 2019. في المرتين لا علم غير العلم اللبناني، وفي المرتين بدا الانتماء إلى الوطن أعلى مقاماً من الانتماء الديني. لكنهما تبدوان، بسب الفوارق الجوهرية بينهما، كأن إحداهما من كوكب والأخرى من كوكب مغاير. هي ليست سوى الفوارق بين الثورة والانتفاضة.
من طبائع الانتفاضات أنها لحظات غضب لها نهاية وإن طال أمدها. قد تتكرر كلما بلغ الغضب مداه وانفجر، لكن لانفجارها صدى ومدى محدودين في الزمان وفي المكان. الكل يذكر انتفاضات السجون في كل مكان في العالم، أو انتفاضة الجوع في مصر. السادات سماها انتفاضة الحرامية. الانتفاضة لحظة غير ناضجة من الثورة. قد تكون تمهيداً لها وقد تطوى بالنسيان أو بانتفاضة أخرى. أما الثورة فهي لحظة التغيير أو قوة التغيير أو التغيير بالقوة، بالمعنى الفلسفي لا بمعنى العنف.
انتفاضة الاستقلال في لبنان هي من صنف حركات التحرر الوطني. لأنها ضد "عدو" خارجي. أما الثورة فهي، بالتعريف، ضد "عدو" داخلي. هذا ما تجسد في الثورة الفرنسية ضد استبداد أنظمة السلالات وفي كل الثورات المشابهة والمشتقة منها، ومن بينها الثورة اللبنانية وثورات الربيع العربي التي واجهت استبداد الجمهوريات الوراثية وأنظمة الانقلابات العسكرية. وهو ما يمكن أن تكون قد مثلته الثورة البلشفية، حين انسحبت من حروب الخارج لتناضل ضد ما أسمته استبداد رأس المال.
لم تسأل قوى الرابع عشر من آذار عن أسباب تفرق الشمل وتراجع الانتفاضة وانهيارها. لم تتجرأ أو لم تحاول أن تعيد قراءة التجربة. هذا يحتاج إلى جرأة في النقد الذاتي لم يتوفر إلا لطرف واحد فيها هو وليد جنبلاط الذي، من غير أن يتخلى عن مواجهة النظام السوري، استدرك أن معركة التحرر الوطني لا تكون ناجحة إلا بوحدة وطنية، فقرر الاحتفال بمصالحة الجبل بمشاركة صاحب الغبطة.
بالمصالحة تم وضع النقد الذاتي "الجزئي" موضع التطبيق. لكنه بدا كعزف منفرد أو تغريد خارج السرب. لم يتحول إلى "جوقة"، حتى بعد قيام حزب الكتائب بقيادته الجديدة ، بعد سنوات، بعملية نقد ذاتي أكثر جرأة من الأولى، لكنهما لم يلتقيا في نقطة زمنية واحدة، ولم يجدا نطاق تعاون واحد حتى في الانتخابات النيابية الأخيرة مما أضعف من جدوى النقد وأبقاه ملتبساً وغير واضح وغير مفهوم في نظر الثورة.
شعار الثورة الوحيد هو إعادة بناء الدولة، أو إعادة تكوين السلطة، بتشكيل حكومة وانتخابات نيابية مبكرة ومحاسبة المسؤولين عن الفساد السياسي والمالي، من غير إشارة إلى مخاطر التدخل الخارجي السوري والإسرائيلي والإيراني، وهي مخاطر موجودة. ذلك يعني أن الثورة غادرت مرحلة التحرر الوطني الذي بشرت به انتفاضة الاستقلال، لكنها ورثت أبهى ما فيها، وحدة شباب لبنان وشاباته تحت راية العلم الوطني وبغياب الأعلام الحزبية مع برنامج للتغيير في آليات عمل النظام السياسي.
تبقى الثورة ثورة وإن خمدت طالما أنها لم تتخل عن برنامجها للتغيير، ولم تقع في فخ العودة إلى مشروع تحرر وطني، وإلا فمصيرها كانتفاضة الاستقلال بعضٌ من ماضينا الجميل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل.. تداعيات انسحاب غانتس من حكومة الحرب | #الظهيرة


.. انهيار منزل تحت الإنشاء بسبب عاصفة قوية ضربت ولاية #تكساس ال




.. تصعيد المحور الإيراني.. هل يخدم إسرائيل أم المنطقة؟ | #ملف_ا


.. عبر الخريطة التفاعلية.. معارك ضارية بين الجيش والمقاومة الفل




.. كتائب القسام: قصفنا مدينة سديروت وتحشدات للجيش الإسرائيلي