الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل مشروع اعادة الخدمة العسكرية الالزامية في العراق

نعيم مرواني

2022 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لنستهل مقالنا بمفهومي الاجبار والاختيار وهما مفهومان تبنى الشرقيون الاول في أغلب جوانب الحياة رغم ان الديانات التوحيدية التي يدين بها معظمهم ترفض الاكراه، بينما تبنى الغربيون الثاني. او لنقل تبنت النظم الاستبداية الاجبار وتبنت النظم الديمقراطية الاختيار. فالجمع بين الديمقراطية والاجبار يكون كالجمع بين نقيضين متناشزين، أي كإله اغريقي بأجنحة نسر وقوائم حصان.
أكملت الحكومة الديمقراطية لرئيس الوزراء العراقي المغادر مصطفى الكاظمي مقترح قانون اعادة الخدمة العسكرية الاجبارية في 31 من آب 2022 وكان مقررا أن تتم قراءته الاولى في البرلمان العراقي يوم الاحد المصادف 6 تشرين الثاني 2022، لكن القراءة تم تأجيلها بسبب اعتراضات بعض الكتل النيابية على مقترح القانون.
لانه يتعارض مع طبيعة الانسان التواقة للحرية، قاوم العراقيون التجنيد الاجباري منذ ان حاول فرضه عليهم عدة ولاة عثمانيين في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي تحت مسمى ( عسكر نظام)، فثاروا وقمعت ثوراتهم في بغداد والفرات الاوسط والجنوب. وعندما اندحرت الدولة العثمانية واستولى الاوربيون على اسلابها، بما فيها العراق، أبطل الانجليز الخدمة الاجبارية. لكن نجح في العراق جعفر العسكري بعد جهود حثيثة في إقناع الحكومة الملكية بتبنيها عام 1935 واستمرت حتى سقوط نظام البعث في 9 نيسان عام 2003.
ألغت سلطة الأئتلاف المؤقت برئاسة الحاكم الامريكي للعراق بول بريمر قانون الخدمة العسكرية الالزامية البعثي رقم 65 لسنة 1969 وحلت الجيش العراقي الذي حل نفسه أصلا واعادت بناءه على أساس طوعي. لم يتبع هذا القرار عزوفا عن التطوع للخدمة في الجيش العراقي، مثلما ظن البعض، بل على العكس توافدت الآلاف على مراكز التجنيد للتطوع للخدمة إما حبا بالوطن او بحثا عن عمل أو نتيجة تحسن في تعامل الضابط مع المضبوط، حتى لقد بلغ تعداد الجيش العراقي 310 الف عام 2020 وأما منتسبي وزارة الداخلية بكل صنوفها فقد توسع من 40 الف قبل 2003 الى 650 الف منتسب عام 2018.
يكمن خوف معارضي التجنيد الاجباري، وأنا واحد منهم، في حقيقة ان هكذا قانون يمكن ان يعيد الديكتاتورية حتى ولو على المدى البعيد لانه سيعطي رئيس الحكومة صلاحيات واسعة في اضطهاد الشعب من خلال استخدام الجيش لقمع التظاهرات الشعبية التي تعارض سياساته وتغليض العقوبات ضد الرافضين لقانون الخدمة الالزامي من الشباب وتاليا المتخلفين عن الخدمة او المتسربين منها.
تقول المادة 15-أولا من الفصل السابع/ الالتحاق والتسريح: للقائد العام للقوات المسلحة ، باقتراح من الوزير[الدفاع] تمديد مدة التحاق الجنود الاحتياط وانهاء خدمتهم على وفق مقتضيات المصلحة العامة. وكانت مقتضيات المصلحة العامة دفعت صدام حسين الى تمديد الخدمة الالزامية من 3 سنوات الى 15 سنة أثناء حرب الثماني سنوات بين العراق وايران (1980-1988).
أثناء تلك الحرب اللعينة، كان مجرد التخلف عن الالتحاق بالوحدة العسكرية لستة أيام ( تعريف الغياب الرسمي او الهروب) يمكن أن ينتهي بالجندي الى السجن المؤبد او الاعدام. وفعلا تم اعدام عشرات الآلاف من الشباب العراقيين. الغالبية العظمى منهم لم يتخلفوا لانهم كانوا جبناء، بل لانهم كانوا غير مقتعين بعدالة الحرب وشرعية النظام.
على حسابه في تويتر، غرد الكاظمي قائلا: " أنجزنا اليوم ماتعهدنا به منذ لحظة تسلمنا المسؤولية باقرار خدمة العلم التي ستكرس القيم الوطنية في ابنائنا." بصفتي متابع جيد لما يحدث في العراق، لاأتذكر ان الكاظمي كان وعد باقرار قانون خدمة العلم الالزامي حين تولى الحكم في العراق ولكني اتذكر جيدا أنه وعد، من ضمن ماوعد، بمحاكمة قتلة متظاهري تشرين 2019. وليس لم يف بوعده هذا فحسب، بل استمر خطف وقتل وتغييب عدد آخر من قادة تشرين إبان حكمه واكتفى فقط بتعزية ذويهم وقطع وعود اضافية بجلب الجناة الى العدالة ولم يجرؤ على فعل ذلك حتى انتهت مدة حكمه.
الخدمة الالزامية "ستكرس القيم الوطنية في أبنائنا،" يدعي الكاظمي. وهل نجحت الخدمة الالزامية في فعل ذلك في العراق خلال 68 عام ( 1935-2003)؟ أم هل فشلت اعظم قوة بالعالم (أمريكا) في بناء جيش عقائدي ذو قيم وطنية من خلال الخدمة الطوعية؟
يقول المتحدثون بالانجليزية (if it ain t broke, don’t fix it) أي لاتصلح ماهو ليس بعاطل. لم ينقطع الاقبال على الالتحاق بالجيش العراقي بعد الغاء قانون الزامية الخدمة العسكرية، بل على العكس فالشاب العراقي الآن يدفع اكثر من الفي دولار رشوة كي ينضم للجيش كجندي رغم انه يحمل شهادة البكالوريوس التي تؤهله لان لان يكون ضابطاً.
انها تحافظ على توازن للتمثيل العرقي والطائفي في الجيش وتستقطب دماءً شابة جديدة، يجادل انصار التجنيد الاجباري. انه كلام حق يراد به باطل، متى اعدمت الاحزاب المتغانمة على خيرات العراق الوسيلة لتوزيع الغنائم؟ مثلما توزع الدرجات الوظيفية على محافظات العراق حسب تعداد سكانها التقريبي الذي تم وفقه تقرير عدد مقاعد كل محافظة في البرلمان العراقي، يمكنهم توزيع حصص كل محافظة من العدد المطلوب من الجنود الجدد. وإما فيما يخص استقطاب دماء شابة لتعويض من هرم من منتسبي الجيش الحالي، فيمكن للحكومة ان تحدد أعمار المتطوعين الجدد.
ونحن نتجادل حول ما الافضل للعراق: الخدمة الاجبارية ام الاختيارية، تحجج قائد عراقي عسكري كبير بانجاز مشروع القانون وقال "هذا مايريده الشعب العراقي، ولو اقيم استفتاءً حول اعادة الخدمة الالزامية لَصَوّتَ اكثر من 70 بالمئة لصالحه." وقد يكون كلامه صحيحا. فالـ 68 سنة مع الخدمة الالزامية حولت العراقيين الى ضحايا متلازمة ستوكهولم (Stockholm Syndrome)، ولايعني هذا ان الخاطف على حق، عندما يقع المخطوف في غرامه أو يتعاطف معه. ثم ان الشباب أو ذويهم ينظرون الى الخدمة الاجبارية الآن باعتبارها فرصة للعمل أتت في وقت بلغت فيه نسب البطالة في العراق مستويات مخيفة، ولابد لهذه الرغبة ان تزول حين تتوفر فرص أفضل للعمل بالقطاع المدني. أكيد سيختار العراقي الخدمة الالزامية عندما يخير بين البطالة وبينها. اذا اختار احدهم السجن عشر سنوات حين لايكون أمامه الا احدى الخيارين: الاعدام أم السجن لعشر سنين، لايعني ذلك انه يفضل السجن على الحرية.
واجب الحكومات في الدول الطارئة على الحرية والديمقراطية ،بما فيها العراق، يجب ان يكون توجيهي تصحيحي يؤسس لمبادئ التحرر من القيود والقهر، لا أن يكرس ثقافة الاستبداد والاكراه الديكتاتورية بطرق ديماغوغية واهية بحجة ان "الجمهور عايز كده" على قول المثل المصري.
اضافة الى ماذكرنا اعلاه، العراق الان غير قادر على فرض قانون الخدمة الالزامية لانه غارق بالفساد حتى اذنيه للحد الذي عجزت معه الحكومة عن ايصال الخدمات الاساسية للمواطن لفرط أو فساد كل حلقة من حلقات سلسلة التجهيز (supply chain) وبالتالي سيكون قانون الخدمة الالزامية ليس الا طبقة جديدة من طبقات الفساد التي سيثري من خلالها (من لم يثر بعد من) كبار الضباط والمسؤولين من الرشى التي ستدفع للاعفاء من الخدمة، خصوصا اذا ماتحسن الوضع الاقتصادي في العراق وتوفرت فرص العمل في القطاعات المدنية.
وأخيرا فان تم إقراره، فالسنوات القليلة القادمة ستؤكد فشل محاولة اعاة الخدمة الالزامية في العراق، وسوف تغلق مراكز التجنيد والمديريات ومراكز التدريب والمؤسسات الاخرى التي استحدثت لهذا الغرض وسيسرح آلاف العاملين بتلك المؤسسات أو يتم تدويرهم الى مؤسسات عسكرية اخرى ويعاد العمل بالخدمة الطوعية وتذهب الجهود والمليارات سدى، ويتنصل المتحمسين الآن لفرضها من المسؤولية وتسجل الجريمة ضد مجهول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا