الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكتب لكم من الجنوب ( 6 )

علي فضيل العربي

2022 / 11 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


ما زلت أكتب لكم من الجنوب ، يا سادتي في الشمال – و سأكتب لكم حتى توقفوا الحرب - فاسمعوا و عوا و لا تندهشوا ، لئلا تصيب الصدمة في الصميم ، من له ظلّ قلب رحيم ..
في جنوبنا ، يا سادتي في الشمال ، الحيّ يغبط الميّت . أتعلمون لماذا ، هذا المنطق المقلوب على جمجمته ؟ لماذا صار الموت جنّة و الحياة جحيما ؟ . و السبب ، يا سادتي الكرام ، أنّ الميّت قد فاز بالراحة الأبديّة ، من مدّ يده إليكم . لقد استغنى عنكم ، و لم يعد في حاجة إلى خبزكم و دوائكم و كسائكم و نعالكم و عواطفكم و اجتماعاتكم و قراراتكم و هوطقاتكم ..
أما ، نحن الأحياء ، أوأشباه الأحياء ، الذين ما زلنا نقف في طوابير الجوع و المرض و العراء و الموت . فإنّنا نعيش شبه حياة ، و شبه ممات . أنتم تعلمون أن لا وجود – عندكم – منطقة وسطى بين الموت و الحياة . لكنها توجد عندنا . إذن ، نحن ، عندنا ما ليس عنكم ، و هذا من خصوصيّات الجنوب ، و بفضل عبقريتكم . تلك المنطقة الفريدة من نوعها . لا تشرق في ربوعها شمس ، و لا يولد في سمائها قمر . و لا تسمع فيها سوى نعيق الغربان الحائمة فوق الرؤوس المنكّسة ، و هياكل الأجساد المتربة .
يا سادتي في الشمال ، لماذا استغلظت القلوب . و لم نعد ، بالنسبة لكم ، سوى أرقام مكتوبة على شاطيء رمليّ التهمه المدّ ؟ أنتم بشر ، و نحن بشر أيضا . نحن و أنتم من مشكاة واحدة ، و مضغة واحدة . نحن و أنتم شركاء في الماء و الهواء و الغذاء . فلماذا نحن جوعى و أتنم ترفلون في الترف و التخمة ؟ أنا على يقين أنّكم ستحمّلوننا المسؤوليّة كاملة .
ستقولون لنا ، أيها الجنوبيّون ، لكم أراضٍ و لنا أراضٍ ، لكم عقول ، و لنا عقول ، لكم بحار و أنهار و أشجار ، و لنا كذلك مثلها . و أغدق عليكم الله تعالى بثروات ظاهرة و باطنة أكثر منّا . و لكنّكم عاجزون و مفرّطون و كسالى ..
لا ، يا سادتي في الشمال ، هذا حقّ أُريدَ به باطلُ . كانت لنا حضارات عريقة ، مازالت شواهدها قائمة على شواطيء البحار و المحيطات و على ضفاف الأنهار والوديان ، و قي قلب الأدغال و الفيافي . لنا في جنوبنا ؛ في اليمن ، في العراق ، و في مصر ، مبدأ الحضارات و أمّها و ذروتها مناراتها . أتذكرون ماذا فعلتم بنّا ؟ لقد غزوتم بلداننا ، و امتطيتم أطماعكم ، و مخرت سفنكم الحربيّة البحر الأبيض المتوسط ، و نزلتم على شواطئنا ، و وطأت نعالكم ترابنا ، و حلّلتم سفك دمائنا ، و سلب ثرواتنا ، و استعبدتم أحرارنا و حرائرنا ، و نفيتم و سجنتم وعذبتم منّا الملايين . و عندما رحلتم عن أرضنا ، خلّفتم وراءكم خدما لكم ، و رعاة العمالة والخيانة و الاستبداد ...
يا أهل الشمال ، أنتم المسئولون عن جوعنا – نحن أبناء الجنوب – و عطشنا و بردنا الذي بلغ العظام ، و أمراضنا اذي فشت فينا ، و الموت الذي يخطف أطفالنا خبط عشواء ، كما يخطف العقاب فرائسه ، المحتبي عند عتبات أنفسنا ليل نهار ...
أوقفوا الحرب ، يا سادتي الكرام ، كفى الكوكب الأرضي مآسينا . إنّ الإنسانيّة تضج من أفعالكم الشيطانيّة ، و تئنّ تحت أقدام الخراب و الدمار .. إلى أين أنتم ذاهبون بها .. إنّ أحلامكم ، لن تتعدى الغلاف الجوي لكوكبنا .. إنّ حلم العيش في كوكب غير كوكب الأرض ضرب من الجنون ، فأنتم و نحن أبناء الأرض ، و مثوانا و مثواكم أديم الأرض ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة