الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الصهيونية .. وقراءة مغايرة

سليم يونس الزريعي

2022 / 11 / 7
القضية الفلسطينية


قد يرى بعض المراقبين أن ذهاب تجمع المستجلبين الصهاينة في فلسطين للانتخابات للمرة الخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف كلفت مليارات الشواقل، يمثل حالة ديمقراطية إيجابية، لكن إذا كان ذلك صحيحا في الشكل، فإن هناك من يقرأ ذلك في سياق أزمة المشروع الصهيوني البنيوية. وأن ما جرى ويجرى في كيان المستجلبين على صعيد احتدام الصراع السياسي إن هي إلا التجلي الموضوعي لهذه الأزمة ضمن سيرورة أزمة الكيان الوجودية التي رافقته منذ زرعه في فلسطين عام 1948.
ويمكن القول إن أسوأ كوابيس مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين، هي أنه لم تمض سبعة عقود على عملية الزرع القسرية للمستجلبين اليهود من أربعة أرجاء الدنيا في فلسطين، تحت ذريعة مجموعة من الخرافات لتبرير وجودها الكولنيالي، حتى ظهرت أعراض مرضية تمس جوهر الكيان الصهيوني كنتيجة موضوعية لتداعي مبررات زرعه أمام الحقائق العلمية التي نسفت كل تلك الخرافات حول الوعد الإلهي، والأرض التي بلا شعب للشعب الذي بلا أرض..إضافة إلى قوة العامل الفلسطيني الديمغرافي والكفاحي، الذي يعيد التذكر بمصير الإمارات الصليبية التي لفظتها بلاد الشام كمصير لأي استعمار استيطاني.
بل ويستحضر بقوة وقولا وعملا النموذج الجزائري والروديسي والجنوب أفريقي في كنس المستوطنين، وينفي عن الحركة الصهيونية وتجسيدها المادي الكيان الصهيوني، النموذج الأمريكي، والنيوزلندي، والاسترالي للاستعمار الاستيطاني، الذي حسب المؤرخ الأسترالي باتريك محكوم بشرطين هما أولا: الاستيلاء على الأرض، وثانيا لأنه قائمٌ على منطق الإبادة لأهل البلاد بالمعنى الماديّ، والمعنويّ، والسياسيّ، والثقافيّ، ومن ثم السطو على هوية أهل البلاد و"استدخالها" في هوية المستوطن الجديدة. لأنه جاء ليبقى ولا ينتهي في الزمان أو المكان، فهو استعمارٌ لا رجعةَ عنه.
إن وعي هذه الحقيقة من قبل الكيان الصهيوني وإن بشكل قسري، كونه فشل فيما نجحت فيه الدول التي قامت على فلسفة الاستعمار الاستيطاني عبر أداتها الإبادة للسكان الأصليين، وهي الفلسفة التي مارسها الكيان الصهيوني وكشف وقائعها وضحاياها مؤرخون يهود من صلب النظام، إلا أن الشعب الفلسطيني مع ذلك بقي دوما حاضرا ويمارس حقه الشرعي والقانوني عبر كافة أشكال النضال من أجل تحرير وطنه كاملا، وهذا هو الفارق بين الشعب الفلسطيني وتلك الشعوب التي نجحت قوى الاستعمار الأوروبي الاستيطاني في إبادتها للأسف.
وبسبب الشعور الذي أحدثه الوجود الفلسطيني في فلسطين وحولها، وكفاحه المستمر للتحرير والعودة، جعل مستجلبي الكيان يعيشون حالة من عدم اليقين ببقاء كيانهم لأنه كيان عنصري كولنيالي استيطاني، وهذا جعل الكيان يعيش جملة من التناقضات الجوهرية التي هي تجلي لأزمة بنيوية لا يمكن حلها إلا بتفكيكه، ومن أبرز مظاهرها شرذمة الهويات الدينية والقومية والسياسية.
ومن ثم فإن المسألة ليست في من يفوز في تلك الانتخابات؛ ولكن في تظهيرها عمق المأزق البنيوي للمشروع الصهيوني في فلسطين في تجلياته المختلفة، التي منها غياب الاستقرار السياسي، وظاهرة اتساع مساحة سيطرة قوى أقصى اليمين المتطرف أو ما يعرف اختصارا باسم "اليمين الجديد" على المشهد الحزبي والسياسي بكل التداعيات على حياة المستجلبين في الكيان، وتسعير التناقض مع أهل البلاد من جانب آخر، وهو ليس في صالح مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين التي راهنت منذ بداياتها، على السيطرة كامل أرض إسرائيل، والنفي المادي لشعبها، وهو أمر ثبت فشلة في ظل تنامي قدرة وحضور الشعب الفلسطيني كنفي للمشروع الصهيوني كليا.
ويمكن القول والحال هذه إن جولات الانتخابات الصهيونية في فلسطين، هي تجلي لأزمة المشروع الصهيوني البنيوية، وهي من ثم أبعد من أن تكون مجرد صراع حزبي على القرار السياسي، فهي لا تجري في كيان صهيوني يهودي خالص، وإنما في وجود أصحاب الأرض الذين يعملون على إنهاء وجود كيان المستجلبين واستعادة أرضهم .
وهذا الوجود الفلسطيني، وأزمة كيان المستجلبين البنيوية جعلت رئيس كيان الاحتلال، إسحاق هرتسوغ، يقول في كلمة لمناسبة الذكرى السنوية الـ27 لمقتل رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، إنّ “الوضع السياسي المعقد في إسرائيل يضع أمامنا تحدياً تاريخياً إلى حدٍّ ما " وأن “نتائج الانتخابات عبّرت أننا منقسمون".
وبدوره، قال رئيس حكومة الاحتلال يائير لابيد: “بعد عدة أيام من ذهاب إسرائيل إلى انتخابات، عادت منها منقسمة ومرةً أخرى غاضبة”، ليضيف "نحن قريبون من نقطة اللا عودة".
وفي هذا الصدد، كان وزير الأمن الداخلي السابق في كيان الاحتلال أفيغدور كهلاني، قد شدّد في وقتٍ سابق، على أنّه يخشى مصير “إسرائيل” بعد جيل، مضيفاً: “المشاكل الداخلية ستدمرها”.
فيما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أنَّ ثلث الشبان في الكيان لا يعتقدون بأنَّ “إسرائيل” ستكون موجودة بعدَ 25 عاماً. ووفقاً لنتائج استطلاع للرأي أجراه “ائتلاف الحركات الشبابية” في كيان الاحتلال، ونقلته “القناة 12″، فإنّ ثلث الشبان الإسرائيليين لا يريدون أن يجري تجنيدهم، واعتبرت القناة، أنّ “هذه المعطيات خطرة وتدمي القلوب”.
كما كشف استطلاعٌ سابق للرأي عدم تفاؤل نسبة كبيرة من الإسرائيليين “تجاه مستقبلهم”، وأوضح أنَّ التحديات التي تثير قلقهم كثيرة، “يأتي في طليعتها الشرخ الاجتماعي داخل الكيان”.
كذلك، نشر موقع “القناة 12” الإسرائيلية في وقتٍ سابق تفاصيل حوارٍ دار بين خمسة رؤساء أركان إسرائيليين، أجمعوا فيه على أنّ ضعف الترابط الداخلي تهديدٌ وجودي لـ “إسرائيل”.
إذا المسألة ليست في من يفوز في الانتخابات ولكن في كونها تكشف عمق الأزمة البنيوية في كيان المستجلبين، ذلك أن الاستخلاصات التي سقناها سابقا نقلا عن المسؤولين الصهاينة من نوع " أننا منقسمون". و"نحن قريبون من نقطة اللا عودة". و“المشاكل الداخلية ستدمرها”. وأنَّ ثلث الشبان في الكيان لا يعتقدون بأنَّ “إسرائيل” ستكون موجودة بعدَ 25 عاما" ، تعكس جوهر أزمة الكيان الوجودية.
وما يفاقم تلك الأزمة أن كل الأطراف الصهيونية بالنسبة لأغلبية الفلسطينيين يمثلون التناقض الذي يجب حله، وذلك عبر تفكيك مشروع الحركة الصهيونية الإحلالي في فلسطين ، وهو ما تكشفه القراءة غير التقليدية لجولات الانتخابات الصهيونية وما يعتبره البعض الانزياح نحو اليمين المتطرف، ذلك أن الاحتلال بالنسبة للفلسطيني هو أعلى أشكال التطرف الذي يجب حله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم روسي عنيف على خاركيف.. فهل تصمد الدفاعات الأوكرانية؟ |


.. نزوح ودمار كبير جراء القصف الإسرائيلي على حي الزيتون وسط مدي




.. أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأخيرة


.. الشرطة تعتقل طالبا مقعدا في المظاهرات الداعمة لفلسطين في جام




.. تساؤلات في إسرائيل حول قدرة نتنياهو الدبلوماسية بإقناع العال