الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نماذج من الرواية العراقية - نعل مقلوب - للكاتب سعد عودة

محمد الأحمد

2022 / 11 / 7
الادب والفن


نماذج من الرواية العراقية (5)
عن رواية "نعل مقلوب" للكاتب "سعد عودة"

الروايات المفضلة لدى أي قارئ في العالم، هي تلك الروايات التي تقتَحمهُ بجملِها العفويّة السلسة، والتي لا تشوبها فذلكة أو تقعير؛ حيث تأخذه الى متنِها دون تكلّف، وتشركهُ في حيويّة خيالها، ولن يحتاج بصحبتها الى دليل قراءة. تقودهُ بيّسر الى فصولها، تنفتحُ أمامه بأسرارها.. تبثّهُ رسالة كاتبها المقتدر، وتجعله يلقى فيها ضالته.
وغالباً ما تكون المعلومة الموفورة فيها هي احدى أهمّ عناصر تقانتها التشويقيّة، وكلما كانت معلومة حياد؛ تمسك بالقارئ حتى السطر الأخير، مهما زادت عدد صفحاتها، وبغياب المعلومة تكون الرواية ثرثرة باطلة لا تستحق ان تبقى بين أيدينا، فالعالم مليء بالكتب المختلفة، تلك الكتب التي تستحق الوقت الذي نُبذله من أجلها أمام تحديات العالم الحديث المتسارع، والذي فيه المغريات العديدة واللَّماعاتُ المثيرة، والأفكارُ المفيدة.
بعد هذه الاسطر يمكنني ان أسجل "بعض الملاحظات" لصالح الرواية الجريئة "نعل مقلوب" للكاتب "سعد عودة" الصادرة في 2021م عن دار "العراب" سوريا، وتقع في 386 صفحة من القطع المتوسط. والتي تدور هذه الرواية حول ظاهرة "تسول بنات الشوارع"، تبدأ احداثها من مركز الشرطة، مع ضابط المركز الذي لم يكن لديه أي همّ سوى الاستعداد لملاقاة زوجته، ويقطع خلوته أمر التوجه الى مكان حادثة حريق في بيت المشردات، حتى نتعرف على البنت "مروة" الناجية من الحريق، مع "نعل" مصنوع من البلاستك. (اسمي مروة.. وانا مع ساره ورواء ونجمة- ص227)، (نحن عصابة النعل المقلوب - 326)، فصول متوالدة من بعضها، فصل يحاول ان يبرر الفصل الذي يليه وكأنها فصول آنية ابتكرت اثناء كتابة الرواية ولا يمكن ان تكون هذه الرواية مكتوبة وفق سيناريو سابق قد أُعدَّ لها. حوارات سنعرف من خلالها أن (ابوها خسرها في لعبة بوكر، ليحصل عليها رجل يستخدم الأطفال في التسول والدعارة يسمونهُ حجي نوري قبل أن يبيعها لساحر يسكن أطراف بغداد، لم يخبرني هذا الساحر بشيء، قال انه كان يحتاجها لمساعدتهِ في تنظيف البيت الذي يستعمله لمقابلة زبائنه فقط لكنها هربت منه ولم اعرف ما الذي حصل لها بعد ذلك، الشيء الذي تأكدت منه انها لم تعد لحجي نوري ولا يعرف شيئا عنها بعد ان باعها للساحر الرواية ص 164)، الرواية ممتدة الاحداث في غياب القانون. (ان واحدة من زبائنه وهي عضو في مجلس النواب وتابعة لواحدة من أكبر أحزاب السلطة معمول لها عمل وهذا معفر بدماء حيض عذراء، ولن يفشل هذا العمل الا دم بكارة فتاة عذراء لم يمسس مهبلها رجل- ص 170)، ولم تكن سوى كابوس مستمر لحالتها، او ما جرى لها، صفحات تواترت بإسهاب مباشر في استخدام فيما يعرف بمصلح "البورنو" (وانتظره حتى يخرج ذكره ثم يقذف على بطني قبل ان يمسح ذكره بصدري - ص213)، (قذارات الدين الذي حرمني من العيش في أحضان امي- ص 221). وان سيرة "مروة" متشابكة ومتشابهة مع حيوات شخصيات أخرى في الرواية بقيت تعاني من الازمة ذاتها، وبشكل متكرر. حيث الفصل الثاني زوجة أخيه التي لم يقابلها في حياته، تتصل به من بعد قطيعة.. الفصل الثالث يدخل الى تاريخ متسولة، تستغفل حتى تكون في مجموعة تعمل على اقتحام البيوت الامنة وسلب الناس مدخراتهم. كما في الفصل الثالث تأثث عبر مشهد غير مقنع "مشاعية الجنس الجماعي" بين ثلاثة ازواج، وجريمة قتل ثلاثة رجال على ايدي بعضهم البعض. محصلة هذا الكابوس العراقي السقيم سردية تحاول ان تدين بشكل مباشر (مديرة الدار التي تنتمي لواحدة من الأحزاب الدينية بالبلد خرجت بسرعة بعد ان تلقيت تليفونا من الوزارة- ص 166).. وكلها تعود بأصلها الى تبرير ما وصلت اليه البنت "مروة" من ضياع، ولابد من الإحالة الى قول "جان بول سارتر" ان (الرواية قد وصلت الى طريق مسدود، وإنها في طريقها الى الزوال، وهي الآن تحتضر، وتفقد يوما بعد آخر أهميتها ومكانتها، ولن يمضي زمن طويل حتى تحل محلها الألوان الفنية والأدبية الجديدة الأكثر قدرة على التعبير عن روح العصر، وعلى التواصل والتأثير. وإن الادب الوثائقي او التسجيلي هو ادب المستقبل، لأنه أكثر استجابة لمتطلبات المجتمع، وحاجات العصر)،
الأجواء في رواية "نعل مقلوب" تتشابه كثيرا مع رواية للكاتب الافريقي "ك. سيلو دويكر1974م" والتي باتت شهيرة بعد ان حصولها على جائزة "الكومنويلث".. بسبب احداثها الأليمة لأبعد حدّ تروي عن فتى لم يتم عامه الثالث عشر، عندما مات أبوه وأمه محترقين قبل 3 أعوام، ولم يجد غير الشارع ليسكنه، ويكمل عيشه بين أطفال الشوارع، يمتهن التسول مخالطة عصابات السرقة في جنوب أفريقيا؛ وصرنا نرى بعينيه كل ما يعانيه من معاملات البشر له من حوله من كل الطبقات وكيف يحاول أن يتعايش معها ويقاومها رواية واقعية جدًا، ولكنها خيالًا. وقد يحزن القارئ مع بعض النصوص "العراقية" العديدة والمنشورة هنا وهناك.. معظمها ينقصها الكثير من التدقيق حتى تكون رواية كجنس ادبي، ليس لها حكاية واضحة تمتد على صفحاتها، تلك الضرورة، الحاوية المنطقية، المحكومة بمنطق تسلسلها.. لأن الحكاية بمثابة العمود الفقري الذي يشدّ اجزاء الفصول، ويجعل القارئ متشوّقا ليعرف ما سيأتي من معلومة. وضرورة ان تتفرد بمعلومات اضافية لا يعرفها القارئ، سوف تضيفها إليه الرواية، ويحمّلها السياق السردي بمساحة واضحة من الحياد بعدم ميل الروائي الى جانب أيدلوجية معينة، ينزوي بها ويحاول ينصرها فوق كل اعتبار، وبكل ما أوتي من جهد ووقت.. حيث الحياد في الأيدلوجية تقانة ابداعية مثيرة، لا يقدر عليها الا الروائيون الكبار كونها تكشف عن بطانة عمق ثقافة الكاتب، وعن تفهمه الكامل لموقعه، ودوره المهم.
معظم كتاب الرواية "عندنا" فاتهم ان القارئ النبيه يبحث عن التوازنات المقنعة بين مفاصل أي عمل تتوفر فيه اهم تلك المقتضيات الروائية، كي ارفع القبعة تحيّة الى كل كاتب يتنبّه لأداته. ثمة نقطة يجب تؤشر بانطباع عام بشأن الكتّاب الذين يجعلون من "المرأة" بطلة روايتهم، محورها الرئيس. حيث الروائي الحريص يعلم جيداً ان "تاء التأنيث الساكنة" وحدها لن تكفي لجعل روايتهم مقبولة، بل تحتاج الى "ملاحظة دقيقة لذلك العمق" قبل ذلك، فالكتابة بلسان المرأة وضميرها مهمّة تأتي بالأحداث وفق رؤيتها "كأنثى" وليست رؤيته ككاتب "ذكر"!.
الفرق كبير، حيث يتطلب معرفة تامة في كيفية تفكير المرأة، بواقعتيها، والابتعاد عن الكتابة بعقل الرجل، فللمرأة تضاريس وجوانب أخرى تؤدي الغفلة عنها الى ارتباك بائن. كيان بعيد بطبعه عن طبيعة الرجل، فالذي يميل اليه الرجل جنسيا، قد لا تقبله المرأة وقد تنفر منه. او الذي يحبه الرجل من الخطأ الفادح الاعتقاد الجازم ان المرأة تميل اليه. فأما الكتابة ب"ماهية رجل"، او الكتابة ب"ماهية امرأة" ويعتمد ذلك على دقة ملاحظة الكاتب المقتدر.
أغلبُ السردُ العراقي كُتِبَ ببراءة متناهية، وكأنه لا يعرف كيفية ابتكار تقانة خاصة به وحده، ويقدم بها روايته، إذ تنقصه الكثير الفطنة التي ينبغي عليه ان يكتسبها من افانين الكُتّاب في العالم المفتوح الذي حوله، خاصة تلك الكتب رغم حاجز اللغة مسافات بعيدة ووصلت بواسطة مترجمين ايقنوا الأهمية التي تقدمها تلك التجارب، فيها مران عقلي متسلسل، كل رواية تحوي على تقانات ليست مقلدة، وان كلمة تقليدية تصف المشهد السردي، (مرحلتان: الأولى حقبة حرب الخليج الأولى، والثانية حقبة مرحلة حرب الخليج الثانية).. كما كان يعتقد معظم أدباء العراق والبصرة خاصة في مقدمة الثمانينيات والسبعينيات ان القصة القصيرة لا تكتب الا كما كتبها المبدع البصري "محمد خضير"، لان حدود القراءة لم تكن مفتوحة نحو المدى الواسع وما وصل إليهم الا نماذج روائية محدودة التجربة قننها الحصار الاقتصادي..
والملاحظة بقيت حتى يومنا تكشف النوعية المحدودة من التجارب التي بقي يطلع عليها الكاتب الجديد، لذلك جاءت اغلب الروايات العراقية تحمل رائحة واحدة تكرر، بصمة الرواية التي كتبت في الستينات- اصلا - كتبوا الرواية وتنقصهم الخبرة التقنيّة، والكثير من عدم الجديّة، وكأنما لا تكتب الرواية الا بتلك الرائحة. على الرغم من الرواية العالمية الكلاسيكية كانت مفتوحة الدفتين امام من كان يريد أن يقرأ ويتعلم، حتى يبتكر، ويطوّر. مع كل تأكيد سوف تعجبني الرواية التي تحوي على ما يجعلها تتميز عن غيرها، اغلب المجالين الذين يكتبون في جنس الرواية، يفتقرون اليها.
وفي هذه الرواية جعل الكاتب "سعد عودة" من جملة المبتدأ والخبر "نعلٌ مقلوبٌ"؛ جملةٌ ساخرةٌ تصلح ان تكون مصطلحا شاجباً لكل الاقدار التي تكالبت من أجل نهش البلاد والعباد، ولابد من الاعتبار لتلك النقطة الأساس التي استقر عليها "الفرجال" الهندسي، قبل البدء برسم دائرته. ولعلها تمكنت من إيصال صرخة الطبقة التي هرستها عجلة الفساد المستشري كالوباء الذي طال كل صغيرة وكبيرة، وتوارثتهُ الأجيال، فما "مروة" الا ابنة "صفوان". باتت وثيقة مصورة عن القاع العميق الذي ينخره السوس، والذي بات بلا ركيزة، بمستقبلٍ مُهَلهَلٍ.. 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟