الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بشار الأسد .. قصة مسكوت عنها

أحمد فاروق عباس

2022 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


تمثل حالة التعامل مع الرئيس السوري "الدكتور" بشار الأسد مثالاً كلاسيكياً لكيفية تعامل الغرب مع من لا يعجبه من الرؤساء أو من يقف في طريق مصالحه ، وتقديم المصالح والأهداف الحقيقية وراء موجات هائلة من الدعاية السياسية التى تعمى العيون ..

ويتبع الغرب في ذلك فيالقه من أهل الجهاد على الطريقة الأمريكية ، أو من ترك الجهاد منهم وأصبح منادياً بالديموقراطية ، وترك - بعجلة وبلا أى منطق مقبول - ثوب سيد قطب ليلبس ثوب جان جاك روسو !!

أو فيالق اليسار على الطريقة الأمريكية ، وهم خليط غريب يضم ماركسيين سابقيين وقوميين وملحدين تركوا الكلام القديم عن الإمبريالية أو عن الوحدة العربية ، ووجدوا في القطار الأمريكى ومشاريعه ملاذاً ومستقراً !!

تمثل سوريا تحت حكم بشار الأسد بصداقتها القوية لروسيا والصين مشكلة عويصة للغرب ، وقد حاولوا نزعها من سياسة الاتجاه شرقا مراراً ، وتباينت الطرق المستخدمة في ذلك جداً خلال العقدين الماضيين ، ما بين الإغراء ثم التخويف ثم الإغراء مرة أخرى ثم الحرب كوسيلة أخيرة ..

١ - كانت ضربة البداية بالاغواء والاغراء ، وهنا تقدمت مجموعات من ماركسيين سابقيين وقوميين بتقديم عرائض ومطالبات بانفتاح الدولة السورية سياسيا ، كان ذلك في الشهور الأولى لتولى الرئيس الجديد بشار الأسد فى النصف الثاني من عام ٢٠٠٠ ، وكانت المطالبات معقولة ومنطقية واستجاب الحكم الجديد لها بوسائل متعددة ، استمرت العرائض والمطالبات طوال عام ٢٠٠١ ووصلت إلى مناطق رأتها السلطة الجديدة تمس أسس المجتمع السورى واستقراره وأن الطلب ليس بريئاً تماماً ، وهدفه ليس مجرد الديموقراطية كما يقول ، وقد أطلق على تلك الفترة اسم ربيع دمشق ..

٢ - لما لم تُجد ِمحاولة الإغراء شيئاً تحول الأمر إلى سياسة التخويف ، وكان أن جاء كولن باول إلى دمشق في صيف ٢٠٠٣ ( بعد حرب العراق واحتلاله ) ومعه قائمة طلبات على دمشق أن تنفذها بدون نقاش .. وإلا !!

ثم حدث أن قتل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري بطريقة غامضة في فبراير ٢٠٠٤ ، وفوراً ألصقت التهمة بسوريا بل وببشار الأسد شخصياً ، وبرغم كل الدلائل التى تقول غير ذلك - مادياً وعقلياً - تشكلت محكمة دولية للتحقيق في الأمر ، تحولت فى بعض مراحلها إلى ملهاة مضحكة ، ولم يؤدى الأمر فى النهاية إلى شئ ..

ثم تحول إغتيال الحريرى والشكوك المحيطة بسوريا ورئيسها الى ذريعة لسحب القوات السورية من لبنان بطريقة مهينة ، قد تترك أثرها على الداخل السورى فيما بعد ، ثم تم استخدام لبنان نفسه لخلخلةالوضع فى سوريا عسكرياً واقتصادياً كما حدث فيما بعد ..

وترافقت في تلك الفترة مؤشرات غريبة ، منها إغراء نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام بالهرب والتشهير بالحكم في سوريا ، وقد اتخذ الرجل من باريس مستقرا حتى وفاته من فترة قريبة ..

٣ - لم تؤد محاولات التخويف نتيجتها المتوقعة ، وظل الحكم في دمشق صامداً أمام العواصف ، وتم الرجوع مرة أخرى إلى سياسة الإغواء والاغراء ، فتم الايعاز إلى تركيا بقيادة أردوغان - وهى عضو عتيد فى التحالف الغربى وفى حلف الناتو - بالتقارب مع سوريا سياسياً واقتصادياً ، ثم التوسط في عقد اتفاقية سلام بين سوريا واسرائيل لجذب سوريا أكثر ناحية الغرب ..

استمرت تلك المحاولات سنوات ٢٠٠٧ ، ٢٠٠٨ ، ٢٠٠٩ ولم تؤد المفاوضات السورية الإسرائيلية برعاية تركية إلى شئ ، وبقيت محاولة تركيا وحلفها الجديد - قطر والإخوان المسلمين - التقارب من بشار الأسد !!

الملفت للنظر أنه فى تلك السنوات تقدم تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا بحل نفسه ، وعلل المراقب العام للاخوان فى سوريا وقتها السيد صدر الدين البيانونى ذلك بأن موقف الرئيس بشار فى حرب لبنان عام ٢٠٠٦ وحرب غزة ٢٠٠٨ يجعله في طليعة المقاومين للمشروع الصهيونى في المنطقة ، ما يجعلنا كلنا نعمل تحت قيادته !!

وراج الحديث وقتها أن الإخوان يريدون العمل من داخل السلطة السورية بدلا من العمل كمعارضة ، تمهيدا للحظة أكثر مناسبة قد يكون لها حسابات أخرى !!

وأصبح " الشيخ " يوسف القرضاوي ضيفاً دائمآ على الرئيس بشار وعلى قصر الحكم في دمشق ، وذلك قبل أن يتحول بشار الأسد بعد سنوات قليلة إلى مجرم وديكتاتور دموى يقتل شعبه - وخصوصاً الأطفال - ويلقى على المدنيين الابرياء البراميل المتفجرة !!

لم تؤد محاولات الإغراء أو التخويف شيئا مع حكم يعرف ماذا يريد ، ومع من يتعامل بالضبط ..

وكان أن تم الانتقال إلى المرحلة الأخطر والأكثر دموية ، فتم اعتبار سوريا محطة رئيسية فى الجحيم العربى المنتظر الذى سيبدأ عام ٢٠١١ ، والذى سيطلق عليه - تدليلاً - الربيع العربى !!!

تم فبركة بعض المظاهرات المحدودة فى درعا في جنوب سورية ، وقتل بعض الأشخاص بطريقة غامضة ، وبعدها تم الشحن الإعلامى الشديد ، تبعه شحن قوافل " المجاهدين " من كل أنحاء العالم إلى سوريا ، فى تكرار لتجربة الاتحاد السوفيتي وأفغانستان في الثمانينات ، وبينما كان الجيش السوفيتي يقاتل خارج أرضه وفى بلد غريب كان الجيش السورى يقاتل فى أرضه ودفاعاً عنها ..

وتحولت حدود سوريا مع تركيا بصفة خاصة ، وحدودها مع لبنان ، وحدودها العراق ، وحدودها مع الأردن قوافل وراء قوافل من الأسلحة والمقاتلين عابرى الحدود بدون استئذان لقتال بشار الأسد العلوى الشيعى أو بشار الكافر ، وهى الدعاية التى استخدمت في بداية الحرب على سوريا ..

لم يكن بشار الأسد مثلا رجلاً عسكرياً حتى يتكلم أحد عن الديكتاتورية العسكرية أو حكم العسكر ، فالرجل مدنى ، وهو طبيب عيون تخرج من كلية الطب فى جامعة دمشق ، وأكمل تدريبه في مستشفيات لندن ..
كما أنه رجل متوازن وعاقل ، وبالتالى لا يمكن اتهامه - كصدام حسين - بالتهور أو الجنون واحتلال أراضى غيره بالقوة ..

ومن ثم أصبحت الأسطوانة المقدمة للجماهير العربية بواسطة قناة الجزيرة وقناة العربية ثم القنوات التركية والقنوات التى أنشأها الغرب للمعارضة السورية تتحدث عن العلوى الرافضى الشيعى ، وتقدم الأمر خطوة فأصبح يوصف بالمجرم والسفاح وقاتل شعبه !!

وأصبح شتم كل من يقل كلمة مخالفة لهذا التيار الكاسح هى السياسة المعتمدة فى الفضائيات أو على مواقع الإنترنت ، بدءا من إتهام من يحاول فهم أصول الصراع وأهدافه الحقيقية - وليست الدعائية - بأنه يناصر مجرم قاتل ، وانتهاء بالدعاء بأن يحشره الله معه !! ( ومع وقوف الرئيس السيسي لنفس هذا المشروع المجرم تقدم الدعاء خطوة أخرى وأصبح كل من يقف مع السيسي يتم الدعاء بأن يحشره الله معه ) !!

وهو دعاء مضحك ويأتى من طوائف ضاع عقلها ، وتحسب أن الله - جل مقامه وعلا - يسير مثلهم وراء دعاية سياسية كاذبة وأهداف ليست بريئة ، وليس لله ودينه علاقة بها ، حتى لو امتلأت حناجرهم بغير ذلك ..

حققت قوافل الجهاد الأمريكى - داعش والقاعدة والنصرة والإخوان - انتصارات سريعة فى الفترة من ٢٠١٢ إلى ٢٠١٥ ، وسقطت حلب وأجزاء واسعة من حمص وحماة وتدمر ، وكل الشرق والشمال السورى ، وأجزاء كبرى من الجنوب فى ايدى داعش وجبهة النصرة والجيش السورى الحر ( وأغلبه من الإخوان المسلمين ) ..

ولم يبق للحكم في سوريا إلا دمشق والمدن الكبرى( حمص وحماة ) دون محيطها واريافها ، والشريط الساحلى السورى على المتوسط ..

ولم تُجد ِمساعدات إيران أو حزب الله نفعاً كبيراً ، إلى أن كان القرار شديد الجرأة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالتدخل المباشر فى الحرب فى سوريا فى سبتمبر ٢٠١٥ ، وبعد التدخل الروسى القوى لم يستطع الغرب فعل شئ ، وتحررت المدن السورية بواسطة الجيش العربي السورى بإسناد جوى روسى مدينة وراء أخرى ، ولم يبق الآن سوى بعض الجيوب في الشمال( إدلب ) على الحدود التركية السورية ، وبعض مناطق الأكراد فى الشرق السورى شرق الفرات ..

ومنذ شهر ونصف أقيمت إنتخابات فى سوريا ، وفاز بها بشار الأسد بولاية جديدة ، وظهر مرة أخرى من يبكى على الديموقراطية ، ونسى هؤلاء أن السؤال الآن ليس الاختيار بين الديموقراطية والديكتاتورية ( فهذا سؤال مؤجل الآن ) فهذه الحقبة الغريبة من تاريخ العرب والشرق الأوسط تميزت بتدخل هائل من الغرب فى شئون العرب وبطريقة غير معروفة أو مسبوقة من قبل ، وإلى درجة " خلق " أحزاب وتيارات وتنظيمات تعمل مباشرة بتوجيه من الغرب ، وتستعد لأخذ السلطة في قبضتها عند أى درجة من الغفلة ..

كما ينسى هؤلاء أن السؤال ليس بين الديموقراطية والديكتاتورية بل بين بقاء الدول أو انهيارها ، وبين وحدة الشعوب والمجتمعات أو تشرذمها بواسطة نعرات عرقية ودينية ومذهبية بل وثقافية !!

ورأيي ، مهما أختلف كثيرون معى ، أن بشار الأسد هو الضمانة الوحيدة - الآن وفى هذه الظروف - لبقاء سوريا موحدة ، وكما نعرفها ..

هل معنى ذلك أن الحكم في سوريا مبرأ من الأخطاء ، أو أن بشار الأسد ملاك لا يعرف الخطأ ؟

إطلاقاً ، فاللحكم في سوريا أخطاء - بل خطايا - كثيرة ، ولبشار الأسد نواقصه وعثراته ، وعلى المستوى الشخصى لدى كثير مما لا يعجبنى فيه ، وأولها طريقة وصوله إلى الحكم كوراثة من أبيه ، وعلاقته مع إيران وغير ذلك ، ولكن الأمر تعدى بشار الأسد وصفاته إلى الدول وبقاءها ، وإلى المجتمعات وعدم تفتتها ، وهى قضايا أكبر بكثير من حاكم زائل مهما طال بقاءه ..

ولو كان الأمر قصة ديموقراطية مطلوب وصولها إلى سوريا هل يتذكر أحد تجربة عام ١٩٥٧ فى سوريا ؟!

لقد أقيمت فى تلك السنة انتخابات ديموقراطية كاملة النزاهة ، وفازت بها باكتساح الجبهة الوطنية ( تحالف حزب البعث مع الحزب الشيوعي والمستقلين ) وأقامت أمريكا الدنيا واقعدتها حينئذ لفوز الجبهة الوطنية المناوئة لها بالسلطة في سوريا ، ورفضت الإعتراف بنتيجة الإنتخابات الديموقراطية ، وأوعزت إلى تركيا باحتلال سوريا وإسقاط حكومتها المنتخبة ، واستعدت تركيا بالفعل ، وكان الغزو فى طريقه للتنفيذ لولا الإنذار السوفيتي للأتراك ، ثم لجوء سوريا الى جمال عبد الناصر لحمايتها من التدخلات الغربية وخوفاً من الغزو التركى ، وطلبت الوحدة الفورية مع مصر وهو ما حدث فى بداية عام ١٩٥٨ ..

أى أن ما تمت محاولته عام ٢٠١١ وما بعده من ضرورة إرجاع سوريا إلى النفوذ الغربى ولو بالحرب والتدخل والغزو التركى كان مخططا تنفيذه عام ١٩٥٧ !!

فهل كان ما فعلته أمريكا ووراءها تركيا عام ١٩٥٧ أي علاقة بالديموقراطية ؟!
هل كانت سوريا وقتها تعانى نقصاً منها ومطلوب إيصال جرعة زيادة منها إلى دمشق ؟!

لكن الفرق هو أن الديموقراطية كانت شهيدة التدخلات الأمريكية والتركية عام ١٩٥٧ .
ونفس تلك الديموقراطية كانت هى الذريعة - وليس أكثر - لما كان مقرراً فعله بسوريا بعد ٢٠١١ !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة