الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار الاجتماع السياسي :ضبط التوازنات الداخلية والخارجية

مظهر محمد صالح

2022 / 11 / 8
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


1- تمهيد : التوازنات والاختلالات.
لم تنفك درجة مخاطر ادارة البوصلة السياسية الداخلية وبناء توازناتها عن درجة مخاطر بناء البوصلة الخارجية (العربية والاقليمية والدولية ) في توازناتها واستقطاباتها ذلك منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921 وحتى الساعة . اذ مرت في تاريخ العراق السياسي الحديث ازمنة شهدت حالات تطرف في العلاقات الدولية والاقليمية والعربية والميلان نحو الاقطاب الدولية. فانهيار الَمَلكية جاء على سبيل المثال جراء تبديل قواعد الاتساق مع اللعبة الداخلية الشعبية في خمسينيات القرن الماضي واغتراب النظام من التعاطف مع المد العربي (وليد حرب السويس في العام 1956 )للتلاحم المفاجيء مع المد الاقليمي والدولي ( حلف بغداد) ما قاد الى اختلال التوازنات بين المحيط العربي والمحيط الاقليمي والصراع بين القوى الكبرى الى سقوط الملكية سقوطاً مُدوياً … وكذلك النظم العسكرية الانقلابية اللاحقة التي تمددت باسم القومية والميل لهذا المعسكر الدولي من غيره ابان الحرب الباردة ما قاد الى سلسلة انقلابات داخلية متعاقبة ومحاولات انقلابية فاشلة ، بسلاسل مدنية وعسكرية لم تنقطع، انتهت في نهايات القرن العشرين بتطرف واحادية النظام الدكتاتوري السابق غير المدرك لمعايير وقواعد لعب السياسة الدولية بعد قمعه السياسة الداخلية للتصادم والحرب غير المنقطعة مع (محيطه العربي والاقليمي والدولي في آن واحد ) ما افقد البلاد بوصلتها ،والتيه في ظلمات السياسة الدولية والتعثر دون سبيل للاستقرار وبناء التوازنات الخارجية والداخلية .
اما اليوم ،فارى في توازن العلاقات بين بلدان المحيط العربي والجوار الاقليمي غير العربي والمصالح الدولية وتوتراتها بشكل متوازن هو الخيار الوحيد والشاق في آن واحد ولاسيما في استدامة سير المعادلة السياسية الداخلية واتساقها الخارجي وهي قضية شديدة التعقيد لكثرة اللاعبين المحليين والاقليميين والدوليين ، ما يقتضي الكثير من الوقت ، ولاسيما بعد سنوات من تبدل النظام الدكتاتوري الفردي السابق الاحادي العلاقات وتغيره بقوة الحرب والاحتلال بعد العام 2003 لتظهر معادلات اضافية داخلية اشد تعقيدا وهي وليدة الاحتلال في الايديولوجيا والولاء والوطنية والتي جميعها قد عقدت من بناء التوازنات الخارجية لكثرة ثوابتها ومتغيراتها في خرائط الاستقرار السياسي الطويل الاجل لبلادنا .

2- ضبط التوازنات الداخلية.
في بلاد امست تفتقر لمفهوم عنوانه الوحدة الوطنية على مدار عقود طويلة لم تجن ِسوى تبعثرا في اعمال القوى صانعة القرار السياسي وهي تمارس يومياتها برؤى وتباينات هجينية وتشاركها قوى زبائنية اقتصادية راسخة من صناع السوق وترتبط جميعها (كل حسب قنواته السياسية او المذهبية او الاثنية ) بتشابكات اديولوجية مع المصالح والقوى الاقليمية والدولية . اذ سهل الامر على بلدان الجوار القريب والبعيد من التمسك بقواعد لعبتها الخارجية صوب بلادنا لتنفذ جداول اعمالها على خريطة الجغرافيا السياسية للعراق وبآصرة بنائية خطيرة تسمى (( الإحيائية الاقليمية bioregionalism)) . حيث تتولى تلك الاحيائية الاقليمية بنفوذها السياسي والاديولوجي والاقتصادي من تقسيم المقسم في بلادي سواء على مستوى المجتمع السياسي اوالسوق نفسه . فالعراق بحاجة الى نظام سياسي اواصره عراقية صرفة
، وقوى سياسية تنأى بنفسها عن اقامة علاقات اقليمية او دولية خارج اعمال السيادة الخارجية الموحدة للبلاد . فمايجري اليوم في بلادنا للاسف هي المحاصصة نفسها التي ترسم نسختها الداخلية لتجدها مطبوعة على جدران السياسة الخارجية للبلدان الاقليمية وغيرها. انها معادلة امست صعبة التفكيك واعطت الضياء الأخضر للفواعل الدولية ان تشاركنا القرار الوطني وتستبيح الارض والعقل والانسان بشكل مستدام .

3- صناعة التوازن الداخلي وضبطه.
لم يبنى العراق (الشعب والوطن ) الا بقوة وارادة ووحدة المكون الاكبر وهو تجسيد للشرعية الوطنية . فالديمقراطية التوافقية ومفاسد المحاصصة والتوافقات والترضيات الهشة ولدَت
(معادلة سياسية مجتزأة) عديمة المسؤولية عبر تقاسم السلطة بين المكونات دون تحسس انساني مهم يظل عنوانه النابض مصلحة المواطن اولاً وآخراً.
فقد تغيرت عبر العقدين المنصرمين (معادلة التجزءة السياسية ) وتحولت بشكل متسارع الى كرات منغلقة سلوكياً و متخمة بالمال والنفوذ في ملعب السياسة الداخلية والخارجية .اذ امسى الشعب كله ينتظر متفرجا ً انتهاء اللعبة ليتطلع الى من الفائز النهائي في تقاذف الكرات على السطح السياسي الافقي ..!!! ففي خضم عقدين من الزمن السياسي انتهت اللعبة الديمقراطية التوافقية بصراع طبقي واجتماعي منقسم عمودياً داخل المكون الاكبر وشعبه العاطل الخالي من ثمار التنمية والتقدم الاقتصادي وامامه مشهد صارخ من تجمعات (اولغارشية )متخمة و طبقة مترفة منغمسة تبحث بين دول الاقليم عن غسالات اموالها من موارد النفط التي احتكرتها الزبائنية- الاولغارشية والتي استلبتها من مشروع التنمية الوطني ، ومتعة (افيونها )هي الامساك باللعبة الديمقراطية الهشة. اذ اتخذت الكارتلات المالية من رمزية النظام البرلماني وهشاشة ديمقراطيته التوافقية غطاءً لاحتواء صراع الطبقات كذريعة لحماية حقوق( الالغارشية - المكوناتية )التي حماها تقاسم السلطة (افقياً ) في بلوغ (عصر الغنيمة النفطية ) تحت ظاهرة التهديد بفقدان التوازن المكوناتي وبنيانه ( الافقي) . وهكذا ظل المكون الاكبر والشعب عموماً يحصد ( عمودياً) فقر الديمقراطية وهو يمسك بمظاهر قوامها انعدام التنمية والرفاهية الاقتصادية وينعم بالبطالة بمعدلات مستدامة غير مسبوقة.
ان بلادنا اليوم امام مفترق طرق ونقطة تحول خطيرة وهي تتجه نحو حافات ساخنة جداً لايحلها اليوم الا مؤتمر وطني للمكاشفة والمصارحة العلنية يضع مصلحة الشعب فوق مصلحة لعبة المكونات .
فالشعب (في لبه وجوهره ) هو المكون الاكبر وهو ليس بحاجة الى تعريف من هو المكون الاكبر الذي يشكل الرمزية الوطنية العراقية بلا منازع . فمصالح المكون الاكبر الشعبية والوطنية هي تجسيد لمصالح الشعب العراقي وفقراءه بالإجماع ويجسده (عمودياً) في قدرة توفيره لجدول اعمال عابر للكرات السياسية (الافقية) ويتعاطى مع شفرة ( عمودية )تنبض بهواجس الشعب كله وهو صاحب المصلحة الحقيقية في ان يحصد المواطن ثمار التنمية والديمقراطية والازدهار بعدالة .
4- ختاما ، لم اجد ابلغ من العبارة التي تناولها المفكر السياسي ابراهيم العبادي ..في تصديه في حوار متبادل لموضوع ضبط التوازنات الداخلية والخارجية موضحًا بالقول:
(( يدرك اي سياسي ناضج في العراق ان ضبط التوازنات الداخلية مع ادارة التوازنات الخارجية هو شرط الاستقرار في العراق .فتركيبة العراق السكانية وامتداداتها الخارجية ،ومحورية المكان والجغرافيا السياسية تجعل العراق جاذبا للتدخلات ومستعدا للانخراط في الاستقطابات السياسية والمحاور الاقليمية .فبقدر مايؤثر العراق في الاخرين فانه يتأثر بسرعة بالتيارات والسياسات والمواقف وينجذب اليها ما يجعل من ادارة التنوع العراقي عملية في غاية التعقيد مالم تستند على معرفة دقيقة بهذا الشرط ،شرط التوازن…!!!)) .
.
(انتهى)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟