الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدارة التنوع في الموارد البشرية

هاني جرجس عياد

2022 / 11 / 9
الادارة و الاقتصاد


لا يعد التنوع في الموارد البشرية ظاهرة على المستوى العالمي فقط؛ بل موجودة محليا، وفي مختلف المنظمات؛ ففي سوق العمل نجد الكثير من المؤسسات والشركات المحلية تضم العديد من الموارد البشرية متعددة الجنسيات، والثقافات، وتتنوع فيها الخبرة، والمعرفة، والعمر، والسلوك، والتخصص، وطريقة التفكير، والقدرات الجسدية، والحالة الاجتماعية، والمستوى الإداري وغيرها. وهذه الاختلافات مجتمعة تحدث تباينا في حاجات، ورغبات، وآراء، واتجاهات الموارد البشرية وتفكيرها في المنظمات وطريقة إدارتها، وهو ما يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند وضع الاستراتيجيات والسياسات العامة لتحقيق الأهداف والتطلعات.
ويرى كثير من خبراء الإدارة أن التنوع في الموارد البشرية في الشركات ومنظمات العمل فرصة إيجابية مهمة للانفتاح، وتلاقي الخبرات، والثقافات، وللتطور والنماء بدلا من الانغلاق على الذات؛ إذ أن التنوع هو السبيل لتناغم وتناسق الأفراد والمجتمعات في عالم اليوم.
ويمكن تعريف إدارة التنوع بأنها عملية إيجاد مناخ داخل المنظمة تتم الإفادة من خلاله من الميزات الممكنة للتنوع بين العاملين؛ من أجل تحسين أداء الأفراد والمجموعات، وتقليل السلبيات المحتملة له، والوصول إلى كامل طاقاتهم تحقيقا للأهداف العامة والتطلعات؛ وبالتالي فإن الإدارة الفعالة للتنوع تشكل عاملا مؤثرا في تحسين أداء المؤسسات؛ والشركات، وخلق مجتمع عمل تتوازن فيه الفرص لكل الفئات؛ فالتنوع حاليا حقيقة واقعة في كافة المنظمات والشركات المحلية والعالمية، حيث إنها تعد مسألة مؤثرة أو سوف تكون مؤثرة بشكل فعلي على كافة العاملين بمجال التنمية البشرية عند نقطة ما خلال مستقبلهم المهني.
إن مفهوم إدارة التنوع ظهر واكتسب زخما في الولايات المتحدة في الثمانينيات الميلادية؛ إذ اشترك المتخصصون بالمساواة، والإجراءات الإيجابية المعينون من قبل الشركات الأمريكية جنبا إلى جنب مع المستشارين الاجتماعيين للنظر إلى التنوع في القوى العاملة كميزة تنافسية وليس كقيود قانونية؛ مما جعل هذا المفهوم يحظى باهتمام متزايد في الوقت الحاضر؛ نتيجة المطالبات المتزايدة بالمساواة والتسامح وتقبل الآخر من جهة، وإدراك أهمية التنوع والخليط الثقافي لنهضة ونمو المنظمات والشركات من جهة ثانية، وأهمية الاستفادة منه وتوظيفه بشكل إيجابي؛ ليتحول من سبب للصراع إلى محرك للإبداع ومعزز للقدرة التنافسية. فالعديد من المؤسسات- كما تؤكد الدراسات الحديثة- تقوم بإجراء توسعات في عملياتها؛ لتتعدى الحدود الجغرافية المحلية مما يتطلب وجود إدراك أفضل للطرق التي ينبغي استخدامها لزيادة فوائد التنوع، فمسئولية إدارة الاختلاف والتنوع لا تقع على عاتق إدارة الموارد البشرية فحسب؛ بل تقع على عاتق جميع المدراء، فالمدير الناجح هو الذي يتمكن من التقريب بين هذه الاختلافات والتعايش معها وتوليفها. فإدارة التباين أو الاختلاف تحد يواجهه المسؤولون عندما يديرون مرؤوسيهم، وعليهم تقبله والتفاعل معه؛ لأن مسألة إدارة أفراد من نوعيات وأعمار وثقافات وتجارب مختلفة، ليست بالمسألة السهلة أبدا.
ومن نافلة القول أن التنوع هو الوضع الطبيعي للمجتمعات الإنسانية، ويندر أن نجد مجتمعا يتسم بتجانس سكاني كامل. ولا يتنافى التنوع والتعددية الثقافية على مستوى البلد الواحد أو على المستوى العالمي مع الانتماء الوطني؛ حيث إن الوطنية مفهوم واسع جدا يتجاوز العرق، والمذهب، واللغة؛ ليجمع كل أبناء الوطن في إطار وطني واحد مع الاحتفاظ بالنكهات المختلفة للجماعات المتنوعة فيه مهما كان حجمها. فلقد أقر الإسلام هذا الاختلاف بين البشر، فهو سنة كونية لا يمكن تجاوزها. قال تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ (سورة الروم - آية 22).
ورغم ذلك فإن كثيرين لا يعون مدى أهمية وتأثير إدارة التنوع على سوق العمل من جميع جوانبه، وقلائل يطبقون هذا المفهوم في مؤسساتهم. الذي يعني تحقيق تكافؤ فرص حقيقي، ناجح وناجع، والاعتراف بوجود فروق فردية كعامل إيجابي للمنظمة، وتوسيع دائرة زبائنها أو مستثمريها؛ لتشمل فئات اجتماعية متنوعة ومستهلكين متنوعين، وتسهم في تكافؤ الفرص، وتحسين صورة المنظمة، وتحسين خدمة العملاء من مختلف الفئات، وتشجيع الابتكار والإبداع، ورفع مستوى التزام جميع العاملين.
وهناك من القادة والمديرين يدركون حجم التأثير المتزايد لظاهرة إدارة التنوع على مفاهيم العمل؛ كالمساواة، والعدالة، وتكافؤ الفرص، ويستجيبون لذلك ببرامج وممارسات تؤكد على عملية اختيار وتوظيف موظفين متنوعي القدرات، والمهارات، والتجارب؛ وبالتالي فسياسات إدارة التنوع في الموارد البشرية تشمل كافة العمليات الإدارية داخل المنظمة، مثل التزام الإدارة العليا ودعمها، وتحقيق العدالة وتساوي الفرص، والتوظيف، والتدريب، والتطوير، وتقييم الأداء، والترقيات، والتعويضات المالية، فإدارة التنوع يجب أن تكون شاملة ومتكاملة بحيث تنعكس على كافة الجوانب الفنية والإدارية، وبشكل يشمل كافة المستويات الإدارية والفنية في المنظمة.
وفي ذات السياق يعتقد أنه لتحقيق وتطبيق التعددية والتنوع الإداري بشكل فعلي، يجب قبول واحترام خصوصية كل فرد في المجموعة وإدراك الاختلافات الفردية؛ لأن مهمة المنظمة التي تسعى للتنوع والنجاح لا تنتهي بقبول الموظف للعمل فحسب؛ بل تستمر حتى انخراطه بشكل فعلي، فكثير من الدراسات الحديثة التي أجريت حول العالم أثبتت أن المنظمات تحصد نتائج إيجابية من التنوع في إطار إدارة مناسبة، وضمن خطة منظمة وشاملة تحقق تكافؤ الفرص بشكل فعال وصحيح لإنجازها وتطبيقها.
وتجدر الإشارة إلى أن التنوع ينطوي على أكثر من مجرد الثقافة، والخلفية الاجتماعية، والجنس؛ فهو يشمل تفرد كل شخص، وخبرته وشخصيته، ويؤثر على الأداء بشكل كبير؛ لذلك من المهم إدارة أية مشكلات قد تنجم عن الصراعات الشخصية داخل المنظمة بشكل سليم، فالتنوع يحدد كيفية تفاعل الموظف مع زملاءه الموظفين الآخرين، ونوع الحافز المشترك في الأداء الوظيفي بينهم، وهناك العديد من الخطوات التي قد تكون فعالة بشكل كبير في إدارة التنوع ومنها: إعلان الأهداف والغايات والسياسات بشكل واضح، وتعزيز ثقافة المنظمة والممارسات الشائعة للموظفين ليلتزم بها الجميع، والعمل على إجراء تغييرات ممكنة من شأنها تلبية احتياجات المجموعات المتنوعة في المنظمة كالأجانب، والنساء، وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم.
ومما لا ريب فيه أن تنوع القوة العاملة أمر طبيعي، وشائع في المنظمات على اختلافها، بما في ذلك المؤسسات، والقطاعات التعليمية والمدارس والجامعات لاسيما اذا أدير هذا التنوع إدارة فعالة وواعية تعترف بالفروق الموجودة بين الأعضاء، وتقدرها وتؤمن بأن كل شخص متفرد في ذاته، وتعمل على استكشاف هذه الاختلافات في ظل بيئة تتسم بالأمان والإيجابية والرعاية؛ حيث يفترض في ثقافة المنظمة أن تكون حاضنة للكفاءات بغض النظر عن الاختلافات الموجودة بينهم؛ فالمنظمة ذات الثقافات المتعددة هي المنظمة التي تمتزج فيها الثقافات، والقدرات، والخبرات، والخصائص الأخرى لتعطي نتائج متميزة في الأداء العام، كما أن هناك بعدا آخر أكثر عمقا للتنوع في المنظمات؛ لأنه يعني انفتاح المنظمة لتصبح أكثر شمولا، وأوسع ثقافة، وأكثر إبداعا واحتراما لتفرد الشخصيات وتنوعها.
ويجب أن نلفت الانتباه إلى أن تحقيق النسب المرجوة من التنوع بين العاملين في المنظمة لا يعد كافيا لاكتساب كافة الفوائد المرجوة من تنوع في القوة العاملة؛ فلابد من وجود تنوع وثراء في المعرفة فيما يتعلق بالأداء المؤسسي من حيث آليات اتخاذ القرارات، وكيفية التواصل الفكري، وسبل تحقيق الأهداف، وطرق تحفيزهم، وغيرها؛ وبالتالي فالتنوع ليس مجرد مزج الهويات المتنوعة للأفراد في النماذج المؤسسية الحالية؛ بل له تأثير جوهري على ممارسات العمل وافتراضاته الأساسية.
ومن الواضح أن مفهوم إدارة التنوع الفعالة يظهر متفاوتا في الكثير من المنظمات التي تطبقه، فهو يعتمد على العديد من العوامل التي تختلف اختلافا كبيرا، والتي من أهمها التنوع في احتياجات المنظمة وحجمها، والاختلافات البيئية مثل الموارد المتاحة، والثقافة وقناعات المسئولين، ومع ذلك أصبحت، إدارة التنوع، حاجة ماسة للمنظمات الدولية والمحلية؛ لأسباب كثيرة من أهمها أنها تضمن وجود قوة عمل متوازنة تعزز قدرة المنظمة على استقطاب وتنمية والاحتفاظ بالعاملين الأكثر تأهيلا، ودعم التكامل الهيكلي في كل المستويات، وإزالة الفروقات والتحيز، وتقلل من الصراعات داخل المنظمة؛ إلا أنه في المقابل هناك عدة مخاطر وتحديات لإدارة التنوع من أهمها: الحكم المسبق، والمتحيز ضمن القوالب الجاهزة على الأفراد والجماعات، ووجود السقف الزجاجي الذي يمنع بعض الأشخاص من الوصول لمناصب يستحقونها؛ بسبب العرق، والانتماء. والتفرقة في المزايا التي يحصل عليها الموظفون في نفس المرتبة؛ بسبب الجنس "الذكور والإناث" مثلا.
إذن فلتحقيق وتطبيق التعددية بشكل فعلي، يجب قبول واحترام خصوصية كل فرد في المجموعة، وإدراك الاختلافات الفردية، وتوفير بيئة مريحة للأشخاص المنتمين إلى ثقافات مختلفة، ووضع تدابير من شأنها أن تجعلهم يشعرون بالانتماء إلى المؤسسة، ويجب على المنظمات القائمة على تعدد الثقافات من إيجاد معادلة متوازنة تمكنها من استيعاب كل الخلفيات والخبرات، وخلق نموذج بنائي متكامل يقودها نحو تحقيق أهدافها التنظيمية بعقلانية، واعتماد استراتيجيات فعالة تجعل من سمة التعدد سمة إيجابية في عمل المنظمة. فالمنظمات التي تدير التنوع بكفاءة عالية تكون أكثر تميزا من المنظمات التي تمارس سياسات متحيزة في معاملة موظفيها؛ ولعل مرجع هذا التفاوت هو أن المنظمات التي تطبق إدارة التنوع بشكل جيد تكون أكثر قدرة على جذب الكفاءات المتميزة والاحتفاظ بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقرير خطير.. جولدمان ساكس يتوقع ارتفاع أسعار الذهب لـ3 آلاف


.. -فيتش- تُعدل نظرتها المستقبلية لاقتصاد مصر إلى إيجابية




.. عيار 21 الا?ن.. سعر الذهب اليوم السبت 4 مايو بالصاغة


.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة




.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟