الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في نتائج الانتخابات النصفية الامريكية

لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)

2022 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


انتهت الانتخابات النصفية لتجديد نصف عضوية مجلس النواب وثلث اعضاء مجلس الشيوخ وفق قوانين الديمقراطية الاميركية ( التي تم وضعها بذكاء قبل 230 عاما تقريبا وتهدف الى تجديد الدماء في السلطات التشريعية لممارسة ضغط اكبر و
على السلطة التنفيذية ،التي مارست السلطة لسنتين، لتقديم سياسات وانجاز افضل خلال السنتين القادمة المتبقية، وعليه غالبا ماتفوز المعارضة في هذه الانتخابات التجديدية النصفية). اضافة ان الانتخابات النصفية هي ليست فقط لأعضاء الكونغرس بغرفتيه، بل للانتخاب المباشر من السكان لحكام الولايات، ورؤساء البلديات والبوليس والقضاء في الولاية ومجلسها التشريعي، فهؤلاء لايعينون من حكام الولايات بل ينتخبون من السكان وهذه ايضا واحدة من نقاط القوة في الديمقراطية الاميركية لمنع استخدام والاستفراد بالسلطة لحزب او حاكم لولاية.
كانت هذه الانتخابات مميزة ، حيث شهدت تغطيات دولية هائلة، رغم انها كالعادة محلية وجرت بشعارات محلية تقليدية (ارتفاع التضخم،الجريمة و الهجرة كما طرحها اليمين كالعادة، واليسار حول رفع المستوى المعاشي والتعليم والصحة والمناخ وتحسين الخدمات). ان سبب الاهتمام بهذه الانتخابات هو الخطرالقادم على السياسة الداخلية والخارجية المرتقب من انتصار كاسح كان متوقعا للجناح القومي اليميني الذي يقوده دونالد ترامب ،امام ارتفاع نسبة التضخم ووكذلك ضعف شخصية بايدن كما استغله اليمين، الذي بفوزاتباعه وبسيطرته على غرفتي الكونغرس وحكام الولايات سيحصل ترامب على انجازين اولهما تكبيل يد الرئيس الحالي بايدن بوقف تمويل اي تشريعات وقوانين داخلية جديدة يسارية التوجه يطرحه بايدن (وضع الدستور الامريكي التصرف بالمال العام بيد مجلس النواب وكبل يد الرئيس حتى ينال موافقته للحصول على التمويل لأي تشريع اومشروع تنفيذي ضمن معادلة تقاسم السلطات الذكي الذى اتى به دستور عام 1785 لمنع الديكتاتورية أولا، ولمنع أي سلطة تنفيذية من التصرف بالمال العام من غير موافقة نواب الشعب ).
ان سبب الاهتمام الدولي بهذه الانتخابات ،التي ترفع شعارات محلية بحتة، هو انها ستؤثر على السياسة الخارحية من خلال مواقف الاعضاء الجدد في مجلسي النواب والشيوخ ، فهما مجلسان سياسيان بامتياز. وهناك ثلاثة نقاط خارجية هامة تدور المعارك حولها دون الاعلان عنها مباشرة وبأي شكل في الأنتخابات المحلية ، ولكن الجميع يعلم انها ضمن تصويته، وهذه النقاط هي تأثير صعود اليمين القومي في اميركا التي تقود العالم الحر ، وماسيسحبه ذلك من سلسلة ستجر لدعم صعود اليمين القومي الاوربي الى السلطة فيها، والثانية الموقف من الحرب الروسية في اوكرانيا حيث يميل اليمين الترامبوي للتناغم مع دغدغات بوتين "كما لكم اوروبا فلنا اوكرانيا" وهو مالايعارضه ترامب ،كونهما قومجيان روسي واميركي ، رغم انه لم يصرح به علنا خوفا من الرأي العام اولا، وحتى قرابة ثلث من اعضاء مجلس النواب من الجمهوريين ستصوت لصالح استمرار دعم اوكرانيا ولذلك حلم بفوز مرشحيه الذين اختارهم بعناية ظنا منه انه سيحصد ثلث مقاعد الديمقراطيين، والثالث الموقف من الاتفاق النووي الايراني، حيث يقف اليمين الى عدم انجاز اي اتفاق دون تقليم مخالب ايات الله او قطعها ولو بالحرب معه، وهو موقف يجد دعما له حتى بين اوساط واسعة من اليسار، ولكن اليسار نفسه يتهم اليمين الترامبوي انه كاذب وسيقوم بصفقة معهم تخت اشراف بوتين ، وعكسه انه يريد توريط امريكا بحرب امبريالية جديدة طالما ناهض اليسار سابقاتها وتعهد امام الشعب الأمريكي بعدم التورط في استخدام القوة العسكرية لأغراض سياسية في العالم مجددا.
خاض الشعب الامريكي هذه الأنتخابات وسط هذه الخيارات الصعبة ، فهو من جهة يطالب بخفض التضخم الذي مثل اهم نقطة عند اهتمام الناخبين في اتخاذ قرارهم في التصويت (80%)، ولكنه بنفس الوقت لا يثق باليمين القومي واجندته الخفية وشعاراته القومية المتطرفة ،حيث عدا انه يرفضها فكريا، فهو يعي انها عربة يستخدمونها للتسلق للسلطة، فمسألة الهجرة الغير مشروعة مثلا والاجرام الناتج عنها كما يروج له اليمين القومي الترامبوي لم تنطل على الشعب الامريكي ، عكس اوروبا، تنل الا اقل من 10% من الاهمية عند الناخبين، وهذا خير دليل على فشل الترامبوية التي تجد لها صدى وتعاطف غير مفهوم في عالمنا العربي وخصوصا دول الخليج، وهو كالعادة اما سوء قراءة للمصالح او تلاقي المناهج القمعية.
وعليه اتت نتائج هذه الانتخابات النصفية مخيبة لآمال ترامب بالاكتساح لمجلسي النواب والشيوخ، حيث نال اغلبية ضئيلة لازال ثلثها غير موالية كليا لشخصه او منهجه من نواب الاعتدال الجمهوري (المحافظين المعتدلين) ، وسيبقى مجلس الشيوخ للديمقراطيين رغم بقاءه متعادلا ولكن بصوت رئيسه نائبة الرئيس كامالا سيصوت ديمقراطيا، وأغلب حكام الولايات ديمقراطيين ، ومنه يمكن التلخيص: لقد خرج ترامب اضعف مما حلم به من اكتساح هائل للمجلسين.
انه الان وبعد النتخابات دون ادوات تجعل عرقلته للديمقراطيين سهلة ، ولارجوعه للسلطة عام 2024 امرا سهلا اذا لم يكن مستحيلا ، والسبب يكمن ان ناخبيه، ووفق تحليل مكوناتهم، لايمثلون التوجه العام للطبقة المتوسطة المتعلمة في اميركا، وللجيل الجديد والطلبة والشباب الامريكي المتنور باغلبه تحت سن 40 عاما الذين صوت 70% منهم لصالح الديمقراطيين وضد اليمين القومي الترامبوي، بينما اظهرت التحليلات ان انصاره هم الاقل تعليما من سكان الريف والطبقة العاملة الغيرمتعلمة في المدن الصناعية المتحللة كما في اوهايو وميشيغان ، وكبار السن فوق 50 عاما، والمتدينين المحافظين من الكنائس الانكليكانية الرجعية حيث صوت هؤلاء بنسبة 85% له.
ان هذه الانتخابات تظهر بوضوح قوة اليسار المعتدل الامريكي وشعبيته خصوصا بين الطلبة والشباب والمتعلمين والطبقة الوسطى من المجتمع، وهؤلاء رغم عدم اعجابهم ببايدن شخصيا ووقوفهم ضد سوء ادارته الاقتصادية بارتفاع التضخم، الا انهم يدركون بنفس الوقت ان القضايا الاقتصادية يمكن حلها وفق اليات اقتصادية معروفة ويمكن تجاوزها، وانهم ايضا قادرين على فرض بديل اكثر حيوية وشبابا من بايدن في انتخابات 2024 ، ولكن خطر اليمين القومي المتطرف الذي يقوده ترامب هو اكبر منهما، ولن يسمحوا به ، انه خيار صعب ولكنهم اتخذوه بشجاعة ومنها الدرجة العالية بتصويتهم ، حيث عرف عن الشباب عدم انضباطهم بالتصويت لليسار كما انضباط الكهول والمتدينين لليمين الذين يصطفون مع طلوع الشمس للتصويت.
لابد من تحية للديمقراطية الاميركية المتجذرة والتي فيها لصوت كل ناخب وزنه وقيمته يعيها الناخب جيدا، كما ويعيها المرشحين الذين تراهم يركضون ليلا ونهارا لكسب المصوتين لهن بالحجة والحجة المقابلة، وجميعهم سواء يساريين او محافظين او يمينيين قوميين او دينيين هم معروفة اسماؤهم وسيرهم الشخصية وهوياتهم وافكارهم وتوجهاتهم ، فالامور امام وبيد الناخب ، أي بيد الشعب والجمهور، فلا شيئ خاف ، وليس كما يروج له ،انها ديمقراطية مزيفة، انواع المؤدلجين في عالمنا العربي ( الاصوليين الاسلامويين من صنفيهم والقومجية والمتمركسين ) ، ولو كانت كذلك مزيفة لما رأيتهم اتفسهم يتابعونها كما تابعها بقية العالم ،مهرجانا شفافا للديمقراطية ،وخاضوا مع الاميركيين معاركها رغم انهم بعيدين عنها ، فهم يرونها كما هي احيانا معركتهم، بما لها وما عليها، والجميع يتعلم منها اصول ممارسة الديمقراطية وسبل الاصلاح الاجتماعي بالوسائل الديمقراطية الانتخابية.
د. لبيب سلطان
9/11/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - على الحزب الجمهوري تجاوز ترامب
منير كريم ( 2022 / 11 / 10 - 18:46 )
الدكتور المحترم لبيب سلطان
شكرا جزيلا على مقالك المفيد جدا حول الديمقراطية الامريكية
لقد اختطف ترامب والتيار الشعبوي اليميني الحزب الجمهوري
على الحزب الجمهوري تجاوز ترامب واسترداد دوره الديمقراطي
ولكن ماهي الالية للانتصار على ترامب من داخل الحزب الجمهوري برايك ؟
مع التحية


2 - اندحار ترامب الكلي ات
د.لبيب سلطان ( 2022 / 11 / 10 - 21:01 )
عزيزي استاذ منير
كما تعلم ان المجتمع الامريكي لايميل عموما للتطرف اليميني او اليساري فهناك نسبة تقارب 40% من السكان هم باغلبهم من الطبقة المتوسطة تشكل العازل بين الديمقراطيين دوما والجمهوريين دوما ويتم كسبها تقليديا من كلا الحزبين في طرح سياسات داخلية وخارجية معتدلة، وهم برأي الكثيرين صمام امان للمجتمع الامريكي
لقد اختطف ترامب الحزب الجمهوري من المحافظين ولا اعتقد ان هناك الان الية داخل الحزب لأيقافه ولكنها ستظهربقوة بعد خسارته في انتخابات 2024 القادمة حيث ينوي الاعلان عنها يوم 15 نوفمبر، وفوزه مرتبط بعدم تمكن الديمقراطيين من ترشيح بديل معتدل لبايدن . انا اميل لهذا الرأي فالمجتمع الامريكي عموما يميل للوطنية وليس للقومية المتطرفة التي يمثلها ترامب الا اذا وقع الديمقراطيون بفشل ذريع في ادارة الاقتصاد او يأتي شباب اليسار من مدرسة
ساندرز وهي مدرسة قوية ستثير الفئة المعتدلة وتدفع بالكثير منهم للانشطار تجاه ترامب الذي
سيلعب مسرحية الوطنية لكسبهم ، وهو يجيدها، وبعدها سيظهر جلده الحقيقي ولكنه سيندحر ايضا كون هذه الفئة نفسها سترفضه وكون الديمقراطية الامريكية قوية ولاتسمح بتركز السلطات

اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج