الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تُفْلِس مصر؟

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


في الحقيقة، ربما الدولة المصرية مفلسة بالفعل منذ حرب اليمن، وهي كذلك يقيناً بعد هزيمة 67. هناك نوعان من الإفلاس: الحقيقي والقانوني. يتحقق الأول حين يكون حجم الإنفاق أكبر من الدخل، سواء مع الفرد أو الشركة أو الدولة. في هذه الحالة ينشأ ما يسمى ’عجز الموازنة‘، الذي يمكن معالجته بوسائل عديدة من ضمنها المعونات والقروض. في حالة مصر منذ ذلك التاريخ، كان العلاج في أغلب الأحيان يتم عبر تلقي المنح والمعونات والمساعدات والهبات والتبرعات وكل ما لا يلتزم المتلقي برده ثانية من هذا القبيل من دول شتى عبر العالم، على رأسها الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان ودول الخليج. وتحت ظروف ملحة، مثل الحروب والأزمات الكبرى، كانت الحكومات المصرية تلجأ إلى الاقتراض سواء من نفس هذه الدول الغنية أو من البنوك والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية مثل البنك الدولي. بهذا المعنى، أن الحكومة تنفق أكثر مما تكسب، كانت مصر مفلسة بالفعل منذ 1967 على الأقل. لكنها، في المقابل، لم تفلس إطلاقاً حسب التعريف القانوني طوال تلك الفترة الطويلة من الإفلاس الحقيقي، أي أنها كانت دائماً قادرة على سداد فوائد وأصول القروض التي تقترضها في آجالها. الإفلاس القانوني- العجز عن سداد فوائد وأصول الديون في آجالها- شهدته مصر مرة واحدة فقط خلال تاريخها الحديث- عام 1882- في عهد الخديوي إسماعيل.

ما من مؤرخ منصف يمكنه أن يطعن في وطنية الخديوي أو حبه لمصر. هو من بنى القاهرة الخديوية، قلب مصر النابض إلى الآن؛ أنشأ مدناً كاملة لا تزال إحداها تخلد اسمه- مدينة الإسماعيلية؛ أحدث نقلة نوعية في الحياة السياسية المصرية بوضع دستور للبلاد ارتقى بنظام الحكم من الملكية المطلقة إلى الدستورية، ليفتح أمامها أبواب النهضة على شتى الصعد، وميلاد شخصيات من أمثال سيد درويش وسعد زغلول وطلعت حرب؛ حتى الجيش يدين له بالتمصير. وكمثال واحد فقط على جدوى مشروعاته، لك أن تتخيل أن مصر طلبت 916 مليون دولار كتعويضات عن تعطيل الملاحة في قناة السويس لبضعة أيام بسبب جنوح السفينة "إيفر جيفن"! رغم ذلك، ما من مؤرخ منصف يمكنه أيضاً أن يشكك في أن إسماعيل، بسبب هذا الحب الجارف والمشروعات الجامحة، هو من ’أفلس‘ مصر وأفقدها استقلالية وسيادة وطنية انتزعها جده الأكبر محمد علي بعرق المصريين ودمائهم من الدولة العثمانية.

يُنسب الفضل للرئيس الأسبق حسني مبارك أنه الوحيد الذي نجح في تخليص مصر من عبء الديون الخارجية. ويعزو البعض ذلك إلى تجنيب البلاد مخاطر الحرب والمغامرات غير المحسوبة العواقب خارج حدودها، علاوة على ما نعمت به مصر في عهده من استقرار وأمن داخلي وتنمية. لكن رغم سداد الديون القديمة والتوقف عن الاقتراض، ظلت مصر في عهدة دولة مُفْلسة بالمغزى الحقيقي كما كانت من قبل، بمعنى أن إنفاقها ظل دائماً أعلى من دخلها وظلت موازنتها تعاني من ’عجز‘ مزمن كان لابد من سده عبر المعونات والمساعدات الخارجية، وربما حتى الدين الداخلي، لكن من دون الحاجة إلى الاقتراض من الخارج. وكان ذلك، في الحقيقة، هو أفضل وضع مالي لمصر على الإطلاق خلال تاريخها الحديث بأكمله. لكن، حين آن الأوان لكي يسلم مبارك الحكم، ترك البلاد حقيقة غير مدينة لأحد، لكنه غادرها أيضاً وهي تعمها الفوضى وعدم الاستقرار.

الاضطرابات الداخلية التي أعقبت 25 يناير 2011 كان لابد أن تفتح الباب مجدداً أمام الاقتراض الخارجي. ماذا أمام دولة مُفْلِسة بالمعنى الحقيقي أن تفعل إذا ما تعرضت لأي هزة أو طارئة مهما كان حجمها؟ حين تستطيع بالكاد أن تمشي على قدمين ثابتتين، مجرد هبة ريح متوسطة القوة تكفي لطرحك أرضاً وغرس وجهك في الوحل. هذا ما كان. وخلال أكثر من عقد من الزمن من هذه الاضطرابات لا تزال مصر توحل أكثر فأكثر في الاستدانة والاقتراض من الخارج، إلى أن بلغت الحد الذي عنده تستطيع بالكاد سداد فوائد القروض في آجال استحقاقها. هذا وهي تنعم بالأمن والاستقرار والتنمية حالياً. فما بالنا إذا ما اعترتها هزة مثل 25 يناير؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى