الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقتل ترول: إعدام ميداني و اغتيال استباقي

مسار عبد المحسن راضي
(Massar Abdelmohsen Rady)

2022 / 11 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


جريمةُ قتل المواطن الأمريكي، ستيفن إدوارد ترول، في العاصمة العراقية، يوم الاثنين الماضي، كانت كورقةٍ بيضاء، تحتوي على خرابيشٍ لعدَّة سيناريوهات. أوَّلُ المُفارقات؛ إنَّ وسائل الإعلام الناطِقة باللغة الإنجليزية، ذكرت ما حصل، كأنَّهُ نعيٌ لأشخاصٍ عدَّة، صادف حملهم جميعاً اسم القتيل!
نُثِرت الحقائق عن السيد ترول؛ رحِمهُ الله، في المنصات الإعلامية، بأسلوب جُثَّةً محروقة، جُمِّع رمادها في جرِّة مثقوبة و مفتوحة الغِطاء؛ كي تكون عُرضةً لأهواء التفسيرات السياسيَّة.
ترول.. تبشيري مُنخفض الشِّدّة!
أهم المعلومات المُضلِّلَة عن الجريمة، و التي بدا إنَّها خُربِشت على عُجالة، لكتابة سيناريو مُحكَّم فيما بعد، عن سبب موتِه، علاقته بمنظمة الإغاثة و التنميَّة الأمريكية (1). كان المُراد من هذهِ المعلومة، هو دفعُ المُراقبين، للنبش في سَّيرة ترول، بمعول منظمة ميلينيوم التي كان يعملُ معها.
ميلينيوم و بشكلٍ صريح، تتخذ من أعمال الإغاثة و التنمية، واجهة للتبشير المسيحي (2). ترول، معروفٌ عنه أيضاً، إنَّهُ تبشيريٌ عتيق، و قد زعم بأنَّه استقال عن التبشير، منذُ عدَّةِ سنوات.
حاولتُ معرفة الطائفة الدينيَّة التي ينتمي لها السيد ترول، عبر توجيه رسالة إلكترونية، إلى منظمة ميلينيوم. طبعاً، لم أحصل على إجابة. الأرجح و بحسب مقالٍ سابقٍ لي، إنَّهُ ينتمي إلى الطائفة الميثودية؛ التي تُمارِس نشاطاً تبشيرياً واسِع النِطاق في العراق (3)، مُتخِذةً من إقليم كُردستان العِراق، قاعِدةً لها.
هذا قد يُفسِّرُ أيضاً، حِرص السفارة الأمريكية (4)، و التي أصدرت بياناً بشأنِ الجريمة، أن توضَّح و بشكلٍ قاطع، إنّهُ كان موجوداً بصفةٍ شخصيَّة. حتَّى وزارة الخارجية الأمريكية، وجدت إنَّ هناك حاجة بأن تًضيف: "ليست له عِلاقة بأعمال الحكومة".
السيد ترول، و الذي كان يعيش في العاصمة بغداد منذُ سنتين، و لم ينتقل إلى حي الوحدة/ منطقة الكرادة، إلَّا منذُ مايو السنة الجارية (5). حي الوحدة، معروفٌ أكثر بـاسمِ "شارع 52". الجميع تقريباً يعرف إنَّ هذهِ المنطقة، تُشبِهُ نصباً كبيراً لمقرَّات جهاتٍ، باتت تُعرف بـ "الفصائل الولائية"، و هو تعبير خفيف على معدة الميليشيات المُرتبطة بإيران.
هذه الحقيقة التي نقلتها وسائل الإعلام، لم تستفد من توضيحات منظمة ميلينيوم (6)، و التي تؤكِّد إنَّ العاملين فيها، و منهم ترول، يستجيبون بالضرورة لحقائق الميدان، و يمارِسون اعمالهم بحسب البيئة لا بأسلوب عمل المُختبر. التفسير المنطقي يذهب بنا إذاً للقول: إنَّ المقتول يكون وبحسب دليل عمل منظمته، قد استحصل على عدَّةِ موافقات، قبل السماحِ له بالعيش هناك.
حضورهُ في المناسبات الدينيَّة "الشيعيَّة"، يؤكِّد إنَّ خلفيَّته، قد مُسِحت بأشعة أكس الفواعل اللاحكوميين "المليشيات الإيرانية". فضلاً عن إنَّ هذه المنطقة، فيها عديدٌ من العراقيين المنتمين للديانة المسيحيَّة. ما تقدَّم يُرجِّحُ إنَّهُ كان يُمارِسُ نشاطاً تبشيرياً مُنخفِض الشِّدَة. أقصدُ تحديداً: إنَّ سقف طموحاته، لم تكُن ذات علاقةٍ، بكسبِ أفرادٍ من ديانةٍ أُخرى، إلى الدين المسيحي، وإنّما كسبُ اتباع الكنائس المشرقيَّة، لصالح كنائس الغرب.
توقيت الجريمة
قَتَلَة السيد ترول، اختاروا توقيت الانتخابات النصفيَّة الأمريكية، تحديداً؛ قبل يومٍ واحد منها. سيناريو التفسير الذي يودُّ استغلال هذا التوقيت، سيكونُ شبيهاً بوضعِ يافِطة إعلانيَّة، مليئة بالأضواء الملوَّنة، و الجواب الوحيد الذي سنحصُل عليه، هو صوت "تش" بعد نهاية بثِّ برامج التلفاز، في ثمانينيات القرن الماضي.
سيناريو المؤامرة العريق، قد يدعونا كذلك، إلى حشر السيد ترول، في عودة نتنياهو الجديدة، إلى رئاسة الحكومة "الإسرائيلية"، و الذي تزامن بدورهِ، مع تأخير الرئيس بايدن (7)، تهنئة "بيبي".. هذا القط الذي يبدو بأنَّه يمتلِكُ مخزوناً لانهائياً من الأرواح السياسيَّة.
هذا السيناريو البائخ، ضروري نوعاً ما، للإشارة إلى إنَّ هنالِك قطاً خيالياً، قد تعبت أُذنيه، من عدم سماعِ و لو نأمة من تل أبيب أو واشنطن. ليست طهران بالضرورة، كما قد يذهبُ إلى ذلك قارئٌ خبيث، لا يؤمِنُ بالصُدف في العالم السياسي.
هذا القط الخيالي، لم يستخدم الانتخابات "الإسرائيلية"، ولا الانتخابات النصفيَّة الأمريكية، إلَّا كقُنبلةِ دُخان. قتلُ السيد ترول، كان لتقدير مستوى العمى الاختياري للعالم، عن طبيعة الحكومة العراقية؛ التي شُكِّلت برئاسة السيد محمد شياع السوداني.
المُفارقة غير اللطيفة، إنَّ وسائل الإعلام، خاصَّةً تلك الناطِقة بالإنكليزية، اتفقت جميعُها على دفنِ حقائق مقتل ترول، بكَذِبٍ فاضح. مثلاً: إنَّ حوادث القتل و الاغتيال اصبحت نادِرة (8) بعد القضاء على تنظيم "داعش"، العراق يشهدُ استقراراً أمنياً، زيادة في عدد السائحين، و إنَّ الكثيرين من "اليوتيوبرز" الأجانب، يزورون البلاد.
قَتْلُ ترول الذي كان نظيفاً جدّاً! لم ينجح في تشغيل آلات الحفر المنطقي، في جسد الحادثة. الصورة اليتيمة لجثة ترول، بيَّنت إنَّهُ لم يتعرَّض إلى وابلٍ من الرصاص، و إنَّ كاتم الصوت اُستخدِم في سلاح الجريمة (9). ما يُثير الاستغراب أيضاً، إنَّ أي جهةٍ لم تعلن عن مسؤوليتها مباشرةً بعد عملية القتل. بعدها أعلنت ما تُسمّى بـ "سرايا أهل الكهف" مسؤوليتها عن مقتله، و السبب: انتقاماً للسيدين؛ قاسم سليماني و أبو مهدي المهندس (10). شجاعة الانتقام هذهِ، لم تنسى المُنافس (11) أبي ثلاثة و سبعين!
الاغتيال السياسي هذا، كان هدفهُ محلّياً. محاولة لتقليل احتكاك الفرد العراقي بالعالم الخارجي، خلال هذهِ الفترة، و صعقة بشُحنة من "الزينوفوبيا" - رِهاب الأجانب – كي يدرس قِطُّنا الخيالي، إمكانات تصميم القادم.
الاتفاق السياسي على إجراء انتخابات جديدة في 2024 (12)، فُرصة ذهبية لترتيب الوضع الداخلي، بطريقةٍ تخدمُ حظوظ المستفيدين، من مُشاركة أقلِّ عددٍ ممكن من العراقيين، في الانتخابات القادمة، إن حدثت لا سامح الله!
العالم ليس معنيَّاً البتَّة، بضحايا لُعبة هذا الكائن الخيالي. التحقيقات عن مقتل ترول، لن تؤدِ لشيءٍ على الأرجح. الفائدة الوحيدة هي تخدير النبش في العمق، لحين الاغتيال القادم، بعد الاتفاق غير المُعلن، بين هذا القط، وماسك الطوق العالمي، على أن يكون الضحايا القادمون، عراقيين وبلا استثناء، و القبول بلاعبين سياسيين، يصِلون إلى قلب العالم، عبر الإعدام الميداني و التبشير الفاضح: نحنُ أمراء الحرب و الجريمة فماذا انتم فاعِلون؟
المصادر:
(1)- https://bit.ly/3UIBJhW
(2)- https://bit.ly/3OeQ3wB
(3)- https://bit.ly/3WSYbXp
(4)- https://cnn.it/3A9GskI
(5)- https://bit.ly/3fWfYfM
(6)- https://bit.ly/3UxmNDw
(7)- https://bit.ly/3Eqphhd
(8)- https://nbcnews.to/3WTstJv
(9)- https://wapo.st/3NXE4Dj
(10)- https://bit.ly/3Es3ntS
(11)- https://bit.ly/3UOLkDD
(12)- https://bit.ly/3O3MWYe








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة