الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة قضية والقضية هي التغيير

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2022 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


" عندما كنت بصدد مراجعة هذه المقالة قبل الارسال ، البوليس السياسي يقطع عنّي La connexion ، مع العلم انني أؤدي واجبات الاشتراكي بانتظام "
أمام الوضع الحرج الذي نوجد فيه ، بفعل سيادة الظلم ، والاستبداد ، والطغيان من قبل دولة مخزنية بوليسية ، تشتغل خارج الضوابط العادية الجاري بها العمل في الدول الديمقراطية ، تصبح الحاجة تدعو الى التجديد في المسألة الثقافية ، لان الثقافة قضية ، والقضية تعني الدولة الديمقراطية التي لا مفر منها . فطرح المسألة الثقافية لمواجهة التحنيط والتعتيم ، ومواجهة النهب وسرقة أموال الشعب الفقير والمفقر ، تصبح في هذا الزمن الرديء الذي استأسدت فيه القطط ، فرض عين وواجب وطني ، لِما تتميز به المرحلة الشاردة التي يسودها الرعب ، والترعيب ، والتخويف ، سعيا من النظام السلطاني المخزني ، البوليسي ، البطريركي ، الرعوي ، الطقوسي ، القروسطوي ، الجبري ، المعتدي ، والظالم ، لترميم البيت المُتداعي للسقوط ، وسعياً منه الى تدعيم المُتداعي من اركانه ، والتكيف مع التحولات التي شهدها ويشهدها العالم ، المهددة لكراسي وعروش ، حيث يجب ان تحتل المسألة الثقافية الهادفة الى التغيير حيزا هاما في مجال الاهتمامات الهامة المرتبطة بالدولة وبالشأن العام .
وتبدو اليوم الحاجة اكثر إلحاحاً ، في ظل فراغ الساحة ، وانتشار الميوعة والتفاهة ، التي تغدي أسس الدولة البوليسية الرعوية والمخزنية ، ثم سيادة البلبلة الفكرية والتشكيك في المبادرات الجادة ، حتى في حدودها الدنيا بفعل القمع البوليسي والقمع الأيديولوجي ، الذي يغدي الثقافة المخزنية القائمة على القمع والجبر ، دون بديل جاد يطرح لتجاوز الازمة الثقافية الشاذة التي تطفو وحدها على السطح .
ان البحث في المسألة الثقافية ، لا يمكن ان يكون خصبا ومجديا ، دون ربط المسألة بخلفياتها الاقتصادية والاجتماعية ، من حيث انّ هذه المسألة مرتبطة ، بتكوينه ، وتاريخه ، وعلاقاته بمحيطه القريب والبعيد ، وبطبيعة الدولة القائمة ، من حيث هي مؤسسة قائمة ، لها آليات وضوابط وهياكل . ومن حيث هي سياسات نافذة وممارسات جارية . فالمشكلات المستعصية التي تواجهها الثقافة التي تروم التغيير ، هي في الجزء الأكبر منها ، ملتصقة بالنظام القائم على القهر ، والطغيان ، والاستبداد ، والاضطهاد الثقافي والمجتمععي ، والذي يحتكر لوحده وسائل ترويج المنتجات التافهة والرديئة باسم الثقافة ، بواسطة الأجهزة الأيديولوجية للدولة القامعة البوليسية من اعلام ( صحافة – تلفزة ... ) ودور النشر . ومن مدرسة عمومية بعد ان جعلها في خدمته بما يسنه من مناهج ، وينفده من خطط تحكم على أوسع الجماهير بالأمية ، والجهل ، والرداءة ، والتفاهة ، مما يجعل هذه الجماهير تلوذ بالثقافة القروسطوية ، التي تجد فيها أجوبة ( صحيحة ؟ ) على ما يطرحه عليها المجتمع والحياة .. وللإشارة فالمدرسة العمومية تم قتلها عندما أضحت تفرخ الجريمة بمختلف مظاهرها المقززة .. وهذا ما كانت ولا زالت تصبو له الدولة المخزنية البوليسية ، البطريركية ، والرعوية ، والكمبرادورية ... الخ
وفي مناخ كهذا ، تعمل الدولة القائمة على ترويج ثقافة جامدة ، تمزج في عجين هلامي ، بين التقليد الذي ليس بتقليد ، لان لا علاقة له بثقافة الشعب المغربي الأصيل ، وبين ( الحداثة ) التي ليس لها منها غير الاسم ، لان الدولة الثيوقراطية المزيفة الدين ، لا يمكن ابدا ان تكون عصرية ، فأحرى ان تكون دولة حداثية .. هكذا نجد الدولة الرعوية البوليسية تنهل من موروث تقليدي ، يشرعن الطغيان والاستبداد ، ويقصي العقل باسم الدين ، ويجعل من الطاعة ، والركوع ، والسجود للأمام الأمير، سيدة الفضائل . كما تنهل من ( الحداثة ) حداثة لزجة رخوية ، تقوم على ثقافة الاستهلاك المشوه ، لا على ثقافة الإنتاج والابداع ، تمجد التقنية الفارغة من أي مدلول أيديولوجي ، وتحتقر الانسان والتاريخ الفاعل لوحده .
ان هذه الثقافة البوليسية المخزنية ، تقدم نفسها على انها خالدة وأزلية ، غير مرتبطة لا بالمجتمع ولا بالتاريخ ، وهي ثقافة قروسطوية وطقوسية ، تعادي التغيير ، وتنفر منه ، وتعتبره شذوذا عن حالة الطبيعة . انها ثقافة تبرير للوضع القائم ، تضفي عليه مسحة من قداسة زائفة ومغشوشة .
ان وضعا ثقافيا من هذا القبيل ، يطرح على ثقافة المواجهة والتغيير تحديات كبيرة ، عليها ان تواجهها بالجرأة والمسؤولية اللازمة ، لكي تربح الغد المنتظر الذي لا ريب فيه ، وفي مقدمة هذه التحديات القدرة على رصد الجديد ، وتمييزه مع القديم الذي يتمظهر بأشكال جديدة ، في أفق القطع معه جذريا ، عندما تنضج ظروف التغيير ، وتصبح طارحة لنفسها بنفسها على المجتمع الذي سيتحول الى حركي غير المجتمع الساكن . ومن قبيل التحديات كذلك ، عدم الركون الى الأجوبة الجاهزة والبالية ، والجرأة على التقدم نحو هذا الجديد ، والكشف عنه ، واعلانه مع حلول وقت التغيير الذي اصبح يطل من شقوق الباب .
ان مشروع ثقافة التغيير ، بما هو مشروع مضاد للدولة البوليسية المخزنية ، الرعوية ، البطريركية ، الكمبرادورية ، القرسطوية ، الطقوسية ، الثيوقراطية المزيفة ... ، يمكن ان يستشف ملامحه وأسسه ، من ملامح وأسس الوضع الثقافي القائم ، من حيث انه ينبني على نقضه . فثقافة التغيير تقوم على :
1 ) العقل الرافض للطقوسية ، والقرسطوية ، وللتقاليد المرعية ، و اسطورة نسب النبي :
في ظل الشروط القائمة البالية المحنطة ، التي تتسم بانتعاش التيارات اللاّعقلانية ، على خلفية الازمة ، وانسداد الآفاق في بلاد المركز الرأسمالي ، وفي دول الأطراف او المحيط ، خاصة بعد مقلب الوحش ( كورونا ) ، وانحسار المشروع القومي العربي والمشروع الماركسي .. ، تتفاقم ظاهرة النكوص والارتداد عن القيم المستندة على العقل ، والواثقة في قدراته ، بما هو آلة للكشف والتحليل ، واستخلاص النتائج . في هكذا شروط ، تبرز الحاجة ماسة الى رفع لواء العقل والاستناد عليه ، في تحليل المجتمع والتاريخ ، ضد رؤى والنظرات اللاّعقلانية ، سواء من النظام السلطوي ، او من المأسلمين ، حيث يتنافسون معاً حرب الوصاية على الدين ، للظفر بالخيرات ، وبثروات الرعايا المساكين المفقرين . والخطورة اعتماد الدين ك ( شرعية ) تاريخية تفتقدها النظرات الأخرى ، حيث تنتشر بشكل واسع هذه الرؤية المنغلقة ، التي ترى ان النص الديني قدّم أجوبة تامة ونهائية للمشكلات التي طرحتها ، وتطرحها الحياة على الانسان في الماضي ، والحاضر، والمستقبل ، وترى ان العقل قاصر ( رعايا ) أمير المؤمنين ، او انه يقود الى الضلال عن الطريق المستقيم ، أي الخروج عن طاعة الأمير الامام بنفض غبار الرعية ، وبالتالي التسليم بالوضع من جهة ، وبالحقائق التي تعتبرها أزلية دون تمحيص نقدي ..
اما التيارات الأخرى ، وانْ كانت لا تقوم على الدين ، فهي ذات منحى لا عقلاني ، تنظر للإنسان ككائن تحكمه الغرائز ، وتسوقه الاهواء ، ويستسلم للعواطف الجامحة ، ويلعب اللاّوعي دورا أساسيا إنْ لم يكن اشبه بالقدر في حياته ، وهذه التيارات التي كانت تسود اوربة عصر الامبريالية ، تجد لها صدى واسعا ، في صفوف مثقفي دول الأطراف ، الذين يجترونها دون موقف نقدي لازم ، سالكين طريق العبث والضياع .
2 ) التاريخ : الجميع اصبح يتحدث عن التاريخ حتى من لا تاريخ لهم فاختلط الحابل بالنابل .
ليس التاريخ فيما ترى ثقافة التغيير ، تدفقا لا عقلانيا للأحداث ، يقف الانسان مشدوها امامها . إنه سيرورة يحكمها منطق داخلي ، فهو بذلك ذو معقولية ومعنى ، وهو يتحرك بفعل البشر افرادا وجماعات . فالتاريخ بدأ يظهر بظهور الانسان على الأرض ، ويستمر مع هذا الانسان في صراعه ، من اجل غد افضل ، غد الشعوب وليس غد الأنظمة الدكتاتورية والبوليسية البلطجية .
ان هذا الصراع الذي خاضه الانسان منذ القدم ضد قوى متنوعة ، من نظم طاغية ، واستبدادية ، وبوليسية ، ومتسلطة ، وغريبة ، كما خاض هذا الصراع ضد الجهل ، مما مكنه من معرفة واسعة ، بددت العوالم المظلمة التي كانت تلوح امامه . وفتحت له آفاق واسعة ، واكسبته الثقة في النفس وفي المستقبل الذي سيكون مغرب الشعب ، لا مغرب الحكام الطغاة الظالمين .
ان التاريخ هو تقدم واستمرار متواصل ، ومستقبل الانسان ليس وراءه بل امامه ، كما لا يمكن استعادة الماضي ولا تكراره ، والتجديد والتقدم سُنة من سُنن الكون . والبشرية تتقدم نحو الغد الأفضل المنتظر عبر منعرجات متنوعة .
ان الركود ليس الاّ عرضي ، فالزمان بأبعاده الثلاثة : ماضي ، وحاضر ، ومستقبل ، هو ليس دائرة مغلقة ومتكررة . ان الوجود الذي يحكمه السيرورة ، يتفتق دائما عن اشكال جديدة من الحياة ، اغنى واخصب من سابقاتها . ولا يعني الإقرار بهذه الحقائق السقوط في مرض التفاؤلية والانتظارية الساذجة او أَلْيوتوبْيا ، كما لا يعني الركون الى انتظار حتمية مفترضة .
3 ) الديمقراطية :
ان ثقافة التغيير معنية بالأساس وبدرجة أولى ، بالمسألة الديمقراطية بما هي مطلب لأوسع الجماهير الشعبية ، وبما هي شرط لازم لازدهارها وانتعاشها . وتقضي هذه الديمقراطية الغاء كافة التشريعات ، ورفع الإجراءات الإدارية التي تضيق الخناق على ثقافة التغيير .
ان ديمقراطية الثقافة تستوجب فتح المناطق المحروسة ، والحد من سلطة التحريم والتقديس . وفي هذا الاطار تبدو حاجة ثقافة التغيير ملحة الى نبد الانغلاق والتقوقع السائد داخلها ، واعتماد أساليب الحوار والجدل العلني ، دون رمي بالخروج عن طاعة الأمير مرة ، والتكفير مرات ، ولا الهرطقة باعتبار ان سيادة الديمقراطية داخلها ، هي مجال لتفاعل الآراء وتخصيبها .
وتقتضي هذه الديمقراطية الانفتاح على أوسع الجماهير ، والبحث عن السبل للنفاذ اليها ، وامكانيات التغلغل في الوجدان والوعي والسلوك ، اعتبارا انه دون هذا الانفتاح ، سيكون محكوم على هذه الثقافة بالضمور والكساح ، وهنا ينبغي بذل مجهود جبار لتجديد اللغة بما هي وسيلة تواصل ، وإمدادها بالحياة ، دون السقوط في الابتذال ، ولا اهمال أي مكون من مكونات الهوية .
4 ) الانفتاح على الثقافات الكونية ، او ربط المحلي بالكوني :
مع التحولات التي عرفها ويعرفها العالم ، خاصة بعد اكذوبة الوحش كرونا ، والغزو الروسي لأكرانيا ، وتعمق عملية العولمة على الصعيد الاقتصادي والتجاري ، التي تنعكس بحدة على المستوى الثقافي ، خصوصا في ظل ما تمتلك الامبريالية من إمكانيات هائلة ، لنشر خطابها وقيمها الثقافية ، تطرح بشدة على جدول اعمال ثقافة التغيير ، مسألة علاقة الكوني بالمحلي ، وما يرتبط بها من مشكلات الهوية ، وأسلوب ومضمون الانفتاح ، وهكذا تبدو الهوية مهددة بخطر كاسح ، لا تملك من أسلوب للمقاومة غير الانغلاق .
ان المطلوب في ثقافتنا ان لا تتعامل مع الهوية كمعطى جاهز ونهائي ، او ككيان فوق التاريخ . بل هي مشروع منفتح على الدوام ، على المنجزات التقدمية للآخر ، تتفاعل معها دون تعصب ولا انغلاق ، وان لا نضع الذات ( هل هي مكون منسجم ؟ ) في تعارض مع الآخر ، لان علاقة الخاص بالعام ، هي علاقة جدل وتفاعل مستمر ، وليست الخصوصية مقدسا جديدا ينضاف الى جملة المقدسات المكبلة لحركية الشعب والجماهير ، والتي ترفع لمحاربة الفكر الأخر بكل منوعاته ، تحت يافظة الفكر المستورد ، الدخيل ، الأجنبي ... الخ .
وفي هذا الصدد تطرح مشكلة الفرنكفونية ، بما هي مشكلة لغوية ثقافية ، تتداخل بالسياسة والاقتصاد . فاللغة هي اكثر من أداة تواصل ، انها الواقع المباشر للفكر ، وترتكز فيها النظرة للذات والعالم ، وتلخص التجربة المعاشة . ان الطبقات والشرائح المرتبطة بالاستعمار هي التي تستميت دفاعا عن الفرنسية ، بتقديمها على انها أداة محايدة ، ووسيلة لامتلاك ثقافة الغرب المتقدم ، في مواجهة همجية الشرق . غير انه يجب الاّ يفوتنا التسجيل انّ هذا الرأي يجد مبرره ، فيما تعيشه اللغة العربية من ركود ، بفعل الناطقين بها ، ويجد مبرره في الازمة البنيوية التي أصبحت عليها الامازيغية ، التي لم ترتقي الى لغة القواعد ، وبقيت محصورة في دائرة لهجة التواصل .. وهذا الوضع يرجع السبب المباشر فيه الى النظام القائم .
بقي ان نسجل في معرض العلاقة بين المحلي والكوني ، ان الحداثة كهمّ يخامر كثيرا من المثقفين ، ليست مغامرة غير مسؤولة ، ولا استهلاك لإحداث الصراعات اللغوية والفكرية التي ينتجها الغرب . ان الحداثة بما هي حركة ومفهوم ، هي ارتباط بهموم الانسان والمجتمع المغربي ، الذي يرزح تحت استبداد وطغيان الدولة السلطانية ، البطريركية ، الرعوية ، الكمبرادورية ، القروسطوية ، والطقوسية .... الخ .
ان هذه الملاحظات لم تكن غاية ، بل هي وسيلة لبلوغ الغاية التي هي الدولة الديمقراطية والنظام الديمقراطي الذي لا مفر منه ، والاّ انتظار الطوفان بتعبير احد شيوخ الإسلام السياسي الشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دخان كثيف بعد غارة جوية إسرائيلية شرق مدينة غزة


.. اللواء فايز الدويري: مرحلة -ج- تعني مرحلة المداهمات والمقاوم




.. بزشكيان لحسن نصر الله: إيران كانت داعمة للمقاومة ضد الكيان ا


.. -ناسا- تعلن انتهاء أول تجربة طويلة لمحاكاة الحياة على كوكب ا




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | احتفالية تتسبب بأزمة دبلوماسية ومقابل