الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور المثقف في نظر إدوارد سعيد

سالم جبران

2006 / 10 / 5
الادب والفن


تمُر في هذه الأيام ،الذكرى السنوية الثالثة لرحيل المفكر الفلسطيني الفذ إدوارد سعيد. كان ناقداً أدبياً، وكان موسيقياً، وكان عالماً ضليعاً في موضوعة حوار الثقافات، وكان أبرز مرافِع في العالم ضد ما اقترفه الاستعمار الغربي، من تعطيل للتقدم وتدمير للثقافة وتدمير للتقدم المدني، بالإضافة إلى أنَّ الاستعمار صاغ نظرية عنصرية وحشية حول "دونية شعوب العالم الثالث، بالمقارنة مع الغرب الحضاري.
في كل مجال من هذه المجالات كان إدوارد سعيد اختصاصياً حقيقياً، مما جعل القسم الثقافي في البي بي سي يختاره واحداً من أهم عشرة مثقفين في العالم كله وأكثرهم تأثيراً في مجرى الثقافة العالمية.
ومع هذا فإنني اخترت أن أكتب الآن حول موقف إدوارد سعيد من المثقف وفهمه لدور المثقف، وتحليله المدهش لميزات المثقف الحقيقي. فمجتمعنا العربي، المهزوم والممزق والمفكك الآن، بحاجة مصيرية إلى إعادة صياغة لتعريف المثقف.
ليس المثقف هو المتعلم، الذي يأخذ وظيفة في الجهاز الحكومي والإداري. فئة المثقفين شيء والإنتلغنسيا المهنية شيء آخر تماماً. ليس المثقف هو حامل الشهادة، فكم من حملة شهادات هم في الحقيقة جهلة مُقَنَعون. وليس المثقف من يضع معارفه تحت تصرف النظام مقابل أخذ الأجر المناسب.
المثقف، في نظر إدوارد سعيد، هو المثقف الذي يملك ملكة المعارضة، ملكة رفض الركود، المثقف هو الذي لا يرضى بحالة حتّى يُغَيِّرها، فإذا غيَّرها بدأ يحلم بمواصلة التغيير. فقط في لحظة الإبداع يكون المثقف راضياً، وفي ما عداها، هو غير راضٍ، هو رافض، هو قلق، هو متعطش إلى التغيير. والمثقف، طبقاً لإدوارد سعيد، ليس المثقف في مجال ما، بل المثقف الذي يأخذ موقفاً شمولياً من المجتمع. المثقف يحس إحساساً داخلياً، بأنه هو (وحده!) المسؤول عن الإصلاح، عن التغيير، عن إلغاء الغبن، عن تدمير الظلم، هو صاحب رسالة، وإذا لم يمارسها فإن وجوده يصبح زائداً، أو فائضاً، أو غير ضروري.
المثقف، طبقاً لإدوارد سعيد، هوعدو التعصب لأنَّ التعصب هو الجهل المتشنج. المثقف عنده رأي، عنده موقف، ولكن مفتوح لسماع أو قراءة أو مناقشة كل الآراء، وصراع الآراء هو ما يجعل الآراء. نشيطة وحيوية،وهو ما يجعل كل حامل رأي يطور مرافعته الثقافية عن رأيه.
إدوارد سعيد عدو الانغلاق، عدو التعصب للذات، عدو التعميم، فالغرب ليس صنفاً واحداً ولا لوناً واحداً ولا فكراً واحداً، ولا عقيدة واحدة. بل هناك في الغرب قتلة، وهناك إنسانيون، هناك أعداء للإنسانية وهناك محبون للإنسان وللخير الإنساني، كما أنَّ إدوارد سعيد يرفض التعصب القومي أو التعصب الديني، وهو قادر (قادر جداً، وماهر) ان ينتقد بلا رحمة كل الظواهر في مجتمعاتنا الشرقية والعربية التي يراها متخلفة أو متطرفة أو متعصبة، أو عائلية أو قبلية، وهو لا يساوم ولا يهادن في محاربة مظاهر التخلف والجهالة والتعصب، بالذات في مجتمعنا.
كان إدوارد سعيد محامياً عالمياً بالغ المهارة دفاعاً عن شعب فلسطين وقضيته الوطنية العادلة، ولكن كان عدو الردح والشعارات الغبية، المستندة إلى الغرائز، كما كان عدواً لمحاولات تقليص النزاع إلى نزاع بين "اليهودية" و "الإسلام".
كان إدوارد سعيد مواطن العالم، وكل ما هو إنساني وثقافي باقٍ ومفيد في التجربة العالمية، كان ضرورياً بالنسبة لإدوارد سعيد. " الإنغلاق هو الموت في الدهاليز المظلمة" هكذا قال وطلب أن نفهم ذلك على أساس فلسفي إنساني عام وعلى أساس عملي أيضاً.
ولكن إدوارد سعيد كان فلسطينياً حتّى النخاع، وعندما زار القدس، وزار بيته الذي وُلِد فيه (ولم يعد بيته) فقد أدرك أنَّه فلسطيني أولاً، وهذه هي النقطة الأولى لفهم العمارة الثقافية الحضارية الشامخة التي أقامها إدوارد سعيد.
والنقطة الأخيرة التي بإمكاننا جميعاً أن نتعلم من إدوارد سعيد، بصددها، هي عدم الاكتفاء بمعرفة الحقيقة، قراءة، بل الالتزام بالحقيقة فعلاً، ولذلك فإنَّ هذا المفكر الفذ وجد في نفسه الشجاعة الطبيعية، البسيطة وكلية القوة، أن ينتقد أنظمة البطش والإرهاب والعسف والسطو على مقدرات الشعوب ليس فقط عندما تكون هذه الأنظمة استعمارية، غربية، أو إسرائيلية، بل أيضاً، وبقوة أكبر عندما تكون أنظمة الإرهاب والقتل والاغتيال واللصوصية أنظمة عربية. طالب، بشرف، بإطلاق سراح كل مثقف عربي سجين في الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، ورأى في تحريره قضية شخصية.
إدوارد سعيد قال، وفعل، فكّر، ومارَس، انتقد وقاوم، إدوارد سعيد كان مثقف القول والفعل، كانت داخله قوة سياسية وأخلاقية تدفعه إلى التغيير، تغيير العالم. في ذكرى إدوارد سعيد، الراحل الباقي ، نحس بغيابه ثقيلاً وموجعاً. ونحس أن أفضل احترام لذكرى هذا المثقف البسيط كالسنبلة، أن يأخذه المثقفون العرب نموذجاً يُحتذى وأن نأخذ طريقة حياته ونضاله طريقةً لحياتنا ونضالنا، نحن المثقفين، العرب في هذه الحقبة المصيرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟