الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطيةُ قومِِ عند قومِِ مصائبُ

محمد حمد

2022 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


بعد احتلال امريكا للعراق عام 2003 وسقوط النظام السابق غير الماسوف عليه، عمّت موجة بل موجات من الديمقراطية المحمولة على الدبابات والمجنزرات العسكرية. سبقتها طبعا زخات مطر ،علفمي المذاق والرائحة، من مختلف أنواع الطائرات الحربية الأمريكية ومعها كالعادة حلفاء من أهل الشر المستطير، همّهم الاول هو تدمير البلدان وتمزيق الشعوب وجعلها تتقاتل فيما بينها على فتات ما يتركها لهم الغازي المحتل. فتفشت عدوى "الديمقراطية" الهجينة بين العراقيين مثل تفشّي فايروس كورونا في مدينة ويهان الصينية. فكان العراق أول "المحظوظين" الذين تمتّعوا بديمقراطية القتل على الهوية. كثمرة اولى ناضجة, ثم تلتها ثمار لا تقل عنها رعباً وقسوة وفظاعة. حتى صارت دول الجوار تحسدنا على ما نحن عليه !!
وبعد ان تمّ حقن شرايين الدولة العراقية بديمقراطية الفساد والرشاوي والعنصرية والطائفية ( كما جاء في الدستور العراقي النافذ وبعبارات مموّهة) اصبح الوطن مجرّد ذكرى جميلة في قلوب كبار السن. عندها اتجه العراقيون الى فنون الزراعة المعاصرة، فقاموا بزراعة عشرات الاحزاب السياسية، بدون كلفة تذكر ولا أسمدة حديقة. فنبت في كل حارة حزب سياسي له مقر، عادة من أملاك الدولة، وله ميليشيا مسلحة تعيش على خزينة الدولة ايصا. الى درجة ان عدد الاحزاب في العراق بعد عام 2003 تجاوز عدد الاحزاب في جميع دول اوروبا مجتمعة. ومن لا يصدق يمكنه البحث عن ذلك على الانترنت.
ان مشكلة هواة السياسة في العراق، والهاوي غالبا ما يبقى هاوي الى الابد، هي في ايمانهم الساذج بأن الكثرة هي أهم شيء وأسمى هدف في العمل السياسي "الديمقراطي" . واتضح لهم بعد خراب الكوت طبعا، ان المشكلة الحقيقية في كل الفشل الذي بواجهونه منذ عشرين سنة هو ببساطة: الكثرة، كثرة في الاحزاب والميليشيات ولجان التحقيق والرتب العسكرية...الخ. والمثل العراقي يقول: "تغرق السفينة إذا كثروا الملاحين ".
في رأيي المتواضع على مجلس الأمن الدولي وبناء على التجربة الشاذة جدا والفاشلة جدا في السياسة ان يعتبر العراق دولة راعية للفشل السياسي. شأن الدول الراعية للارهاب. ويكفي دليلا على ذلك هو ان العراق بقي دون حكومة لمدة سنة كاملة. حتى الصومال وجيبوتي وافغنستان وجزر القمر كانت ومازالت لديها حكومات معترف بها، بغض النظر عن كلّ ما قيل ويُفال عن تلك الدول.
ومن غرائب السياسة في العراق, والتي لم نجد لها مثلا في أي مكان، هي أن السفراء الأجانب يلتقون ويتواصلون مع رؤساء الأحزاب والكتل العراقية متى ما أرادوا وفي اي مكان. ودون علم الدولة او وزارة الخارجية العراقية علما بان معظم رؤساء الأحزاب السياسية في العراق لا يشغلون مناصبا لا في الدولة ولا في الحكومة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر. كثيرا ما نسمع عن لقاء من هذا النوع: السفير المصري يلتقي مع عمار الحكيم، السفير الهندي يلتقي مع نوري المالكي، السفير الروسي يلتقي مع قيس الخزعلي...الخ. اما في افليم كردستان العراق فاللقاءات من هذا النوع تجري على قدم وساق. وكثيرا ما تتخلّلها البوسات والعناق.
وهكذا دواليك يا عراق !
في أوروبا لو حصل شيء من هذا القبيل لقامت الدنيا ولم تقعد على السفير الاجنبي وعلى من يجتمع أو يتواصل معه من السياسيين المحليين. وهذا الأمر يدخل بنظر الاوروبيين في خانة التآمر والخيانة. لان العرف السائد في كل مكان، باستثناء العراق طبعا، هو أن السفراء والدبلوماسيين الأجانب لهم علاقة فقط مع وزارة الخارجية في البلد الذي يعملون فيه. حتى في تنقلاتهم العادية. لا يمكن للسفير الاجنبي ان يخرج من محل اقامته دون ان يخطر الجهات المختصّة في البلد الذي يقيم فيه. فالامر يتعلق ايضا بسلامته وسلامة من يرافقه.
لكن العراق، يا الف وسفة ويا حيف ! أصبح مثل عاهرة جميلة لا حول لها ولا قوة، يتنافس عليها الزباىن الغرباء، ومنهم السفراء، في السرّ والعلن ودون حرج...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن