الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تغادر البشرية عقلها الحيواني؟/ 3

عبدالامير الركابي

2022 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد ممكنا الوقوف دون اعادة قراءة التاريخ البشري بحثا عن محركاته الفعليه وانعكاسها على مجمل التفاعلية الناظمة لمسار لبشرية وتاريخها، بالاخص مع ماصار يلازم مثل هذا الاحجام القصوري من مخاطر جمه، تراكمت في القرون الاخيرة لتصل حدا قد يهدد الحياة والوجود، بالذات، منها ذلك الذي رافق الاله وانبثاقها، وماقد واكبها من قصورية خطرة دالة عن مستوى من الجهالة ليس هنالك مايمنع تحولها الى انتحار، ومع ماتفرضه الضرورة لهذه الجهة من متابعه للتفاصيل التاريخيه، وهو امر واجب يزداد الحاحا، الاانه غير قابل للتحقيق الاني لضخامتة التراكمية ومايتطلبه من جهد متواصل ومديد، سوف نقصرهمنا منه بهذه المناسبة على ناحيتين وشكلين من القصورية الاعقالية البشرية الفادحة، دالة على تدني الادراك البشري ازاء اشتراطات ذاتيته، الامر الذي ماعاد من المسموح التغاضي عنه على الصعد كافه.
الفصل الاول من مظهر القصورية الذي يمنع مقاربة الانسان لحقيقته الوجودية، هو تاسيسي ناجم عن العجز عن ارفاق البدء المجتمعي بالازدواج كمظهر ملازم حتمي، وهو مابترتب عليه مخطط مختلف، يتم اعتماده بناء عليه اداة للنظر للتاريخ، خلاف مايعرف منهجيا ب "الحضارات" ونشاتها، حيث النظر مرتكز على قائمه واحدة من قائمتي المجتمعية، مع الاصرار على قراءة الاخرى بناء على مايوافق فهم وحدود ادراكيه الاحادية المجتمعية الارضوية، باعتبار هذه هي المجتمعية التي لامجتمعية دونها، وعندها يكون منطقيا توقع استحالة اكتمال عناصر الصوابية الضرورية، او مايبالغ في نسبته الى العلم، مع انه قائم اساسا على اهمال وغمط نمطية تساويه، ان لم تكن تتفوق عليه من حيث الكينونه، ومعطيات البنيه، والدينامية.
ويجري هنا حتما غمط زمني لتاريخ المجتمعات وبدئيتها الفعلية، يتمثل بحالة اقتطاع لجزء اساس تمهيدي وتاسيسي، سابق على النمط الارضوي وتبلوره، هو ذلك الجزء اللاارضوي الذي قام في سومر في ارض مابين النهرين، وظل في حال تبلور وتشكل وسط حالة من الاصطراعية البيئية/ البشرية، الى ان تشكلت ملامحه، واسس بنيته التعبيرية والتنظيمه لنصبح امام نمط مجتمعي لاارضوي، لاتمايزي، اساسه اللادولة ممارسة وواقعا، ونمط تعبيريته سماوي نبوي، مقابل التبلورات السلطوية الارضوية اللاحقة، من نوع الدول والممالك التقليدية، والحاصل المجحف الى اللحظة الراهنه، هو غياب وتعذر النطقية اللارضوية لاسباب تخص صيرورة العقل والمجتمعات، ماقد كرس بصورة شبه مطلقة، المنظور الاحادي.
ولنات هنا بمثال من بين الامثلة غير العادية، الدالة على مستوى الاجحاف الممارس ضد اللاارضوية، واجمالي وجودها، ففي منطقتنا بالذات تعامل التوراة والظاهرة النبوية، على انها صياغة قابله للانبثاق والعيش، ان لم يكن الولادة في اي مكان، اخر مثل الجزيرة العربية، او حتى مصر وارض الشام، ذلك مع تنامي العنصر الاساس النمطي المجتمعي المجافي اصلا، فلا ينتبهن احد الى ان التوراة هي بنية سابقة، قريبة للكمال، يعاد انتاجها ضمن اشتراطات المنفى، لها تاريخ تشكل استغرق عشرات القرون، وله تاريخيته ونمطيته التي لايمكن ان توجد في اي مكان اخر تاسيسا، ومن حيث التحقيب، فان ارض مابين النهرين وسومر تحديدا عرفت اولا النبوة كشكل تنظيمي تعبيري سابق على الاحادية الارضوية، تولد ونتج عن نمط البيئية الطاردة التي تصل بالمنتجين هنا لحد "العيش على حافة الفناء"، ووقتها ظهر الانبياء اللاارضويون على راس دول المدن التي يسميها الاركولوجيون الغربيون قصورا"الديمقراطية البدائية"، فكان ذلك الطور الاول من تاريخ تبلور اللاارضوية، الى ان نزلت المجتمعية الارضية، من الاعلى، من "عراق الجزيرة" الى ارض الخصب، ونشبت من يومها الاصطراعية الازدواجية، لتدخل التعبيرية والتبلور اللاارضوي الفصل الثاني من تاريخها المفضي الى التوحيدية الابراهيمة، والى النبوه خارج ارضها.
وهذا يعني بان التاريخ التوراتي النبوي للاارضوية مر بمرحلتين، الاولى ذاتية داخل ارضه، تبدا تحت وطاة الاصطراع الازدواجي الافنائي، ثم مرحلة "الوعد خارج ارضه"، ورمزها النبي ابراهيم، والاولى بالذات تنقسم الى فصلين كما سبقت الاشارة، مايجعل من المجتمعية اللاارضوية خارج ارضها، ليست قاصرة، او بلا خبرات اصطراعية وديناميات نوعيه من جنسها، مع خصوصا الحلقة او الدائرة الاولى، الاقرب، المشكلة من احادية الدولة المصرية، واحادية اللادولة الجزيرية الاحترابية، مع الساحل المادون تجسدية كيانيه، هذا عدا الارث الغني والمخزون التاريخي المتعالي، والارتكاز الموضوعي الى الازدواج التكويني البشري، ومايهيء الاسباب لان يعاد بناء اللاارضوية داخل بنى الاحادية شرق متوسطية، كبداية، ماتلبث ان تتحول الى كونيه.
ولنعدد للتركيز اذن، المراحل والفترات التي تمر بها النبوة الحدسية اللاارضوية، من بدايتها الى ان تنهي كدور ومفعول، وهي تباعا:
1 ـ الطور التاسيسي الاول اللاارضوي الذاتي، وهو حالة بيئية خاصة بنمط مجتمعي يقف خلفها قانون العيش على حافة الفناء.
2ـ طور النبوة خارج ارضها، وياتي نتيجه وحصيلة للتصارعية مع الاحادية ضمن الازدواج، تكون اللاارضوية وقتها قد دخلت مرحلة الصراع المركب، مع البيئة كما كان الامر ابتداء من جهه، ومع الارضوية الامبراطوريةالنازلة من اعلى.
3 ـ اعادة انتاج اللاارضوية النبوية داخل الحلقة الشرق متوسطية الاولى الاقرب.
4 ـ المرحلة الرسالية المسيحية ثم الاسلاميه، تذهب الابراهيمه بموجبها مخترقة الاحاديات الارضية، الى الغرب والامبراطورية الرومانيه، ثم الشرق الواصل الى الصين.
5 ـ طور اعلان انتهاء الفعالية، يترافق مع الاعلان "الانتظاري المهدوي"، ابان عودة الابراهيمه الى ارضها، مع الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية، بالاحالة الى طور مستقبلي قادم.
6 ـ انتهاء دور النبوة الحدسية، وانفتاح الافق على اللاارضوية العليّة السببيه..
وليس مايشار له اقل من تاريخ متصل، له خاصياته واشتراطاته ومستهدفاته، هو من دون ادنى شك، تاريخ كينونه مجتمعية مفارقة موازية، هي الاقدم والتاسيس، لاتستقيم الظاهرة المجتمعية ولاتكتمل بدونها، مع انها كتب عليها ان تظل مضمرة خارج الاعقال، بظل طغيان غيرها، والنوع الثاني المجتمعي الارضوي الاكثر انتشارا جغرافيا على مستوى المعمورة، هذا علما بان الغلبة شبه المطلقة الارضوية، لاتكفي لدفن الاليات اللاارضوية ولا لمنعها من ان تتجسد بالحدود الممكنه التي تتيح لها الحضور البارز الاختراقي داخل البنيه الارضوية، وهنا يجب الوقوف عند مسالة الدينامية والفعالية النوعية، التي تتمتع بها اللارضوية مقارنه بالارضوية، وهو اختلاف جوهري، المجتمعية الارضوية ومستوى ادراكها لايتيح لها احتسابة، او التعرف على نوع عمله المفارق للبداهي المعاش الارضوي.
ذلك علما بان اللارضوية تظل على مدى طويل، تعاني من النقص الذي من شانه منعها من ان تقترب من التحقق واقعا، فهي تنشا غير متوفرة على وسيلة الانتاج المطابقة لنوعها، وقد يظن، كما العادة، ان وسائل الانتاج الارضوية صالحه لغيرها، او يمكن ان تعمل مع نمطية مثل اللاارضوية، وهو مما يمكن توقعه من الاحادية الارضوية كحكم على الاشياء، خلافا للواقع الذي يقول، بان للاارضوية حتما نوع وسيلة الانتاج التي تطابقها، وتعمل داخلها وهي ستكون ولابد، وسيلة انتاج فوق ارضوية كما يمكن ان نتوقع في حال كنا غير خاضعين لضيق الافق الارضوي، ويظل نقص اخر هام للغاية بجانب مااسلفنا التنويه به، ذلك هو مستوى الاعقال المتاح والممكن ابتداء، وعلى مدى زمني غير قصير، وهذه تعود لاسباب خارجة عن الارادة، يكرسها واقع كون المجتمعية اصلا هي وسيله واداة موجودة لكي ترتقي بالعقل، من طور بعينه الى اخر، من الطور الازدواجي الجسدو /عقلي، الى الاخير العقلي المتحرر من وطاة الجسدية في اخر طور من اطوار حملها للعقل، هذا وهي حين تنشا وتتبلور ابتداء، تكون بالاحرى في بداية مهمتها، والعقل المنوه عنه، مايزال خاضعا لقوة مفعول الجسدية، ينتظر التفاعلية الازدواجية المديدة، قبل ان يكتسب اسباب القرب من الاستقلال.
شروط كهذه، من البديهي ان تمنح الاحادية الارضوية وقتها، والى اللحظة الراهنه، اسباب الغلبة، في حين لاتجد اللاارضوية بيدها من وسيلة، او ادوات فعل، غير تلك الحدسية النبوية الالهامية، بعيدا عن الاعقال السببي والعلّي الذي يتاخر حتى مع توقف الفعالية الحدسية، وغياب تجليها، او استمراريتها التعاقبية على مدى يتعدى العشرة قرون واكثر، الامر الذي يتطلب على مايبدو، مرور البشرية بحالة ولحظة انتقال عاتية مدمرة، تصل فيها مستويات اللااعقالية والتوهمية الارضوية، حد التسبب في ادخال الكرة الارضية والكائن البشري، عالم الفناء، وهذا ماسنترك معالجته للحلقة المقبلة.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ