الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص غابريل غارسيا ماركيز المفضلة الخمس

محمد سهيل احمد

2022 / 11 / 14
الادب والفن


لمناسبة المعرض المكرس لأعمال الروائي العالمي الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز في كل من العاصمة الكولومبية بوغوتا والتشيلية سانتياغو ، تمكن الناقد الصحفي (سانتياغو ميوتس دوران ) ، وهو ابن واحد من أصدقاء الكاتب المقربين ، من جمع عدد من القصص المجهولة الانتساب والتي كان الكاتب الراحل يحرص على تدوينها او إعادة سردها للأصدقاء خلال المسار الأدبي لحياته . وفيما يلي نص المقال الذي قام (دوران )بنشره في احدى الصحف اللاتينية عام 2001 لتقوم مجلة ( باريس ريفيو ) بنشرها في احد أعدادها الأخيرة . أنجز الترجمة الشاعر الغواتيمالي ديفيد اونغر . عنوان المقالة الأصلي ( قصص ماركيز المفضلة الخمس ) :

سمعنا جميعا بذلك الصنف من القصص التي تتداول هنا وهناك والتي تتصف بكونها مجهولة المؤلف لكنها ماثلة في الحضور على الدوام . سمعت في يوم من الأيام ماركيز يروي واحدة من هذه النصوص لضيفه الشاعر المكسيكي ( ادولفو كاستانون ) . ونقرأ معا نص الأقصوصة :
" قرر زوج شاب وزوجته ، اثر ضيقهما بحياة المدينة ،النزوح الى الريف مع اثنين من كلاب الصيد . وفور استقرارهما في بيتهما الريفي الصغير ، تآلفا بسرعة مع جار وزوجته يمتلكان بستان فاكهة . وقد اعتادا تربية عدد من الأرانب . وذات صباح اخبر الزوجان الشابان جاريهما الجديدين عن رغبتهما بالذهاب الى المدينة حتى صبيحة الغد .تقضى الصباح في هدوء ، لكن في فترة العصر ، اقتحم كلبا الصيد المطبخ ومعهما أشلاء من ارانب كانت متدلية من بين الاسنان .فصدم الزوجان لذلك المنظر غير المتوقع وراحا يناقشان ما يعين عليه فعله كخطوة تالية .لقد أصيبا بالذعر غير انهما قضيا نهارهما وكأن شيئا لم يقع .وبعد ان أعادا الأرانب الى أقفاصها ، قفلا راجعين للبيت . وفي صبيحة اليوم التالي طرق الجاران الباب وكان كل منهما يحمل ارنبا ميتا في يده . وقبل ان يجد الجاران الجديدان ايما عذر يتذرعان به حول ما حدث من امر جعلهما يسهران الليل بطوله ، اعلن الجاران قائلين : " لقد عثرنا عليها ميتة في أقفاصها هذا الصباح لكننا اصبنا بالصدمة ذلك اننا ومنذ الأمس كنا قد قمنا بدفنها في الحديقة "
وأتذكر قصة أخرى كسابقتها رواها ابي (الفارو ميوتس) قبل بضع سنين ومن يومها وأصدقاء الكاتب الراحل يرددونها : " لطالما استمع نيوتن فرايتاس وهو برازيلي عرف كيف يستمتع بحياته ، الى اثنين من أصدقائه كانا يخططان لرحلة الى بروكسل ، وهي مدينة اعتاد هو زيارتها في كل شهر .وقد أوصى بارتياد حانة جيدة كانت في رأيه الحانة الأسعد في الدنيا . وقد اخذ اثنان من اصدقائه بذلك الانطباع فانتهيا الى ارتياد تلك الحانة ، وكانت في الحقيقة مكانا شحيح الانارة اعتاد رواده التحادث فيما بينهم بطريقة الهمس . وفي الواقع لم يكن ثمة ما يوحي بالعيب حول امر تلك الحانة بحيث حسبوا انهم دخلوا الحانة الخطأ وحين عادوا الى الفندق ، استدعوا نيوتن للتيقن من انهما دخلا المكان المقصود . إنها هي . قال نيوتن وسألتقيكما هناك يوم الجمعة دون ان يمنحهما فرصة النطق بأيما كلمة مضافة . وفي يوم الجمعة عاد صديقاه الى تلك الحانة التي كانت باعثة على الإحباط اكثر من أي يوم خلا ، كما لو ان الندل فيها كانوا يسكبون الرمل في ساعة رملية . فكر الاثنان انهما اذا ما تناولا بضعة كؤوس من الويسكي ، ستضحي الحانة مكانا مفعما بالحياة غير أن الاكتئاب عاد ليستولي على المكان .وحين قدم نيوتن ، ناداهما من عتبة الباب وبصوت لا يخلو من ابتهاج ، فالتفت الجالسون وراحوا ينظرونه بفضول اذ انهم فور دخوله ، سارعوا الى التلويح بأيديهم تعبيرا عن الابتهاج مرددين اسمه .وهكذا وكما لو ان الحانة تعرضت الى لمسة سحر خفية ، تحول المكان الى اجمل بقعة في الدنيا . "
اعتقد ان ماركيز عاش حياته مترقبا لقصص كهذه القصص ، كيما يملأ بها ايامه ودفاتره . وقد اطلعت على العديد من مقتطفاته الصحفية لأجده يهتف أنْ وجدتها Eureka تلك الصرخة التي هتف بها ارخميدس اثناء اكتشافه العلمي المثير . وقد توقف ماركيز عند خمس قصص عبر خمسة عقود من تحرير المواد . وبالتأكيد فأن هذه النصوص كتبت من قبل مؤلفين مجهولين لتنسل بين الايدي والأسماع كما ينزلق السمك عائدا للماء .
وفيما يلي مقتطع من عمود كتبه ف ماركيز في الثلاثين من تشرين الثاني عام 1950 في صحيفة الاسبكتادور : " روى لي دانيال ارانجو هذا النص القصصي المدهش والذي اعجز عن ابقائه طي الكتمان : " توجه صبي عمره لم يكن يتجاوز الخمسة اعوام الى مركز للشرطة ، بعد ان أضاع امه في الزحام ، وراح يسأل ضابط المركز : هل صادفت سيدة تتجول هنا وهناك من دون ابن مثلي ؟ ! "
في آذار 1951 كتب ماركيز في صحيفة الهيرالدو : " قرأت خبرا في احدى الصحف التي توزع أعدادا منها في الطائرات يذكر بأنني انسخ ما يعجبني من أفضل الأقاصيص في العالم كلمة كلمة : " ماري جو عمرها سنتان وكانت تلهو في العتمة بعد ان أرغم أبواها السيد والسيدة ( مي ) على واحد من خيارين اما انقاذ حياة ابنتها او تركها تفقد بصرها لمدى الحياة . لقد تم اقتلاع عيني ماري في عيادة الدكتور ( مايو ) بعد ان شخص ستة من الأخصائيين اصابتها بالورم الشبكي الخبيث .وبعد مرور أربعة ايام على العملية الجراحية ، هتفت الفتاة : أمي ، لا استطيع ان استيقظ ! لا استطيع ان استيقظ ! "
بعد ثلاثين عاما كتب ماركيز في الصحيفة عن " مئات القصص التي كتبت او رويت من النوع غير القابل للنسيان الى الأبد : " لعلها أرواح الأدب في المطهر . بعضها جواهر حقيقية بطابع سياسي التقطتها الأذن البشرية على الطاير من دون ان يتم ذكر اسم المؤلف ، ذلك لأننا سمعنا القصة من دون ان نكلف أنفسنا عناء البحث عمن رواها . وما ان تنصرم برهة حتى نفقد اليقين بكوننا حلمنا بها . انني اعرف قارئا متفضلا سيأتي ويذكرني بمن ألـّف القصتين التاليتين اللتين زعزعتا قناعاتي خلال فترة شبابي المحموم " . انها الحكاية الحزينة لشخص بائس قذف بنفسه من الطابق العاشر في عمارة باتجاه الشارع ، وفيما كان يهبط من حالق ، أبصر عبر النوافذ مشاهد تودد حميمة بين الجيران ، وتلك التراجيديات الأسرية الضئيلة الشأن والعشاق السريين ، وتلك اللحظات القصيرة من السعادة التي لم تنتشر اخبارها ابعد من سلالم العمارة فيما كان يهوي الى الأسفل باتجاه الرصيف ، واذا بوجهة نظره تتبدل تماما بأن الحياة التي كان سيمنحها للأبدية ، عبر باب زائف إنما تستحق ان تعاش ، قبل أي امر عداه " .
أما القصة الأخرى فجاءت كالتالي : " استطاع اثنان من المستكشفين العثور على ملاذ في كوخ مهجور ، بعد نجاتهما من عذاب ثلاثة أيام متتالية في الثلج . وبعد ثلاثة ايام ، مات احدهم . وعلى مبعدة مائة ياردة من الكوخ جهز الناجي حفرة في الثلج ودفن صاحبه في اليوم التالي ، على اية حال .وبعد ان نعم برقاد هادئ ، عاد ليعثر على الجثة داخل الكوخ ميتا ومتجمدا لكنه كان بوضعية الجالس في سريره مثله مثل أي زائر . ثم عاد ليدفنه للمرة الثانية في حفرة أبعد مسافة من الحفرة الأولى ، غير انه لما استيقظ في اليوم التالي ، وجده جالسا في سريره ثانية فجن جنونه " ونحن نعرف هذا النص من خلال الصحيفة التي عثرعليها داخل الكوخ . ومن بين العديد من التفسيرات كان احدها أقرب للحقيقة : " كان الناجي شديد الانزعاج لكونه بقي وحده ، ذلك انه كان يحفر حفرة للميت في كل ليلة فيجد الجثة التي دفنها جالسة أمامه في قلب الليل "
وكتب ماركيز في احد اعداد الاسبكتادور الصادرة عام 1985 : " ان اكثر القصص تأثيرا على الإطلاق كانت في الوقت نفسه الأقسى والأكثر امتلاء بالحس الإنساني وقد رواها ريكاردو منوز سيواي عام 1947 حيث سجن في ( اوكانيا ) للجرائم الكبرى بمدينة طليطلة ، وهي قصة حقيقية لسجين جمهوري صرعته أطلاقة نارية في سجن افيللا خلال الأيام الأولى من الحرب الاهلية الاسبانية : " جرجر فصيل الإعدام احد المحكومين خارج زنزانته الانفرادية في صباح يوم ثلجي نحو موقع التنفيذ .كان أفراد الحرس المدني يرتدون اغطية رؤوس من الصوف وقفازات من الجلد وقد اعتمروا قلنسوات ثلاثية الأركان .ومع ذلك لم يتوقفوا عن الارتجاف وهم يجتازون الأرض المتجمدة ! فرك السجين المسكين بدنه شبه المتجمد من اجل المحافظة على القليل من الدفء الذي كانت توفره سترته الصوفية المتراعشة ، فيما جعل يلعن البرد المرير بصوت متهدج . ولأنه شعر بالضجر من جراء شكاوي السجين ، زعق قائد الفصيل هاتفا :
ــ اللعنة .. توقف عن الصراخ كما لو كنتَ شهيدا في هذا الطقس العاهر . أشفق على حالنا .نحن وحدنا .. وحدنا فقط ، ممن سيكون لزاما عليهم العودة سيرا على الأقدام ! "
خلاصة القول ، ارغب في ذكر أمر باح به ماركيز لريتا غوبيرت في لقاء اجرته معه عام 1971 :
" في معيتي كراس احتفظ على صفحاته بقصص قد ارغب في تدوينها .لغاية الآن لديّ ستون قصة وأعتقد أنني سأنتهي بمائة .ان الأمر الممتع حول الإبداع هو ادائي الداخلي . ان القصة التي " تتألق من خلال عبارة او حدث ما ، اما ان تتجسد في الذهن مكتملة حتى السطر الاخير ، او انها لا تجئ ! دعني اخبرك بشيء سيعينك على التوصل لفهم افضل للمسار السري الذي يجيئني النص من خلاله .ذات ليلة من ليالي برشلونة : قدم بعض الأصحاب لزيارتي حين انطفأت الأضواء فجأة .وبما ان شقتنا كانت الوحيدة التي انطفأت ، قمنا باستدعاء مصلح مختص فقال مجيبا عن تساؤلاتنا حول كون الطاقة الكهربائية مثل الماء ، وكنت حينها احمل شمعة : كيف يمكن بحق الجحيم اننا حين نفتح صنبورا ان يتدفق النور كالماء في حين سيعمل جهاز على تسجيل كمية الطاقة المستهلكة ؟ في تلك اللحظة برق نص قصصي في مخيلتي متوجا بالنهاية " : " في مدينة بعيدة عن البحر ـ قد تكون باريس ، مدريد او بوغوتا ـ عاش زوجان شابان في الطابق الخامس من أحدى العمارات مع أنجالهما الذين كانت تتراوح اعمارهم بين السبعة والعشرة اعوام . وفي يوم من الأيام التمس الأولاد من الابوين إحضار زورق للتجذيف .فتساءل الأب :" لماذا نبتاع زورق تجذيف وماذا سيكون في مقدورنا ان نفعله بزورق في مدينة ؟ !سنستأجر واحدا هذا الصيف وقت ذهابنا لشاطئ البحر . فأصر الصغار على جلب الزورق الآن فرد الأب : ـ اذا حزتم على اعلى الدرجات المدرسية فسوف اشتري لكم واحدا .وبالفعل أحرز الصغار أعلى الدرجات فقام الأب بشراء ذلك الزورق المطلوب ، وحين وصلوا لشقتهم في الطابق الخامس وادخلوا الزورق سألهم الأب : ماالذي ستفعلون به ؟ فجاء الرد قائلين : لاشيء . كل ما هنالك اننا رغبنا بامتلاك زورق وسنودعه في غرفة نومنا .
وفي احدى الليالي ذهب الابوان للسينما فهشم الأولاد المصباح الكهربائي لينسكب النور " كما لو كان ماء وراح يتدفق من السقف الى الارضية الى ان بلغ ارتفاعه في الشقة اربعة اقدام . وهنا اخرجوا الزورق وبدأوا بالتجذيف من غرفة الى اخرى حتى بلغوا المطبخ . وقبل مقدم الأبوين ، اسرعوا بوضع الزورق في المرحاض تاركين الماء يتسرب الى الفتحة ليعودوا الى زر المصباح مطفئين إياه وكأن شيئا لم يحدث اطلاقا .ثم امست اللعبة نوعا من انواع اللهو المسلي عن طريق ترك الماء يتدفق أعلى فأعلى وبعد ذلك ارتدوا نظارات واقية وزعانف وراحوا يعومون تحت الأسرّة والمناضد مستخدمين رماح صيد السمك . وذات ليلة تنبه احد الأشخاص العابرين في الشارع المقابل الى ان النور راح يتدفق عبر شقوق الشبابيك غامرا الشارع بذلك الفيضان بحيث اضطر الجيران الى استدعاء سيارات الإطفاء . ولما كسر رجال الاطفاء باب الشقة ،وجدوا ان الأولاد كانوا منغمسين في اللعب بدون ان يدركوا ان النور قد ناهز سقف الشقة فغرقوا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا