الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عروبة مفقودة

عبداللطيف هسوف

2006 / 10 / 5
الادب والفن


خرج محمد وصديقيه مولود وحمد بعد انتهاء محاضرة جمعتهم بجامعة السوربون متوجهين نحو ‏بيت حمد. كلما زار محمد ومولود حمد في شقته، إلا وكانا شبه متأكدين أنهم سيتسامرون حول قنينة ‏نفيسة غالية الثمن. أدام الله كرم إخواننا العرب.‏
كان حمد يصر على إتمام صلواته الخمس قبل أن يجلس للسهر والحديث عن شقراوات باريس. ‏هذه المرة، حين انتشى كامل النشوة، ردد أبياتا للخيام:‏
‏ لست أحسو الخمر من أجل نشاط أو طرب
أو خروجا عن طريق الدين أو حد الأدب
غير أني أشتهي الغفلة عن نفسي قليلا
إنني من أجل هذا أحتسي بنت العنب .‏
ما أن انتهى حمد من إلقاء هذه الرباعية الجميلة بحق، حتى عم التصفيق وقام محمد ومولود بالثناء ‏عليه لكونه أضفى على ليلتهم سحرا ليس غير الشعر كفيل به. ثم أخذوا يتجاذبون أطراف الحديث ‏بخصوص وضع المغرب العربي والمحاولات الانفصالية في الصحراء المغربية، وكذا الوضع ‏المزري في الجزائر الغاضبة.‏
حمد عربي من إحدى دول الخليج، مولود جزائري متعصب لانتمائه الأمازيغي ومحمد مغربي ‏يعتز بانتمائه الأمازيغي والعربي على حد السواء، بل إن عروقه يختلط فيها دم سكان الأطلس ‏الأمازيغ ودم أهل الشاوية العروبيين. يشجي لنغمات أحواش ورقصات أحيدوس الأمازيغية، ويهتز ‏كلما سمع كلمات أغاني شيخات الشاوية العروبية. كان محمد يمزح مع مولود، فيقول له: من يؤكد ‏لك أن جدك هو كسيلة البربري أو دهيا العرافة؟ بل قد يكون جدك فينيقيا قرطاجيا أو نازحا من بلاد ‏الروم، هذا إن لم يكن يهوديا استوطن ب القبايل ، أو على أقرب تقدير عربيا من بدو الهلاليين أو ‏السالميين تمزغ . يضجر مولود، ينظر إلى محمد بعدائية عابرة، ثم ما تلبث أن تفك أسارير وجهه. ‏بعد لحظة صمت، يقول: لولا أنني أعلم أنك نصف ابن عم، لكان لي معك كلام آخر . يبتسم محمد، ‏يواصل مزاحه: ابن عم عاق، أليس كذلك؟ حذار أن ترفع الكلاشنكوف في وجه حمد العربي الأصل ‏يوما، إنه صديق عزيز يغلبنا بكرم وأريحية أهل الحجاز . يضحك الجميع. ‏
كان مولود يعتز بأصله الأمازيغي أيما اعتزاز. بل إنه ينتمي إلى تنظيم راديكالي يدعو إلى ‏عصيان الساسة العرب والمطالبة بالانفصال عن الحكم المركزي. يحاول محمد جاهدا أن يبين له أن ‏طرحه هذا لا يجد ما يبرره لا تاريخيا، لا جغرافيا، لا سوسيولوجيا، لا سياسيا ولا إنسانيا. لكن مولود ‏يرفض كل المحاولات لإقناعه بضرورة السعي إلى التوحيد أكثر من السعي إلى التقسيم والانفصال.‏
عندما انتهت السهرة، صاحب محمد وحمد مولود إلى غرفته المتواجدة بحي جامعي يوجد وسط ‏مدينة باريس. على باب الغرفة استرعى انتباه محمد وجود صورة لأحد الوجوه الجزائرية، ثم داخل ‏الغرفة صور أخرى من كل الأحجام لنفس الشخص. وجه محمد سؤاله لمولود:‏
‏- الظاهر أنك تقدس هذا الرجل؟‏
‏- إنه المغني الكبير معتوب الوناس الذي كان يدافع بقوة عن المسألة الأمازيغية في الجزائر.‏
‏- تقول كان يدافع بصيغة الماضي، هل تراجع اليوم عن آرائه؟‏
‏- لا، بل قتلته الأيادي الآثمة في 25 يونيو 1998.‏
‏- من يقتل مغنيا حالما يحمل قيتارته ويغني ألحانا شعبية؟
‏- حسب الرواية الرسمية، قتله الجماعات الإسلامية المسلحة، لكن...‏
‏- لكن ماذا؟ يبدو أن الرواية الرسمية لا تقنعك؟‏
‏- كثيرون هم الذين يريدون إسكات صوت الثورة القبائلية بالجزائر.‏
بعد لحظات، أخذ مولود كتابا وشرع يقرأ على الحضور وهو يترجم شعرا لمعتوب الوناس كتب ‏باللغة الفرنسية.‏
السماء مثقلة بالغيوم ‏
بعد أن مزقها البرق
لتغسل الأمطار ذلك القبر‏
وتفيض المياه في سيول
راسمة ممرات جديدة.‏
من القبر ينبعث صوت آسر
ينذر هذا الشعب.‏
آه يا كنزة ابنتي ‏‎!‎
لا تبكي
إننا نضحي بأنفسنا ‏
من أجل جزائر جديدة
كنزة، يا ابنتي
لا تبكي...‏
أحس محمد من خلال هذه الأشعار بسحر الكلمات متى عبرت عن مشاعر مجموعات بشرية ‏تدافع باستماتة عن هويتها وثقافتها المحلية. قال محاولا استفزاز مولود:‏
‏- جميل أن تعتمد الثورة نظم الشعر وتصريف المطالب عبر الغناء حتى يتم الانتقال السلمي من ‏مرحلة التهميش إلى مرحلة الاعتراف بالحق الثقافي والخصوصيات المحلية.‏
تدخل حمد بدوره ليقول:‏
‏- الشعر أشعة مضيئة من الأمل وهو ثورة طبعا، لكن ثورة من أجل إعطاء فرصة للحياة لا ثورة ‏من أجل القتل.‏
رد عليهم مولود بعصبية قائلا:‏
‏- لا يا صديقاي، بل بحمل السلاح وفرقعة القنابل تكون الثورة. القلم وحده لا يكفي، بل يجب أن ‏تسنده البندقية.‏
تابع حمد:‏
‏- إن مسألة الوحدة يجب أن تعالج في بعدها العربي-الإسلامي، لكن قبل ذلك يجب إيجاد صيغة ‏تقبل بالاختلاف وتحترم موروث الآخر الثقافي والاجتماعي، عربيا كان أم بربريا أم صحراويا أم ‏كرديا أم قبطيا أم آشوريا، مسلما كان أم مسيحيا أم يهوديا. إن هذا التنوع رصيد يغني حقا الحضارة ‏العربية.‏
لم يستسغ مولود هذا الكلام. اعتذر طالبا تأجيل النقاش في الموضوع. رد عليه محمد متبرما:‏
‏-‏ إن كل نقاش مؤجل لا محال ضائع.‏
قال مولود وهو يبتسم على استحياء بعد أن نزع ببطء نظارته:‏
‏- على كل حال، نتف النقاشات هاته لا تسمن ولا تغني من جوع. كل هذا لا يعدو أن يكون سوى ‏خطاب متناثر لم يعد يحمل أي معنى في طياته بعد أن فقد كل قوته على الإقناع. ‏
خرجوا جميعا يسيحون في أزقة باريس التي لا تنام. ما كان يدور بخلد محمد لم يسر به لأحد. ظل ‏يسب ويشتم وضع العرب المتشردم: هؤلاء مسيحيون عرب وهؤلاء مسلمون عرب، هؤلاء عرب ‏مسلمون وهؤلاء بربر مسلمون، هؤلاء شيعة وهؤلاء سنة... آه من تشتت الكيان وعدم السعي لرص ‏البنيان. آه من عسر الانتماء إلى أمة متخلفة لازالت القبلية تحكم كل تحركاتها. ‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي