الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء مع الإخوان

أحمد فاروق عباس

2022 / 11 / 15
سيرة ذاتية


فى شتاء ٢٠٠٩ فوجئت بأننى مرشح لحضور مؤتمر اقتصادى ينظمه الإخوان ، وقد رشحنى اليه زميل في الكلية من قسم آخر غير قسمنا لأستاذ كبير فى الكلية ، كانت هناك شكوك قوية أن هذا الزميل ينتمى تنظيميا إلى الإخوان ، أما الأستاذ الكبير فلم يكن هناك شك من ناحيتى أو توقع أنه ينتمى إلى الإخوان ..

لم أكن أعرف وقتها بالطبع أن المؤتمر ينظمه الإخوان المسلمين ، ويحضره أعضاء الجماعة في مجلس الشعب - وكان لهم فيه وقتها ٨٨ عضوا - وأعضاء من الإخوان فى الجامعات وفى الصحافة ، وفى بعض مجالات العمل العام ..

ولم أعرف وقتها - وحتى الآن - لِمَ تم ترشيحى لحضور هذا المؤتمر ؟

كنت أيامها كثير الانتقاد لحسنى مبارك ، وبلا تحرج أو خوف ، ولكن كنت انتقده من منطق وطنى ، وليس من منطق حزبى ..

فكرت - فيما بعد - كتفسير لهذه الدعوة الغريبة فى أنهم ربما اعتقدوا مثلا أننى من إخوان الصعيد ؟!!
إن تخفى الإخوان وعدم كشف الشخص المنتمى إليهم لحقيقته مهارة معروفة عنهم ، فهل اعتبرونى من إخوان الصعيد المتخفين ؟!!

استبعدت ذلك لأكثر من سبب ..
أولا لأن الإخوان رغم تخفيهم لكن هو تنظيم حديدى ، يعرف عضو الجماعة في الإسكندرية نظيرة القاطن في أسوان ، على الاقل من طريقة واسلوب الكلام ، وطبيعة الاهتمامات ..

ثانيا : لم يكن معروفا عنى تعاطفا ما مع الإخوان المسلمين ، وفى نقاشى المستمر مع الزميل المنتمى تنظيميا إلى الإخوان - وكنا نعمل معا فى كنترول الفرقة الأولى - كنت كثير النقد للإخوان ، ولحركة حماس ، وكانت وقتها قد شكلت حكومة فى غزة والضفة ثم دخلت فى شبه حرب أهلية مع حركة فتح ، وانقسمت من يومها حركة التحرير الفلسطينية إلى جزأين .. حماس في غزة ، وفتح فى الضفة ..

والسبب الثالث أنه كثيرا ما كان يبين فى كلامى أيامها - وقد لاحظ ذلك أحد الزملاء - نبرة اعجاب بالرئيس جمال عبد الناصر ، لدرجة أن ذلك الزميل عدنى ناصرى الهوى ..
وكنت احمل أيامها أيضا لمحة اعجاب بمحمد البرادعي ، وتحديه لحسنى مبارك ، وقراره المجئ إلى مصر فى فبراير ٢٠٠٩ ..

فلماذا يتم دعوتى إذن إلى مؤتمر ينظمه الإخوان وأعضاء الإخوان ..

أغلب الظن - وهو ما توصلت إليه - أن المنطق أن وجود شخصا معارضا لحسنى مبارك حتى لو كان معارضا أيضا للإخوان ربما يكون مفيدا ..

وما قاله الزميل لى وقتها أنه قال للأستاذ الكبير : أن أحمد شخص متميز ، ومن هذا المنطلق تم ترشيحك ..

ومن هذا المنطلق ذهبت ، وفى ذهنى اننى ذاهب لمؤتمر اقتصادى ، يتكلم فيه اقتصاديون ، وفى موضوعات فنية تتعلق بمجال عملنا ..
وكان معى زميلين آخرين من الكلية ..

المهم ..
كان المؤتمر يعقد في فندق ماريوت القاهرة ، وهو واحد من أفخم وارقى فنادق القاهرة ، وهو قصر عريق بناه الخديوى اسماعيل لاستقبال ضيوفه في إفتتاح قناة السويس فى عام ١٨٦٩ ، وكان القصر - كما قيل - مخصصا لإقامة الامبراطورة اوجينى امبراطورة فرنسا وزوجة نابليون الثالث ..

كانت مدة المؤتمر ثلاثة أيام ، من التاسعة صباحا حتى الرابعة عصرا ، وكان فى اليوم الواحد أكثر من متحدث رئيسي ، يلقى كلمته ثم تبدأ التعقيبات والمداخلات ..

وكان من بين المتحدثين مثلا د عبد الله شحاته وهو مدرس للمالية العامة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، وبعد ٢٠١١ أصبح رئيسا للجنة الاقتصادية فى حزب الإخوان ، وفى السنة التى حكم فيها الإخوان كان يتردد بقوة أنه أبرز المرشحين لتولى وزارة المالية ..

وفى اللقاء الذي تحدث فيه عن المالية العامة المصرية وزعوا علينا صورا لبيانات شديد التفصيل للموازنة العامة المصرية ، لم تكن متاحة للنشر ، وكان الحصول عليها بالنسبة لنا كباحثين فى منتهى الصعوبة ، وقد كانت متاحة لهم بالطبع باعتبارهم أعضاء فى مجلس الشعب ..

لذا رأيت أن حصولى على هذه البيانات من الحسنات القليلة لحضورى هذا المؤتمر ..

وبينما كان تحت يدنا بيانات مهمة جدا ، جاء الحديث والمناقشات بعده فى الأطر العامة ، وفى هوامش الموضوع ولم تدخل إلى صلبه ..

وفى اليوم الثانى أو الثالث جاء الدكتور على جمعة وألقى محاضرة ..

وكان المؤتمر يحوى طلابا عرب ، معظمهم من الجزائر ، وكان أغلبهم يدرس للماجستير والدكتوراه في معهد الدراسات والبحوث العربية فى الدقى ، وهو تابع لجامعة الدول العربية ..
وكان مستواهم الثقافى والعلمى - حقيقة - مرتفع ..

وفى الساعة الواحدة نتناول الغداء فى مطعم فاخر في الفندق ، وأوبن بوفيه ..

وأثناء تناولنا الغداء فى اليوم الأول جاء مقعدى بالصدفة بجانب بعض أعضاء مجلس الشعب الإخوان ، وكان بجانبى مباشرة واحد منهم - ولم أكن أعرفه - وأثناء الغداء أخذ يتحدث عن مشروعات القوانين التي قدمها أو ينوى تقديمها الإخوان فى المجلس ..

ولما لم أكن أعرف من هو ، ولم أكن أعرف حتى هذه اللحظة طبيعة الناس الذين أجلس بينهم ، فقد سألته ببراءه : هو حضرتك إخوان ؟!!

نظر الرجل إلى طويلاً ولم يجب ، وفى عينيه سؤال حائر :
من هذا الشاب الساذج ؟!
ومن الذى أتى به إلى هنا أصلا ؟!

وفى اليوم التالى تم تنزيلى درجة ، وجاء مقعدى بجانب بعض الصحفيين الإخوان ، وأتذكر واحدة جرى حديث بينها وبينى على الغداء ، ولما كانت صحفية فقد تحدثت معها فى مجال عملها ، وسألتها هل قرأت شئ لمحمد حسنين هيكل أو لأنيس منصور ، وهل تفضل سلامة أحمد سلامة ام صلاح منتصر ؟

وفهمت بسرعة اننى تحدثت معها فى الموضوع الخطأ ، فلم تدل اجاباتها عن أنها قرأت شيئا لهؤلاء أو لغيرهم ، وربما كانت تسمع أسماء بعضهم لأول مرة ..
وبسرعة إنتقل الحديث إلى المؤتمر وجمال تنظيمه وأبرز المتحدثين فيه ..

وكان نلاحظ فى البوفيه رجل ضخم الجثة ، وكان يبدو عليه دائما أنه يأكل بشراهة واضحة ، وكان يعمل سكرتيرا لمعهد دراسات إسلامى شهير ، ومقرب - المعهد - جدا من الإخوان ..

وفى اليوم الأخير للمؤتمر ، وأثناء إحدى اللقاءات رفع يده طالبا الكلمة ، واستغربت جدا ، فطوال أيام المؤتمر لم يطلب الكلمة ، أو يظهر عليه حتى إهتمام بفعالياته ..

أعطيت الكلمة له ، وإذا به يقول : أرجوكم .. أرجوكم لا تحرمونا من هذه اللقاءات ، وأكثروا منها ، فلها فوائد وثمرات كثيرة ..
وانفجرت فى نوبة من الضحك المتواصل !!

فقد تداخلت أمامى صورة الرجل وهو يأكل باستمتاع واضح فى البوفيه المفتوح ، ثم رجاءه الحار لمنظمى المؤتمر ألا يحرموه من هذه اللقاءات المثمرة !!

ولما لم استطع السيطرة علي نفسى ، وخوفا من ظهورى بمظهر غير لائق انحنيت إلى الأسفل وتصرفت كأننى اصلح حذائي ، وكان بجانبى زميل من الكلية أصابه ما اصابنى ، وقد قررنا الخروج من القاعة كلها خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه ..

لم تتكرر الدعوة فيما بعد بالطبع أبدا ..

ومن جانبى لم أشعر أننى فقدت شيئا له قيمة ، لا فى مستوى الحديث ، ولا فى نوعية المتكلمين ..

كل ما أحسست أننى فقدته - حقيقة - هو البوفيه المفتوح ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا