الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعدد اللغوي

عبد الحكيم الشندودي
كاتب وباحث

(Chendoudi Abdelhakim)

2022 / 11 / 16
الادب والفن


إن تناول موضوع اللغة بالدراسة وخاصة على مستوى التدريس (أي تدريس اللغة) يعد أمرا عسيرا في عالم اليوم المميز بخاصية التواصل وبخاصية التعدد والتنوع اللغوي، مما يجعل معه أمر اكتساب اللغة أو اللغات مسألة حيوية وأساسية باعتبارها الطريق الأساسي للتواصل واكتساب المعارف بمختلف فروعها، هذا إذا علمنا أن الفرد يواجه في حياته كما هائلا من الطبائع اللغوية المختلفة ، فالمتعلم مثلا يجد نفسه ، وفي الغالب دفعة واحدة، وجها لوجه مح حزمة من التعابير اللغوية المتميزة بالاختلاف والتنوع والتباعد أحيانا ، فلغة البيت ليست هي لغة التلفزيون وليست هي لغة المدرسة وهي أيضا ليست لغة الشارع، وهي ليست لغة الكتابة والقراءة، وعليه أن يلم بها جميعها، إنه يعيش في ظل مزيج لغوي ولهجي، وعلى جهازه اللغوي أن يفصل بينها ويرتبها، أضف إلى ذلك اللغة الثانية التي ستواجهه مباشرة في المدرسة والتي في الغالب لا علاقة لها باللغة الأم ولا باللهجة ولا بلغة التلفزة ولا بلغة الشارع وإنما هي جنس لغوي جديد وغريب وربما حتى حروفه وأصواتها مختلفة .
إن الطفل يواجه عالما لغويا متشابكا ومعقدا، فلا يستطيع الإلمام بتلابيب واحدة حتى تنضاف له أخرى، بل في الفصول الدراسية يجد نفسه مع رموز جديدة هي لغة وليست بلغة، هي لغة من كونها رموزا دالة، ولكنها لا تخضع لمنطق التواصل التخاطبي وإنما لمنطق جديد من التواصل، إنها لغة الرياضيات ولغة العلوم والفيزياء. فتتوسع بذلك دائرة الأعباء وتكثر التحديات، ويجد نفسه ملزما بتجاوزها.
وفي ظل هذا التعدد والتنوع والاختلاف والاختلاط والتداخل، ينشأ السؤال الإشكالي: أية بيداغوجية يمكنها من تنظيم هذا الخليط غير المتجانس؟ هل النموذج البيداغوجي المعتمد بقادر على تكوين إنسان يجمع هذا الشتات في شخصه؟
إن التعامل مع هذا الإشكال فرض علينا تناوله من جملة عناصر نراها أساسية في استجلاء كنهه ومنها:
1. التعدد اللغوي:
يقصد بالتعدد اللغوي في الثقافة العربية هو وجود أكثر من لغة للتواصل دون اعتبار العامية التي لا ترقى إلى مستوى اللغة الفصيحة لأنها لا تمتلك نظاما متكاملا على مستوى المعجم والتركيب والاشتقاق...
ويستعمل لفظ التعدد اللغوي بمعنى التنوع اللغوي والعكس أيضا رغم الفروق الدقيقة بين العبارتين، حيث تحيل عبارة التعدد على الكثرة في المقام الأول بينما تحيل عبارة التنوع على الاختلاف، غير أنهما في مجال المعرفة اللسانية العربية يستعملان للدلالة على نفس المعنى.
غير أنه يمكن التمييز بين لفظ التعدد ولفظ الازدواج اللغوي الذي لا يتعدى معنى الثنائية اللغوية وهو يرد في مقابل الأحادية اللغوية.
وأضحى التعدد اللغوي من الإشكالات اللسانية الكونية في العصر الحديث بحيث تعرف العديد من الأقطار تعددا لغويا على مستوى الأنظمة اللغوية المستعملة،
وفي القاموس الفرنسي يتخذ مدلول التعدد بعدا آخر حينما يتم التمييز بين عبارتي:
Multilinguisme و Plurilinguisme بالرغم من تأشيرهما على معنى التعدد إلا أن الأولى تشكل لنا الدلالة على الأنظمة اللغوية المستعملة داخل القطر الواحد بينما الثانية تفرز معنى الاستعمال اللغوي المتعدد لدى الفرد الواحد وهو ما يسمح ببناء تصور حول طبيعة الفرد اللغوية في العالم المعاصر.
وتعتبر قضية التعدد اللغوي من إشكاليات العصر، بحيث تكاد لا تخلو منه جميع الأمم والأقطار، الذي تعرف تعددا وتنوعا لغويا، والذي أضحى غنى في الوقت الذي كان ينظر إليه كمهدد للهويات، رغم أنه لا يأخذ بعين الاعتبار اللهجات المحلية الذي إذا ما أدرجناها ضمن اللغة المعتمدة سنكون أمام فوضى لغوية.
غير أن التعدد اللغوي عرف إكراهات عديدة على رأسها قضية الهيمنة في ظل تراجع اللغات الأصلية بفعل العولمة، فقد سادت اللغة الإنجليزية المعمور بفضل الهيمنة السياسية للقوى العظمى الناطقة بها، كما هيمنت أيضا بفعل العلوم المتقدمة المكتوبة بها وكذا بفعل التجارة، وقد أصبحت الإنجليزية في ظل نظام العولمة لغة عالمية، سواء على مستوى التخاطب بين الأفراد والشعوب أو بين الباحثين أو السياسيين، هذا طبعا بالإضافة إلى لغات أخرى كالإسبانية والفرنسية، وبفعل هذا الوضع أصدرت الأمم المتحدة تقريرا حول الوضع اللغوي تتنبأ فيه بانقراض بعض اللغات مستقبلا وحلول أخرى محلها ، وقد نبهت إلى ضرورة الاعتناء وصيانة اللغات الأصلية تجنا لانقراضها
وقد أحست اللغة الفرنسية بخطورة الوضع اللغوي عندما لاحظت انحسار المد الفرنكفوني أمام زحف الإنجليزية مما حدا بالدولة الفرنسية إلى تبني استراتيجية جديدة في تقوية اللغة الفرنسية ونشر ثقافتها عبر إنشاء مراكز تعليمها في الأقطار الخاضعة لها .
ومن الأخطار الحقيقية المحدقة باللغة الأصل هو تراجعها أمام العاميات المستعملة في التخاطب اليومي حتى صارت أو تكاد هذه العاميات هي اللغة المستعملة بشبه كلي وانحصرت أدوار اللغة الأصل في الإعلام الرسمي وفي بعض كتابات المثقفين، في مقابل العامية التي هيمنت وسادت وبسطت نفوذها على ألسنة الناس في التخاطب والسياسة والتجارة ..
وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية اللغة الأصل في صيانة الثقافة الأصلية وفي صيانة هوية الأمم وعلومها لما لهذه المحافظة والصيانة من أهمية في البناء الحضاري الإنساني يقول جاك بيرك: إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية الفصحى والتي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا
ومع مطلع الألفية الجديدة بدأ ينظر إلى التعدد اللغوي نظرة جديدة ومختلفة مؤداها أنه لم يعد يشكل خطرا على انقراض اللغات لأن النظرة القومية المنغلقة قد تغيرت حيث أصبح التعدد اللغوي يساهم بشكل كبير في التنمية البشرية، وأصبحت الدول والمجتمعات تبدل الشيء الكثير من أجل توفير تعلم لغوي تعددي لأنه يمكن الأفراد من الانخراط في دينامية المعرفة الكونية، وغدا عدم تبني الخيار التعددي في التعليم، يعني اختيار العزلة والتخلف، لقد أصبحت الحضارة، وأصبح معها التطور والتقدم رهينين بتوفير تعليم لغوي تعددي.
في فرنسا شرع في تقديم دروس في اللغات الحية في المدرسة الفرنسية الرسمية سنة 1925 من قبل مدرسين أجانب، وخارج أوقات الدراسة، وفي سنة 1973 وبحلول أعداد كبيرة من البرتغاليين تم معالجة الموضوع وطنيا ودوليا نتيجة دورية (وزارية 2 فبراير 1973) والتي كانت تحث على ادماج المتعلمين الأجانب في النظام التعليمي الفرنسي بحثا عن توازنهم النفسي ومعالجة الازدواجية اللغوية بثقة أكبر، وضمان عودة لغوية سليمة للبلد الأم. بعد هذا بدأت التجارب تتناسل: تونس وإيطاليا 1974، المغرب واسبانيا 1975، يوغسلافيا 1977، تركيا 1978.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر