الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللهجة المحكية في رواية -في حضرة إبراهيم- عامر طهبوب

رائد الحواري

2022 / 11 / 16
الادب والفن


اللهجة المحكية في رواية
"في حضرة إبراهيم"
عامر طهبوب
ما يميز الرواية أنها تقدم اللهجة المحكية بصورة وافية، فيمكن لقارئ التعرف على طبيعية اللهجة الخليلية وكيف تلفظ الكلمات عندهم، كما أنها تتناول بصورة عابرة اللهجة الريفية الفلسطينية التي تقلب القاف إلى كاف، وهذا الأمر يأخذنا إلى رواية "حنتش بتنش" للروائي محمود عيسى موسى ورواية "النخلة والجيران" لغائب طعمة فرمان، حيث تعد هاتين الروايتان من أبرز الروايات العربية التي تناولت اللهجة المحكية.
وبما أن هناك للهجة محكية فلا بد من تناول المكان والأحداث، من هنا كانت مدينة الخليل تحديدا هي المركز الجغرافي للأحداث، كما أن الرواية تأخذنا إلى جارة الخليل، إلى مدينة القدس وتتناول تفاصيلها كما تناولت تفاصيل الخليل، ثم تعرج بنا إلى لبنان وإلى عمان، لكن تبقى الخليل هي البداية والنهاية.
وبما أن (النكت) الخليلية لها أثرها في المجتمع الفلسطيني فقد استخدم السارد هذا الأمر في الرواية، جامعا بين الجد والهزل، فيقدم رواية متميزة على صعيد اللغة وعلى صعيد طريقة تقديم الرواية:
"ـ يعني لازم تضيع الفالوجة علشان الخلايلة ياكلوا سمك، وتضيع الخليل علشان المقادسة ياكلوا قاعود؟
ضحك أبو طالب:
ـ لا تخاف على المقادسة، بياكلوا قاعود، الخلايلة في القدس أكثر من المقادسة، بس أنت روح افتح بربيج هامية من عندك، وأعطيه لأبو السرهد يا "أبو كمونة"، يا كحتوت"، المية مقطوعة عندي إلها يومين، ولا كان ما طلبت منك، أعطيني كوز المية من تلاجتك، خليني أشرب، ريقي ناشف من صباح الله، الكازوزة بيرويش زي المية" ص 27، نلاحظ انسيابية الحوار الذي يعكس طبيعة أهل الخليل وكيف أن النكتة عالقة يهم، فهي جزء من تكوينهم الاجتماعي، لهذا يدخلون السخرية في حديثهم، وهذا له أثر على المجتمع الفلسطيني الذي أوجد مجموعة نكت ساخرة متعلقة بأهل الخليل تحديدا.

يؤكد السارد طبيعة أهل الخليل الذي يتمتعون بروح الفكاهة من خلال هذا الحوار:
ـ وعى إيش مستعجل، مش قادر على فراق المرة؟
ـ لا والله مش المرة، عمي جايين يزورنا من القدس.
ـ خير إن شاء الله ما يكون في أشي؟
ـ خير طبعا، جايين يشحنوا ويرجعوا.
ـ شو يشحنوا، بضاعة؟
ـ يشحنوا لهجة خليلية، قربوا ينسوا اللغة يا زلمة.
ـ له له، يا زلمة قول وغير.
ـ هادا اللي أجاك، "المطة" صارت قدسية من زمان، المشكلة هئيتي إنهم بلشوا يفقدوا اللغة نفسها.
ـ هههه، كيف بكره بدك تتفاهم معهم؟
ـ وأنا ليش بدي أشحنهم، علشان ما أفقد الإتصال" ص93و94، بهذه الطريقة استطاع السارد أن يحدد المكان وأن يوصل خليلية الشخصيات، فهو لا يعتمد على اللهجة بشكلها المجرد، بل يتوغل أكثر إلى ما في هذه اللهجة من اجتماع، مبينا لنا طبيعة مستخدميها وما يتمتعون به من روح خفيفة وفكاهية، فقد قدم لنا العلاقة التي تجمع مدينة القدس بالخليل من خلال حوار ممتع، وهذا يشير إلى حالة التكامل والتواصل التي تميز بها المجتمع الفلسطيني، وعلى أنه مجتمع يتمتع بروح الدعابة، ومن حقه أن يحيى ويبقى محافظا ومحتفظا بهذه الميزة، فمن يتحدث بهذه الانسيابية وهذا السلاسة من حقه أن يعيش (حياته) بعيدا عن المنغصات وبعيدا عن الاحتلال.
قليلة هي المجتمعات التي تتمتع بهذه الروح، التي يمكن أن نعتبرها سمة خاصة، يجب الحافظ عليها، كالحفاظ على الأماكن التاريخية/التراثية التي يجب أن تبقى محتفظة بجمالها، وأن لا يجري عليها أن تشويه، هذا ما تحمله اللهجة المحكية في رواية "في حضرة إبراهيم".
وعندما تصدر محكمة الاحتلال حكما خياليا على طالب: "800 عام إضافة إلى 16 مؤيدا" ص211، وبعد أن تبث "الإذاعة خبر وفاة أم كلثوم" ص211 يخرج "أبو زهير" من مبنى العمارة متحدثا مع "أبو طالب" بهذا القول:
" ـ لا حول ولا قوة إلا بالله، والله ضربتين بالراس بيوجعوا، يعني طالب انسجن، والست ماتت" ص211، وهذا ما يجعلنا نقول أن السارد استطاع إيصال روح اللهجة الخليلية للمتلقي بصورة وافية وكامكلة، فهو لم يكن ناقل للهجة، بل موصل لها، لهذا وصلتنا بدعابتها وبخفتها، فكانت اللهجة خفيفة وممتعة ومفرحة للمتلقي رغم قسوة الأحداث ووجع الشخصيات.

عائلات الخليل
يعمل السارد على تقديم كل ما هو خليلي بصورة جميلة، فعندما يتحدث عن عائلات الخليل والتي من المفترض أن تأتي ضمن قالب جامد، مستند على فكرة القبيلة والعشيرة، إلا أنه يقدمها بقالب خليلي فكاهي:
"ـ الولد الله يرحمه، كيف مات؟
ـ مات صدفة، بدك تلهيني عن الأكل؟
...
ـ لا بس الخلايلة حتى أسماء العيل داخل فيها الأكل، سدر، أبو بيض، ،صب لبن، الدبس، مرقة، أبو حلاوة، زيتون، أبو طبيخ، والكببجي، وغيرهم" ص139و140، إذن كل ما هو خليلي، قدم بصورة تتماثل مع وطبيعة المجتمع الخليلي الذي يتمتع بروح الدعابة، فطريقة الحوار التي جاءت في الرواية تؤكد خليلية المكان والناس، بحيث يمكن للمتلقي أن يصل إلى معرفة مكان الأحداث والشخصيات من خلال اللهجة التي تحدثوا بها، ومن خلال ما في اللهجة المحكية من روح.
اجتماعية الفلسطيني
ما يحسب للرواية أنها تقدم المجتمع الفلسطيني المتعدد والمتنوع بصورة تكاملة: "ـ ليش أبو شبلي ما أجا معنا على الصلاة؟ فابتسم في وجهي وقال: لأنو مسيحي.... يا حسن هذا جاركو أبو شبلي اللي علم أبوك قراءة القرآن. قال حسن: هذه هي القدس يا هارون، مثلها مثل بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور والناصرة وغيرها، أم فهمي مسيحية بتساعد جارتها أم خليل في كل عيد في عمل المعمول، والمسلمين بيعملوا لفافات الشعانين بالورد والقش، ما تستغرب إذا بقولك إنو نص التبرعات لبناء مسجد في "عين عريك" أجت من سكان القرية المسيحية" ص 96و97، يمكننا معرفة أهمية هذه الطرح إذا ما قارناه بحالة المجتمع في لبنان، خاص عندما تحدثت "هاجرة" في رسالتها لأختها "سارة" عن حال الفلسطينيين وللبنانين في بيروت: "... بس بصراحة بحس هوني إنو في ناس بتكرهنا، مش كلهم يختي، بس في ناس ما بحبونا، وبتحسي أحيانا إنو في تفرقة، وهاي شغلة مسلم ومسيحي مكناش نعرفها في بلادنا، هو عشان فش عندما في الخليل مسيحية، ولا إحنا غير، طيب ما إحنا كنا نروح على بيت لحم، وبيت ساحور، وبيت جالا، ومكناش نحس بالشغلة، حتى عمتك في البيرة، جاراتها تنتين مسيحيات، والله زي خواتها كانوا يحنوا على بعض" ص224، بهذه الأفضلية تعامل المجتمع الفلسطيني، بينما في لبنان تم استخدام تنظيم ديني سياسي ليعمل العجائب في اللبنانيين قبل الفلسطينيين، وقام بأبشع مجزرة حدثت في القرن الماضي، مجزة صبرا وشاتيلا، التي تناولتها الرواية بتفاصيل دقيقة، كما تناولت مجزرة الحرم الإبراهيمي من قبل المستوطن العنصري "غولد شتاين".
وهذا الأمر يستدعي التوقف عنده، فالمجتمع السوي هو الذي يتعامل مع حالة التنوع والتعدد الديني على أنه أمر طبيعي، معتبرا ذلك مصدر قوة للمجتمع، بينما المجتمع المتخف يريد من كل أفراده أن يكونوا على دين واحد، أو أن يتم قتلهم أو تهجيرهم، هذا ما فعلته الصهيونية في فلسطين، وفعلته الكتائب والقوات اللبنانية في لبنان، وفعله الدواعش في سورية والعراق.
من هنا عندما تحدث الرواية عن نماذج من المجتمع الفلسطيني المتعدد والمتنوع، أرادة به الرد على كل من استخدم الدين لمآرب حزبية أو فئوية، فالمجتمع المدني بطبيعته متنوع ومتعدد، بينما المجتمع المنغلق هو أوحادي المعتقد.
المرأة
لم تقتصر أهمية الرواية في تناولها التنوع الديني، بل تحدثت عن أكثر من امرأة، حتى أن "هاجر" تترك زوجها الذي خانها وتركها وحيدة في لبنان تواجه القوى الطائفية وقوات الاحتلال، ونجد "سارة" تبقى متمسكة بزواجها "طالب" حتى بعد أن صدر بحقه حكم يمتد لأكثر من الف سنة:
"ـ حرام تضلي مرتبطة فيي طول عمرك وإنت عارفة إنو ما في أمل أطلع.
قالت سارة:
ـ أنا مش مجنونة أتطلق منك، وما بعد الضيق إلا الفرج" ص212، رغم تباين الموقف بين الأختين، إلا أنهما يشيران إلى حرية المرأة وقدرتها على اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا لها، فهي لم تكن تابع مجرور للرجل، بل تمتعت بحرية وقدرة على القيام بالتصرف الذي تراه ينسجم مع إرادتها/قناعتها.
قوة المرأة الفلسطينية لم تقتصر على اتخاذ الموقف والقرار، بل نجدها قوية حتى عندما تفقد ابنها، عندما يستشهد "إياد" يطلب "أيوب" من أمه أن تبكي: "...عيطي يا خالتي، العياط فرج، قالت: وعدته إني ما أضعف وأبين زي المسكينة، وصيته إني ما أصرخ وأبكي إذا استشهد، بس أنا مش مستوعبة، مش مصدقة، ما توقعت، بس خلص استحلونا ، وستحلوا دما" ص293، بهذه القوة والصلابة قدم السارد المرأة الفلسطينية، امرأة تتمتع بالصبر والجلد، وتقدر على إخفاء ما فيها من ألم وحزن.
الرواية من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيرت، لبنان، الطبعة الثانية 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي: بعض المهرجانات الفنية لا ترتقي بالذوق العام


.. ظهور حمادة هلال بعد الوعكة الصحية في زفاف ابنة صديقة الشاعر




.. كل يوم - -ثقافة الاحترام مهمة جدا في المجتمع -..محمد شردي يش


.. انتظروا حلقة خاصة من #ON_Set عن فيلم عصابة الماكس ولقاءات حص




.. الموسيقار العراقي نصير شمة يتحدث عن تاريخ آلة العود