الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى تغادر البشرية عقلها الحيواني؟/4

عبدالامير الركابي

2022 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تظل الارضوية الاحادية لقصورها مقتنعه وواثقة من قدرتها على ادراك مايحيط بها، وماهي موجودة في غمرته مجتمعيا، الامر الذي تجد مايبرره لفترة ليست بالقصيرة من تاريخ المجتمعات، وبالاخص منها ذلك اليدوي البيئي، المتطابق الى حد بعيد مع كينونتها، مايمنحها الغلبة، ويكرس نوعها لدرجة مقاربة امحاء حضور مناقضها اللاارضوي العقلي، فهل الحال المذكور ابدي ونهائي، ام انه مرتبط باشتراطات بعينها؟
كررنا فيما سبق الاشارة الى كون المجتمعات لها نقطة انتهاء، تبدأ بالانتقال عندها ومنها الى طور اخر انقضائي، وان المؤشر على بلوغ هذه اللحظة، هو التحول، من الانتاجية اليدوية، الى الالية، فالظاهرة المجتمعية هي: (وحدة الكائن البشري، والبيئة، ووسيلة الانتاج التي من نوعها). عدا ذلك تدخل المجتمعات زمنا مختلفا كليا، ينتهي معه وعنده تاريخ الغلبة الجسدية الباقية عالقة بالعقل، وتصير عرضة لما يفقدها اسباب استمراريتها، وصولا لزوالها، حين يبدا عصر المجتمعية الثانيه، بمواصفاتها الخاصة بنوعها، بما هي "مجتمعية عقلية" منفصله عن الجسد ومستقلة عنه.
والحديث هنا لايستقيم بالطبع بحسب المقاييس والمنطلقات، ونوع المقاربة الارضوية الغالبة السائدة، تلك التي كتب لها ان ترتكب على هذا الصعيد افظع جريمه فصورية في التاريخ البشري، متعدية لكل مايمكن تخيله من تقصد خرابي تدميري استثنائي، وهو ماقد مثله الغرب الحديث، باجمالي منظوره ومفهومه الذي يتعدى النطاق التفكري العادي، الى الافنائي، فالغرب الحديث، وقد شكل منظوره الارضوي الدوني، ماقبل آلي، ليحوله الى رؤية للمستجد الذي يتعداه، ويعلن نهايته الوشيكة، ادخل البشرية عالما من التوهمية القاتله الافنائية، وبينما كان العالم ينتظر وقتها مع الاله، الانتقال، من غلبة المنظور الارضوي، الى اللاارضوي العقلي، بعدما صار هذا واقعا من حيث الوسائل والاليات، اصر الغرب على تكريس قمة وذروة ماهو ممكن له من امكانات النظر الارضوي، ليضع البشرية امام تناقض صارخ مدمر، بين واقع منتظرصار ماثلا وملحا، واعتقاد مادونه، مخالف له، معاكس، ياخذ بالحياة والوجود نحو مازق لا مخرج منه ضمن اشتراطات تفاعلية اختدامية قصوى.
لاوجود بعد الاله للظاهرة المجتمعية التي نعرفها، فالعنصر الجديد المنبثق، هو قوة من خارج عناصر التكوين المجتمعي ووحدتها، من غير نوعها، وغير مؤهل للتاقلم معها، يسير بها نحو مايتعدى طبيعتها ويخلخلها، وهذه ناحية اساس عالجها الغرب بحداثته القاصرة، وكانها حالة تعاقب وانتقال للمجتمعات، من حالة "اليدوية " الموافقة للطبيعة وبنية الكيانيه البشرية، الى اخرى لاحقه على الاولى، هي لحظة، او حالة "تطور" عادي، وقفزه موضوعية في الوسائل، وبينما كانت الظاهرة المجتمعية قد دخلت مع الالة تاريخا من التصارعية الافنائية للنوع، مع حضور عنصر تدخلي تدميري قابل للاستعمال، خارج، وبالضد من المحركات الطبيعية البيئية، والتكوينه البشرية كما كان عليه الحال، تغيرت بموجب السياقات الالية ونوع وعناصر التفاعل ومنتهياته المتوقعه، فلقد راح الغرب يفبرك تخيلات من جنس تفكيره الادنى، غير القادر، ولا القابل كينونة وحدود احاطة، لادراك الحاصل المستجد، مؤسسة عموما على فرض الاستمرارية، والاحالة البداهية الى ماسبق من نموذجية وتاريخ.
مالذي حصل من وقته بالفعل، ومالذي ساد العالم والحياة؟، اذا شبهنا الحال الذي ننوه به اليوم باية لحظة من التاريخ السالف، ابتداء من اولى تبلورات المجتمعية، فسنجد انفسنا نقترب احتمال من الاعقالية البشرية للوجود كابتداء متكرر مجهول، الامر الذي انتهى وتم تخطيه بما متاح من وسائل ابتدائية، برغم مالايمكن انكاره من تاسيسية غير مكتملة، لكنها ضامنه للاسنمرارية، بينما تبدلت تماما اشتراطات البدئية الثانيه الراهنه، بالاخص من ناحية امكانات الاستمرار، وهنا يجدر الانتباه الى الفارق بين قصورية قابله لضمان الاستمرار، وبين تحول هذه، بما هي عليه، الى استحالة وجودية، وبعدما كانت القصورية البدئية الاولى، من جنس التوافق الطبيعي البيئي البشري، ووحدتهما، صارت اليوم خارج الحقيقة الناشئة، بينما الحت باقصى موجبات الضرورة، لزومية انقلاب الوعي بمفعول رجعي، يحتم بما لايقبل التاجيل، العودة الى الابتداء الاول، لحل معضلة قصوريتة الباقية محمولة الى اليوم.
فماالذي يصبح وقتها، والحالة هذه واجب الحضور، وهل ثمة من مدخر من شانه ان يحضر اليوم حيا، قابلا لان يماط اللثام عنه، وعن حقيقته البنيوية ومنطوياتها، هنا ايضا وكما هو متوقع، يحضر جانب وتاريخ الاغفال الطويل، والطمس الممارس بداهة ضد الظاهرة المجتمعية الازدواجية التاسيسية البدئية، وبالاحرى وبالاساس، بعدها الاخر المعاكس المضاد للاحادية الارضوية، حيث بالامكان التوفر على احتمالية مؤجله واضحه، منطوية على مسوغات اعادة قراءة العملية التفاعلية التاريخيه، ففي الارض البدئية الاولى عند مابين النهرين، طويت كما نعرف صفحة اللاارضوية باعتبارها حقيقة المجتمعية الاصل والتبلور الاول، لصالح قصورية الاحادية الارضوية، وهو ما يجب اعتباره من باب الضرورة اللازمة لاجل اكتساب ماهو غير قابل للحضورآنيا، فضلا عنى التحقق اليوم في غمرة التفاعلية، اسباب التحقق، بعد سد النقص، وتوفر الوسائل اللازمة. هذا علما بان مانحن بصدده راهنا من انقلابيه "آلية"، يومي بقوة لمثل هذا المنتهى والمآل.
وكما مع السردية الارضوية، واجمالي منظورها وماهي قادرة على الاحاطة به، من المحتمل ان يكون الموضع اللااارضوي الازدواجي، لابل من المنطقي ان يكون متوافقا مع مايقارب طبيعته، بحيث يرى هو بما حاصل اليوم من انقلابية الية، غير ماقد يراه النظر الاحادي الارضوي، ومن غير جنسه، فاذا بالالة الحالية عنصر انهاء للمجتمعية الارضوية، واذا بها قوة اصطراع بين قوتين وطرفين، الاول منهما المجتمعية البيئية الطبيعية من ناحية، والعامل المنبثق من خارج الطبيعة ووحدة عناصرها، وهو نوع اصطراع غير مالوف، وفريد، لاسابق يدل عليه، او ينوه الى مايقاربه او يشبهه، بحاجة حكما الى التلبث الاستثنائي والفحص والمراقبة، بحثا عن دينامياته، وعن الاحتمالات المترتبه عليه، وماينتج عنه.
ويظل الاهم ممايجب التحري عنه هنا، هو فعل الديناميات الاصطراعية الجديدة، واثرها على كل من عنصريها، المجتمعية الارضوية البيئية من ناحية، والاله نفسها على المنقلب الاخر، وهل هي باقية على ماهي عليه، تفعل فعلها الصلد من دون تاثر بردود الفعل المضادة المتولدة عن طبيعتها المغايرة، والاهم الحسم فيما اذا كانت الالة متحولة "متغيرة"، ام هي شكل ونمط واحد، ثابت لايتغير لجماديته المفترضة، وان وجوده واصطراعيته لها اثر وفعالية من طرف واحد، الامر الذي لايمكن للاحادية ادراكه حتى بعد ان تكون الاله انتقلت من المصنعية الى التكنولوجية الراهنه، ما من شانه فتح افاق تحولية اخرى على هذا الصعيد. نعتقد انها على الاغلب، وكما صارت تشير الدلائل، الانقال الى "التكنولوجيا العليا"، او وسيلة الانتاج العقلية اللااارضوية المنتظرة منذ عشرات القرون.
فرق هائل بين تصورية وزاوية نظر قائمه في اعلى وذروة ممكناتها، على احالة المجتمعية البشرية الى الثورة البرجوازية، وديمقراطيتها، ودولتها المدنيه، او وفي اقصى الاحوال " اشتراكيتها" التي تنهي الطبقات وتبقي المجتمعات، وهي بالاجمال والعموم مبنيه على فرضية العلم والتقدم غير المحدد الافاق والنهيايات او المبتغى، واخرى ترى المجتمعية مجتمعيات لكل منهما منتهى ومآل، اللاارضوي منهما محجور عند ماقد سلف ذكره، والاخر لم تتسن له بعد النطقية الواجية، الموكولة الى اللحظة الانقلابيه الاصطراعية الكبرى، حين تتجاوز المجريات والتفاعلات طاقة وحدود وقدرة الارضوية على الاحاطة، او المقاربة، وينفتح الباب امام الانبعاثية الدوراتية الازدواجية الثالثة، لتبدأ من القرن السادس عشر في ارض سومر الاولى ذاتها، مواكبة المتغير الفاصل الكبير، المنتهي بضرورة ولزوم النطق اللاارضوي المؤجل.
لنعيد قراءة المشهد ابتداء من القرن العاشر حين انتهت التعبيرية الحدسية النبوية اللاارضوية، واعلن في ارضها عن انقضاء دورها، باعلان "الانتظارية المهمدوية" في المشهدية السامرائية، والغيبه الكبرى بعد الصغرى، مايعيد التذكير باعلى الذرى الاسطورية الرافدينه التاسيسية، مع الاحالة الى العصر النطقي غير المحدد نوعا في حينه، بينما تكون الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية على وشك الانقضاء، لصالح دور" انقطاع" من تلك الملازمه لتاريخ الكيانيه المتعدية للكيانيه، كفاصل بين الدورات مع القرن الثالث عشر، حين تنتقل الاليات على المنقلب المتوسطي الاخر الاوربي، ويصير الانقلاب الانتهائي على الابواب، وبينما تعود ارض الازدواجية للانبعاث من جديد، تصير ارض الانشطارية الارضوية الطبقية جاهزة للانتقال الى الالة، لتباشر من يومها اسباغ رؤيتها التي تناسب نوعها وصنفها المجتمعي على مايتعداها ويتجاوز كينونتها، بينما ينفتح وقتها نوع تفاعلية كونية، شاملة لارض الازدواج التاريخي، بما يضعها اليوم على مشارف النطقية المؤجله، حين يصير واضحا، بان الحاصل راهنا واليوم، هو انتقال الى اللاارضوية، بعد مغادرة الارضوية باعلى ذراها الانشطارية الطبقية الاوربية موقعها الذي ظلت تحتله طويلا كطرف متغلب.
ـ يتبع ـ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران: ما الترتيبات المقررة في حال شغور منصب الرئيس؟


.. نبض فرنسا: كاليدونيا الجديدة، موقع استراتيجي يثير اهتمام الق




.. إيران: كيف تجري عمليات البحث عن مروحية الرئيس وكم يصمد الإنس


.. نبض أوروبا: كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا وغزة على حملة الانتخا




.. WSJ: عدد قتلى الرهائن الإسرائيليين لدى حماس أعلى بكثير مما ه