الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
نحن والتكنولوجيا
فارس التميمي
كاتب
(Faris Al-timimi)
2022 / 11 / 17
الادب والفن
في مكالمة هاتفية بيني وبين رفيق الدرب ضياء، رغم أننا على تباعد يقرب من سبعة آلاف كيلومتر، والمكالمة هذه بالطبع واحدة من الملايين من المكالمات الهاتفية المجانية التي يجريها معظم الناس ربما يوميا،، والتي تدفع كلفتها "واتس أب" أو "ميسنجر"! وأنا شخصيا لحد الآن ربما لقصور في فهمي وإدراكي لأسرار عالمنا الغريب، لم أستطع الوصول لفهم هذا التحول في تعامل الشركات الغنية العملاقة، مع البشر من ذوي القدرة المالية المحدودة والضعيفة، وكيف وصل الحال لتوفير هذه الخدمة المجانية لهم من قبل شركات كبيرة تسعى للربح المادي قبل كل شيء، شركات أصبحت خلال سنوات قليلة تتزعم الرأسمالية العالمية، التي كنا ومالنا نعتبرها تمتص دماء الشعوب الفقيرة، وتستعبد الغالبية من أبناء دول العالم الأول نفسه لخدمة الصفوة في هذا العالم! رغم أن هذه الشركات لا تقدم منتوجا صناعيا ولا زراعيا ينتفع منه الناس في سد حاجاتهم المادية، لكنها دخلت لبيوت أفقر الناس وأكثرهم تشتّتا في أرجاء الأرض، للحصول على عمل يعينهم ويعين عوائلهم للعيش!
ربما أنا لست على مستوى من النباهة والحكمة وبُعد النظر، لكي أعرف السبب وراء هذا التحول الهائل في حجمه، وخلال فترة لا تعني شيئا من عمر ومعاناة الشعوب.
عندما بدأت عملي في قطر عام ١٩٨١، كنت أرى العمال الذين يُستخدَمون لمختلف الأعمال في البيوت والمكاتب والشركات والأسواق، وكنت أعرف عن كثب أنهم لا سبيل لهم لتحقيق اتصال بأهلهم غير كتابة الرسائل، وكانت الرسالة في ذلك الوقت تستغرق ما يقرب من شهرين، لكي تصل إلى العنوان في مناطق ريفية نائية لا تربطها بالعالم طرق سهلة سالكة. ومنذ أن دخلت هذه الشركات الساحة الدولية "لاستغلال" الفقراء والمُعدَمين، أصبح كل عامل من هؤلاء العمال يحمل تلفونه الجوال، ويلجأ لموقع قرب إشارة "واي فاي" في مبنى من المباني ليتكلم مع أهله مجانا، ربما كلاما لا ضرورة له ولا يغير من حاله الكثير، لكنه بالتأكيد سيشعر بأن هذا الأمر يوفر له خدمة وراحة نفسية مهمة ومجانية في الوقت نفسه!
ومازلت أتذكر عندما هاجرت مع عائلتي لكندا عام ١٩٩٤، ولأنني استمريت بعملي في العيادة، وكنت بحاجة لمتابعة الكثير من الأمور مع العيادة، ولم تكن وسيلة لذلك غير التلفون أو الفاكس،، جاءتني أول فاتورة تلفون بقيمة (١٣٤٠ دولار كندي)،، وكان رقما هائلا طبعا لكنه في الوقت نفسه كان تحذيرا لي، لكي اختصر مكالماتي للضرورة فقط.
عندما أصل لهذه المقارنة بين ثمانينات القرن الماضي وبدايات الألفية الثالثة، أتوقف مرة أخرى وأشعر بالعجز عن تفسير ما حدث! هل هو أمر مخطط له أم أنه مجرد متواليات حدثت بدون قصد، أو أن هناك شيء لا نعرفه، ربما "تآمري يُبَيّت بليل" وهذا ما يعجب وينزع له الكثير من المتطوعين لتفسير التاريخ والحاضر والمستقبل بالصورة التي يحبون،،،
أعود لرفيقي ضياء الذي أعتذر منه لأنني ذهبت بعيدا عنه كعادتي في الاسترسال، فأنا أعرفه غير صبور وكثير الجزع!
تحدثنا بداية كما هو معتاد، شلونك وشلون أخبارك،، وماهي أخبار الحرب الروسية الأوكرانية، التي يروج لها بعض العرب من الدخلاء على التحليل السياسي لمجريات الأحداث،، على أنها الحرب العالمية الثالثة! والحرب في حقيقتها توشك على نهايتها لصالح روسيا،، خصوصا وأن هنالك بوادر رفض من هولندا للتبعية في مسيرة مقاطعة روسيا،، وضياء طبعا هو مصدري الأكيد والموثوق عن أخبار هولندا، ومعها حالة من التململ من قبل ألمانيا وفرنسا،، هناك أيضا بعض الأمور الجانبية عن وضع أوربا عموما ومواقفها الصعبة في السنوات الأخيرة،، تحدثنا عن الكثير من ذلك،، والبعض منه أفضل عدم الخوض به هنا،، لأن للبيوت أسرار،، رغم أننا كلانا لا نؤمن بالأسرار لأنها من ابتكار الوجه التآمري القبيح للإنسان....!
وبعد الحديث عن وضعنا الصحي البائس، كان أول شيء بادرته به بقولي:
ضياء... أنا كل يوم أنام متأخر، وكل ليلة أتوقع أنها ستكون ليلتي الأخيرة!!! وأنه في الغد بعد أن تهدأ الأمور ويصبح أمر رحيلي واقعا، ستكتب بثينة النعي ليعرف الأقارب والأصدقاء والمعارف نبأ مغادرتي النهائية!
أو أن هذا لن يكون، بل أن ما يحدث هو أن أتلقى أنا عن طريق الواتس أب أو الفيس بوك خبر مغادرتك أنت،، وفي الغالب سيكون العزيز "علاء" أبو أحمد المتابع لأخبارنا الصحية من السويد، هو من يوصل الخبر لي،، فهو دائما كعادته يؤكد أننا كلنا (لازمين سرة للوصول لخط النهاية)،، ولذلك هو يتابع عن كثب أخبار أحوالنا الصحية المتدهورة،، وهذا بالتأكيد لن يكون نهاية العالم ولا نهاية الحياة،، فمثلما جئناها مرغمين، سوف نغادرها مرغمين!!
وبالتأكيد أن كلينا لا يعنيه كثيرا الرحيل مبكرا أو بعد حين!!!
كيف يمكن للإنسان أن يستمتع بسنوات عمره الأخيرة؟ هل ذلك ممكن؟
هل يحق له ذلك، أم لا؟ ومن يقرر ذلك الحق من عدمه؟
هل هناك وسيلة لتحقيق ذلك، أم أن هاجس المغادرة النهائية بحد ذاته، هو إجهاض لكل محاولة لتحقيق المتعة؟
ونحن نقترب من خط النهاية،، مما لا شك فيه أننا لم نعد قادرين على الاستمتاع بالكثير مما حولنا،، ربما العوارض الصحية وضعف القدرة الجسمانية، كلها عوائق تقف في طريق تحقيق ذلك،،
قد يعتبر البعض أن هذه نبرة حزن ويأس،، ولكننا كنا متفقين عليها ضياء وأنا، وأعتقد أن كثيرين يتفقون معنا في ذلك، أنها هي الواقعية التي يجب مواجهتها،، وأعتقد أن مواجهتها تعني الكثير من الدفع المعنوي لنا، ونحن بحاجة كبيرة لهذا الدفع بشكل خاص...
لقد سمعت من الكثيرين من بدو الجزيرة مثلا حكيما يقول:
"اليد اللي ما تقدر تلويها صافحها"
وهكذا نحن ما بين محاولة ليّ هذه اليد على استحياء،،، وبين مصافحتها متخاذلين كما لو أنه لم يرنا أحد!!
وهكذا أخذتني التصورات بعيدا،، كيف يمكن أن نتلقى خبر مغادرة عزيز علينا؟ رغم أن أمر المغادرة محسوم وكلنا نترقبه،، ولكن الوقت هو الذي يفعل فعله فينا....
كنت قد شعرت ببوادر زكام منذ يومين، مع بدايات هبوط درجة الحرارة في موقعنا المتطرف من الكرة الأرضية، وكنت أتابع ما ينشره أخوة من العراق، من أغنيات قديمة شبه منسية عراقية وعربية ظمن مجموعة من مجاميع الفيس بوك أسمها "مجموعة الأغاني النادرة والمنسية"، وأشارك في التعليقات على بعضها، ومع مشاركتي تأتي مشاركات زميلنا العزيز صلاح الحيّاوي الذي يشاركني في هذه المجموعة، وهو محب للفن والموسيقى والغناء،، ومن خلال التعليقات عرض علي الأخ الكريم سعد كريم، وهو من القائمين على هذه المجموعة، رابط قناة شخصية له على اليوتيوب، تحوي عددا هائلا من الأغاني العراقية القديمة والتراثية، والتي لم تُتَح لها الفرصة لكي تُعاد وتتكرر إذاعتها حتى يعرفها الجمهور،،، والأخ سعد ذوّاق متميز وجامع لعدد هائل من التسجيلات العراقية والعربية، والظاهر أن الكثير من شباب الأجيال الجديدة التي دخلت خضم معاناة العراق الشديدة لثلاثة عقود أو أكثر،، لم تسمع الكثير من هذه الأغاني،، ولم تعرف من هم مبدعوها،،!! والمهم في الأمر أنني وأنا أعاني من الزكام،، احتجت فعلا لساعات من الراحة مع الاستماع للكثير من هذه الأغاني التي كان لها سحر واضح الأثر،،،
هنا لا تستطيع أن تتجنب الشعور بالأسف والأسى على جيل أو أجيال وصلت لمرحلة الأهلية في المجتمع من دون أن تكون لهم ذكريات ومشاعر يعجبهم المرور بها في أذهانهم، ولها ارتباط بالوجدان والشعور بالأمن في الوطن،،
في الآونة الأخيرة كان من الملاحظ كثرة استخدام عبارة "الزمن الجميل"!! وهي عبارة ربما تطلق بصورة عائمة وغير واضحة المعالم،، أي زمن هو هذا الزمن الجميل...؟ وأعتقد أنها ليست مقتصرة على العراقيين الذين يشعرون بالحنين لسنوات مرت عليهم،، كل حسب ظروفه ووضعه في الزمن المقصود،، فالزمن الجميل عند أحدهم لا يعني بالضرورة أنه جميل عند الآخر،، فالسبعينات والثمانينات وحتى التسعينات لم تكن زمنا جميلا مثلا عند من يحكمون العراق اليوم،، بالمقابل فأن الزمن الحالي هو جنات عدن لهم،، ففيه لكل منهم جنته ومُتَعه المتعددة،، وحتى الكثيرين أصبحوا من بعد فقر وفاقة يدفعون مهورا لفتيات بملايين الدولارات، ولم يعودوا يتذكرون قول أعرابي عندما قدم على "معن بن زائدة" بعد توليه إمارة العراق، ليذكره بحال الفقر الذي كان عليه:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة
وإذ نعلاك من جلد البعير
فسبحان الذي أعطاك ملكا
وعلمك الجلوس على السرير
وها هي اليوم جنة الأرض التي ضمنوها،، وهم العارفين من أين تؤكل الكتف!! ومن يدري إن كان لغيرهم نصيب في غيرها!! والأمر نفسه على ما يبدو مع الكثير من الشعوب العربية،، وأكثر من ذلك فقد لاح لي أن الأمر نفسه موجود لدى شعوب أرقى بلدان العالم وأكثرها استقرارا.. فما هو السر يا ترى؟ ما هو السر في اشتياق كل من هؤلاء الناس لزمن جميل ليس هو نفسه الذي يرغب به الآخرون!؟
هل يمكن تحقيق زمن جميل واحد يعم الحياة، وتشعر بجماله البشرية كلها؟
قد يكون ذلك ممكنا وبسهولة حسب وصف "جون لينون" لتصوره المبالغ في الرومانسية، الرائع الصياغة،، لكنه لم يعش ليرى ذلك طبعا،، ولم يكن ليراه في كل الأحوال، بعد أن قتله معجب مجنون من المعجبين به:
Imagine there s no heaven
It s easy if you try
No hell below us
Above us only sky
Imagine all the people
Living for today,
Imagine there s no countries
It isn t hard to do
Nothing to kill´-or-die for
And no religion too
Imagine all the people
Living life in peace
You may say I m a dreamer
But I m not the only one
I hope someday you ll join us
And the world will be as one
Imagine no possessions
I wonder if you can
No need for greed´-or-hunger
A brotherhood of man
Imagine all the people
Sharing all the world,
You may say I m a dreamer
But I m not the only one
I hope someday you ll join us
And the world will live as one.....
مرة أخرى أعود واتساءل:
هل من المعقول أننا بعد سنوات من استخدامنا تكنولوجيا عصرية متاحة للجميع، إلاّ لمن تعمد أن يحرم نفسه منها! مثلما حرّم يعقوب (إسرائيل) على نفسه متعة أكل لحم الخنزير عقوبة لذاته....!
وهل يعقل أننا اليوم نستعين في كل لحظة بهذه التكنولوجيا التي توفر لنا هذا التقارب، ونحن على هذا التباعد الجغرافي الشاسع، الذي فرضه علينا طغاة وحكام متجبرين حكمونا لخلل في مفاهيمنا وقدراتنا،، فلو لم تكن هذه التكنولوجيا متوفرة لم أكن أستطيع التواصل مع أقرب الأصدقاء وحتى أبعدهم والأهل والاقارب،، ولم يكن بمقدوري مراجعة ذكريات سواء كانت حلوة أم لم تكن، من خلال موسيقى أو أغنية أسمعها وقد نشرها أخ أو صديق لي احتفظ بها ربما لنصف قرن كجزء من ذكريات عمر يتهاوى،،،،
*** هذا رابط القناة الخاصة بالأستاذ سعد كريم والتي تحوي الأغاني العراقية القديمة والكثير من الأغاني العربية المنسية أيضا. https://www.youtube.com/@saadkareem56
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. -عقبال الكل يارب-.. الفنانة إليسا تكشف عن قريبها المعتقل الم
.. فنانون سوريون يحتفلون بسقوط نظام الأسد
.. وزير الثقافة السوري الأسبق: الإطار العام في سوريا بعد الإطاح
.. كرم مطاوع.. 28 عاما على رحيل عملاق المسرح المصري
.. ممثلة إسرائيلية ومعلومات مغلوطة عن السيدة العذراء! .. فيلم M