الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفد وعين اذار

محمود نزال

2006 / 10 / 7
الادب والفن


على غير عادة العادة، ازهر الربيع مبكرا جدا ذلك العام، وانتشرت ازهار الاقحوان ومزارع الحنون الاحمر العشوائية التي تميز سفوح الجليل، ومن البعيد لاحت السفوح المزركشة وكأنها تتزين للعرس الذي طال انتظاره.
هل سقطت في حبه؟ هي لا تعرف ولا تجرؤعلى التفكير بذلك، فمنذ اجتمعت الآلهة وقررت قطع العلاقة مع البشر قبل سنين، لم يحدث ان تجرأ احد على الحديث عن هذا الموضوع ابدا. لكن صفد لا تستطيع انكار حبها اطلاقا... للحظة حلمت لو كان بامكانها ان تتقدم منه لتقدم له باقة الحنون التي جمعتها، لكنها تراجعت، وسارت خلفه وهو يتمايل بين الازهار حاملا فأسه في طريقه الى حقله الصغير. كان آذار في اوج قوته وكانت الارض تتراقص تحت قدميه وهو يداعب التراب بفأسه الطرية وكأنه يفتح الطريق امام الازهار لتشمخ اكثر واكثر. وهناك، في ظل زيتونة قديمة قدم الزمن، جلست بشغف ترقبه و... وتحلم.
شيء ما كان يدور في خلدها وهي تحدق فيه، وللمرة الاولى تجرأت ان تتمنى بهمس لو انها لم تكن ابنة ايل، ام الآلهة المتجبرة، فربما كان تمردها سيغدو عاديا، لكنها الوريثة الوحيدة لعرش امها ومحط انظار الجميع، فمنهم من يريدها لجمالها، ومنهم من يريدها للتركة التي تنتظرها، واي تركة اعظم من الوهية الارض؟؟
كانت محور حديث الجميع ولكنها لم تكن يوما جزء منه، فمنذ سنين، ها هي كل يوم تتسلل الى الارض، لتراقب حبيبها المنشود، تشعر بالنشوة وهي تراقبه من البعيد والحلم الجميل يدغدغ جسدها الطري بنشوة لا تنتهي.
وفي لحظة لا يمكن ادراكها، وجدت نفسها تلقي بجسدها بين ذراعيه، وتهمس في اذنه وصدره بتلك الكلمة التي حبستها لسنين طويلة...
اما آذار فتراجع مندهشا وخائفا قبل ان القت عليه صفد سكينة غريبة اعادت له توازنه، واشعرته بنشوة دافئة طردت برد الصباح الربيعي من عظامه. فجلسا بين الاشجار وقررا، قررا الحياة معا على الارض هنا، تعاهدا ان يعيشا معا، وتنازلت صفد عن عرش الارض الذي ينتظرها مقابل حب حقيقي ملأ قلبها الناعم ومقابل كوخ صغير يجمعها بمن اختارت.
واشتعلت السماء، كان الجميع في صمت مطبق في مجلس الآلهة، ينتظر ان تهدأ ايل لتصرح بقرارها، وتصدر حكمها، واي حكم ينتظر صفد المتمردة غير الموت، واي موت اعظم من موت الآلهة؟؟؟
ولكنها لا زالت هادئة، تحدق حولها بهدوء غريب، وربما كانت تتهرب من التصريح بما يدور في داخلها، وارتجت الجدران حين نادت الحراس بصوتها الدي لا نهاية له فارعدت السماء وقطب حاجبيها لتجتاح المكان غمامة سوداء تغطي المدى من البعيد الى البعيد، واشعت عيناها ببريق يضيء الفراغ ويصل الارض بالسماء في شعاع مخيف...
وآذار هناك، يركض ويده بيد صفد تحت زخات المطر، ويلهوان بفرح جنوني كأن ليس هناك من شيء غير حبهما...
وفجأة ظهرت ايل محاطة بحراسها، فاهتزت الارض ودمعت عينا صفد وهي تحدق في وجه امها الذي تفتقده منذ امد، واجتاحها حنين غريب لتلك الايام حين كانت تلقي رأسها في حضن والدتها لتهرب من كل شيء واي شيء، لكن صنمية نظرات ايل منعتها، فتراجعت لتتكئ على كتف آذار الذي لا زال جامدا في مكانه لا يقوى على الحركة، وحين رفع الحراس سيوفهم، فر آذار من المكان هاربا، فاشارت ايل الى حراسها ان يتراجعوا، واحتضنت ابنتها وطارت بها الى السماء وآذار لا زال يركض محاولا الابتعاد... وعادت ايل حين ارتفع عويله ووصل الى السماء لتجده جالسا يبكي، فانفجر غضبها واقسمت ان تنتقم منه وان تجعله يبكي طوال الزمن، ولا زال...
فمنذ زمن يجهله الجميع، لا زالت عين الماء التي يطلق عليها عين الولهان، تتدفق وكأن ليس لها نهاية وماؤها يروي كافة قرى منطقة الجليل ومزارعه الخضراء. ويعتبر السكان في المنطقة تدفق هذا النبع من الفتحتين المحفورتين في الصخور، هو لحظة اكتمال موسم المطر ولا تصل النبعة الى هذا المستوى الا مع بداية آذار... ولهذا يطلق الكثيرون على هذه النبعة اسم عين آذار....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو