الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم القوة : روسيا والعالم من نهاية الاتحاد السوفياتي إلى غزو أوكرانيا – 1/2

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2022 / 11 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


ما العمق و ما هي المفاتيح لفهم أسباب المأزق الذي وجدت روسيا بوتين نفسها فيه اليوم؟

منذ سبعينيات القرن الماضي تلاشت تدريجيا ما كانت تسمى بالأمس "القوة السوفيتية العظمى" ، والتي كان ينظر إليها الكثيرون كنظام لا ينفك ، إلى أن وصل إلى طريق مسدود ، ليبدو كشكل من وهم القوة. فهل هي قضية علاقة الاتحاد السوفييتي بالسلطة ؟

لعقود من الزمان، في عالم كان ثنائي القطب ، كان يشار إلى الاتحاد السوفيتي عمومًا على أنه أحد من القطبين في العالم. لقد كانت قدرته على الارتقاء إلى مرتبة القوة العظمى وأن يتم اعتباره على هذا النحو ، مع ممارسة الانجذاب في الخارج والتأثير على الأحداث في كل مكان تقريبًا في العالم . كانت هذه حقيقة لاشك فيها.

وقد نشأ هذا الوضع من الأيديولوجية المعتمدة والعديد من الشبكات التي أنشأها حول العالم ، وأرض شاسعة ، وثروة هائلة من المواد الخام ، وعدد كبير من السكان على مستوى جيد من التكوين والتعليم. وتقوى وتعضض بفضل الاستراتيجية التي حددها الكرملين، والرامية إلى بناء مكانة الدولة الثانية الكبرى في العالم - إذ ظهر الاتحاد السوفيتي كزعيم لأحد أكبر نظامين اجتماعيين وسياسيين في الكوكب- والأداة العسكرية كانت الوسيلة لإبراز القوة للخارج ولاستخدامها للتوسع.

لكن سياسة القوة التي انتهجها الاتحاد السوفيتي انتهت، في نهاية المطاف، بإعطاء النتيجة المعاكسة لتلك التي كان يسعى إليها: بمرور الوقت ، تلاشى وضعه وتراكمت الصعوبات في العديد من المجالات. لقد دمر اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية نفسه. انهار لأن المشروع التأسيسي الذي قام عليه النظام الاجتماعي والسياسي الذي بناه تبين كأنه وهم قوة. وتأكد هذا بمجرد إجراء إصلاحات أثرت على أسس النظام القائم، فتنكر له المجتمع ابتعد عنه.

ادعى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أنه يسير في اتجاه التاريخ وأعلن عن عالم أفضل. أما الواقع فكان مختلفا تماما. إذ تدريجيًا ، ضعف الزخم الأيديولوجي واتسعت الفجوة بين الوعود الرنانة والواقع ، وكانت الأولى تتناقض باستمرار مع الثاني. وعلى الصعيد الخارجي، كانت النتائج بالكاد أكثر إقناعًا. كان الاتحاد السوفياتي قوة عسكرية ، وبالتالي فرض نفسه على الساحة الدولية. وبفضل تقدمه في المجال الاستراتيجي ، نجح الاتحاد السوفيتي في انتزاع الاعتراف به على أنه مساو للولايات المتحدة. ومعظم الصداقات التي أقامها في العالم الثالث ، والتي عززتها "معاداة الإمبريالية" ، كانت من خلال الصراعات المحلية.

بعد ثلاثين سنة من انهيار الاتحاد السوفيتي ، وبسبب الخيارات التي اتخذتها ، تواجه روسيا بوتين أيضًا تداعيات الهوس بالسلطة أو الوهم بالقوة ، والأولوية تعطى مرة أخرى للعامل العسكري والقوة الصلبة ، وإهمال التطور الداخلي للبلاد. ففي الوقت الذي اتخذت فيه موسكو قرارها بغزو أوكرانيا ، وهي دولة ذات سيادة ، تثار مرة أخرى – وبوضوح - مسألة وهم القوة.

فعلا، فمنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، ظهر بوتين مهووسًا بالقوة والعظمة. فكيف يطبق فلاديمير بوتين سياسة القوة تدريجياً؟

لقرون خلت ، ظلت روسيا تعتبر نفسها قوة عظمى. إن الاقتناع بأن روسيا ، بسبب تاريخها ، وثقافتها ، وثروتها في الأرض والمواد الخام ، ومواردها البشرية ، مقدر لها أن تكون دولة عظيمة ، هي قناعة راسخة في روسيا. إن النخب الحاكمة مسكونة بهذه الذهنية، والتي تغلغلت في رؤيتهم للعالم ومكانة بلادهم على الساحة الدولية.

يرى فلاديمير بوتين - كما يرى أغلب المحللين - أن العالم في حالة تحول كامل نحول تراجع الهيمنة الغربية لصالح البلدان الناشئة ، وكذلك بسبب العداء الدائم مع الغرب. وطبعا، روسيا ليست دولة مثل الدول الأخرى ، لها مكانة محددة في الحياة الدولية مرتبطة بالدور الأساسي الذي تلعبه هنا ، فهي مركز "العالم الروسي" لا حدود له، وأن لها مكانة في "إمبراطوريتها" السابقة. لذلك يجب أن تحصل على اعتراف دولي بالوضع الذي تعتقد أنه خاص بها ، وأن تحترمها وتعامل "على قدم المساواة" من قبل معظم البلدان الصناعية ، والاحترام والمساواة لا يعني فقط أن يتم الاستماع إليها ، وأن يتم أخذ مصالحها بعين الاعتبار بشكل كامل، لا سيما في "إمبراطوريتها السابقة" ، وأيضا - وهذا هو المهم حاليا - على عظماء الكوكب أن يوافقوا على تقاسم السلطة معها. في نظام دولي تكون فيه الجهات الفاعلة الرئيسية ، وفقًا لموسكو ، هي أقوى الدول ، فإن المكان الذي يجب أن تحتله روسيا هو مكان صانع القرار المشترك ، وهو مكان يتماشى لذلك الذي تحتله في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ( إنها عضو دائم فيه ولها حق النقض). لتحقيق هذا الهدف ، يعمل الرئيس بوتين منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على ترسيخ مكانته الدولية ، بما في ذلك في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي - الأمر الذي دفعه إلى السير بعيدا - لتأكيد نفسه في مواجهة العالم الغربي، ولإعادة وضع روسيا على الساحة الدولية التي يتصورها على أنها متعددة الأقطاب ، وإعادة توجيهها نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ وإعادة نشر وجودها في المناطق المهملة منذ نهاية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.

يرى جملة من المحللين ، أنه كان على بوتين أن يقوده طموحه أولا إلى إعطاء الأولوية للتنمية الداخلية وتحديث البلاد والسعي لبناء قوة عالمية متعددة الأبعاد (مثل قوة الولايات المتحدة)، لكنه لم يفعل هذا. بل أعطى الأولوية باستمرار للقوة الدولية من خلال الاعتماد مرة أخرى على المصدر الرئيسي لقوة "الاتحاد السوفيتي" سابقا: الأداة العسكرية والإكراه والصراع. يُظهر تحليل الأليات والأدوات المختلفة التي يضعها في خدمة عمله الخارجي، أنه لا يهتم كثيرًا بالتطور الداخلي لبلده والجاذبية التي يمكن أن تمارسها بهذه الطريقة، بطريقة شبيهة بمسار الصين. إن بوتين ينتهج سياسة العظمة التي تتمثل في إعطاء مكانة مركزية للظهور والعرض والموقف، لكي يتم الاعتراف به كلاعب رئيسي ، وهكذا تتصرف روسيا في جميع الظروف والأحوال كما لو كانت كذلك. إنها تولي أهمية كبيرة للمكاسب الرمزية ، فهي تفضل كل ما يمنحها مظهرًا عظيمًا ، كل ما "يجعلها تفوق وزنها" ، خاصة وزنها الاقتصادي ، بين العظماء. فهل الدافع وراء اختيار هذا الأسلوب بالنسبة لبوتين ، هو اعتماد العظمة وسيلة للتعويض عن نقاط الضعف وإخفاء "الدب الروسي" حاليا في الواقع "قوة ضعيفة"؟ هل ديمغرافيا واقتصاد ومؤسسات البلاد حاليا هي قواعد صلبة للقوة الروسية كما يريد أن تعرضها بوتين على العالم؟

تمتلك روسيا موارد ديموغرافية واقتصادية يمكن أن تسمح لها ببناء قدرة عالمية متعددة الأبعاد للعمل. وهي غنية بالموارد الطبيعية (فهي من بين أكبر ثلاثة منتجين للنفط والغاز الطبيعي والألمنيوم والبلاتين وغيرها) ولديها احتياطيات هائلة للعديد منها. ويبلغ عدد سكانها 145 مليون نسمة ممن يتمتعون بتعليم جيد بشكل عام (أداؤهم مشابه لأداء دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (1)) والذين ارتفع مستوى معيشتهم بشكل ملحوظ منذ 1991. كما أن الاقتصاد حاضر جدًا في سياستها الخارجية، الطاقة على وجه الخصوص هي الرافعة الرئيسية لعملها الخارجي.
________________
(1) - منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - Organisation for Economic Co-operation and Development- منظمة اقتصادية حكومية دولية تضم 38 دولة عضو، تأسست في 1961 لتحفيز التقدم الاقتصادي والتجارة العالمية. تُعد منتدىً للبلدان التي تصف نفسها بأنها ملتزمة بالديمقراطية واقتصاد السوق، وتوفر منصة لمقارنة تجارب السياسات، والبحث عن إجابات للمشاكل المشتركة، وتحديد الممارسات الجيدة وتنسيق السياسات المحلية والدولية لأعضائها. بشكل عام، أعضاء منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي هم من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع مع مؤشر التنمية البشرية المرتفع ويعتبرون من البلدان المتقدمة.
________________


لكن الاقتصاد كان أداة لإبراز نفوذ بوتين في الخارج ، وليس بسبب جاذبيته عالميا، وإنما بسبب ثروته من المواد الخام وقدرته على استغلالها. لقد لجأت روسيا مرارًا وتكرارًا ، لا سيما في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي ، إلى قوة الإزعاج الممنوحة لها بالوسائل المتاحة لها. لم تسع إلى أن تصبح قوة اقتصادية من شأنها أن تكون قوة جذب ويمكن أن تنافس تلك الموجودة في الدول الصناعية الكبرى. خلال فترة الاتحاد السوفياتي ، أدت الثروة الهائلة التي كان يمتلكها إلى إهدار هائل واختلالات في الاقتصاد الكلي. وبعد ثلاثين عامًا ، لا تزال المواد الخام هي العمود الفقري للبنية وهذه نقطة ضعف قاسية جدا. لا يزال اقتصاد روسيا ريعيًا وضعيفًا وغير منتج ولا يعزز التنافسية أو التصنيع. لم يهتم بوتين كثيرًا بتنويع الاقتصاد ، وتطوير البنية التحتية ، والاستثمار في الابتكار. إن نفقات البحث العلمي والتطوير في روسيا بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي هي أضعف بمرتين نفقات الولايات المتحدة أو الصين أو فرنسا. ويتكيف فلاديمير بوتين مع هذا الوضع لأسباب سياسية إلى حد كبير، فالنخب تستمد ثروتها وقوتها من هذا الاقتصاد. إنهم لا يريدون إجراء إصلاحات من شأنها أن تعرض امتيازاتهم للخطر.

أما بخصوص الديموغرافيا، فإن التوترات الديمغرافية هي نقطة ضعف روسية أخرى. فمنذ 1991 ، وعلى الرغم من توازن الهجرة الإيجابي المستمر حتى وقت قريب ، فإن عدد السكان الروس آخذ في الانخفاض. وإذا لم يتم وضع سياسة هجرة قوية لأسباب هيكلية ، فإن المزيد من التدهور يبدو أمرًا لا مفر منه. ولهذا - من بين أمور أخرى - تداعيات على سوق العمل وعلى تناسق سكان البلاد. إلى الشرق من جبال "الأورال" ، هناك مناطق شاسعة غير مأهولة بالسكان. ويبلغ عدد سكان موسكو ومنطقتها تقريبًا نفس عدد سكان سيبيريا. في هذا السياق، فإن الهجرة، التي تطورت بقوة منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، لها عواقب أكثر إثارة للقلق، لأن العديد من الذين يغادرون روسيا مؤهلين. وهي ظاهرة أعطت للحرب في أوكرانيا دفعة قوية جديدة لها: فقد هاجر ما يقرب من مليون شخص إلى الخارج منذ 24 فبراير 2022. بالإضافة إلى هذه التوترات ، هناك مشاكل بيئية خطيرة. تعد روسيا واحدة من أكثر الدول تضررًا من ظاهرة الاحتباس الحراري ، وتواجه بعض المناطق ، وخاصة القطب الشمالي ، أحداثًا مناخية قاسية (الحرائق والجفاف والفيضانات وذوبان التربة الصقيعية) والتي تتفاقم بسرعة.

تواجه روسيا ، تحديات هائلة لا يمكن إلا أن يؤدي غزو أوكرانيا إلى المزيد من تفاقمها وليس العكس. فبسبب الحرب والعقوبات ، ستستمر الفجوة التكنولوجية مع الغرب في الاتساع. وجملة من المؤشرات تفيد أن الكثير من العوامل اجتمعت ليصبح الاقتصاد الروسي في نطاق الحلقة الضعيفة للمواقف الروسية في العالم وليس العكس بالمرة.


لتكتمل الصورة، وبصرف النظر عن أوكرانيا ، كيف تنظم روسيا علاقاتها مع الجمهوريات السوفيتية السابقة الـ 13 الأخرى؟ وهل تمكنت روسيا فعلا من إعادة نفسها إلى مركز مؤسسات الفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي؟

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991 - ومع الأخذ في الاعتبار أن الفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي ظل يمثل المجال الطبيعي لنفوذ روسيا وأن "مصالحها الحيوية" تكمن في هذا المجال - اتخذ القادة الروس العديد من المبادرات المؤسسية للحد من تفكك هذا الفضاء ، بل ومنع تفككه ، بعد رحيل دول البلطيق الثلاثة نحو غرب أوروبا (2)، و جعل اثنتي عشرة دولة ، قطبًا جديدًا للقوة.
___________________________
(2) - "البلطيق" هو مصطلح جغرافي سياسي، يُستخدم عادةً لتجميع ثلاثة دول ذات سيادة في أوروبا الشمالية على الساحل الشرقي لبحر البلطيق: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا. أهم مجالات التعاون بين الدول الثلاث هي السياسة الخارجية والأمنية والدفاع والطاقة والنقل. جميع الدول الثلاثة أعضاء في حلف شمال الأطلسي، ومنطقة اليورو، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأعضاء في الاتحاد الأوروبي. صنف البنك الدولي الدول الثلاثة على أنها اقتصادات مرتفعة الدخل وتحافظ على مؤشر مرتفع جدًا من ناحية التنمية البشرية.
___________________________

تم إنشاء "كومنولث الدول المستقلة" (CIS) ، الذي كان يهدف في الأصل إلى أن يكون اتحادًا طوعيًا لدول ذات سيادة ومتساوية ، في ديسمبر 1991 كأداة لتكامل هذه المنطقة على أسس جديدة. في العقد الذي تلا ذلك ، كانت الإنجازات عديدة: كان هناك تكاثر للمجالس واللجان ، وإبرام ميثاق الأمن الجماعي في 1992 ، واتفاقية "بشأن تشكيل اتحاد اقتصادي" في 1993 ، وتأسيس اتحاد جمركي في 1994 بين روسيا و"بيلاروسيا" ، وإنشاء اتحاد روسي بيلاروسي في 1996-1997 ...

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، تم إعطاء دفعة جديدة لعملية التكامل هذه في المجالات الاقتصادية والأمنية. وتعد منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) ، التي حلت محل ميثاق الأمن الجماعي في 2002 ، والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (EAEU) ، الذي ظهر في يناير 2015 ، من أبرز المؤسسات. وتعتبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي، المنظمة الوحيدة في المنطقة ذات بعد عسكري حقيقي. أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي الآسيوي ، فقد كان طموح فلاديمير بوتين ، عندما أطلق الفكرة في 2011 ، هو إنشاء "رابطة قوية عابرة للحدود من المحتمل أن تصبح أحد أقطاب العالم المعاصر.

إلا أن النتائج لم ترق إلى مستوى آمال بوتين، إذ أن روسيا نجحت فقط في توحيد عدد محدود من الدول حولها. وقد أيدت كل من كازاخستان وأرمينيا وبيلاروسيا و"قيرغيزستان" وطاجيكستان هدف التكامل الذي سعت إليه روسيا صراحة دون الباقي.

ثم شكل غزو أوكرانيا "نقطة اللاعودة" منذ عام 2014 ، إذ مزق ضم شبه جزيرة القرم والتدخل الروسي في "دونباس" المنطقة. ومثلت حرب 2022 صدمة رهيبة للأوكرانيين ، ولكن أيضًا للدول الأخرى في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي. كما عززت هذه الأحداث جاذبية العديد من الجهات الفاعلة من خارج المنطقة (الاتحاد الأوروبي والصين وتركيا ...) ، خصوصا وأن الانقسام الروسي الأوكراني أضحى لا رجوع فيه.

لقد احتلت أوكرانيا مكانة حاسمة في علاقة روسيا بالعالم الخارجي. لم تكن أوكرانيا ذات أهمية في الإمبراطورية الروسية فقط ، حيث تم دمج جزء من أراضيها الحالية في 1667، بل إن التأريخ الروسي ، ظل يدعي لعدة قرون أن "كييف" هي مهد روسيا ، إنها " روسيا الصغيرة "(الاسم الرسمي في عهد القيصر). بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، ظل التقارب بين الشعبين قويًا في جميع المجالات (ثقافيًا ، إنسانيًا ، سياسيًا ، اقتصاديًا ...) وظلت روسيا تولي أهمية بالغة لهذا البلد الذي الغني فلاحيا، وتوفرها على المواد الخام ، و مركز صناعة الدفاع (التي كانت مهمة جدًا لروسيا قبل الحرب) ... فأوكرانيا بلد مهم جدا في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي لقيام فضاء بديل.

إن المسألة الأوكرانية ، في نظر الروس ، ظلت مسألة مركزية ، وقد ظلت كذلك لفترة طويلة. في 1991 ، اعتقد الكثيرون منهم أن "الدولة الأوكرانية الجديدة" كانت مجرد "إنشاء مصطنع ومؤقت" ، و"استقلالها هراء تاريخي"، وأنها ليست دولة أجنبية حقًا وستعود حتما إلى الحظيرة الروسية. في تسعينيات القرن الماضي ، كانت العلاقات بين الدولتين مضطربة ، لكن "بوريس يلتسين" ظل حذرًا.

ومن هنا، يظهر بجلاء أن الهدف الأصلي الأساسي للحرب ظل هو السماح لروسيا باستعادة السيطرة على هذا البلد ومنع اندماجها في المجتمع الأوروبي الأطلسي، وأيضا منع ظهور نموذج اجتماعي سياسي يختلف عن روسيا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي، لأن الأمر يتعلق بخلق قطب منافس.

_________________ يتبع 2/2 _____________________________________________
المرجع:
Anne de Tinguy, « Le géant empêtré. La Russie et le monde de la fin de l’URSS à l’invasion de l’Ukraine », éd. Perrin, 2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران